
كيف يختار من لا يعيش في مجتمع يرجع الناس فيه سواء في مشوراتهم أوفي أمورهم العامة إلى قيادة ترشدهم وتسوسهم ، أي في مجتمع سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معان ايجابية ، ففي مجتمعاتنا اليوم كل خطاب يستطيع خداع كثير من الناس ، وكل مؤامرة على الدين وعلى الأوطان تمر دون أن يشعر بها هؤلاء .<BR><BR>العمل السياسي إذا لم يكن واسع الجوانب، له صلة بالمبادئ وله صلة بالثقافة والعلم و الأمور الاجتماعية والاقتصادية، وبمعنى آخر إذا لم يكن (حضارياً) فإن الناس سيفقدون التراحم والتآلف وتذهب الثقة وتبدأ المناكفات ويظهر الاختلاف والبعثرة النفسية.<BR> <BR>دخل الشيخ حسن البنا _رحمه الله_ الانتخابات العامة عندما كان في مصر أحزاب وبرلمان ، وترشح عن مدينة الإسماعيلية ، ولكن الحكومة أصرت عليه أن ينسحب من هذه المعركة الانتخابية ويبتعد عن هذا الموقع ، وانسحب الشيخ وقد تكون المصلحة في ذلك ، لأن مثله يجب أن يكون فوق البرلمانات وفوق التنافس الانتخابي . وترشح الشيخ مصطفى السباعي _رحمه الله_ عن مقعد شاغر في مدينة دمشق ، كان ذلك عام 1957،وكان منافسه على هذا المقعد ذا توجهات قومية علمانية ، ووقفت الحكومة مع هذا المنافس ووقفت مصر عبد الناصر ضد الشيخ السباعي، وكانت النتيجة أن فاز منافسه وكانت لهذه المعركة الانتخابية آثار سيئة على الدعوة. <BR>في مثل هذه المعامع السياسية نجد من يعرف مداخلها ومخارجها وينصح بأمور قد تكون هي الأفضل في وقتها، فكان من مقترحات أحد أعيان المصريين (عبد المجيد باشا) "أن يؤيد الإخوان المسلمون في دوائرهم الانتخابية رجالا لهم ثقافة رفيعة وخلق رضي ودين قويم ، وكان الجميع يكرهون أن ينقلب الإخوان حزبا سياسيا" (1)<BR>ويتحدث الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء الجزائريين بعد ابن باديس عن تجربته فيقول : " ورأي في الزعيم السياسي المثقف في أمة كأممنا الشرقية أنه يجب عليه أن يترفع عن الميادين التي تشغله عن المهم وتلهيه بالصغائر وتخلق له الخصوم ، وأن يصرف همه كله إلى تربية الأمة وجمع صفوفها ، فإذا تم له ذلك أصبح مرهوبا من الحكومة ، وأصبح محبوبا عند الأمة ، وبذلك يصبح متحكما في الانتخابات يسيرها في المصلحة الوطنية "(2)<BR>إن من السياسة أن يكون لأهل الفضل والإصلاح مرتكزات قوية اجتماعية وثقافية بعيدا عن الدخول في الدروب الضيقة. يقول الشيخ رشيد رضا عن الزعماء الاجتماعيين " الذين يشرفون على الأودية والترع التي تجري فيها سيول الحوادث الجديدة ويقدرون على تحويلها إلى حيث تكون محيية لأرض الأمة " (3)<BR>لقد توسع مفهوم السياسة ليطال أعمالا كثيرة، فكل عمل يقوم به المسلم لخدمة الأمة هو عمل سياسي. الناس عندما يمدحون سياسيا يقولون عنه ( داهية ) ونحن لا نريد دهاة بل نريد أعمالا ايجابية ومجتمعا سياسيا يعرف واجباته وحقوقه، ولن ينجح أي إصلاح سياسي لا ينبثق من داخل الفرد ، من إيمانه وتحديه لكل ضغط خارجي أو داخلي .<BR>ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>1. أحمد حسن الباقوري: بقايا ذكريات /48<BR>2. الآثار الكاملة: 5/136<BR>3. مجلة المنار: مجلد 9/128<BR><br>