من الذي يمارس الرق؟
11 ذو القعدة 1428

سلطت الواقعة الأخيرة للقبض على أعضاء جمعية فرنسية خيرية تدعى سفينة الحياة الضوء على ممارسات تجري ليس فقط في السودان وتشاد والساحة الأفريقية وإنما في سائر أنحاء العالم من جانب مؤسسات وجمعيات غربية تعمل في مجالات توصف بأنها من العمل الإنساني، وكذلك في المقام الأول من المنظمات الكنسية التي تقرن العمل الموصوف بالإنساني بأعمال التنصير. وهذه الممارسات تصب في خانة الرق أو العبودية وهو ما أصبح يعرف الآن في اللغة الإعلامية المختصة باسم الاتجار بالبشر.<BR> وفي هذه الواقعة الأخيرة قامت الجمعية الفرنسية بمحاولة نقل ما يزيد عن المائة طفل من السودان وبالأصح من إقليم دارفور على الحدود مع تشاد إلى فرنسا تحت زعم أنهم أطفال أيتام ومشردون وسوف يحظون بالرعاية وسط أسر فرنسية بديلة تقوم بتبنيهم، وبعد انكشاف هذه المحاولة شعرت المحافل الفرنسية والأوروبية عموما المنشغلة بأعمال "الإغاثة" في إفريقيا بالحرج وسارعت إلى إصدار بيانات إدانة لكن ذلك لم يمنع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في تكبد مشقة السفر إلى تشاد حيث اصطحب معه الديبلوماسي الفرنسي هناك وعدداً من المتورطين الفرنسيين والإسبان من صحفيين وطيارين وأخذهم إلى فرنسا في موكب أشبه بمواكب الفاتحين ولم ينس أن يكمل هذا الموكب الاحتفالي بالهبوط في إسبانيا حيث سلم المتهمين الإسبان إلى الملك الإسباني وسط ضجيج إعلامي كبير، وجاء هذا التحرك ليثبت أن الإدانة الفرنسية لعملية ترحيل الأطفال السودانيين المسلمين إلى فرنسا وأوروبا لم تكن سوى إدانة شكلية لفظية لرفع الحرج وتجنب الفضيحة، أما النوايا الحقيقية فكانت تقف مع تأييد هذا الفعل ومعاملة مرتكبيه أو المشاركين فيه معاملة الأبطال أو على الأقل الأبرياء.<BR>أما رد الفعل الإفريقي على العموم فكان مقتصراً على الدول المجاورة لتشاد حيث وقعت أو انكشفت الجريمة فقد منعت تشاد هذه الرحلات وبدأت في السودان تحقيقات واسعة النطاق بينما اكتفت الكونغو بالإعلان عن التدقيق في أمثال هذه الرحلات والنشاطات لبعض منظمات الإغاثة الإنسانية.. ولم تصدر أية بيانات من الاتحاد الإفريقي ومنظمات حقوق الإنسان في القارة والأهم من ذلك أنه لم تسلط أية أضواء على أي منظمات خيرية مزعومة أخرى تقوم بأمثال تلك الأعمال، وتكامل هذا القصور في التعبير عن الإدانة مع إخراج المتهمين من الحجز على يد الرئيس ساركوزي مع الدعوة الفرنسية الأوروبية إلى ترحيل باقي المتهمين إلى فرنسا ليحاكموا هناك.<BR> والواقع أن هذا السكوت يشي بأبعاد خطيرة: أولها أن هناك محاولة للتغطية تدور بقصد إبعاد الأنظار عن حقيقة ومدى ظاهرة الاتجار بالبشر في إفريقيا وغيرها تحت ستار الإغاثة والأعمال الإنسانية وغير ذلك من الحجج، وهذه التغطية تقود إلى النفوذ الأوروبي والغربي القوي في القارة والذي مازال قائماً رغم الحديث عن انتهاء عهد "الاستعمار" ورغم كثرة الحديث في أوروبا نفسها عن مسألة حقوق الإنسان وإحلال التعاون من موقع المساواة محل الهيمنة والاستغلال. لكن ها هو الاستغلال لا يزال مستمراً بل ويصل إلى الذروة في هيئة استغلال البشر أنفسهم بعد استنزاف الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي الاستراتيجي.<BR><font color="#0000FF">وأهداف الاتجار بالبشر كما هو واضح من عملية الجمعية الفرنسية الأخيرة تتجاوز توريد أطفال أيتام أو فقراء إلى الغرب لكي تقوم أسر غربية بتبنيهم لسد الحاجة في عدم وجود أطفال نتيجة تدهور مؤسسة الزواج ونقص النسل بسبب ما أسمى بتحرير المرأة، فعلاقة الأسر بهؤلاء الأطفال لن تكون علاقة طبيعية (على فرض أنها تبنّي) بل سوف تكون في الواقع علاقة للسادة بالعبيد</font> لأن هؤلاء الأطفال سيظلون أسرى لبشرتهم السوداء ولن يعاملوا كأنداد أبدا أو على قدم المساواة مع الأطفال الأوروبيين بيض البشرة، ولن يقف الأمر عند هذا الحد بل سيتعداه كما أكدت التجارب والأدلة إلى مسألة الرقيق بمعنى الاستغلال الجنسي وتشغيل هؤلاء الأطفال في شبكات دعارة الأطفال التي أصبحت الآن واسعة الانتشار في الغرب. وسوف يكون التبني المزعوم مجرد غطاء قانوني يتيح إدخال هؤلاء الأطفال إلى دول الاتحاد الأوروبي ليمكن بعد ذلك تحويلهم إلى مجال العبودية إما من خلال اتخاذهم كخدم أو من خلال شبكات الدعارة.<BR> ولأن هؤلاء الأطفال كما في الحالة الأخيرة هم من أبناء المسلمين فلن يهتم أحد بتنصيرهم. صحيح إن الهدف التنصيري هو هدف ذو أولوية في نشاطات ترحيل الأطفال وصحيح إنه نشاط تقوم به الجمعيات التنصيرية التي لم تسلط عليها الأضواء في الواقعة الأخيرة، لكن <font color="#0000FF">الصحيح كذلك أن نشاط الرقيق والدعارة أصبح الآن أكثر أهمية بالنسبة للأوروبيين والغربيين فيما يتعلق بالأطفال الذين يتم تسفيرهم إلى هناك بينما نشاط التنصير هو الأهم في حالة الأعداد الأكبر من الأطفال الذين يبقون في بلادهم بحيث يكبرون ليصبحوا مسيحيين وسط بيئة بلادهم التي عادة ما تكون تحتوي على أغلبيات أو كتل إسلامية كبيرة. </font><BR>والسؤال الأكبر الذي يطرح من خلال هذا السياق الأوسع يتعلق بحقيقة الطرف الذي يمارس الرق الآن على الساحة الدولية. إن الغرب أكثر من الحديث في الفترة الأخيرة حول ممارسة المسلمين والعرب للرق والعبودية في إفريقيا بالذات ومن خلال الدول ذات الأغلبية المسلمة الشمالية مثل السودان ونيجيريا والبلاد الواقعة عند التقاء خط الصحراء الكبرى مع المناطق الاستوائية.<BR> لقد وصل الأمر إلى حد شغل المنظمات المسماة بالدولية به وعقدت الأمم المتحدة عشرات الاجتماعات حول هذه القضية وهدد الكونجرس الأمريكي بعقاب الدول التي اتهمها بممارسة الرق أو التستر على ممارساته بعقوبات تمتد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية إلى التدخل العسكري، وأصبح موضوع أو تهمة ممارسة المسلمين والعرب للرق في القارة الإفريقية من المواضيع شبه الثابتة ليس فقط في الإعلام الغربي بل وكذلك في المحافل الدبلوماسية والسياسية والعلاقات بين دول الغرب والدول الإسلامية، واستغل هذا الموضوع أسوأ استغلال في تشويه صورة العرب والمسلمين والإسلام وتحسين صورة التنصير والهيئات النصرانية التي أخذت تدعى الخيرية والإنسانية في مواجهة وحشية وبربرية العرب والمسلمين الذين ينقضّون على إفريقيا بالذات ليخطفوا الأفارقة من النساء والرجال والأطفال لكي يستخدمونهم كعبيد بعد نقلهم إلى بلدانهم وبالذات إلى بلدان الخليج الغنية وغيرها. ولكن الآن و<font color="#0000FF">بعد تفجر فضيحة جمعية سفينة الحياة ثبت أن الذي يتاجر بالرقيق والعبيد في الوقت الراهن ليسوا هم العرب أو المسلمون بل هم نفس الطرف الذي يوجّه للعرب والمسلمين هذه الاتهامات والواقع أن الطرف الغربي يمارس هذا الرق منذ عهد بعيد وعلى شعوب حتى في داخل أوروبا نفسها وتنتمي إلى الديانة المسيحية. </font> فعلى مدى العقدين من الزمان أو أكثر وبعد انهيار الكتلة الشرقية السوفييتية أو حتى قبل ذلك كان الغرب ومن خلال شبكات الدعارة الواسعة يستورد النساء والفتيات من بلدان أوروبا الشرقية ليعملن في ذلك الميدان القذر. كذلك كان الغرب ومنذ حروب آسيا الجنوبية الشرقية منذ أربعة عقود يستورد النساء والفتيات من تلك البلدان ليعملن في مجالي الخدمة والرعاية المنزلية والدعارة سواء المقننة أو غير المقننة.<BR>إن خطورة فضيحة جمعية سفينة الحياة وما شابهها من نشاطات على يد عشرات الجمعيات المماثلة وعلى يد الجماعات الكنسية والتنصيرية هي أنها توضح من هو الطرف الحقيقي الذي يمارس الرق والعبودية والاتجار بالبشر والاستغلال الإنساني على أوسع نطاق وهو ليس الطرف العربي المسلم على أي حال. وتكشف هذه الفضيحة على أن توجيه التهمة إلى الطرف العربي المسلم إنما جاء على سبيل التعمية والتضليل وإبعاد الأنظار عن المجرم الحقيقي. <font color="#0000FF">وهدف توجيه التهمة على هذا النحو كان كذلك الوقيعة بين العرب والمسلمين من ناحية والأفارقة من الناحية الأخرى والوصول من خلال ذلك إلى الحيلولة دون انتشار الدعوة الإسلامية في إفريقيا. إنه من دواعي الاستغراب والأسف أن الإعلام العربي وبالذات الإعلام التابع لدول متهمة بممارسة الرق لم يسارع إلى استغلال هذه الفضيحة لرد التهمة على من أطلقوها وتوضيح الحقيقة وتبيان الأهداف الخفية وراء التهمة الزائفة وفي نفس الوقت كشف أبعاد الاستغلال الغربي والكنسي للإنسان غير الغربي لاسيما إذا كان مسلما كما هو الحال في أطفال فضيحة تشاد. </font><BR><br>