دماء فتح والأنصار في عين الحلوة , ثأر قديم
10 ربيع الثاني 1424

<BR>هناك في أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان و أكثرها كثافة 0وفي بيوت متلاصقة و متواضعة , و في أزقة و حواري تنبعث منها روائح القمامة , تتجلى بكل وضوح لوحة الفسيفسائية الفلسطينية التي تجمع كل فصائل العمل الوطني و الإسلامي الفلسطيني . <BR><BR>و يبدو المخيم ذو الـ 72 ألف نسمة , و الذي صمد رجاله إبان الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان في العام 1982 ؛ مفعما بالولائية الحزبية , في الوقت عينه الذي تنزع فيه معظم الفصائل الفلسطينية تجاه الانحيازية عن أطراف إقليمية و دولية تريد أن تستقطب خيوط قضية اللاجئين بأطرافها . <BR><BR>فالعديد من القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية والمشبوهة أيضا تجد متسعا لها في هذا المخيم على ضيقه , هناك في المخيم : حركة فتح "عرفات" , حركة فتح ـ كل فلسطين "العقيد منير مقدح" ( معارضة لأوسلو) , القوى الإسلامية (حماس ـ الجهاد ـ عصبة الأنصار ـ جماعة النور ـ الجماعة الإسلامية) , تحالف القوى الفلسطينية (يضم الجبهة الشعبية ـ جبهة التحرير الفلسطينية ـ القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل ـ جبهة النضال الشعبي ـ حركة فتح/ الانتفاضة ـ منظمة الصاعقة ـ الجبهة الديمقراطية إضافة إلى حركتي حماس والجهاد الممثلتين فيه أيضا) .<BR><BR> برغم سخونة أحداث هذا الصيف , جوار مخيم عين الحلوة ؛ في مدينتي شرم الشيخ المصرية والعقبة الأردنية اللتين استضافتا رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى جانب ملوك ورؤساء ورؤساء وزارات عرب , إلا أن هذا المخيم الصغير قد أعاد كاميرات التصوير إلى أزقته مجددا حين أسفرت المواجهات الدامية بين حركة فتح وعصبة الأنصار عن مقتل وإصابة نحو 25 فلسطينيا أواسط مايو الماضي , وكان من بين الجرحى أحد الزعماء المنشقين عن العصبة لفترة وهو "الشيخ عبد الله الشريدي"(يرأس جماعة النور) .<BR><BR>ولعل أكثر ما أثار انتباه المراقبين في هذه المصادمات الدامية في المخيم هو تلك الرسالة التي أرادت العصبة أن ترسلها إلى فتح حين ردت على محاولة اغتيال الشريدي بتصفية العديد من مسلحي فتح , وهي أنها ليست لقمة سائغة يمكن أن تلوكها ميليشا فتح في المخيم , فمن هي إذن هذه الجماعة التي تملك جرأة تحدي أكبر الفصائل الفلسطينية وأكثرها تنظيما وأحدثها تسليحا ؟ <BR>تعد عصبة الأنصار اليوم من المجموعات المسلحة والنافذة في المخيم، وهو ما جعلها رقمًا أساسياً في المعادلة الأمنية والسياسية، وهي على علاقة طيبة مع جميع الأطراف في المخيم، وقد تكرس دورها وذاع صيتها بعد تورط البعض من عناصرها في اغتيال "نزار الحلبي" رئيس جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)[1] ، ويتزعمها حالياً الشيخ "أحمد السعدي"، المكنى بـ "أبو محجن" .<BR><BR> ثم اشتهرت ثانية عندما تصدى نحو 60 من منتسبيها لقوى الأمن اللبنانية يوم 2 / 1 / 2000 عندما طوقت قوات الجيش اللبناني موقعًا لإسلاميين من السُنة في جرود الضُنية شمال مدينة طرابلس [2] بحجة أن معظمهم من المطلوبين للتحقيق على خلفية أعمال التفجير التي طالت بعض الكنائس المسيحية في شمال لبنان . و لم يعرف وقتها من الجهة التي بدأت بإطلاق النار التي أسفرت لدى تبادلها عن مقتل 45 مسلحا بينهم 11 عسكريا.<BR><BR> و تقول رواية غير رسمية لشخصيات طرابلسية : إن قوة من الجيش أقامت حاجزًا عند مدخل بلدة "عاصوم"، في إطار إجراءات أمنية احترازية، بعدما حصلت على معلومات تفيد أن مجموعات إسلامية مسلحة تستعد للقيام بهجمات مسلحة ضد مواقع سياحية أثناء انغماسها في احتفالات سهرة رأس السنة الميلادي . و بعد ذلك قام القضاء اللبناني بالحكم على 27 متهما بمقاومة السلطات في الضنية بأحكام بينها الإعدام , ما أدى إلى تحرك العصبة على ما يبدو منتقمة بقتل 4 من القضاة اللبنانيين .<BR><BR>بيد أن الشهرة الأبرز لهذه الجماعة كانت إبان تداعيات صواعق 11 سبتمبر حين أصدرت الولايات المتحدة قرارا "طريفا" بتجميد أرصدة هذه الجماعة "الفقيرة لحد العوز" ووضعت اسمها ضمن لائحتها للتنظيمات الإرهابية على خلفية ادعائها أنّ هذه المجموعة، الإسلامية السنّية الفلسطينية، كانت صلة الوصل بين عماد مغنية ( المسؤول العسكري السابق لحزب الله الشيعي و العامل في لبنان بالنيابة عن الإستخبارات الإيرانية، والمسؤول عن تفجير السفارة الأمريكية ومقرّات المارينز في بيروت سنة 1983، وخاطف عدد من الأمريكيين في لبنان خلال الثمانينات، والدماغ المخطط لخطف طائرة TWA إلي بيروت سنة 1985 ، وتفجير أهداف إسرائيلية في الأرجنتين) وبين بن لادن علي الأرض اللبنانية، وفي مخيمي عين الحلوة ونهر البارد ومدينة صيدا بصفة خاصة.<BR>عصبة الأنصار إذن جماعة تحتفظ بعداوة الأمريكان والسلطات العسكرية اللبنانية والفتحاويين والأحباش , وهذا كله يجعل صمودها أمام كل هؤلاء أمرا شبه مستحيل , ولعل قدرة عصبة الأنصار على تحدي فتح إلى الحد الذي شوهد في المخيم الأسبوع الأخير من شهر مايو الماضي هو ما استرعى انتباه الكثيرين ممن رأوا العصبة ما زالت رغم السهام المصوبة لها بعد فتية . ولفهم ذلك يمكننا العودة إلى الوراء قليلا و لسنوات لنرى الصورة بشكل أوضح في بؤرتها ؛ صورة نشأة العصبة , فقد برزت داخل المخيمات، خاصة في عين الحلوة، خلال السنوات التي أعقبت الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان سنة 1982 ظاهرة تشتت جيل الشباب وضياعهم في بعض المفاسد، من ناحية وبروز أعداد من الغرباء عن المخيم تبين أن معظمهم من المتعاملين مع الكيان الغاصب ، فجرت تصفيتهم على أيدي مناضلين أو هروبهم، وارتفعت في مقابل ذلك وتيرة الأوبة إلى الدين , وفي قلبه الأخلاق كما هو معروف . وشكلت تلك العوامل أرضية خصبة لنهوض التيارات الإسلامية خاصة "جماعة التوحيد الإسلامي" التي نشطت جنوباً وفي بعض المناطق بعد صداماتها المسلحة بالقوات السورية في منطقة الشمال . <BR>وشجع ذلك على قيام جمعيات خيرية عدة كانت أبرزها: جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية "الأحباش" الضالة , و التي نجحت في استقطاب عدد من كوادر حركة "التوحيد الإسلامي" وقواعدها. [3] <BR><BR>وأثناء الاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان في العام 1982 تعقب الكيان الصهيوني العديد من المناضلين الفلسطينيين , ومن بين المطلوبين للصهاينة كان هناك شخص يدعى هشام شريدي , و هو أحد الذين صمدوا في عين الحلوة مدة الـ 17 يوما إبان الاجتياح, و كان إذ ذاك منضويا تحت لواء أحد الفصائل الوطنية الفلسطينية , استطاع أن يفلت من بين أيدي الصهاينة , و يسافر إلى ألمانيا ؛ حيث يقول عن تلك الفترة بأنه قضى وقته في تعلم الفقه والدين على يد شيخ علامة من " الإخوان المسلمين السوريين " الذي يعيش في منفاه في ألمانيا الغربية. و عاد هشام شريدي بشكل مختلف في العام 1985 , و بدأ في تشكيل جماعات مسلحة، على رأس إحداها شخص يدعى "أبو محجن"، وقد قامت بعمليات متواصلة لتفجير محلات بيع الخمور وتعاطي المخدرات، و أماكن الخلاعة المأجورة، وكانت كل هذه الأعمال منتشرة بحدة في المخيم في حينه، ويشكو منها الجميع، فيما بدت الفصائل الفلسطينية عاجزة عن التصدي لها، مكتفية بتوجيه النصائح العامة والتحذير من العواقب الوخيمة. و في عام 1987 ( و هو عام اشتعال الانتفاضة الأولى ) أسس شريدي عصبة الأنصار . و استمرت العصبة في تصديها " الحسبي " للمنكرات حتى اكتسب شريدي شعبية واسعة، ومعه ساعده الأيمن المنفذ "ابو محجن" و معهما العصبة فلم يرق الأمر للفصائل فقرر بعضها التخلص من شريدي، ويقال إن جهاز الأمن التابع لحركة "فتح" بقيادة أمين كايد هو الذي اغتاله وسط أحد شوارع عين الحلوة في ديسمبر من العام 1991. و تولى من بعده القيادة أبو محجن أحمد عبد الكريم السعدي ( ولد أبو محجن في مخيم عين الحلوة عام 1967 ضمن أسرة "أكثر من متواضعة", و قد انتسب في مطلع شبابه الى "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" ثم إلى حركة "فتح". وشارك في عمليات مقاومة ضد القوات "الإسرائيلية"، خاصة أثناء اجتياحها لمعظم الأراضي اللبنانية عام 1987 وقد كان "شبلا" مسلحاً لا يتخلى عن حمل سلاحه الفردي , و قد اختفى أبو محجن تماما منذ اليوم الذي قتل فيه زعيمُ الأحباش و حتى هذه اللحظة ) . و قد تأثرت الحركة كثيرا بفقدان شريدي , حيث كانت تسمح علاقاته الخارجية بتلبية احتياجات تنظيمه المالية , و هو ما فشل فيه السعدي . إلا أن العصبة قد عادت إلى الواجهة مجددا مع عودة العديد من الفلسطينيين الذين قاتلوا ضمن فصائل الجهاد الأفغانية في أواسط التسعينات من القرن الماضي . ويفسر ذلك العداء الرهيب الذي تكنه فتح للعصبة , فحركة فتح تريد دوما أن تقدم نفسها للسلطات اللبنانية على أنها المسيطرة الفعلية على المخيم والمتحدثة باسمه , وهي بذلك لا تريد أن تبرز حركة تشاركها القيادة وتستعدي السلطات اللبنانية والأمريكية عليها . <BR><BR>نشأة العصبة ومعاناتها التاريخية هو أبرز ما يفسر صمودها واستعدادها للوقوف في وجه محاولات تصفيتها من جانب فتح , غير أن هذا الصمود لم يختبر أمريكيا , فمن بديهيات السياسة الأمريكية ألا تترك تنظيما يشتبه بعلاقته بتنظيم القاعدة على بعد كيلو مترات قليلة من الكيان الصهيوني .<BR>ترى , كم من الوقت سيمضي قبل أن تفتح الولايات المتحدة ملف عصبة الأنصار اللبناني مثلما فتحت ملف نظيره الكردي بصواريخ كروز وتوماهوك التي أطلقتها على كردستان من البحر الأحمر إبان العدوان على العراق ؟؟ <BR><BR>ـــــــــــــــــــــــــ<BR> <BR>[1](جمعية المشاريع الخيرية "الأحباش") : هذه الجمعية تتمتع بنفوذ وشعبية جيدة داخل المخيم لكنها تتحاشى الانخراط في لعبة التوازنات السياسية والأمنية، وهي تتولى حراسة مراكزها بنفسها، ويقوم رئيسها في المخيم الشيخ "عرسان سليمان" باتصالات دائمة مع مسئولي الجمعية في بيروت للتنسيق والتشاور. و تعد الجمعية جماعة ضالة تعتقد عقيدة الرفاعية و النقشبندية و تكفر الصحابة لاسيما معاوية و السيدة عائشة و خالد بن الوليد رضى الله عنهم أجمعين , و تكفر الشيوخ أحمد بن تيمية و محمد بن عبد الوهاب و الألباني و سيد قطب , و عندها القرءان كلام جبريل !! وقد تصدى لها عدد من علماء أهل السنة في عصرنا مثل المحدث الشيخ الألباني رحمه الله وغيره . وأفتى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بضلالهم في الفتوى رقم 2392/1 بتاريخ 30/10/1406ه التي جاء فيها : (( إن طائفة الأحباش طائفة ضالة ، ورئيسهم عبد الله الحبشي معروف بانحرافه وضلاله ، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة وتحذير الناس منهم ومن الاستماع لهم أو قبول ما يقولون )) . و لها علاقات قوية بالنظام النصيري السوري , وكذلك لدي نشأتهم بمدينة هرر بالحبشة حين كانوا عونا للدكتاتور هيلاسيلاسي على المسلمين ( كان للرفاعية كذلك علاقة قوية بالتتار لدي اجتياحهم بغداد ؛ و تعددت إغداقاتهم عليهم كما هو الحال مع الأحباش " الأثرياء " في لبنان ) .<BR> و جدير ذكره أن نفوذ الجماعة قد تقلص كثيرا بعد أن قتلت عناصر يعتقد أنها من عصبة الأنصار زعيم الأحباش الضال نزار الحلبي في يوم 31 / 8 / 1995 .<BR>[2] جرود الضنية منطقة جبلية تشرف على مدينة طرابلس , على ارتفاع 1100 مترا عن سطح البحر ؛ و تصلها طرق جبلية وعرة بقمة القرنة السوداء أعلى قمة في لبنان على ارتفاع 3080 مترا.<BR>[3] حركة التوحيد الإسلامية التي أسسها الشيخ سعيد شعبان عام 1982و الذي توفى في العام 1998 لازالت نشطة في طرابلس و محيطها برئاسة نجله بلال , لكنها فقدت كثيرا من عنفوانها على يد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي وجه لها ضربة قاصمة بعد أن كادت تصبح الممثل الوحيد للسنة في لبنان.<BR><BR><br>