
مصادقة البرلمان التركي في السابع عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول بالأغلبية الساحقة على المذكرة المتعلقة بالتوغل في شمال العراق تعني بدورها موافقة تركية على إرسال قوات إلى بلد خارجي.. طبعا؛ هناك بعض العوامل المهمة التي أثرت في صدور هذه المذكرة أهمها مقتل 15 جندي في شيرناك على أيدي الانفصاليين وأيضا مصادقة لجنة مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون يجرم تركيا بإبادة الأرمن. من الواضح أن هذا القرار ما هو إلى ردة فعل تركية يعني تركيا تنتظر أولا الفعل من الجهة المقابلة ومن ثم تتحرك إلى رد الفعل.. أو بالأحرى أن قراراتها لحظية ضد أي تطور لتبقى المبادرة الأولى بيد الطرف المقابل.. هذا الطرف قد يكون حينا منظمة حزب العمال الكردستاني أو اليونان أو الاتحاد الأوروبي وأحيانا الولايات المتحدة.. يعني وكأنها تقول لهم وتعاند "هكذا نفعل لنرد عليكم"!!. الوزير السابق فكري ساغلار علق على هذا القرار بقوله :" لقد قامت تركيا لحد الآن بـ25 عملية عسكرية.. وها هي توقع اليوم على قرار العملية الـ26.. حسنا، ولكن من سيضمن لنا أننا لن نحتاج للعملية رقم 27؟".. وانطلاقا من هذا التحليل، نحن بدورنا نسأل إذا كانت العمليات العسكرية الـ25 لم تفلح بمعالجة هذا الوباء إذا لم كل هذا الإصرار التركي على العملية الـ26 وماذا ستكون فائدتها؟. وأيضا فكري ساغلار يقول بأن تركيا كانت في البداية تعارض بقوة تمركز قوات الأمريكية في قاعدة إنجرليك لأن ذلك يمثل المفاهيم الإمبريالية بما أنه لم يكن لحماية الشعب العراقي بل النفط وأضاف"لقد تمركزت هذه القوات في قاعدتنا في وقت كان فيه الإرهاب قد وصل إلى ذروته في تركيا بمعنى أنهم حركوا الإرهاب لإلهائنا داخليا وشغلنا عما كان يجري في دولة جارة لنا" وأضاف:"حتى من كان يساند هذا الوضع في الماضي اعترف اليوم بأن تمركز القوات الأمريكية ساهم في تصعيد الإرهاب في تركيا لكن كان الأوان قد فات".<BR><font color="#0000FF">كيف يمكن أن يتسلل 200 إرهابي إلى الداخل التركي بدون أي رقيب،،،</font><BR>هناك سؤال مهم وخطير جدا لدرجة أن تجاهله أو تركه بلا جواب سوف يعتبر أكبر كارثة وهو كيف يمكن أن يتسلل 200 من عناصر منظمة حزب العمال الكردستانية إلى الداخل التركي بدون أي رقيب.في هذا المضمار يقول الكاتب الصحفي في صحيفة "ستار" التركية اليومية شامل تايار "اليوم لنا في شمال العراق طابورين من الجيش يتواجدون هناك من أجل أهداف استخباراتية أكثر منها عسكرية. عددهم كان يتجاوز الخمسة آلاف لكن بعد حادثة "أكياس الخيش" انخفض العدد بشكل ملحوظ بالمقابل هناك عشرات الآلاف من الجنود وآلاف الدبابات والمدفعيات على الحدود في منطقة الصفر وحالة تأهب تامة على طول الخط الحدودي عدا عن تمشيط الجيش اليومي للمناطق الجنوبية الشرقية بالطائرات والهليوكبترات.. لكن الغريب العجيب أن مجموعة من الإرهابيين تجتاز وتتسلل من الحدود العراقية إلى الداخل وتفجر في البداية جسر "داغلجة" لقطع الطريق أمام وحدات الجيش ومن ثم تفتح النار عليهم بأسلحة ثقيلة في نفس المنطقة.. ويقول الكاتب التركي "في مثل هذا الوضع يجب أن نسأل:"كيف يمكن تفسير قيام مجموعة إرهابية بالسير لساعات في الجبال والتسلل على بعد كليومترين إلى الداخل التركي في الوقت الذي نقف فيه على أهبة الاستعداد بل ونتحضر فيه للتوغل العسكري!! وهنا السؤال الأهم إذا لم نكن قادرين على حماية حدودنا فما هي الفائدة المرجو من استصدار البرلمان لمذكرة التوغل في شمال العراق.. لنكن صريحين مع أنفسنا، ونعترف بأن هناك ضعف كبير في بنية المخابرات عندنا وعلى المسئولين دفع الثمن كانوا من المخابرات أم من الجيش".وخلص الكاتب التركي إلى القول:"أنه إذا كنا نريد الحصول على نتائج مؤثرة وفعالة في مكافحة الإرهاب يجب علينا أولا ترميم بنية المؤسسات الاستخباراتية..حسنا، قد نعجز عن الإمساك باللص لكن على الأقل دعونا لا نترك الباب والنوافذ مفتوحة.. مرة هي الحقيقة ولكنها تبقى حقيقة وهي أنه لا يمكن أن تعتمد تركيا على مثل هذه الاستخبارات".<BR><font color="#0000FF">مساومات من خلف الأبواب،،،</font><BR>لقد أدى تراجع جلال الطالباني عن موقفه (وهو القائل أنه لن يسلم تركيا حتى قطة كردية) إلى ترك الباب مفتوحا للتأويل والتفسير والتفكير بعدة سيناريوهات.. لكن حاليا هناك ادعاء خطير يهز كواليس أنقرة.. وطبقا لهذا السيناريو أن منظمة حزب العمال الكردستاني تخلت دون سابق إنذار عن وقف إطلاق النار الذي أعلنته من جانب واحد وبدأت تهاجم تركيا وكأنها تلقت الأوامر والتعليمات من جهات معينة لبدء الحرب.. في البداية، هي نزلت إلى المدن وقامت بهجمات تفجيرية ومن ثم هاجمت الجنود في جنوب شرق البلاد بل هي ذهبت لحد التجرأ على اختطاف جنود.. وبهذا هي استفزت مشاعر الشعب التركي وحرضت الجيش على القيام بعمليات مسلحة موسعة ضدها.. وعند هذه المرحلة بالذات تدخل الولايات المتحدة على الخط.. الاتصالات الخاصة بدأت بين جلال طالباني وجورج وبوش.. ويقال أنه في هذه الاتصالات تم البحث بأمر دولة كردية مستقلة.. واليوم، بهذه العلميات الإرهابية التصعيدية، هم حشروا تركيا في الزاوية أي أنها بين مطرقة استمرار الإرهاب وسندان دولة كردية مستقلة بجوارها.. يعني وضعوها أمام خيارين الواحد أسوأ من الثاني هم مستعدون لوضع حد نهائي للمنظمة الانفصالية مقابل أن تتخلى تركيا عن خطوطها الحمراء لدولة كردية.. <BR>لقد سبق لتركيا وأن جزمت أنها لن تسمح بقيام مثل هذه الدولة وأيضا قالت بأنها لا تعتبر طالباني وبارزاني كمخاطب لها.. لكنها ها هي اليوم وبسبب الأحداث الإرهابية الأخيرة قد اضطرت لمخاطبتهما.. <BR><font color="#0000FF">تساؤلات تبحث عن جواب،،،</font><BR>بدأت التساؤلات في تركيا تزداد وعلامات الاستفهام تتوالى حول ما إذا كان الجنود الأتراك الثمانية قد اختطفوا بالفعل أم ذهبوا بمحض إرادتهم مع منظمة حزب العمال الكردستاني بعد أن بثت قناة كردية شريطا متلفزا لأحد الجنود يشيد فيها بالمعاملة الطيبة للمتمردين الأكراد ويدعو فيها الدولة إلى التفاهم والحوار مع المنظمة الانفصالية. هذا وقد بثت قناة "روج تي في" الكردية التي تعتبرها تركيا الناطقة باسم المنظمة الانفصالية ومقرها "الدنمرك" شريطا لأحد الجنود الأسرى من مدينة "مردينلي" جنوب شرق تركيا وهو يقول:"هم يعاملوننا كأخوتهم.لقد رأينا الحقيقة بأم عيننا هنا وسوف نعلنها أمام الشعب بعد عودتنا" وعند هذه الجملة يتوقف الجندي برهة ويستكمل جملته وكأنه يحاول تدارك هفوة:"طبعا هذا إذا عدنا بمشية الله". كما دعا الجندي في الشريط السلطات التركية بقوله:"يكفي أهالي الجنود وأهالي المتمردين بكاءا.. هذه المسألة لا يمكن حلها بالسلاح بل بالجلوس على طاولة الحوار.. يعني يجب حلها بالتي هي أحسن" وخلص إلى القول:" سوف نبتعد عن الجيش التركي قدر ما نستطيع". وعند هذه النقطة، توقف موقع "خبر ترك" على الانترنت ليشير إلى أن الجندي كان يوحي وكأنه يتحدث بلسان المنظمة الانفصالية وتساءل الموقع:"هل كان الجندي يتحدث بمنطلق إرادته أم أنه خضع لتهديد المنظمة التي أجبرته على هذا الكلام؟". وكان الكاتب الصحفي في جريدة "ستار" التركية شامل يازجي أوغلو أيضا قد تعرض إلى هذا الموضوع في مقالة له نقلا عن مصادر استخباراتية فطرح السؤال الأهم:"هل أن الجنود أسروا بالفعل أم سلموا أنفسهم بكامل إرادتهم" وقد وجه السؤال نفسه إلى الرئيس التركي عبد الله غول الذي رد باقتضاب :"لا يوجد لدينا أي معلومات قاطعة حول هذا الأمر.. رئاسة الأركان تحقق فيه بشكل موسع ومفصل". أما المقدم التلفزيوني والصحفي المعروف حولكي جويز أوغلو فقد علق على الموضوع بقوله أن المنظمة الانفصالية تحاول تشويه اعتبار وانتقاص قدر القوات المسلحة التركية عبر نشر مثل هذا الشريط وأضاف :"المنظمة الانفصالية تستغل الجنود لإجراء حملات دعائية مشوه ضد الجيش التركي.<BR><font color="#0000FF">خلاصة الكلام؛؛؛</font><BR> لا زالت الحكومة التركية واقعة تحت ضغطي الخيار العقلاني أم العسكري فيما يتعلق بالتصدي للمتمردين الأكراد.ويسعى حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى إيجاد حل دبلوماسي للمشكلة بينما تسود قناعة عامة بأن العمليات العسكرية ضد شمال العراق لن تنهي خطر حزب العمال الكردستاني. ففي المحصلة، وطبقا لرئيس الوزراء،فإن الحل الجذري للمشكلة الكردية يقع في الداخل التركي بما أن عدد المتمردين الأكراد في الداخل أكثر منهم في شمال العراق. وأكثر ما يخشاه المراقبون هو تأثير أي تصعيد عسكري على مناخ الإصلاح السياسي وعودة الطبقة العسكرية إلى نفوذها السابق الذي لا يزال رغم تراجعه قويا جدا. كما يؤكد المراقبون أن هناك قلق حكومي من أن يكون حزب العمال الكردستاني يستدرج تركيا إلى الفخ العراقي فتسقط الشعبية القوية لحزب العدالة والتنمية ويتفخخ المسار الأوروبي لتركيا وهو ما يصب طبعا في مصلحة حزب العمال الكردستاني.<BR><br>