رسالة أطفال تشاد: الانقياد بريد الاستعباد
25 شوال 1428

الرسالة التي وصلتنا جميعاً كمسلمين من خلال الزيارة الخاطفة التي أجراها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى العاصمة التشادية نجامينا واستنقاذه الصحافيين الثلاثة المشتبه بتورطهم مع مجموعة من الخاطفين الأوروبيين الذين تسللوا تحت جنح العمل الإغاثي في تشاد لاختطاف أطفال تشاديين وسودانيين تمهيداً لتسفيرهم قسراً إلى فرنسا لأسباب تتعلق بالاتجار بالبشر (المسلمين)، هي أن الرجل الأبيض سيكون بمنأى عن أي ملاحقة قضائية بسبب جرائمه العديدة في دول إفريقية أو إسلامية تعاملها الدول الأوروبية كمستودعات عبيد لا يحق لها أن تتحدث عن قضاء مستقل أو سيادة وطنية أو شيئاً مما تدغدغ به الدول المستعبدة شعوبها المهيضة من بلدان العالم الإسلامية الفقيرة.. <BR>لا فرق كبير بين دول غنية وأخرى فقيرة ممن يدين حكامها بالولاء لدول الاحتلال الأوروبية والأمريكية التي لا يروقها أن تتحدث تلك الدول الإسلامية المنقادة بسلاسل الذل والارتهان لقادة العالم وحكامه الحقيقيين. <BR><BR>لم تكن رسالة واحدة بل رسائل لم تقف عند العقيد معمر القذافي ولن تنتهي عند إدريس ديبي الذي جاء إلى الحكم يوماً بدعم من "الزعيم الليبي" ثم شب عن ربقة الانقياد الليبي وأسلم نفسه لقيادة فرنسية يمتد منها شرعيته، وتساند حكمه الواهن في مواجهة المعارضة التشادية. <BR>وهي الرسالة ذاتها التي فرضها منح مجرمي بلاك ووتر حصانة ضد الملاحقة القضائية في العراق لتورطهم المباشر والثابت في قتل عراقيين عزل، والتي لم تتعد كثيراً ما قد بسطه الاحتلال المباشر إبان ما كان يعرف بـ"الاستعمار" قبل عشرات السنين من "حماية" ظلت تظلل مجرميه وتمنحهم الحصانة الحائلة دوماً دون جرهم إلى محاكم مدنية في البلدان التي كانوا هم من يحكمونها لا غيرهم، وهو الأمر المفارق حقيقة؛ فاتخذوا لهم محاكم خاصة في بلداننا كما كان معروفاً في فترة الاحتلال البريطاني لمصر وغيرها.<BR>وهي ذاتها التي منحت الحصانة لمجرمي القبعات الزرق الذين تورطوا في عمليات الاتجار بالبشر في البوسنة والهرسك إبان حرب استقلالها في تسعينات القرن الماضي.<BR>الأمر ليس حالة أفرزها ضعف الحكومة التشادية التي تعاني من اضطرابات داخلية بل سمة باتت تجسد الانقياد القسري أو الاختياري التي يقبله أو يرتضيه حكام فاقدو الشرعية في بلداننا الإسلامية ويتعاطونه لحد الإدمان الذي لا يخجلون معه من أن ينقضوا تصريحاتهم في كل مرة يصطبغون فيها بمساحيق الكرامة واستقلال القضاء كالتي حاول أن يتمثلها ديبي فلم تلبث أن خانته بعد أن أجبر هو قضاءه "المستقل" على الإفراج المفاجئ عن الصحفيين الفرنسيين الثلاثة حتى قبل أن تكتمل إجراءات الإفراج عنهم المفروضة على القضاء والتي عزاها بعض قاضته إلى "رأس الدولة" وقوة "السيادة"؛ فخرج الثلاثة قبل ثلاثة أيام من أدنى موعد يمكن أن يفرج فيه عن الصحفيين المشتبه بهم، وقبل أن تكتمل حتى الإجراءات الصورية لإطلاق سراحهم!! <BR><BR><font color="#0000FF">الحكاية ليست جديدة لكنها فاضحة هذه المرة، جهة مجرمة تتدثر بالعمل الإغاثي والخيري، وهي أبعد ما تكون عنه، تجوب أرضنا الغالية في دارفور وشرق تشاد لتنتقي صيدها من الأطفال البريئين لتنقلهم جواًً من أرض مستباحة إلى فضاء مستباح إلى دولة مجرمة تدعي جهلها بجريمة تمر في غفلة اصطناعية عبر مطار فرنسي محكم الإجراءات!! </font><BR>زعيم المجموعة الخاطفة، أعني الرئيس الفرنسي، هب لاستنقاذ دفعة أولى من مجرمي العملية الدنيئة، وعلى الفور كانت "مكرمة" الرئيس التشادي ديبي بالإفراج عن هذه الدفعة الأولى المتمثلة بالصحافيين الفرنسيين الثلاثة والمضيفات الإسبانيات الأربع اللائي كان سينقل الأطفال المختطفين، بانتظار تحقيق الطلب الفرنسي بمحاكمة "لطيفة" للجناة الأصليين الستة في فرنسا لأن دولة الرئيس الفرنسي لا تقبل بطبيعة الحال أن يحاكم رعاياها في دولة أخرى مسلمة فقيرة لا تملك قضاء كذاك الفرنسي "النزيه" الذي يجرم نفي حدوث الهولوكوست، ويسمح بخطف العبيد!! <BR>مهما يكن؛ فإن قسوة العبارة لن ترد الكرامة، ولن تعيد أمثال هؤلاء الأطفال المساكين ممن يستغلون جنسياً أو تباع أعضاؤهم كقطع غيار في بعض مستشفيات أوروبا أو على أفضل الفروض يباعون لأسر لم ترزق أولاداً في أوروبا فتشتري أولاداً مسلمين!! وإنما في الحقيقة من الواجب أن تفتح مثل هذه القضية عدة ملفات وأن تجد لذلك صدى عند من يعنيهم الأمر:<BR> <BR><font color="#ff0000">فأولاً: </font> ألم يأن لدولنا الإسلامية أن تكسر طوق الحظر على جمعياتنا الخيرية الإسلامية، وتفسح لها المجال للحركة أو توفر لها غطاءً دبلوماسياً يحول بينها وسيف دعم الإرهاب المسلط على عمل الجمعيات الخيرية الإسلامية دون غيرها من الجمعيات في العالم، والتي تبدى للجميع تورط كثير منها في أعمال مشبوهة وقيامها بدور حصان طروادة المنطلق قبل الاحتلال؟ <BR><BR><font color="#ff0000">ثانياً: </font> أليس في سفر الرئيس الفرنسي مدعاة لتأكيد تغطية هؤلاء الرسميين على جرائم رعاياهم ورضاهم عنها أو على الأقل صمتهم على تلك الفظائع التي تتصل عقدياً وأخلاقياً وسلوكياً مع جرائم سابقيهم في عصور "الاستعمار"؟ أوليس ذلك يجعل الرئيس الفرنسي ذي الجذور اليهودية شاهد زور في محاكمة صورية تنال من أعراض المسلمين وأنفسهم وربما دماءهم ومن قبل دينهم؟ <BR><BR><font color="#ff0000">ثالثاً: </font> ألا تدعونا المعالجة الإعلامية الرقيقة جداً التي بثتها وكالات الأنباء العالمية والتي تنخر كالسوس في بنيان إعلامنا العربي الذي تلقفها بسذاجة منقطعة النظير، حين تحدثت تلك الوكالات عن عملية "نقل الأطفال"، والتي غضت الطرف عمداً عن أغراض هذه العملية التي أوهم فيها الخاطفون ذوي الأطفال أنهم سينقلونهم داخل البلاد لتعلم القرآن والفرنسية، واستظلت بحماية إجراءات سفر رسمية أكد الخاطفون (جمعية لآرش دي زوي "الخيرية") أنهم قد تحصلوا على إذن مسبق من السلطات الفرنسية لترحيل هؤلاء الأطفال من الحدود التشادية المتاخمة لإقليم دارفور، ودعم قولهم تصريح وزيرة حقوق الإنسان الفرنسية التي اصطحبها ساركوزي في مهمة الإنقاذ العاجلة للمشاركين في التعتيم على الجريمة وربما تنفيذها، حين قالت : "الحكومة فعلت كل ما يجب فعله من أجل تفادي وقوع هذه القضية، وعملت على ألا تتم إذا ما تمت إلا بصورة بالغة السرية"!ألا تدعونا تلك المعالجة الانتقائية أن نعيد النظر في طريقة تلقي الأخبار من "الآخر" الذي يسارع فور حدوث ما هو ربما أدنى من ذلك من مسلمين خاطئين إلى وصمه مباشرة بأقسى عبارات التجريم والترهيب؟ ثم ألا تدعونا تلك المعالجة بدرجة أخرى من الاهتمام لإعلامنا الإسلامي ذاته الذي تنخرط بعض أدواته في ترديد مثل هذا النمط من المعالجة دونما وعي أحياناً وبقلة اكتراث ومسؤولية أحياناً أخرى؟<BR>إن هؤلاء حريصون على التغطية على جرائمهم وتبريرها وتسميتها بمسميات أكثر رقة ووداعة، ونحن نعينهم أحياناً على ذلك على أقصى تقدير أو لا نجيد على أقله التعامل المكافئ لا الخداعي وإنما الحكيم الواعي.<BR><BR><font color="#ff0000">رابعاً: </font> إن صمت الشعوب مغرٍ للطغاة لمزيد من الاسترسال في الاستخفاف بهم؛ فلقد كان المحللون يدركون أن ديبي لم يثر القضية بالأساس احتراماً لأطفال شعبه أو الشعب السوداني، وإنما كان يجري صفقة مع الفرنسيين احتاج فيها للعب بهذه الورقة الإنسانية، التي راح من قريب يذكر الفرنسيين بأنه لا يمكنه التدخل في شؤون القضاء "المستقل" حتى إذا ما زادت الضغوط أو تحققت بعض مطالبه الذاتية عمد إلى ورقة الأطفال فحرقها دونما اكتراث بدم وعرض أطفال ائتمن على حفظهم ورعايتهم، ولو أن الشعوب تعي من هذه ومثيلاتها أن سكوتها بريد الطغيان والتجبر والاستعباد لربما استيقظت فيها روح الإباء والكرامة ورفضت بكل أنواع الرفض هذا السخف والاستخفاف بمشاعرها وحرماتها.<BR><BR><font color="#ff0000">خامساً: </font> لابد من الغوص في عمق مفردات الأزمة جيداً لنتحدث عن جريمة حرب مثلما يوصفها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لما كان منتظراً أن يحدث مع الأطفال، وكونه لم يحدث فلا أقل من توصيفه كشروع في جريمة حرب.. كذلك ينبغي أن نعرّف "حقوق الإنسان" وفقاً لتعريف يحترم ذات الإنسان وكرامته وحريته لا كما يفهم من واقع الفعل الفرنسي في تعاطيه مع هذه القضية التي قالت صحيفة ليبراسيون أن المنظمة المذكورة قد أمدتها القوات الفرنسية بحاجاتها الأساسية من وقود وخلافه، والأنكى أن من رافق الرئيس اليهودي ساركوزي كان وزيرة "حقوق الإنسان" راما ياد في مهمة التغطية على جريمة تمس حقوق الإنسان المسلم في تشاد والسودان في شخوص أطفال أغرار.<BR><BR><font color="#ff0000">سادساً: </font> تفاوتت التفسيرات حول غرض المجموعة الخاطفة من اختطاف هؤلاء الأطفال، غير أنه لا تفسير برئ أبداً لتغيير المنظمة لاسمها إذ حلت بالأراضي التشادية، ثم إخفاء عملها، ثم إيهام الآباء بأن أبناءهم سيغادرون إلى مناطق أكثر أمناً داخل البلاد لا خارجها، ولا مبرر للادعاء بأن الأطفال "أيتام حرب" وهم ليسوا كذلك، ثم لماذا الادعاء بأن الأطفال سيحظون بالتعليم القرآني، وهم ذاهبون إلى فرنسا في حال أبقوا على قيد الحياة فإنهم سيتربون في بيئة غير مسلمة.. <BR><BR>علينا أن نتذكر أخيراً أن الأطفال الأغرار كانوا بصدد الاختفاء بعيداً عن أرض يسمى أهلها "أهل القرآن"، و<font color="#0000FF">علينا أن ننتبه إلى أن الأطفال كانوا سيغادرون من منطقتين قد كانا من المفترض أن يكونا من أغنى مناطق الوسط الإفريقي لأن هذه المنطقة من تشاد ودارفور هي الأغنى في العالم باليورانيوم والنفط، لكن حلول الرجل الأبيض وتدخله "الرحيم الخيري" أحالهم هكذا فقراء يضطر آباؤهم إلى التضحية بهم جرياً وراء أمن لا يمنحه المجرمون أبداً أو الحياة بعيداً عن رقعة الفقر والحرب ولو إلى هناك حيث عودة الرق من جديد.. تذكروا أخيراً، ما يزالون يحدثوننا عن "الإسلام والرق"، وما زال البسطاء منا يدافعون!! </font><BR><BR><br>