الدكتاتورية ما بين ساركوزي والقذافي
5 ذو الحجه 1428

زيارة القذافي إلى فرنسا وما رافقها من صخب كبير وجدل محتدم, جاءت لتؤكد ما أصبح في عرف البديهيات عن الغرب من ازدواجية المعايير وأخلاقيات النفاق والعقلية الاستعمارية والتي ما فتئت حاضرة وبقوة في كل المواقف والمعاملات والصفقات مع ما يسمونه بالدول النامية أو دول العالم الثالث. في تعاملاته وادعاءاته ومنذ زمن "الاستعمار" المباشر والذي ولى ليعقبه "استعمار" غير ظاهر, يبقى الهدف الأساسي للغرب الاستيلاء على خيرات ومقدرات الشعوب ليبقى متنعما برفاهية عالية فيما تتقلب غالبية البشر في ضنك من العيش وبؤس من الجوع والقهر. <BR>حركة نهب الأموال والمقدرات أخذت صيغ كثيرة, منها ما يسمى بسرية الحسابات حيث تنهب ثروات الأمم من حكام فاسدين وتنتقل لتحظى بالأمن والأمان في حسابات بنكية سرية في الغرب, صفقات السلاح بأرقام فلكية والتي لا ترد عدوا ولا تنفع صديقا, التعويضات الخيالية كما حصل مع ليبيا ومع العراق والذي ما يزال وهو المحتل منذ سنوات يدفع تعويضات باهظة وأموالا ضخمة عن احتلال نظامه شهورا للكويت. تدمير الدول العربية والإسلامية ليتسنى للاقتصاد الغربي الانتعاش من إعادة البناء كما كان يؤمل من الحالة العراقية والأفغانية, بناء المفاعلات النووية والمنشآت العسكرية ومن بعد ذلك تفكيكها وتحطيمها كشرط للقبول في المجتمع الدولي كما جرى مع نظام القذافي. <BR>حاولت فرنسا والتي يعلن وزير خارجيتها برنار كوشنير عن حق التدخل الإنساني والذي يتجاوز سيادة الدول, التخفيف من لون النفاق الفاقع والذي لطخته زيارة القذافي وخيمته وحاشيته, بتوزيع الأدوار فانبرت وزيرة الدولة الفرنسية لحقوق الإنسان رما ياد إلى انتقاد الزيارة وتوجيه عبارات لاذعة للقذافي وقالت إن عليه أن يفهم أن بلدنا ليس ممسحة يمكن لزعيم ما، سواء أكان إرهابيا أم لا، أن يأتي ويمسح قدميه عليها من دماء جرائمه. وزير الخارجية كوشنير اعتبر أن هذه الانتقادات تأتي ضمن دورها داعيا من جهته إلي الواقعية, وأوضح الوزير لإذاعة فرانس انتير إنه سيشارك بصدفة سعيدة في اجتماع مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل، ولن يتمكن من حضور حفل عشاء يقام في باريس علي شرف الزعيم الليبي –في محاولة للتهرب من الاستحقاقات الأخلاقية للزيارة-, واعتبر أن زيارة القذافي هي حدث ثانوي قائلا دعونا لا ننس شيئا، وعلي أخص الضحايا الذين سأقف دوما إلى جانبهم. <BR>الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وفي سياق دفاعه عن زيارة القذافي, تجاوز حدود المنطق والأدب الدبلوماسي وحتى الإنساني بقوله لصحيفة "لونوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية إن الرئيس الليبي معمر القذافي لا ينظر إليه كديكتاتور في العالم العربي. وأضاف ساركوزي للصحيفة أن "الرئيس الليبي هو أقدم حاكم عربي في المنطقة، وهذا أمر له حسابه في العالم العربي". وأعرب عن اقتناعه بأن "على فرنسا أن تتحاور مع الجميع، فيما تظل صلبة في التمسك بقيمها". لا أدري بأي صفة أو صيغة يتكلم ساركوزي وبطريقة فظة باسم العالم العربي, ومن أخبره بأن في حسابات العالم العربي أقدمية للحاكم؟<BR> هل يظن ساركوزي أن العرب هم من الرعاع والذين لا يستطيعون تمييز وتعريف الدكتاتور؟ تصريح ساركوزي يشتم فيه ومنه رائحة العنصرية والتي تذكرنا بوصفه للفرنسيين من أصول إفريقي وعربي والثائرين من التهميش والإهمال في ضواحي باريس منذ عامين بأنهم حثالة, ثم لماذا يحتاج ساركوزي لمقاييسنا المزعومة في الدكتاتورية, ولا يستخدم معاييره والتي يكررها علينا من مناسبة للأخرى؟ ثم إذا لم تكن من دكتاتورية القذافي سوى صفقاته الضخمة مع فرنسا ومع غيرها دون الرجوع لمؤسسات في بلده أو لمستشارين أمناء يدرسون جدوى هذه الصفقات ومردودها على الشعب الليبي المسحوق والمقهور فلكفته!! ناهيك عن مغامراته الطائشة وتبديده لثروات بلاده وتأرجحه في المبادئ والعلاقات وقمعه للمعارضين وخنقه للحريات.<BR> ساركوزي الذي نقلت عنه صحيفة ليبراسيوان الفرنسية في 19 نوفمبر الماضي عبارات لاذعة وشديدة بحق المسلمين وجاليتهم في أوربا وعن صدام الحضارات معهم, في اجتماعين ضماه وكل من رئيس الحكومة الإيرلندي بيرتي آهيرن في 21 سبتمبر الماضي و(رئيس الحكومة السويدي) فريديريك راينفيلت في الثالث من أكتوبر المنقضي, هو أخر من يحق له أن يتكلم باسم العالم العربي أو برؤيته أو بطريقة تفكيره. مع التذكير أن أكثر سكان العالم العربي محرومون من حقوقهم في التعبير والمشاركة السياسية بل وبحقهم في الحد الأدنى من الحياة الكريمة بفضل زعماء يتلقون دعم الغرب المطلق ومديحه وحفاوة الاستقبال وحرارة الترحيب.<BR><br>