
من الصعب جداً تحديد المسؤول والمستفيد من اغتيال فرانسوا الحاج (مدير العمليات في الجيش اللبناني) ، وهو الرجل الثالث في المؤسسة العسكرية اللبنانية ، ولكن وفقاً للقواعد المتبعة ووفقاً للدستور في لبنان ، فإن قائد الجيش اللبناني يكون من الطائفة المارونية ، ومن ثم فإنه كان المرشح الوحيد تقريباً لخلافة العماد ميشال سليمان القائد الحالي للجيش اللبناني ، إذا ما تم انتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية وهو شخص مقبول من كل الفرقاء في لبنان ، لأنه رفض منذ عام 1976 الانضمام لجيش سعد حداد الموالي لـ"إسرائيل" ، وبالتالي فهو مقبول من " حزب الله " ، ومقبول من فريق الأكثرية لأنه مجرد جنرال محترف ، وهو أيضاً من المنتمين إلى عقيدة الجيش اللبناني في عدم الولاء إلا للبنان وعلى حد قول الرئيس نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني وهو من الطائفة الشيعية فإن العميد فرانسوا الحاج كان أحد الأركان الأساسيين في ضمان عقيدة الجيش الوطنية .<BR> وهو أيضاً أحد تلاميذ الجنرال ميشيل عون الذي أصبح واحداً من أبرز المعارضين لحكومة السنيورة ومن أكبر حلفاء "حزب الله" ، وقد صرح الجنرال عون بأن اللبنانيين خسروا قائداً كبيراً . <BR>وهكذا فإنه لا مصلحة مباشرة لأي من فريق المعارضة أو الأكثرية في اغتيال العميد فرانسوا الحاج، وكذا فهو ليس من المعادين لسوريا في لبنان، وبذلك يصبح اغتيال العميد فرانسوا الحاج أحد الألغاز اللبنانية وقد يفسر البعض محاولة الاغتيال على أنها نوع من تعطيل عملية انتخاب العماد ميشيل سليمان لرئاسة الجمهورية ، على أساس أن خليفته المرتقب في قيادة الجيش سيتم البحث عنه لإرضاء كافة الفرقاء وخاصة "حزب الله" ، التي لن ترضى قائداً للجيش لا يكون متعاطفاً مع مشروعها، إلا أن هذا التفسير يظل تفسيراً جزئياً في المستوى القريب زمنياً، لأن المعارضة بالفعل كانت قد وضعت العصي في الدواليب بخصوص انتخاب العماد سليمان لرئاسة الجمهورية الذي يحتاج بالطبع إلى تعديل الدستور اللبناني أولاً، لأن تلك المعارضة اشترطت لذلك أن تتم استقالة الحكومة اللبنانية أولاً، ثم التوافق على حزمة متكاملة أو سلة متكاملة من الإجراءات التي تحدد المناصب في الجيش والحكومة والرئاسة في وقت واحد، وهو ما كان قد صرح به الجنرال ميشال عون في مؤتمر صحفي قبل اغتيال فرانسوا الحاج حيث قال الرجل أن الانتخابات للرئاسة لن تتم قبل الأعياد، وهو ما يعني نهاية السنة، وعدم إمكانية اجتماع البرلمان اللبناني لتعديل الدستور قبل مارس 2008 وإلا وقعنا في مخالفات دستورية جديدة، حيث لا يمكن للبرلمان الذي تنتهي دورته الحالية في نهاية العام أن يقوم بالتعديل في فترة انتقالية. <BR>من ناحية ثانية فإن الحديث غير الموثق عن أن العميد فرانسوا الحاج كان هو المسئول عن تصفية تنظيم جند الإسلام واقتحام معسكر اللاجئين الفلسطينيين في نهر البارد هو كلام لا يخص العميد فرانسوا الحاج وحده، فهو يخص كل قيادة الجيش فلماذا يتم استهداف الحاج وحده، وكذا فإن عملية اغتيال فرانسوا الحاج من حيث الزمان والمكان والطريقة لا تسمح بإسناد تلك العملية إلى تنظيم محدود القدرات، فهناك معرفة مسبقة بتحركات العميد فرانسوا الحاج لا تسمح بها قدرات تنظيم مثل جند الإسلام ولا غيره، ولا تتسنى إلا لجهاز مخابرات كبير وقادر وفاعل ويمتلك أدوات عالية في الساحة اللبنانية وكذلك مكان الاغتيال بالقرب من القصر الجمهوري والسفارة الأمريكية، وعدد من المصالح والمؤسسات ذات الحراسة العالية جداً. وكذلك الطريقة وكمية المتفجرات المستخدمة في الحادث والدقة التي تمت بها العملية، ثم الانسحاب الآمن جداً للعناصر التي نفذت العملية، كل هذا يقطع بأن المسألة لها علاقة بجهاز قوي وقادر في تلك المنطقة من لبنان وفي لبنان عموماً، وفي كل الأحوال فحتى لو كانت تلك العملية من صنع تنظيم جند الإسلام أو غيره، فلا بد أنه كان بتنسيق مع آخرين وبتسهيلات كبيرة من داخل الأجهزة اللبنانية ذاتها أو أجهزة أقوى في لبنان من الأجهزة الأمنية اللبنانية. وعلينا بالتالي البحث عن الفاعل الحقيقي في هذا الإطار. <BR>الرسالة الواضحة في عملية الاغتيال، أن مؤسسة الجيش ذاتها لم تعد بعيدة عن الاستهداف ، وإذا كان المراقبون يتحدثون عن أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة الباقية في حالة تماسك وعدم انقسام في لبنان فإن معنى استهداف الرجل الثالث فيها والمرشح لقيادتها قريباً يعني أنه ليس هناك في لبنان شيء خارج السيطرة وأن الجيش ذاته ليس محصناً، وأن القوة التي وراء الاغتيال إما تريد أن تقول أنها أقوى من الجميع، وأنه لا أحد يستطيع تجاهل نفوذها حتى داخل الجيش نفسه، وإما أن المستهدف هو إنهاء حالة التوافق اللبناني الآن وفي المستقبل وأن القوة الفاعلة تريد تفكيك لبنان وتوصيله إلى حالة من السيولة الكاملة أو الحرب الأهلية. <BR>على أنه من الغريب والمثير أن تكون هذه العملية هي ثامن عملية اغتيال تتم لشخصيات سياسية وأخيراً عسكرية كبيرة جداً، وفي كل مرة لا تصل التحقيقات إلى شيء فهل هو عجز أمني شامل داخل أجهزة الأمن والاستخبارات و"العدالة" اللبنانية سواء في وزارة الداخلية اللبنانية أو الجيش اللبناني أو كل أجهزة الاستخبارات التابعة للحكومة أو الجيش في لبنان، أي أن هناك اختراقاً كبيراً لتلك الأجهزة يشلها عن أداء واجبها، وفي كل الأحوال فإن هذه مسئولية الحكومة اللبنانية قبل غيرها وما أطرف أن تقوم الحكومة اللبنانية لتلقي المسئولية في كل مرة على المعارضة وكأن المعارضة هي المسئولة عن إجراء التحقيقات والإتيان بالفاعل والجاني وليس الحكومة في لبنان. <BR>كل شيء في لبنان قابل للتصور والفعل، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. <BR> <BR><br>