مجزرة المسجد...حلقة في مسلسل العنف اليمني
16 جمادى الثانية 1424

المكان: أحد مساجد منطقة يهر – يافع محافظة لحج جنوب اليمن <BR>التاريخ: الأربعاء 30/7/2003م ا لموافق 1/6/1424هـ <BR>الحدث: عند الساعة الحادية عشرة صباحاً قام محسن يحيى منصر 40 عاماً باقتحام مسجد أبي بكر الصديق، وباشر إطلاق النار على الموجودين، وهم عبارة عن طلاب جميعهم دون سن السادسة عشرة كانوا يقيمون حلقة دراسية ضمن مخيم صيفي ترعاه جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية التابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح. <BR>أسفرت الجريمة عن مقتل سبعة من طلاب الحلقة إضافة إلى مدرسهم، وأصيب اثنان آخران بإصابات خطيرة، توفي أحدهما على إثرها أثناء تلقيه العلاج في المستشفى. <BR>وفور سماع الأهالي طلقات الرصاص تداعى جمع منهم، ونصبوا كميناً للقاتل على مقربة من المسجد وألقوا القبض عليه وجرى تسليمه للأجهزة الأمنية في المحافظة. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> القاتل يعد بجريمة أخرى: </font><BR>لقد كان الحدث مروعاً والمصاب جللاً، عددٌ من القتلى الطلاب كانوا أقرباء للقاتل، بينما أحد أبنائه وهو طالب في الحلقة خرج من المسجد قبيل وقوع الجريمة، أجواء من الرعب خيمت على القرية مصحوبة بعويل الأهالي الذين لم يمنعهم ذلك من أداء صلاة المغرب في نفس المسجد رغبة منهم في توديع فلذات أكبادهم الذين أزهقت أرواحهم وهم يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، وقد غشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة.<BR>يروي أحد الطلاب المصابين تفاصيل الحادث لإحدى الصحف المحلية "لقد تفاجأنا ونحن نتلوا القرآن بدخول مسلح إلى المسجد، وأطلق النار أولاً على المعلم الذي سقط علينا مباشرة، وواصل الجاني إطلاق النار على الطلاب دون استثناء" فيما يصف آخر: "إن العم (محسن) دخل شاهراً سلاحه ويصرخ في وجه الأستاذ بشتائم لا حدَّ لها سوى أنها تتهمه بأنه يفسد عقول الأبناء، ويخرب تربيتهم"<BR>يقول المسؤول عن المركز الصيفي لـ (الصحوة نت): ألقينا القبض عليه (يعني القاتل)، وهو يقول: "بردت كبدي" ولكن لما حاول بعض الأهالي الاعتداء عليه كان يقول: "اقتلوني أحسن"، وأضاف بحسب مصادر أخرى "هذه الجريمة الأولى وباقي اثنتان في الطريق". <BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> مجرم بدون سوابق: </font><BR>القاتل بحسب المعلومات المتوافرة أب لثلاثة أبناء وابنتين، ورزق بمولود قبل 3 أيام من الحادث، التحق في سنوات عمره الأولى بمدراس أبناء البدو الرحل التي كانت مشروعاً تعليمياً لأبناء اليمن في جزئه الجنوبي إبان الحكم الشيوعي الاشتراكي، حيث درس بمدرسة النجمة الحمراء. <BR>وفي العام 1980م ساعدته ظروفه على الالتحاق بإحدى المؤسسات الأمنية التي كانت تعرف بـ (أمن الدولة) فعاش حياة مستقرة إلى حدٍ ما، وبعد تحقيق الوحدة اليمنية في مايو 1990م انتقل إلى صنعاء ليعمل في جهاز الأمن السياسي (جهاز المخابرات اليمنية)، وظل يتنقل بين قريته والعاصمة صنعاء. <BR>مساء اليوم الذي سبق يوم الجريمة داهمته أزمة قلبية أسعف على إثرها إلى أقرب مستشفى في المنطقة، هذه الأزمة عانى منها في السابق، وأجرى عملية بتعاون الأهالي الذين جمعوا له تكاليف العلاج والعملية عن طريق التبرعات.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> ردة فعل الأهالي: </font><BR>الصدمة الكبيرة التي واجهها أهالي الضحايا دفعتهم في صباح اليوم التالي لإحراق منزل القاتل بعد أن أخرجوا أهله وأولاده منه انتقاماً منه على فعلته، واستناداً إلى عرف قبلي يتيح لهم ذلك. <BR>الاتهامات المتبادلة بين حزبي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح أكبر الأحزاب السياسية في اليمن دفعت أهالي الضحايا وأبناء المنطقة عموماً إلى تشكيل لجنة لمتابعة سير التحقيقات التي ما زالت قيد البحث و لم يكشف عن شيء منها حتى الآن. <BR>وكانت وسائل الإعلام التابعة لهذين الحزبين تبادلت الاتهامات بشأن انتماء القاتل ودوافعه.<BR>وسائل مؤتمرية قالت: إن الجاني كان عضواً في تجمع الإصلاح قبل أن يختلف معهم حول من الأحق بإمامة المسجد، وفي لقاء انفرد به الموقع الإلكتروني لحزب المؤتمر مع الجاني أقر الأخير بأنه كان إماماً للمسجد، لكنه نفى في ذات الوقت أن تكون دوافعه سياسية أو دينية، مؤكداً أن الدافع أخلاقي بالدرجة الأولى وألقى باللائمة على قبيلتي (الحكيمي والهلالي) من قبائل المنطقة، لكنه لم يفصح عن طبيعة هذه القضية الأخلاقية، كما نفى القاتل انتماءه لأي حزب.<BR>بينما (الصحوة نت) الموقع الإلكتروني لحزب الإصلاح أكد في سياق نشره لجوانب من حياة القاتل أنه عضو في حزب المؤتمر-الحزب الحاكم- وأحد منسوبي جهاز المخابرات قبل أن يترك عمله، ونفى الموقع على لسان مصادر محلية أن يكون القاتل قد تولى إمامة المسجد، وأكد أن القاتل "لم يسبق له أن حاضر أو خطب أو كان إماماً لأي مسجد طيلة حياته". <BR>هذه الاتهامات المتبادلة لم ترق لأهالي المنطقة المكلومين من هول الفاجعة، فقد رفضوا استغلال الحادثة لأغراض سياسية أو إعلامية، مطالبين أجهزة الإعلام بالتعامل مع قضيتهم بروح المسؤولية الوطنية بعيداً عن إثارة قضايا لا وجود لها بما يعمق الجراح أو يزيد من هول المصيبة، كما رفضوا في ذات الوقت فكرة أن الجريمة عفوية، محذرين الجهات القضائية التسرع في تقديم الجاني للمحاكمة قبل أن يتم الكشف عن دوافع الجاني لارتكاب هذه الجريمة على غرار ما حدث ويحدث للمدعو علي جار الله قاتل جار الله عمر، هذه التحذيرات أطلقها عدد من الكتاب والمثقفين أيضاً، حيث نوَّهوا إلى مدى ما تحمله هذه الاتهامات من خطورة وما تلحقه من أضرار فادحة ليس على المستوى المحلي فحسب، ولكن على الصعيد العالمي بما تعطي من صورة سيئة عن المجتمع اليمني.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> حلقة في سلسلة أحداث عنف: </font><BR>الجدير بالذكر أن هذه الحادثة المؤلمة تأتي في إطار سلسلة من أحداث العنف شهدتها الساحة اليمنية كان آخرها حادثة مقتل جار الله عمر (الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي) أثناء حضوره المؤتمر العام الثاني للتجمع اليمني للإصلاح بصنعاء أواخر ديسمبر من العام الماضي، وعلى الرغم من الغموض الذي لا زال يحيط ملف القضية إلا أن وسائل الإعلام الرسمية التي يسيطر عليها حزب المؤتمر شنت حينها هجمة شديدة على حزب التجمع اليمني للإصلاح اتهمته فيها بالتطرف والغلو وإيوائه عناصر إرهابية متطرفة، واستخدامه المساجد لأغراض سياسية وحزبية، وأنه يمارس من خلالها التضليل والتعبئة الخاطئة، واعتبرت القاتل ثمرة للفكر الذي يعتنقه الحزب ولم تقتصر هذه الهجمة على ذلك، بل طالت شخصيات دينية بارزة. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4"> إجراءات حكومية: </font><BR>هذه الهجمة أعقبتها إجراءات مشددة باشرت الحكومة اليمنية القيام بتنفيذها ضد المساجد الخاضعة للجماعات الإسلامية هدفت إلى التضييق على هذه الجماعات والحد من نفوذها داخل المساجد، وفرضت على الأئمة والخطباء إجراءات غير مسبوقة، كما شرعت وزارة الأوقاف في اتخاذ خطوات صارمة تنفيذاً لقرارات أصدرها الوزير الجديد تضمنت منع المخيمات الصيفية، التي كانت تقيمها سنوياً مختلف التيارات الإسلامية وتستقطب آلاف الطلاب في حلقات دراسية تشتمل على دروس لتحفيظ القرآن الكريم ومحاضرات دينية وأنشطة خيرية، هذه المخيمات عدها الوزير "مناهضة لرسالة المسجد الدينية والإنسانية، وغطاءً لأنشطة سياسية وحزبية غير مقبولة".<BR>مراقبون لا يستبعدون أن يكون الإقدام على قتل طلاب مسجد أبي بكر الصديق ثمرة للتعبئة التي مارستها الصحف الحزبية ضد المؤسسات الدينية والمتدينين بقصد التشويه وتأليب الجماهير وبث الكراهية في نفوس الناس على كل ما له صلة بالتدين.<BR><br>