
أدلى المدير العام للأمن الوطني الجزائري تصريحات لبعض الصحف الجزائرية ذكر فيها أن الإرهاب في الجزائر "آيل إلى السقوط" و أنها ليس أكثر من مسألة وقت، و لعل الذين طالعوا هذه التصريحات في الصحف الجزائرية سواء المكتوبة بالعربية أو الفرنسية يتذكرون انه الكلام نفسه الذي ظلت قيادات الدولة تردده كلما اشتدت وتيرة العنف المسلح في البلاد، و ليس بعيدا عن هذا التاريخ عندما أدلى السيد أحمد اويحيي ( أيام كان رئيسا للحكومة) نفس الكلمات التي قال فيها أن عدد الإرهابيين المسلحين لا يتجاوز عددهم عشرات فقط، لكنهم استمروا لسنوات طويلة في إحالة البلاد على القتل الجماعي.<BR>لا أحد يعتقد أن الأزمة الجزائرية تكمن في عدد المسلحين و لا في الكيفية التي يحسب بها أعضاء الحكومة و رجالاتها عدد "الإرهابيين" في البلاد، كوننا على ثقة أن الإشكالية المطروحة والتي غابت عن أغلب " الساسة" تكمن في أسباب العنف، وأسباب الإرهاب، و هي أسباب بقيت قائمة إلى هذه اللحظة، في الوقت الذي اكتشف فيه أغلب المواطنين الجزائريين البسطاء أنهم غير قادرين على مجاراة الحياة اليومية في ظل غلاء الأسعار، و غير قادرين على مجاراة التجاوزات القانونية في ظل التسيب و المحسوبية والرشوة و اللا رقابة و غير قادرين على مجاراة الحياة السياسية في ظل " حرب التصريحات المتناقضة" التي إلى الآن لم تؤسس سوى قرف الجزائريين من السياسة و من الساسة على حد سواء.. فما يبدو مخيبا للآمال هو الطريقة الرسمية السطحية في التعاطي مع ظاهرة العنف، في غياب قراءة جدية للواقع المعاش و البحث عن سبل حل المشاكل الكثيرة و الكبيرة و الخطيرة التي يتخبط فيها أكثر من 20 مليون جزائري ( لو حسبنا أن 10 الملايين المتبقيين من الجزائريين يحسبون من المترفين كما جاء في صحيفة باري ماتش الفرنسية)!! و الحال أن علاج المشاكل لن يتأتى فقط بمجرد حرب مضادة على المسلحين ـ الذين تجاوزا الخط الأحمر من القتل باستهدافهم المدنيين ـ بل يتأتى بعملية إصلاحات جذرية تعيد للمواطن كرامته و عزة نفسه التي داستها الأقدام السوداء المحليين...!<BR><BR>أزمة إرهاب و أزمة نهب!<BR>لعل التاريخ يعيد نفسه في أكثر من مكان، ففي المغرب الشقيق مثلا رفض أكثر من نصف الناخبين التوجه إلى صناديق الاقتراع عن علم مسبق ألا شيء سوف يتغير و أن التسيب و الفقر و المعاناة سوف تبقى على حالها مهما كانت نتائج الانتخابات، ليس لانقراض الرجال الشرفاء، بل لأن الظروف التي تسير عليها الدول العربية في مجملها هي ذاتها، ظروف السيد الذي لا يريد لنفسه بديلا، و هي الظروف / المعاناة التي " ترسكل" الحياة السياسية ليس بموجب ما يريده المواطن، بل بموجب ما يريده الحاكم الذي يمارس هذا النوع من " الإرهاب الأبيض" على شعبه لأنه لا يريد تغييرا حقيقيا و لا يهمه أن يعيش شعبه سعيداً أو ( يغور في ستين داهية)! و لأن التغيير الحقيقي سيهدد مكان الحاكم و يهز كرسيه " المبجل"! و هو تماما ما جرى من قبل في الانتخابات التشريعية الجزائرية عندما قاطعها أغلبية الشعب متأكدين انه لو فاز السيد فلان أو السيد عصمان فلن يتغير أي شيء من الوضع المزري، بل أن السيد فلان أساسا سيزداد ثراء و السيد عصمان سيشتري على حساب الشعب أراضي زراعية ليبني عليها فيلاته المقبلة (لأن الحجر أفضل من الشجر)!!!.. و ليس ما نقوله انتقادا غير حقيقي، بل أن الوضع المزري الذي تعيشه الشعوب العربية يبدو أخطر مما نقوله أساسا، ناهيك على أن دولة مثل الجزائر إيراداتها البترولية بالملايين من الدولارات سنويا يعيش نصف شعبها فقيرا و غير قادر على توفير لأبنائه الزاد في هذا الشهر الكريم و في بداية الدخول المدرسي الذي شكل هذه السنة مفترقا للطرق بين الأغنياء جدا و بين الفقراء جدا الذين ـ للأسف نقولهاـ يشكلون النسبة الأكبر من الشعب الجزائري.. لقد تحول الإرهاب إلى وسيلة للثراء أيضا، بحيث إن تزايد العنف جعل الناس لا يفكرون في شيء سوى الأمن، و أغلبهم تنازل عن التفكير في البحث عن الحقيقة.. حقيقة ما جرى طوال السنوات الماضية.. ليس هذا فقط، بل في ظروف العنف المسلح ازداد ثراء الأثرياء على حساب فقر الفقراء، و عادت الطبقة البورجوازية الجديدة تشكل اليوم حالة مثيرة للاستغراب جاعلة من العمال " معبرا" لما سمي في زمن الإقطاعيين القدامى بالعبيد، أي الرقيق الذين يولدون لأجل خدمة الأسياد، و هو ما يبدو خطيرا في نسبة المعاناة التي يعاني منها العمال الذين تجمهروا قبل أسبوعين أمام مقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين رافعين شعارا موحدا" عمال جائعون و مسؤولون نائمون" و هي الصورة التي تناقلتها صحف فرنسية مثل اللوموند و الفيغارو لأجل الحديث عن الشعب الذي " طرد فرنسا" قبل أكثر من أربعين سنة ليعيش الجوع و القهر كما قالها عضو من أعضاء الحزب العنصري الفرنسي ( الحزب الوطني الفرنسي) في برنامج بثته قناة فرانس3 الفرنسية قبل أيام..<BR><BR>انتحاريون بالجملة:<BR>الإدانة الصريحة التي صرح بها كبار العلماء المسلمين (جزاهم الله خيرا ) إزاء يجري من تقتيل و إرهاب و قتل الأنفس بغير حق بمثابة ردة الفعل الدينية السمحة التي ساهمت في بث الارتياح في نفوس الجزائريين البسطاء الذين وجدوا أنفسهم في عزلة قبالة القتلة الرسميين و غير الرسميين، لهذا لم يكن غريبا أن تذكر صحيفة الخبر الجزائرية أن 45 من الشباب الذين ارتدوا عن الإسلام عادوا إليه، ذكر احدهم أنه استعاد وعيه لأنه اكتشف أن الذين ينحرون إخوانهم المسلمين لا علاقة لهم بالدين السمح، و قال شاب عاد إلى إسلامه بعد أن ارتد عنه قرابة الخمس سنوات أن " الفتوى التي قرأها عن علماء دين من الأزهر و التصريح الذي أدلى به الشيخ الفاضل يوسف القرضاوي أعاد إليه السكينة و جعله يكتشف أن الإسلام بريء من القتل غير الشرعي".. كارثة ما جرى حسب إحصائيات نشرتها العديد من الصحف جاء فيها أن حوالي 10 آلاف جزائري ارتدوا عن الإسلام، و ربما الرقم أكبر من هذا. احد العائدين إلى إسلامه السمح ذكر في مدونته على الانترنت أن سبب ارتداده هو الإرهاب الذي قتل أهله باسم الإسلام..!! و لكننا على يقين أن الذين يدخلون إلى دين الله أفواجا سيتكاثر عددهم و لن ينقص و لو كره الكارهون.. هذه الحقائق التي نذكرها لا يمكن أن تبرئ أو تنزع المسؤولية عن الدولة التي ارتكبت الكثير من الأخطاء و ساهمت في الكثير من التجاوزات أولها أنها تخلت عن الشعب و تركته لمصيره دونما وازع أخلاقي أو واجب حتمي، في الوقت الذي كانت فيه تحمي ممتلكاتها تاركة ممتلكات الشعب عرضة للنهب من قبل عصبة من المجرمين الذين استفادوا من العنف أيما استفادة و يحاولون اليوم تعكير صفو الوئام المدني بالعودة إلى الإرهاب لأجل توجيه الاتهام أولا إلى القيادات الإسلامية التابعة للجبهة الإسلامية للإنقاذ التي استفادت من قانون المصالحة و الوطنية و ثانيا لأجل الوقوف في وجه الحزب السياسي الإسلامي الذي تنوي الجبهة الإسلامية أن تطلقه إلى النور و نعتقد أنه سوف يعيد التوازن السياسي و الاجتماعي إلى البلاد، فاستمرار عمليات العنف ليس مجرد صدفة، بل عملية محسوبة لأجل تأخير عملية المصالحة و تأخير أي حل جذري و حقيقي لمشاكل البلاد التي لا نعتقد أنها مرتبطة بالإرهاب المسلح فقط، بل و مرتبطة بالإرهاب السياسي و الإداري و القانوني الذي أحال أكثر من 55% من الجزائريين على التقاعد المبكر و جعلهم عاطلين عن " الأمل"!<BR><br>