الإسلام ومبادئ حقوق الإنسان الدولية
20 شعبان 1424

اختتم مساء أمس الأربعاء 19/8/1424هـ، في مدينة الرياَض، مؤتمر "حقوق الإنسان في السلم والحرب"، والذي أقامته المملكة العربية السعودية رغبة منها في إظهار وإثبات أن الدين الإسلامي يضم في محتواه جميع شرائع الأخلاق الإنسانية، وحقوق الإنسان، التي تنادي بها حكومات الدول الغربية.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">تاريخ غير مشرف لإعلان حقوق الإنسان: </font><BR><BR>عرض الأستاذ الدكتور عبد الرحمن زيد الزنيدي (أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة في الرياض) خلال الجلسة الأولى تاريخ ظهور مفهوم "حقوق الإنسان" في العصر الحديث، حيث أكد على أن الغرب الذي ينادي الآن بهذا المفهوم، هو الذي أفرز المعانات والمصائب والكوارث التي حلت على شعوب العالم، حيث قامت الدول الغربية ذاتها بعد ذلك إلى المطالبة بحقوق الإنسان.<BR>وقال الدكتور الزنيدي: إن الكوارث والحروب الطاحنة التي أسقطت عشرات الملايين من القتلى والمشوهين في الحرب العالمية الثانية، والتي سببتها حروب الدول الغربية، أدت إلى المطالبة بهذه الحقوق، ليولد بعدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عـــــــام 1948م .<BR>مشيراً إلى أن هذه القضية قد أصبحت جزءاً من العولمة، عولمة حقوق الإنسان بالقوة ضغطاً سياسياً واقتصادياً أو حتى عسكرياً.<BR>وتساءل الزنيدي على أي أساس وضعت هذه الحقوق إذا كان الغرب هو الذي وضعها بناءً على مقتضيات ظروفه وخلفيته التعليمية والثقافية، فما وجه إلزام الآخرين بها ممن تختلف ظروفهم وخلفياتهم عنه؟ بل أليس لهذه الأمم أن تضع هي لحقوق الإنسان مضامين تتسق مع تراثها وظروفها الخاصة؟<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">القرآن الكريم ومبدأ التعددية: </font><BR><BR>الدكتور رفعت حسن (أستاذ القانون الدولي بجامعة لويسيفل بالولايات المتحدة الأمريكية) قدم في محاضرته التي جاءت تحت عنوان "المنظور القرآني للتعددية الأخلاقية" الآية القرآنية الكريمة "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" (الآية 13 من سورة الحجرات).<BR>وأشار إلى أن ما يقال في الغرب وما هو سائد فيها، عن الدين الإسلامي، أنه دين يحتوي على أفكار سلبية كالتعصب والعنصرية وغيرها من الاتهامات الباطلة، مؤكداً أن الإسلام في الواقع هو دين التعددية والتفتح، وأن تعددية الأجناس ما هي إلا حكمة الله في خلقه، كما ورد في الآية الكريمة، والتي تشير بشكل مباشر وصريح إلى أن الدين الإسلامي يحث البشرية على التواصل والتحادث والتعارف فيما بينها، وأن الدين الإسلامي والقرآن الكريم يحث المسلمين على احترام الأديان الأخرى والتسامح مع الناس.<BR>وأشار الدكتور حسن إلى أن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقوم عليه الإسلام لأكبر برهان على تفتح المسلم على الآخر، وقابليته للتعاون في سبيل السعي وراء الخير وتجنب الشر ودحضه .<BR><BR>وجاءت محاضرة الدكتور أحمد المفتي (مدير عام مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان الخرطوم) لتبين مدى توافق مفهوم حقوق الإنسان الذي تنادي به الدول الغربية بدون تطبيق، مع الدين الإسلامي، وأن الإسلام يشمل في داخله هذه المفاهيم، التي تعد من أساسيات الدين وأخلاقياته.<BR>وأوضح الدكتور المفتي بأن الدين الإسلامي، والأديان السماوية التي جاء بها الرسل من عند الله _عز وجل_ لا تشمل فقط هذه المفاهيم وتطبقها، بل أنها تقدم أبعاداً أكثر عمقاً وأوسع نطاقاً لحقوق الإنسان.<BR>وبين الدكتور "المفتي" أن النظام الدولي لحقوق الإنسان نشأ بعيداً عن الأديان السماوية لاعتبارات تاريخية في الغرب، حيث تنادي هذه الدول بمفاهيم إنسانية موجودة من قبل في الأديان السماوية، <BR>كما أشار إلى أن أصول وقيم كل الأديان السماوية واحدة في منظور الدين الإسلامي، حيث ورد في القرآن الكريم قوله _تعالى_:"شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب" [سورة الشورى: الآية 13]<BR>حيث إن التشريعات السماوية من الله _عز وجل_ هي واحدة، وأن حقوق الناس والشعوب التي أمر بها الدين الإسلامي، موجودة في الأديان السماوية الأخرى، إلا أن الغرب نادى بمبادئ من منطلق الحاجة لضمان حقوق الإنسان، فيما أمر الدين الإسلامي والأديان الأخرى بهذه الحقوق كواجبات شرعية ودستور عادل يضمن حقوق الناس كافة. <BR><BR>وركز الأستاذ الدكتور جعفر عبد السلام (الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية) في محاضرته على أن الشريعة الإسلامية غنية في مصادرها الأساسية بالقواعد والمبادئ التي تعترف بالإنسان وتكرمه في أوقات السلم والحرب على السواء، وأن الشريعة الإسلامية ذاتية خاصة بالنسبة لهذه المسائل، إذ هي تسوي في الخطاب بين الفرد، سواء في النطاق الدولي أو الداخلي، وبالتالي فهي تتفوق على القانون الدولي بجعلها الالتزامات مفروضة في مجال العلاقات الدولية والداخلية على السواء في زمني السلم والحرب، وطالب بأن يتم إثراء النظرية العامة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنسان بالمبادئ الإسلامية الرائدة في هذا المجال.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">شمولية الإسلام لمبادئ حقوق الإنسان: </font><BR> <BR>وفي إشارته إلى الآية القرآنية الكريمة "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً" [الآية1: سورة النساء] بين الأستاذ الدكتور أحمد أبو الونا (وكيل كلية الحقوق جامعة القاهرة) إلى أن الدين الإسلامي لم يغفل عن حقوق الإنسان الذي تطالب به الدول الغربية، وأنه يطبق هذه المبادئ الدينية في السلم والحرب، وليس في وقت الحرب فقط ( كما هي عليه بعض بنود وقوانين حقوق الإنسان الغربية). <BR>كما استنكر القرآن الكريم الأفعال المهينة للكرامة الإنسانية، وعد فرعون من المفسدين بقوله _تعالى_:"إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين" [القصص: الآية 4] .<BR>كما أشار الدكتور أبو الونا، إلى أن الدين الإسلامي حث على مقابلة السيئة التي تقع في العدو بالحسنة في جانب المسلمين في قوله _تعالى_:"ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".<BR><BR>وبين الدكتور عبد اللطيف بن سعيد الغامدي، من خلال محاضرته في المؤتمر أن الدين الإسلامي يولي أهمية كبرى للقانون الإنساني، وأن نظرته للقيم الإنسانية مدروسة ومركزة وكاملة؛ لأنها تنبع من تفكير قوي وصادق وواع، حيث إن التصور الإسلامي لكل القضايا وقضية القانون الدولي الإنساني ينبع من:<BR>- أنه ذو أصل إلهي مقدس ولا يخضع بالتالي إلى نظام قانوني علماني.<BR>- يرتكز أساساً على قواعد مستمدة من القرآن الكريم، تشكل كلاً يمتد إلى الجميع عبر المكان والزمان، ولا يمثل بالتالي فرعاً للقانون العام أو الخاص. <BR>وخلص الدكتور الغامدي من ذلك إلى قاعدتين أساسيتين، هما: <BR>1- إن مجال تطبيق القانون الإنساني الإسلامي كل لا يتجزأ ولا يفرق بين حرب وأخرى أو نزاع آخر داخلي أو دولي .<BR>2- إن هذه القواعد المطبقة في كل النزاعات ترتكز أساساً على الرحمة والرأفة انطلاقاً في قدرة الله _عز وجل_.<BR>وبين الغامدي أن القانوني الإنساني الإسلامي كان متقدماً على عصره؛ لأنه أوجب دائماً على المقاتلين احترام القواعد:<BR>القانون الإسلامي الإنساني ومبادئ احترام كرامة الإنسان يحرم التمثيل وتعذيب العدو.<BR>تحريم قتل رجال الدين والشيوخ والنساء والأطفال، ويمنع القانون الإسلامي تجويع المدن المحاصرة وتحطيم الأملاك والغدر، قال _تعالى_: "إن الله لا يحب الخائنين" .<BR>الأسرى: لا يبيح الإسلام قتل الأسرى، ويحظر على أشكال التعذيب والتمثيل بالعدو، وتذهب الشريعة الإسلامية إلى أبعد من ذلك، إذ توصي بحسن معاملتهم، قال _تعالى_: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً" .<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">نظام الله _عز وجل_ أشمل وأدق: </font><BR><BR>الأستاذ الدكتور رشاد حسن خليل (عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر) أشار إلى أن الشريعة الإسلامية قامت بأعظم عمل إنساني حين دعت إلى حقوق الإنسان بأسلوب فريد ونظام جديد يجعلها دستوراً للحياة، فالإسلام الحق هو دين الفطرة الخالدة الذي يحمي الإنسان ويقرر حرياته ويحافظ على حقوقه ويرفع من شأنه ويكرم إنسانيته، وهذا يتحلى بالناحية التاريخية وخصائص ومزايا حقوق الإنسان في الإسلام.<BR><BR>وتحدث الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الصالح (أستاذ الدراسات العليا، وعضو المجلس العالمي في الرياض) عن قانون حقوق الإنسان في مصادر الشريعة (الطفل – المرأة – الرجل) من خلال التحدث في إطار منظومة هذا الكون الكبير الدقيق المحكم الذي خلقه ودبر أمره رب العالمين "فتبارك الله أحسن الخالقين".<BR>وأكد الأستاذ الدكتور محمد صالح على نقطة جوهرية في أن وضع قوانين لمبادئ حقوق الإنسان من قبل الناس والأشخاص والهيئات، ستكون قاصرة وغير كاملة، وتخضع لتدخلات ومصالح المنظرين، لذلك يجب أن نأخذ بالقوانين والتشريعات التي أوجدها الله _عز وجل_ كونه الخالق والعليم والخبير، وكونه أعرف بالذي خلقهم من أنفسهم. <BR><BR>وقام الدكتور يحيى بن محمد حسن زمزمي (وكيل كلية الدعوة وأصول الدين جامعة أم القرى) بدراسة منهج القرآن في قصة حقوق الإنسان محللاً الآيات ومستنبطاً منها النتائج والفوائد، حيث اطلع على نصوص القوانين الدولية؛ كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومعاهدات ومواثيق الأمم المتحدة؛ لتقويمها إجمالاً في ضوء منهج القرآن الكريم .<BR>وخلص الدكتور زمزمي في دراسته إلى أن مفهوم "حقوق الإنسان" في القرآن شمل القواعد والنصوص التي تنظم علامات الناس على سبيل الإلزام، وأثبت وعند مقارنة المفهوم القرآني مع مفهوم القانون الدولي متمثلاً في الإعلان العالمي الكمال المطلق لمنهج القرآن وإثبات الخلل البيني لمناهج البشر.<BR>وقال: إنه من السهل وضع الأنظمة، ولكن الصعب تطبيقها على أرض الواقع، وما يسن من قوانين وأنظمة في العالم سريعاً ما تتلاشى أمام شريعة الغاب، ولعل ما سنه الغرب ينفي في كثير من الأحيان بين مبادئ نظرية وتطبيقية.<BR>وأضاف" إن الإسلام قد أعطى أصناف الناس حقوقهم، فلم يترك صنفاً منهم، مؤمناً أم كافراً، رجلاً أو امرأة، أو صغيراً أو كبيراً، أو حياً أو ميتاً، إلا وجاءت نصوص القرآن الكريم ببيان حقه، وفصلت السنة النبوية الشريفة ذلك، وبينته بجلاء، مما لم يوجد في غير دين الإسلام". <BR><BR>وتوالت المحاضرات والنقاشات التي أثرت العرض العلمي حول مسألة تحددت في أن الدين الإسلامي هو أوسع الأديان والتشريعات التي وضعت قوانين حقوق الإنسان كأساسيات في تنظيم حياة الناس والشعوب. <BR>حيث ألقى العديد من الأساتذة والدكاترة المسلمين والعرب، وحتى الغربيين محاضرات وكلمات خلال المؤتمر.<BR>وركزت المحاضرات على تبيان أن حقوق الإنسان، كأفكار ومبادئ ونظريات، لا تتعارض مع جاء به القرآن الكريم، وسنة نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_، بل إن الدين الإسلامي يحتوي فيما يحتويه، هذه الأفكار والتشريعات، وأن الإسلام أوسع وأشمل من كل تلك الأفكار، حيث يقدم صوراً أشمل، وأبعاداً أعمق، وأفكاراً أغزر وأصوب، في سبيل الحفاظ على حقوق الناس كافة.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الرسالة الحقيقية: </font><BR><BR><BR>ولعل ما قاله أحد المشاركين في الحوارات، وهو الأستاذ محمد عبدالله البكري (مستشار وزير العدل في جيبوتي) يلخص الفكر الذي يجب أن يصل إلى العالم، حيث قال في لقاء له مع موقع "المسلم": "<BR>الإنسان المكرم هو الإنسان الذي لا يخضع إلا لله _تعالى_، والشريعة الإسلامية لها مميزات تفوق القانون الدولي لحقوق الإنسان وتشمله، هناك أشياء إذا قال عنها الغرب: إنها حق من حقوق الإنسان، فهذا يعد عبثاً، مثل: مسألة الإباحية والشذوذ الجنسي وزواج المثلين، هذا يعدونه حقاً من حقوق الإنسان، وهذا ما ترفضه الفطرة، و يعد ظلماً في الحق الإنساني، وليس حقاً من حقوقه. الشريعة الإسلامية تكرم الإنسان، أما القوانين الغربية فإنها تريد أن تعطي الإنسان الحق في أي شيء حتى ولو كان ضد مصلحت الإنسان نفسه".<BR><br>