
[email protected] <BR><BR>ما الذي ذكّر الولايات المتحدة الأمريكية بالمشكلة الأرمينية قبل قرن من الزمان؟! لا أحد يعلم تحديداً ما الذي جعل الدولة الإرهابية في العالم ترتدي مسوح الرهبان، وتجتر المسألة الأرمينية في هذا التوقيت بالذات، والذي يفضي إلى إعادة تذكير الجانب الغربي بمجازره هو في لحظة كان في غنى فيها عن مزيد من "التبجح الحضاري"، الذي يفتح ملفات من المنطقي أن تحرص الدول الغربية وفي مقدمتها الدولة الإرهابية العظمى التي تظل على كل حال أكبر مشروع إجرامي عرفه التاريخ على إخفائها.<BR>سيكون على الأمريكيين أن "يحتفلوا" بعد أقل من ثلاثة أسابيع بـ"عيد الشكر" الذي جاء على خلفية مذبحة أمريكية كبيرة ابتدرها المحتلون الجدد للقارة الأمريكية الشمالية ذبحاً وقتلاً لمضيفيهم الذين استقبلوهم بذبح الديوك الرومية (رمز الاحتفال اليوم)، فردوا المكرمة بالخيانة وقُتل الهنود الحمر في سلسلة مذابح استمرت حتى غدا تعدادهم ما بين 750 ألفا إلى مليون بعد أن كانوا ما بين 50 إلى 100مليون نسمة وقت أن حل عليهم بلاء "الأمريكان الجدد".. <BR>وفي حين لا يخجل الأمريكيون من هذه الجرائم ويذكرون بها العالم ولا يسعون لتغييبها تاريخياً، توافق لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي على مشروع قرار يعتبر ما تعرض له الأرمن من مذابح خلال الحرب العالمية الأولى عام 1915 إبادة جماعية، بالتزامن مع مسعى الأتراك لتأمين حدودهم الجنوبية ضد هجمات المتمردين الأكراد المنضويين تحت لواء حزب العمال الكردستاني اليساري، مع أن المقارنة بين المسألة الأرمينية والإبادة الأمريكية للهنود الحمر لن تكون بحال في صف الأمريكيين، فالمهاجرون القادمون من أوروبا للحياة في البلاد الأمريكية الواعدة، داسوا في طريق استيطانهم ملايين الهنود الحمر، سكان البلاد الأصليين، وهم لم يكونوا في ذاك الوقت في وارد التعرض لخطر خارجي بخلاف الأتراك الذين كانوا يشهدون حركات تمرد انفصالية من الأرمن في قلب دولتهم بدعم واضح غير منكر تاريخياً من أربابه سواء أكانوا روساً أم بريطانيين، ومع هذا فإن المهاجرين "الأمريكيين" عاثوا في بلاد الغير فساداً فأحدثوا أكبر جريمة إبادة في التاريخ لم يتورعوا خلالها عن سلخ فراوي الهنود الحمر الرافضين لاستعباد الرجل الأبيض.<BR>في مقابل ذلك؛ فإن أحداً لم يتمكن من إثبات مذابح جرت على خلفية تهجير الأرمن من بلاد السلطنة العثمانية أواخر القرن قبل الماضي، ولا حتى البريطانيون والروس إبان سقوط الخلافة وقد جاء في دائرة المعارف الكبيرة للاتحاد السوفيتي (طبعة1926): "إذا نظرنا للمشكلة الأرمنية من المنظور الخارجي رأينا أنها ليست سوى محاولة القوى الكبرى إضعاف تركيا وذلك بمعاونة ومساعدة القوى الانفصالية فيها لكي تتيسر لها سبل استغلالها وامتصاص خيراتها. هذه القوى الكبرى كانت عبارة عن الدول الأوروبية الكبرى وروسيا القيصرية. ولم تكن الحوادث التي جرت عبارة عن وقوع مذبحة، بل مجرد وقوع قتال بين الطرفين"، كما أن البريطانيين فشلوا تماماً في العثور على أي دليل على وقوع مذابح للأرمن في هذا الوقت من قبل الأتراك.. <BR>وما يدعو الأمريكيين الآن للخجل أكثر وهم يثيرون قضية كهذه ـ أو يفترض بهم أن يكونوا كذلك ـ أن أعداد القتلى في عملية التهجير التي تمت في ظل طقس سيء هي دون ضحايا مجازرهم بكثير؛ فأكثر المغالين بشأنهم قدروهم بنحو مليون قتيل لم يسلم منهم مئات الآلاف من المسلمين الذي هجروا من المناطق ذاتهم أثناء الحرب العالمية الأولى، وهو ما ينفي بطبيعة الحال الاستهداف الانتقائي للمتمردين أو لأصحاب ديانة معينة، أما غير المغالين من المؤرخين فقد قدروا أعداد القتلى بعشرة آلاف، والمعلومات تحتاج إلى توثيق لم ترتق إليه الحادثة لا من داخل تركيا ولا حتى من جمهورية الأرمن ذاتها التي رفضت دعوة من رئيس الوزراء التركي الحالي رجب طيب إردوغان لتشكيل لجنة تأريخ مشتركة، بيد أن الطريف في المسألة أن الأمريكيين الذين اجتمع كونجرسهم لإدانة الأتراك، تجاسر 69 مؤرخاً من المتخصصين بالتاريخ العثماني منهم قبل أكثر من عشرين عاماً على إصدار بيان ينفي وقوع أي عملية تطهير عرقي للأرمن من قبل الأتراك ـ بحسب الموسوعة الحرة ـ إلى أن دب الخور إلى نفوسهم بعد إرهابهم من قبل الأرمن للتراجع عن هذا البيان. <BR>الأطرف من ذلك أن الولايات المتحدة ومن ورائها أوروبا تأتيان الآن لتدينا نظاماً قد باد كلية، وهو نظام الخلافة العثمانية وتريد أن تحمل إدارة تركية جديدة "آثام" حقبة مضت ـ على افتراض مسؤوليتها عنها ـ كما أن الحكومة التي نسب إليها ارتكاب هذه المذابح الافتراضية هي حكومة الاتحاد والترقي الماسونية اللصيقة بالغرب لا الخارجة عليه، وكلا الطرفين (السلطنة أو الحكومة) ليسا معبرين عن منظومة الحكم الحالية، بخلاف النظام الأمريكي الحالي الذي يعد امتداداً لنظام تراكمي واحد، يتحمل تبعات كل عصوره التي يزهو فيها وبها بـ"الآباء المؤسسين العظام"!! <BR>لمن إذن ترفع الولايات المتحدة عقيرتها مدينة الأتراك على قضية مضى عليها نحو قرن من الزمان، أليس للمسألة أبعاداً تجاوز بكثير هذه الشفقة اللحظية الزائفة التي استبدت بكونجرس العدوان والجرائم العسكرية فانتفض يدين الأتراك بعدما أقر نظرياً بتقسيم العراق؟! ولماذا لم يتذكر الكونجرس المتفرغ للتاريخ وحوادثه المؤلمة مجازر دول الاحتلال التي ورث جرائمها ومنها جرائم الولايات المتحدة الأمريكية؟! <BR><br>