الحكومة الموريتانية الجديدة ..هل جاءت بتغيير حقيقي
11 جمادى الأول 1424

في عملية تغيير جديدة للمواقع، قام الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد أحمد الطائع بتعيين رئيس وزراء جديد وكلفه بتعيين حكومة جديدة، لم تخرج معظم أسمائها عن التشكيلة القديمة عكسا لما كان يتوقع البعض… كما أجريت تغييرات على مستوى الحزب الجمهوري الحاكم الذي يرأسه ولد الطائع، ولم تكن هي الأخرى قدر المتوقع .. <BR><BR>ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت يومي 8-9 يونيو 2003 والأنظار تتوجه نحو تداعياتها وانعكاساتها على المستوى الوطني بشكل عام، وعلى المسرح السياسي بشكل خاص، فقد أثيرت موجة من التكهنات حول تغييرات جوهرية محتملة تشمل الحكومة والحزب الحاكم وبعض المواقع الأخرى، حيث كشفت المحاولة الانقلابية الأخيرة عن خلل واضح وفاضح في بنية التوازنات السياسية التي يعتمد عليه النظام الحالي.<BR><BR> ومع أن التوقعات كانت متفائلة وذهبت بعيدا لتتحدث عن تغييرات في مواقع برلمانية هامة مثل الرئيس الحالي للبرلمان الرشيد ولد صالح، فإن ما جرى - رغم سذاجة المتوقعين - كان أقل من اللازم ودون المتوقع في نظر القاعدة العريضة من الموريتانيين . <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">مسؤوليات جديدة لشخصيات قديمة:</font></br><BR><BR> شمل التغيير الأول رئيس الوزراء السابق الشيخ العافية ولد محمد خونا، وقد تولى مهمة الوزارة الأولى مرتين وبعض الوزارات الأخرى، وهو منحدر من ولاية الحوض الشرقي وينتمي إلى مجموعة قبلية محدودة العدد في شرقي الولاية واشتهر وطنيا بنهب الثروة السمكية للبلاد والمتاجرة فيها لأغراضه الخاصة، وظهر مؤخرا قبل عزله مهاجما شرسا للتيار الإسلامي في موريتانيا حيث هاجم الحجاب الشرعي ووصف الإسلاميين بالعملاء والمتخلفين.<BR> كما أنه أشرف قبل عزله مباشرة على صياغة بما سمي "قانون المساجد" المثير للجدل والذي حولت المساجد بمقتضاه إلي مرافق عمومية تابعة للدولة. كما تربطه علاقات أ سرية ببعض قادة محاولة الانقلاب الأخيرة ...<BR><BR>خرج الشيخ العافية من الحكومة بيدٍ ملطخة من أعراض المسلمين وبسمعة غير جيدة في صفوف الموريتانيين ليخرج في اليوم الموالي من المجلس الوطني للحزب الجمهوري يلاحقه العار ولا يأسف على غيابه أحد - حسب ما جاء على لسان بعض المواطنين - وحل مكانه اسغير ولد امبارك، مهنته الأولى المحاماة، إلا أنه تقلد العديد من الوزارات في عهد النظام الحالي، وهو من فئة "الحراطين" (العرب السود) وذو توجه عروبى وينحدر من ولاية الحوض الشرقي مثل سلفه..<BR> ويرى بعض المراقبين أن تعيينه يمثل خطوة استباقية على ترشح ابن فئته البرلماني المعارض السيد مسعود ولد بلخير للرئاسيات القادمة التي أصبحت على الأبواب .. <BR><BR>ويذكر الموريتانيون كثيرا للوزير الأول الجديد ضلوعه التاريخي في تسريب امتحان شهادة الباكالوريا سنة 2000عندما كان وزيرا للتهذيب الوطني .. ولا يتوقع الكثير أن تكون الحكومة تحت رئاسته أفضل من سابقتها تحت رئاسة سلفه التي كانت حكومة "ديكور" في أحسن أحوالها.<BR><BR> التغيير الثاني الذي حملته الحكومة الجديدة هو خروج وزير الداخلية والبريد والمواصلات لمرابط ولد سيد محمود وهو من مقاطعة "تنبدغة" في ولاية الحوض الشرقي، كادح قديم تقلد وزارات عدة في عهد ولد الطائع كما أصبح مفوضا على مفوضية الأمن الغذائي التي وصف - حينها- بأنه أتى على الأخضر واليابس فيها ..<BR>يمتلك في ضواحي"تنبدغة" منطقة إقطاعية تحتوي على قصره المشيد من المال العام ويتحدث البعض أنه يحتوي فيما يحتوي على صناديق ممتلئة من بطاقات التعريف المزورة استعدادا للرئاسيات المقبلة... <BR>شارك مؤخرا بفاعلية وحماس في إغلاق مؤسسات الإسلاميين في موريتانيا واعتقالات العلماء والأئمة منهم .. كما عرف عنه هو ومجموعته السياسية بالعداء الصارخ للإسلاميين . <BR>يؤمن بالخرافات ويعتمد على بعض مشائخ الصوفية في ضمان تعيين جديد كلما نُحيً عن منصب عن طريق الرقيا.<BR> خرج لمرابط ولد سيد محمود خالي الوفاض من أي احترام تكنه له الساحة الإسلامية في موريتانيا حسب ما جاء في تعليق بعض المواطنين وحل محله وزير الدفاع السابق السيد كابه ولد اعليوه .. <BR><BR>أما التغيير الثالث فهو خروج وزير المالية السيد بيجًل ولد احميد الذي ينتمي فكريا إلى حركة الحر (حركة تناضل من أجل تحرير الأرقاء) وهو من الوزن الثقيل سياسيا في منطقته وهو ينحدر من مقاطعة "كرمسين" في ولاية اترارزة الجنوبية من البلاد ويحظى باحترام من جميع فئات منطقته من عرب وزنوج ..<BR>ويرى بعض المراقبين أن خروجه من الحكومة التي تقع على "مرمى حجر" من الحملة الرئاسية القادمة إنما هو من أجل تفريغه للحزب الذي يعاني من بعض المشاكل التقليدية في الولاية .. خرج بيجًل من الحكومة إلى وجهة غير معروفة خرج من المالية التي يتهمه البعض بالتصرف فيها لأغراضه الخاصة ليحل محله عمدة مدينة نواذيبو السيد محفوظ ولد محمد عالي .. <BR><BR>ماعدا هذه التغييرات فإن ما جرى في الحكومة مجرد تبادل للمواقع لا يحمل في طياته أي دلالة تذكر.. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">التغييرات الحزبية:</font></br><BR><BR> أما على مستوى الحزب الحاكم فقد التأم المجلس الوطني للحزب الجمهوري الديموقراطي الاجتماعي الحاكم مساء الاثنين 07-07-2003 ليجري تعديلات حزبية طفيفة، وإن كان بعضها يحمل بعض الدلالات.<BR> فقد خرج لوليد ولد وداد من أمانة الحزب، وهو دكتور بيطري سابق تولى إدارة ديوان رئيس الجمهورية سنين عديدة وهو ينحدر من ولاية آدرار مسقط رأس رئيس الدولة ويعتبر من المقربين له ومن الذين يدخلون عليه في كل الأوقات، ويوصف على نطاق واسع بأنه "العقل المدبر" لكثير من القضايا الشائكة في مجال تصفية الخصوم السياسيين..<BR>كما عرف بالتستر على كثير من حالات النهب للممتلكات العامة ولمؤسسات الدولة قام بها بعض رفقائه السياسيين إلى جانبه كما يعلم عنه ولو على نطاق ضيق أنه يعمل لصالح استخبارات أجنبية ولديه أرصدة مالية في البنوك الغربية ... <BR>وقد أشرف مؤخرا بنفسه وتفنَّن في هندسة وتكوين ملف "اعتقالات الإسلاميين" وسعى في خراب مؤسساتهم واعتقال رموزهم وظل يقف بحزم وصرامة في وجه أي تفاهم محتمل أو إنهاء لقضيتهم وسعى بالوشاية ضدهم إلى رئس الجمهورية .... كما أنه يحتمي به الكثير من المنافقين والمتملقين وأكلة المال العام ... <BR>خرج لوليد ولد وداد من أمانة الحزب ولما يضع بعد اللمسات الأخيرة على فصول المسرحية المفبركة ضد الإسلاميين والتي كان هو بطلها الأول بلا منازع. سيذكره الموريتانيون ما سمعوا "بلاغات الإرهاب" التي كانت من بناة فكره هو والملأ من حوله، خرج لوجهة غير معروفة لحد الساعة وحل محله السيد بلاه ولد مكيَّه المنتمى إلى الولاية التي ينتمي إليها سلفه.. <BR><BR>وخرج كذلك من المجلس الوطني للحزب الوزير الأول المقال الشيخ العافية ولد محمد خونا الذي خرج "مذموما مدحورا" حسب تعبير بعض الصحفيين الذين حضروا وقت خروجه قبل نهاية الجلسة ولم يحل محله أحد .<BR><BR> كما خرجت من المجلس الوطني للحزب السيدة منتات منت حديد، كاتبة الدولة السابقة المكلفة بشؤون المرأة والمعتقلة حاليا في قضية محاولة الانقلاب الفاشلة..<BR> ودخلت سيدة جديدة مكانها وهي مي بنت الذهبي من مقاطعة ولد ينج في ولاية كيدماغه وقريبة وزير الدفاع الجديد السيد محمد محمود ولد جعفر..<BR><BR> أما على مستوى رئاسة الجمهورية فقد أزيح سيدي محمد ولد بوبكر من إدارة ديوان رئيس الجمهورية ليحل محله مدير التشريفات السابق السيد ملعينين ولد التَّومي..<BR> كما أزيح محمد الأمين ولد إكيك كوزير أمين عام لرئاسة الجمهورية و عين مفوضا على الأمن الغذائي وحل محله وزير الداخلية الأسبق السيد الدَّاه ولد عبد الجليل .<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> تغييرات أخرى ناقصة:</font></br><BR>كما شملت التغييرات في وقت سابق المؤسسة العسكرية، وذلك بعد محاولة الانقلاب الفاشلة الشهر الماضي مباشرة، وبقيت الأجهزة الأمنية في مأمن من هذه التغييرات والتي تبينت هشاشتها لدى المحاولة الانقلابية، مع أن البعض يتحدث عن سقوط مرتقب للمفوض الرئيس دداهي ولد عبد الله الذي هرب ليلة الانقلاب إلى السينغال والذي أصبح يوصف في الأوساط الموريتانية ب"وصمة العار" على جبين النظام الحاكم .. <BR><BR>ولم يعرف بعد شيء عن مصير كل من ديدي ولد بِيَّ الذي أزيح عن المفوضية وسيد محمد ولد بوبكر الذي نُحي عن ديوان رئاسة الجمهورية والشيخ العافية ولد محمد خونا الذي خرج من الوزارة الأولى. <BR><BR>ومازالت دلالات هذه التغييرات مثارَ جدل ونقاش من طرف المراقبين لكن الاعتقاد السائد -الآن- أنها مجرد "عملية تجميل" أزيلت فيها بعض "النتوءات" القبيحة على وجه حكومة أمام رئاسيات مفتوحة على كافة الاحتمالات.<BR><BR> ويشكك البعض في جدوائية هذا المكياج ويرى أن التغيير من أجل أن يكون ناجعا وناجحا لا بد أن يكون جذريا وشاملا لجميع مؤسسات الدولة، وإلا فما الفرق بين رجل وآخر مادامت العقليات لم تتغير والتصورات لم تتبدل .. ومازالت الساحة السياسية الموريتانية بكافة أطيافها تطالب بالتغيير ومزيدا من التغيير.. فهل ستأتي رياح التغيير بما لا تشتهيه سفن أكلة المال العام المتموقعة في النظام والسائرة به عكس بر الأمان ؟ وهل سيترتب شيء إيجابي ومحسوس على ما حصل من تغيير في صالح الشعب الموريتاني و قضاياه العادلة؟<BR><br>