
قبل أربعة أشهر قرر الإسلاميون في الأردن مقاطعة الانتخابات البلدية، بسبب بوادر النية المبيتة لدى الحكومة لتزوير الانتخابات. وجاءت الوقائع لتؤكد صحة الاتهام، بحسب شهادات محايدة، ومع ذلك رفعت أبواق العلمنة وطبول السلطات في عالمنا العربي، رفعت عقيرتها بهجاء الإسلاميين في الأردن، وأخرج أولئك الحواة المهرجون كل ما في جعبتهم من حيل وألاعيب، قديمة/جديدة. وأبرز ما استخدموه -مما حفظته ذاكرة الشعوب إلى حد الملل-، قلب الحقائق، وتبديل المقاعد، لتصبح الضحية جلادا، والجلاد مسكينا طيبا مغلوبا على أمره (بالعامية: الدجاجة تأكل عشاءه!!).<BR>فالديمقراطية في بلاد العربان، تضرب أطنابها، حتى إنها باتت مضرب الأمثال، ويجدر بأساتذتها في الغرب، أن يوفدوا مندوبين عنهم، ليتعلموا كيف تتم الانتخابات النزيهة، وكيف يتاح للإعلام من الحرية، ما يجعل واشنطن بوست تحسده عليها، والـBBC تشعر بالأسى لحالها!!<BR>والأصوليون الذين يشتكون من التضييق عليهم، ويدعون أن الحكومات تحرمهم من المشاركة، يقاطعون الانتخابات، لأنهم أدركوا أن الناس انفضت عنهم، فالمشاركة تفضح إفلاسهم، ولذلك يعمدون إلى المقاطعة، ويتحدثون عن تزوير مزعوم..<BR>ومعضلة هذا الإعلام الأفاق، أنه يسير على درب غوبلز (وزير الدعاية النازي)، صاحب الشعار الشهير: اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، اكذب اكذب حتى تصدق نفسك!! فمما لا يختلف فيع عاقلان، ولا تنتطح عليه عنزان، أنه لا توجد في بلاد العرب اليوم، انتخابات حرة حقيقية، باستثناء تجربة الجزائر اليتيمة في عام 1991م، والتي يعلم الجميع كيف أنهاها الجنرالات المتفرنسون، بدعم غربي مطلق -وإن لم يكن كله علنيا-، وهي نهاية حزينة مؤلمة، لم يفرح بها سوى غلمان العلمنة، الذين يعلمون علم اليقين إفلاسهم التام، ويأسهم من أن يفوزوا في أي خيارات شعبية فعلية.<BR>ولو كان لدى هذا الإعلام ذرة من احترام الذات، لتوقف طويلا أمام كون الإسلاميين الأردنيين،هم الجهة السياسية الوحيدة صاحبة برنامج سياسي متكامل،ولاعترض على القانون الانتخابي الجائر (قانون الصوت الواحد)،الذي يمزق المجتمع،ولا يجعل المنافسة بين برامج سياسية،وإنما بين أشخاص بلا رؤية على أسس عشائرية،ووفقا لانتماءات ما قبل السياسة!!<BR>ونحن لا نذيع سرا عندما نشير إلى أن كثيرا من الأصوات في صفوف إسلاميي الأردن، ارتفعت منذ أشهر، بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات النيابية التي جرت يوم أمس، استنادا إلى ما شهدته الانتخابات البلدية من تزوير شبه علني، مع ملاحظة أن الحكومات تهتم بالمجالس النيابية أضعاف اهتمامها بالبلديات، فالقضايا هناك سياسية بامتياز، وحضورها في دائرة الضوء أكبر في الداخل وفي الخارج.<BR>وها هي الانتخابات الأخيرة تشهد لصحة تلك القراءة الواقعية، فوفقا للنتائج الأولية انخفض حضور الإسلاميين في البرلمان الخامس عشر إلى 5 نواب، وكانوا 22 في البرلمان السابق!!<BR>والمضحك/المبكي أن هذه النتائج كانت شبه محددة سلفا، فقد تحدث عنها البعض مسبقا في أحاديث غير رسمية، فضلا عن توقعات خبراء وإعلاميين غربيين منذ شهور، أن المطلوب الآن برلمان أضعف من سلفه، بسبب الظروف السياسية السائدة محليا وإقليميا!!<BR>وظهرت في هذه الانتخابات، فضائح شراء الأصوات والتأثير على الناخبين واشتراك ناخبين دون السن القانونية المعتمدة -سن الثامنة عشرة-، لتؤكد النية المقررة بتأليف البرلمان الجديد كالمباني مسبقة الصنع، منعا للمفاجآت وتخلصا من المشاكسين. فالحكومة رفضت بإصرار عجيب أي رقابة جدية على نزاهة الانتخابات سواء أكانت داخلية أم خارجية، لتختزل"حرصها" على الحياد المزعوم في قص بطاقات الاقتراع منعا لتكرار التصويت بالبطاقة الواحدة، ولكي تعبر عن ذلك -كاريكاتوريا- بشراء 18 ألف مقص لهذه الغاية!!!!<BR>وإن مما يضحك الثكلى، أن تتذرع النظم العربية لرفضها أي مشاركة دولية في مراقبة الانتخابات، تتذرع بـ"السيادة الوطنية"، وهي تدرك أن المراقبين لا يمسون سيادة البلد، لأن مهمتهم تقتصر على المشاهدة، وعرض شهاداتهم على الهيئات المحايدة، وفي وسائل الإعلام.<BR>أما فتح المجال لأجهزة التجسس الأمريكية -والصهيونية أحيانا- لمطاردة مواطنين في وطنهم وتصفيتهم جسديا تحت شعار"مكافحة الإرهاب" فلا يسيء إلى السيادة الوطنية المفترى عليها.<BR>ومهما كان الموقف الشرعي من المشاركة في هذا النوع من المهازل، فإن للعاقل أن يسأل: ألم يكن الإقصاء عنصرا رئيسًا في موجات العنف الموجه ضد كثير من الحكومات؟ نقول هذا للتفسير في حين نرفض أن يبرر الخروج المسلح بأي سبب، فلا يزايدن أحد علينا، ويقولنا ما لم نقل. وفي أقل الاحتمالات، يسهم التضييق على الشعوب، في تزويد الغلاة، بحجة تؤازر دعاواهم الخاطئة، فهم سوف يستغلونها في مخاطبة شباب أغرار، قائلين لهم: انظروا ماذا تفعل الحكومة في من يقتنع بالعمل السياسي المسالم: إنها تجعله شاهد زور على ظلمها، وفي حالات كثيرة تفصل له قوانين طوارئ، تضع خيرة أنصاره وراء القضبان عشرات من السنين.<BR>فهل يصحو هؤلاء المفسدون الذين يدمرون البلد كله من أجل كرسي؟<BR><br>