بوش.. أنت تنفخ في "رمادي"!!
5 رمضان 1428

[email protected] <BR>قدمت الكاميرات لالتقاط الصور باحتراف قبل أيام من استعراض تقرير باترايوس وكروكر، يقف الرئيس الأمريكي جورج بوش في صحراء الأنبار، يبالغ في إظهار الارتياح.. يمازح جنوده مبدياً أقصى درجات التفاؤل استعداداً لمواجهة مع الديمقراطيين في الكونجرس على إثر استعراض تقرير باترايوس وكروكر.. هاهي الأنبار وفي قلبها الرمادي بؤرة "التمرد" على الأمريكيين بدأت تخبو حدة "الاضطرابات" فيها، بفضل جهد الشيخ العشائري عبد الستار أبي ريشة.. يصدر التقرير، ويستعد رئيس الحروب للتعليق على التقرير، يتأهب الديمقراطيون من جانبهم للرد عليه.. في تلك اللحظات يأتي الرد مترعاً بالقسوة، إنها في الحقيقة "استراتيجية الصدمة والرعب"، الحليف العشائري الجديد الذي صافحه بوش وصافحه قبل 15 يوما يتم نسفه. <BR>هل دق الرئيس الأمريكي عطر منشم على "مجلس صحوة الأنبار" قبل أن يغادر تحت جنح الظلام مثلما دخل إلى المنطقة الخضراء في زيارته الاستعراضية الخاطفة؟! وهل كان ضرورياً أن يبدي الرئيس الأمريكي هذه الحفاوة بحليفه الجديد ليكون أكبر مبرر لقتله لدى قاتليه؟! ربما أراد الرئيس حرقه فانحرقت يداه هو، وبدا آسفاً لغياب حليف من السنة على قلتهم.. <BR>الحاصل أن الرجل قد قتل، سواء أكان قتلته هم تنظيم القاعدة أم دولة مجاورة أم كان ذلك جهداً مشتركاً بين فرقاء التأمت مصالحهم في عملية قتله، وفق ما صرح به سلام الغافل أحد قادة صحوة الأنبار حين قال: "هناك شكوك مثارة حول عملية التدبير ودخول المكان تشير إلى اشتراك مخابرات عالمية"، فالبعض لديهم شكوك في رغبة أكثر من طرف في غياب أبي ريشة، غير أن الأهم هو أن عملية التجميل قد تشوهت من جديد؛ فازداد الديمقراطيون قناعة بخطأ الاستراتيجية الأمريكية في العراق، وأعلنوا تعقيباً: "إنها كانت، في الأساس، استراتيجية خاطئة"، ثم ثنوا بأن الرئيس جورج بوش قد قضى بالحكم على الجنود الأمريكيين بخوض حرب "لا نهاية لها في العراق".. "الرئيس فشل مرة جديدة في تقديم خطة لإنهاء الحرب أو ذكر سبب مقنع لمواصلتها" [قال السناتور جاك ريد العسكري السابق يوم أمس الجمعة]. وقد جاءت عملية قتل أبي ريشة، لتعيد الكرة في العراق إلى مربع سابق يفرق منه الديمقراطيون، ومنهم السيناتور المشاكس دوماً ادوارد كينيدي الذي اعتبر أن بوش قد "حول قواتنا إلى رهائن لدى القادة العراقيين الذين لم يظهروا حتى الآن أي رغبة في اتخاذ القرارات الصعبة الضرورية لإنهاء حرب أهلية" [أمس الجمعة].. <BR>الحرب لا معنى لها في حس الديمقراطيين.. تلك هي القناعة التي تولدت لديهم، وعلى أعلى مستوياتهم، حتى إن السناتور باراك اوباما أحد المرشحين لانتخابات الرئاسة الأمريكية زايد على السيناتور هيلاري كلينتون في إبداء رفضه للحرب فصرح أمس "حان الوقت لإنهاء حرب ما كان يجب أن تبدأ".<BR>بالطبع؛ فإن الديمقراطيين لم يكونوا بهذه الجرأة في انتقاد الحرب إذ بدأت، ولا كانوا ينتقدونها لأسباب أخلاقية، للحد الذي يجعلهم بلا ريب شركاء في قرار الحرب وإن تنصلوا منه.. لكن لا غرو، فليست تلك أيضاً هي قضيتنا ولا هي رافعة بوش من أوحال العسكرية والأمن والسياسة؛ إذ لا تبادل اللوم يجدي حين تحاصر النخبة السياسية المشكلات، فالنتيجة أن 7 تريليونات دولار قد أضحت ديوناً واجبة السداد على الدولة العظمى، وخزائن النفط لدى الحالمين من منظري المحافظين الجدد قد نضبت أو للدقة قد أقفل بعضها في وجه الطامعين بفعل ضربات عسكرية وأخرى سياسية، وعلي السوق العالمي ـ وفي قلبه الولايات المتحدة الأمريكية ـ أن يجابه أسعاراً تزيد عن 80 دولار للبرميل، فيما كانت عند ربع هذا السعر قبل غزو العراق. <BR>ضحكات الرئيس ومبالغاته المزاحية في المنطقة الخضراء لم تكن لتغطي على الأزمة بل تكشفها؛ فبين وجوم الرئيس لدى سماعه نبأ صواعق سبتمبر قبل 11 عاماً وضحكاته اليوم، يمكن أن نرى صورة أمريكا ـ وحلفائها ـ أسوأ من ذي قبل، ربما نكون مبالغين، إلا أن فريقاً من مساعدي الرئيس الأمريكي قد غادروا مكاتبهم إلى جانبه إلى الأبد يكادون يقرون من دون أن ينبسوا ببنت شفاه أن زعيم الحرب غدا إليها ساعيا إلى حتوف جنوده بلا ثمن أو بثمن باهظ، وهو ما كان لفت إليه وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ذات يوم حين أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خاضت الحرب لتهدي العراق لإيران، وها هي الأخيرة الآن حقيقة تستعد لـ"ملء الفراغ" حسبما صرح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل الانسحاب البريطاني بأسبوع واحد، وأكده قائد القوة العراقية التي تسلمت قصر البصرة من البريطانيين حين دعا الميليشيات الجنوبية الموالية لإيران "إلى الهدوء لأن البصرة قد صارت في أيدي إخوانكم"!!<BR> لم يكن على الرئيس الأمريكي أن ينتظر تقرير باترايوس وكروكر، إذ كان بإمكانه الاستعانة بفريق يمكنه أن يقدم له المشورة من إدارته هو، ليصارحه بما ينبغي فعله. هذا الفريق بمقدوره أن يشكله من ألبرتو جونز وزير العدل المستقيل 27/8/2007 (وتدخل الاستقالة حيز التنفيذ يوم 17/9 الحالي)، وكارل روف كبير المستشارين وأحد أبرز المخططين السياسيين في إدارة بوش المستقيل في يونيو 2007، ودان بارتليت أحد المستشارين البارزين في البيت الأبيض المستقيل في 1/6/2007، وهاريت مايرس أحد المستشارين البارزين في البيت الأبيض استقال في يونيو 2007، وبول ولفويتز نائب وزير الدفاع وأحد المحرضين الرئيسيين للحرب علي العراق المستقيل في مارس 2007، وجون بولوتون سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة المستقيل في ديسمبر 2006، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق المستقيل في نوفمبر 2006، وأندرو كارد رئيس العاملين في البيت الأبيض المستقيل في مارس 2006، ولويس ليبي رئيس فريق العاملين في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني المستقيل في أكتوبر 2005، وجون أشكوروفت وزير العدل السابق وأحد حلفاء بوش الرئيسيين فيما يسمي بالحرب علي الإرهاب المستقيل في نوفمبر 2004، وكولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق المستقيل في نوفمبر 2004.<BR><BR>ولن يبخل عليه هذا الفريق، بالإشارة عليه بتغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق، وأيضاً في أفغانستان التي توعدت حركة طالبان فيها جنوده برمضان دامٍ، شأنها كشأن ألوية الناصر صلاح الدين في غزة التي توعدت "إسرائيل"/الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة بمصير مماثل، والمقاومة العراقية بدورها تنشط على الدرب ذاته.. <BR>بالتأكيد لن يشير عليه هؤلاء بعدم الهروب إلى الأمام وحرق الوقت والتعامل مع الواقع لا مع ما يتمناه الرئيس من تدجين للشعب العراقي الأبي، لكنهم على الأقل سيصرخون في وجهه "أنت تنتحر سيدي الرئيس".."أنت تدور في حلقة مفرغة"..<BR>أو سيقولون له كما قال عمرو بن معدي كرب الشاعر العربي يوماً، وقبل مقتل الحليف أبي ريشة في مدينة الرمادي بعبوة ناسفة على أيدي ناسفي الاستراتيجية الأمريكية في العراق بـ14 قرناً: <BR>ولو أن ناراً نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في "رمادي"!! <BR><br>