رموز مرحلة ما بعد صدام: 2- محمد باقر الحكيم
6 ربيع الأول 1424

يعتبر محمد باقر الحكيم من الأرقام الفاعلة اليوم في التشكيل المنتظر لحكم العراق , فهو يعد من أبرز الشخصيات ذات الشعبية في الأوساط الشيعية ؛ ويتوقع لها أن تقوم بدور ما في تشكيل عراق ما بعد صدام .. وهذا يدفعنا إلى إلقاء بعض الضوء على شخصية القيادة الشيعية الأهم في العراق عند الإيرانيين تحديداً ..فقد ولد الحكيم عام 1939م في مدينة النجف مركز المرجعية الدينية عند الشيعة الإمامية العرب منذ عدة قرون، حيث توجد فيها أكبر جامعة علمية للشيعة الإثني عشرية حتى أواخر السبعينات.<BR> والحكيم، هو نجل من يسميه الشيعة بآية الله العظمى محسن الطباطبائي الحكيم، (المرجع الديني العام للشيعة في العالم منذ أواخر الخمسينيات حتى وفاته عام 1970م)</br></br><font color="#FF0000">نشأته ودراسته</font></br></br>وللرجل اتصال علمي وتنظيمي مع كافة الرموز الشيعية المعروفة سواء في العراق أو خارجه ففي مطلع شبابه كان يواظب على حضور درس (خارج الفقه والأصول) لدى كبار المتنفذين في الحوزة العلمية أمثال أبو القاسم الخوئي (مؤسس منظمة الخوئي في لندن، ووالد عبد المجيد الذي قتل مؤخراً) و محمد باقر الصدر (الذي قتله النظام البعثي في العام 1982، ووالد مقتضى الصدر الذي يتهم بتدبير اغتيال عبد المجيد) حيث حضر عنده في بداية تدريسه لبحث الخارج، واستمر بالحضور لدى هذين العالمين فترة طويلة.. وكلاهما كان يوليه اهتماماً خاصاً وملحوظاً.<BR>وتتلمذ على يديه بعد أن أقرته الحوزة كأحد مراجعها كثير من القيادات العلمية الشيعية أهمهم عباس الموسوي الأمين العام الأسبق لما يسمى بحزب الله في لبنان، وهذا يعطي ملمحا هاما لمدى الترابط بين الفصائل والخلايا الشيعية المنتشرة في المنطقة.<BR> والحكيم يعد من القيادات الذكية التي أجادت اللعب بكل الأوراق في طريق هيمنتها على القاعدة الشيعية في العراق , فقد أولى منذ البداية مع رفقائه كالصدر وغيره اهتماما كبيرا بدعم فكرة إنشاء كلية أصول الدين في بغداد ثم السيطرة عليها، منطلقين من فكرة ضرورة هيمنة الحوزة العلمية ومشاركتها في النشاطات الجامعية، وأوعز الصدر لقيادة الجامعة أن تولي الحكيم مهمة تدريس علوم القرءان والفقه المقارن , كما لم يفت التنظيميين الشيعة أن يجعلوا من الحكيم مشرفا على مجلة "رسالة الإسلام" , مثلما لم يفته أن يتوجه للعمل الطلابي ؛ فحرص على ألا يتخلف عن مواكبة الطلبة ممثلا لأبيه دوما .</br></br><font color="#FF0000">الأعمال التي قام بها للشيعة</font></br></br>الحكيم لم يترك بابا لم يفتحه أو بأقله يقرعه في سبيل طموحاته لتوحيد الشيعة تحت رايته، فهو يؤمن بفقه ـ أو : عقيدة ـ ولاية الفقيه ؛ التي يرى عدد من علماء السنة أنها لا تنسجم مع الرؤية الإسلامية للحكم، فتجده قد أولى اهتماماً خاصاً لتأسيس المكتبات والجمعيات الشيعية لما لها من دور كبير في نشر الفكر الشيعي والتمهيد لنفوذه وولايته في هذه الأوساط.<BR>وهو قد شارك بشكل كبير بإقامة الاحتفالات ذات الطابع الجماهيري والسياسي والعقائدي كما هو الحال في احتفال مدينة النجف بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى والحسين رضى الله تعالى عنهما وميلاد "الإمام الحجة القائم المنتظر" محمد بن العسكري الذي يقام في البصرة في 15 شعبان من كل عام ؛ وهو مهدي الشيعة الذي يزعمون أنه دخل سردابا منذ نحو ألف عام ولما يخرج منه إلى اليوم !!..<BR>على أية حال , فالرجل لم تقتصر جهوده على النجف "الأشرف" بل تواصلت إلى كافة المدن العراقية الشيعية , وله تحركات شعبية زار خلالها العديد من المدن العراقية قبل فراره من العراق قبل نحو ربع قرن , منها على سبيل المثال قيامه بزيارات عمل وتفقد للمدن العراقية واللقاء بأتباعه ومريديه من المؤمنين بعقيدة الإثني عشرية ورعاية نشاطاتهم العامة، مثل زيارته للبصرة، وزيارته للناصرية والحوزة الشرقية، وافتتاح جامع وحسينية الشرقي، والديوانية، والعمارة والكوت، وغيرها، حيث كان يتم ذلك وسط استقبالات شعبية واسعة , وامتدت هذه التحركات إلى الجالية الشيعية العراقية في إيران، ومنها دوره الملموس في إنشاء مؤسستين شيعيتين عالميتين:<BR> الأولى: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية حيث يحتل الآن موقع رئيس المجلس الأعلى لهذا المجمع والذي يرى بعض المتابعين لهذه المؤسسات أنه يمارس عقيدة التقية الشيعية؛ حيث المصلحة في عدم خلق مناخ تصادمي ظاهري مع أهل السنة من أجل تهيئة المجال لنمو المد الشيعي.<BR> والثانية: المجمع العالمي لأهل البيت حيث يحتل موقع نائب رئيس المجلس الأعلى لهذا المجمع.<BR> باقر الحكيم كان له أيضا حضور سياسي واضح مع بدايات العمل الشيعي الثوري , فقد شارك مع الرفقاء الشيعة كباقر الصدر ومحمد مهدي الحكيم في تأسيس التنظيم الإسلامي سنة 1958م ، الذي تحول لاحقا إلى "حزب الدعوة الإسلامية" .</br></br><font color="#FF0000">حياته السياسية في العراق</font></br></br>وقد فطن النظام البعثي مبكرا للخطر الذي يمثله توحيد شيعة العراق تحت مرجعية واحدة لا تعترف له بشرعية النظام العراقي السابق، فأطلق في قرار للمؤتمر القطري السابع لحزب البعث على حركة المرجعية الدينية والأجهزة والمؤسسات المرتبطة بها بـ(التيار الرجعي الفاطمي) إلا أنه لم يعلن عداءه للمرجعية التفافا على شعبيتها المهيبة.<BR>فطن النظام للحكيم , غير أنه كان ورفاقه من الحنكة بما جعلهم يتحركون بعد وفاة والد الحكيم مرتكزين على أمرين هامين : <BR>أحدهما : الحفاظ على ما أنجز بشأن ديمومة وحدة العمل الشيعي تحت إطار المرجعية الإمامية ما يكرس قداسة مرجعية لا تستطيع الحكومة العراقية تجاوزها أو قمعها . <BR>وثانيهما : فصل عمل الحوزة والمرجعية عن العمل السياسي الشيعي، مع اعتبار المرجعية هي الجهة ذات السيادة الوحيدة على الشيعة، وذلك إمعانا في توظيف العمل السياسي في إضفاء الكاريزما على رموز الحوزة العلمية. <BR> ولم يكن هذا الأمر هينا في ظل نظام يشغل الأمن الداخلي جل اهتمامه , فقد تعرض باقر إلى الاعتقال مع رفيقه الصدر في العام 1972م من قبل نظام احمد حسن البكر , كما اعتقل في العام 1977 لأكثر من عام إثر إخماد فتنة الشيعة التي بدأت سنة 74 .<BR> وفور الإفراج عنه فكر في مغادرة العراق إلي إيران خصوصا بعد أن قامت الدولة الشيعية في إيران عام 1979 وبعد أن قُتل رفيقُه الصدر بعد ذلك بعام , وبالفعل غادر العراق في منتصف عام 1980 إلى دولة عربية مجهولة ـ ربما كانت الأردن ـ ومن ثم إلى سوريا التي تتعاطف مع وتدعم الشيعة في لبنان والمعارضة الشيعية العراقية خصوصا. <BR> ويقول مكتب الحكيم إنه قد اتخذ قراره بالهجرة من العراق لقيادة ما يدعونه بـ"عملية الجهاد" ضد نظام صدام الدموي، حيث أصبح بقاؤه مستحيلاً في ذلك الوقت.<BR> وقد جرى تسلسل تكوين منظومة العمل السياسي الشيعي المناوئ لنظام الحكم البعثي العراقي على نحو مألوف لما يحدث كمخاض لأي تنظيم سياسي ففي البداية كانت "جماعة العلماء المجاهدين في العراق" ثم آلت إلى تأسيس "مكتب الثورة الاسلامية في العراق".. وبعد تدخلات إيرانية وجهود جبارة تكون "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" في أواخر عام 1982م ، وانتخب الحكيم ناطقاً رسمياً له , غير أنه كان المتنفذ الفعلي في مجريات المجلس ؛والمسؤول عن تمثيله في أي محفل , إلى أن جاء العام 86 وتولى الحكيم فعليا رئاسة المجلس إلى اليوم</br></br><font color="#FF0000">الدعم الإيراني للحكيم</font></br></br>ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1981، عمل الحكيم على إقناع الحكومية الإيرانية الثورية الناشئة على تبني المجلس وتشكيل جناحه العسكري - الذي تسمى فيما بعد بفيلق بدر- من جموع اللاجئين العراقيين، ليقوم بمناوشة الحدود العراقية بين وقت وآخر. وفي المقابل منح صدام للمعارضين الإيرانيين المعروفين بمجاهدي خلق قواعد متعددة داخل الأراضي العراقية على حدودها مع إيران. <BR> وحين أطلق صدام حملته الرعناء لغزو الكويت بدأ الحكيم يشعر بدنو أجل نظام صدام، لكن العمل الأظهر كان خلال انتفاضة الأهوار بجنوب العراق عام 1991 في أعقاب الهجوم الأمريكي، والتي عمل فيها رجاله على ذبح العديد من القيادات البعثية في محافظات الجنوب ذات الغالبية الشيعية قبل أن تترك الولايات المتحدة النظام البعثي ليرد على الانتفاضة مستخدما الطائرات المروحية والدبابات والمدفعية، وفعل الشيء ذاته حين تكررت عملياتهم الجريئة ضد نظام صدام كقصف القصر الجمهوري بصواريخ الكاتيوشا ثلاث مرات خلال عام 2000، وتفجير وزارة التخطيط، ووكالة الانباء العراقية، ومقر القوة الجوية.<BR>لكن الأخطر كان إبان الحرب الأخيرة وإثرها، والتي كان لأتباع الحكيم فيها دور يتعارض كلية مع تطلعات عموم العراقيين و الشعوب المسلمة المتابعة للأحداث العراقية بقلق شديد. حيث تتداول بعض المصادر الصحفية أخبار الدور الغامض الذي مارسه بعض أتباع الحكيم في تمرير القوات الأمريكية والبريطانية المحتلة خلال محافظات الجنوب، ويجعل الكثير يتساءلون عن جدوى شعارات "الشيطان الأكبر" التي عادة ما تطلق على هذه الجهات، وفي نفس الوقت الذي كانت مؤتمرات المعارضة العراقية تعقد في عواصمها !! .</br></br><font color="#FF0000">موقفه من الحرب على العراق</font></br></br>الحكيم لاشك يستحوذ على قلوب وعقول الشيعة، لكن إذا سمع بقية العراقيون صوته الخافت في إدانة العدوان على العراق واحتلاله من خلال بيانه الحسيني، هل يمكن أن يمتلك قلوبهم.!؟؟، وهل يمكن أن يكون له ولحزبه دور فاعل في رسم مستقبل العراق السياسي، أم أن الأمريكان وهم المتحكمين بمقاليد أمور العراق حالياً سيكون لهم موقف آخر!؟. خصوصاً مع المواقف الأمريكية الجديدة من علاقاته الوثيقة مع إيران من جهة، ومن مقاتلي مجاهدي خلق داخل العراق من الجهة الأخرى.<BR>و البيان الحسيني الذي أصدره مؤقتا كان ينص على ما يلي : <BR>"قضايا رئيسية يجب الانتباه والالتفات إليها:<BR>1ـ فقدان الأمن والاستقرار وعدم وجود النظام السياسي الوطني العراقي، حيث يؤدي ذلك إلى المزيد من الاضطراب والخسائر والقلق لعموم المواطنين العراقييـن.<BR>2ـ الاختلال في الحياة المدنية والضرورية للشعب وإدارة الحياة العادية لهم.<BR>3ـ تصفية الوجود الفاسد السياسي والاجتماعي وآثاره وتداعياته الأخلاقية والاجتماعية.<BR>4ـ وجود المجموعات الإرهابية والمتطرفة وبقايا النظام البائد وأزلامه التي تحاول الإخلال بالأمن العام.<BR>5ـ وجود القوات الأجنبية وتداعيات ذلك الوجود وآثاره الخطيرة.<BR>6ـ إعمار العراق وإعادته إلى موقعه الطبيعي في المنطقة والمجتمع الدولي." <BR><BR><br>