الرئيس البوسني السابق بيجوفيتش وسنوات الجهاد
24 شعبان 1424

يعد الدكتور علي عزت بيجوفيتش (الرئيس السابق للبوسنة) سياسياً بارزاً، ومجاهداً إسلامياً، ومفكراً وكاتباً، بالإضافة لصفات أخرى عرفها من كان إلى جانبه، ومن عاشره خلال سنوات نضاله الطويلة، وعمله الإسلامي الذي امتد في معظم مساحات حياته الغنية.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">لمحة عن حياته: </font><BR><BR>وتعد حياته التي عاشها مثالاً للمناضل الذي لم يتخل يوماً عن مبادئه وعقائده وإيمانه بالنصر، فهو وليد أسرة مسلمة عريقة في شمال البوسنة، ولد عام 1925م، بمدينة (كروبا) في جمهورية "البوسنة والهرسك"، التي كانت جزءاً من الاتحاد اليوغسلافي، وتعلم في مدارس مدينة سراييفو، والتحق بجامعتها، وحصل على درجات في القانون والآداب والعلوم، ثم أكمل دراساته العليا حتى نال شهادة الدكتوراه عام 1962م، ثم عمل مستشاراً قانونياً لمدة 25 سنة اعتزل بعدها العمل وتفرغ للكتابة والبحث.<BR>منذ مدة شبابه، انضم الرئيس علي عزت إلى جمعية الشباب المسلم، وتعرض إلى محاكمات عدة أشهرها محاكمة 1972م، ومحاكمة 1983م، مع اثني عشر شخصاً بتهمة مناهضة الشيوعية، والعمل على إقامة دولة إسلامية من خلال الأساس النظري والطرح الفكري الذي جاء في "البيان الإسلامي" الذي كتبه الرئيس علي عزت سنة 1970م، وفي 14 مارس 1984م، صدر الحكم على المناضل الإسلامي علي عزت بالسجن لمدة تسع سنوات. <BR>وأسس إبان سقوط النظام الشيوعي عام 1989م حزب العمل الديموقراطي ممثلاً للمسلمين وغير المسلمين من شعب البوسنة والهرسك، ونادى من خلاله بالاستقلال، وقيام دولة مستقلة في البوسنة والهرسك، ورُشّح عام 1990م كأول رئيس لهذه الدولة التي شهدت صراعاً مريراً من أجل الاستقلال.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">نشاطه الإسلامي السياسي: </font><BR>ترشح لانتخابات الرئاسة عام 1990م ليصبح أول رئيس مسلم للبوسنة و الهرسك بعد استقلالها. <BR>وخاض الرئيس علي عزت جهاداً استمر عقوداً من الزمن توج بجهاد دام أربع سنوات، أفرز من جديد دولة البوسنة والهرسك، بعد قرون من الذوبان، ومحاولة حصر المسلمين في ثنائية لغوية هي "الصربوكرواتية" وثنائية جغرافية هي "كرواتيا الكبرى"، و"صربيا الكبرى"، وفرض ثقافة أحادية هي الوجودية الأوروبية بمسوحها النصرانية.<BR>لقد استطاع علي عزت خوض معركة البقاء بجدارة، وحقق أسس هذا البقاء، في دولة مستقلة بأكثرية إسلامية تتوافر فيها "الديمقراطية" والحريات الدينية.<BR>إن الدولة التي أسسها علي عزت ليست الدولة الإسلامية التي حلم بها الروّاد بمن فيهم الرئيس علي عزت، ولكنها الدولة التي يستطيع الروّاد أن يؤسسوا فيها للقاعدة الصلبة.<BR>المستوى المنظور: نشاهد اليوم في البوسنة قيام مدارس إسلامية متقدمة يدرس فيها جميع العلوم واللغات الحية في مقدمتها اللغة العربية، مع جرعة كبيرة من التربية الإسلامية، وانتشار حركة بناء المساجد في المدن والقرى البوسنية بشكل لم يسبق له مثيل، وكلها ستؤتي أكلها رغم كل المساعي الجبارة التي تبذل من أجل إغراق البوسنة في وحل الرذيلة الغربية، وجعل البوسنة نسخة طبق الأصل من مجتمعات لا خلاق لها.<BR>وعلى المستوى السياسي نرى توسعاً في الحكومة المركزية التي أصبحت تضم 6 وزارات بدلاً من ثلاث وزارات سابقاً، وتكوين جيش موحد بدلاً من "جيش فيدرالي وجيش صربي" قوامه خمسة عشر ألف جندي، 7 آلاف مسلم وخمسة آلاف صربي، وثلاثة آلاف كرواتي، يبسط نفوذه على الحدود البوسنية، وخاصة المتاخمة لكرواتيا وصربيا.<BR>وعلى المستوى الاقتصادي أرسى علي عزت أسس اقتصاد بديل وحر لإدارة الأزمات في ساعة العسرة، ووضع يده على أهم المؤسسات لضمان استمرارية مشروعه الحضاري بطرق شرعية لا يستطيع أحد الطعن فيها قانونياً؛ لأن الأموال وصلت بطرق شرعية عن طريق التبرع الشخصي، وليست أموالاً دولية أو أموال دافعي الضرائب، وليست أموال العائدات من المواد الخام أو غيرها.<BR>ولم يترك علي عزت الحكم إلا بعد أن اطمأن على الحدود الجنوبية، فكرواتيا الفاشية قد ماتت مع "توجمان"، أما صربيا فهي كما توقع لها علي عزت أصبحت مسرحاً للفوضى والانحطاط السياسي والاقتصادي، فالجبل الأسود سيكون الشعرة التي ستقسم ظهر الصرب بعد أثقال كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا والبوسنة والهرسك وكوسوفا، أما "قوقودينا" فستسلم على طبق من ذهب إلى المجر.<BR>وكان الرئيس بيجوفيتش، وقّع في عام 1995م، في المدينة الأمريكية دايتون بأوهايو، اتفاقية وقف أعمال العنف والقتال مع كل من الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش و الرئيس الكرواتي فرانجو تدجمان.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">أفكاره وكتبه: </font><BR><BR>أسهم الدكتور بيجوفيتش بصورة واضحة من دعم الفكر الإسلامي وشرح أهداف الإسلام، فأصدر وقد خاض كفاحاً مريراً ليحصل المسلمون في بلاده على حريتهم ومكانتهم، وتعرض في سبيل ذلك للسجن والاضطهاد إبّان الحكم الشيوعي اليوغوسلافي، ويعد بيجوفيتش من المفكرين الإسلاميين البارزين؛ لإسهامه في دعم الفكر الإسلامي، وله عدة مؤلفات من بينها كتابه المسمي (البيان)، وهو شرح الأساسيات للنظام الإسلامي ، و قد تم ترجمة الكتاب إلى العربية و الإنجليزية و الألمانية و التركية، كما أصدر كتابه (عوائق النهضة الإسلامية) و قد ترجم إلى العربية، إضافة إلى كتابه (الإسلام بين الشرق و الغرب)، وكتابه الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية، و كتابه (هروبي إلى الحرية) وغيرها من الكتب التي ترجمت إلى لغات عدة. <BR>يعد الدكتور علي عزت من المفكرين الإسلاميين الذين اطلعوا على الأفكار و المذاهب الغربية عن قرب بحكم موقعه و دراسته، و في نفس الوقت درس الحضارة الإسلامية بعمق و موضوعيه، و قد خرج من بحثه الطويل و اطلاعه الواسع بحصيلة فكرية استطاع أن ينشرها من خلال الأدوار التي قام بها لخدمة الإسلام و المسلمين. <BR><BR>عُني علي عزت منذ وقت مبكر بأن يوفر للشباب المسلم أدوات لفهم الإسلام بأسلوب عصري مناسب، فخصص لذلك مؤلفاً صغيراً تحت عنوان "الإعلان الإسلامي"، وفور صدور المؤلف التقطه الصرب والكروات، وأشاعوا حوله ضجة ووصفوه بأنه (المنفستو الإسلامي) الذي يدعو إلى الجهاد لإقامة دولة إسلامية في قلب أوروبا، فقدم صاحبه مع أحد عشر من زملائه المثقفين الإسلاميين إلى المحاكم ، وحكم عليهم بالسجن أربعة عشر عاماً بتهمة العمل ضد نظام الدولة وأمن شعبها، مع أن المؤلَّف لم يكن فيه ما يمس أمن الدولة، إنما كان محاولة لترجمة الإسلام إلى اللغة التي يتحدث بها الجيل الجديد ويفهمها.<BR>ولكن كان هدف المحاكمة هو قمع أي فكر إسلامي والقضاء على أصحابه، ولذلك تمت محاكمة علي عزت وصحبه محاكمة سريعة وشبه سرية، حتى لا تلفت الأنظار، وأصبح بعدها "الإعلان الإسلامي" وثيقة اتهام لعلي عزت وللإسلام بصفة عامة، وأحيط بمبالغات ومخالطات كثيرة ليس في وسائل الإعلام الصربية والكرواتية فحسب، وإنما في الدوائر الغربية التي تصنع القرار كذلك.<BR>وتوقع الدكتور في كتابه (البيان الإسلامي) تغير حال العالم الإسلامي نحو "الأسلمة" بعد مراحل من التبعية والإخفاقات السياسية والهزائم والنكبات، والتجارب المختلفة، متهماً القوى الدولية بالانتهازية واستغلال الوضع السائد لتحقيق أهدافها بوسائل مختلفة لتأمين هيمنتها على المسلمين، وإبقائهم في قاع التخلف والتبعية للغرب، ويقول علي عزت في (البيان): "إن ما نناضل من أجله هو إخراج المسلمين من دائرة التخلف والفقر والاعتماد على الآخرين، وإن جذور الجهاد لا تزال حية، لقد مضت قوافل الشهداء وهي تقاتل الجاهلية، نريد بخطوات واثقة أن نقف على بداية طريق العودة إلى سيادة أنفسنا ومستقبلنا".<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الجوائز التكريمية التي نالها: </font><BR><BR>فاز الدكتور علي عزت بيجوفيتش بجائزة الشخصية الإسلامية عن عام 2001م، وقيمتها مليون درهم إماراتي في الدورة الخامسة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم التي أقيمت خلال المدة من 8 إلى 17 رمضان 1422 هجرية.<BR>كما مُنح جائزة الملك فيصل الدولية لخدمة الإسلام و ذلك عام 1993م، ومُنح جائزة مفكر العام من مؤسسة على و عثمان حافظ و ذلك عام 1996م، مُنح جائزة الدفاع عن الديمقراطية الدولية من قبل المركز الأمريكي للدفاع عن الديمقراطيات و الحريات، مُنح جائزة (مولانا جلال الدين الرومي) لخدمة الإسلام الدولية بتركيا. يتحدث اللغات الفرنسية و الإنجليزية و الألمانية، إضافة إلى اللغة اليوغسلافية.<BR><BR>وتأتي الجوائز الإسلامية له، تقديراً لجهوده وأعماله الكبيرة والهامة التي قدمها للإسلام والمسلمين، في أوربا، وبالمحافظة على أسلمة الدولة البوسنية.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">مرضه واعتزاله الحكم: </font><BR><BR>في مقابلة تلفازية بثها التلفاز البوسني، وقف الرئيس المفكّر أمام شعبه ليبلغه قراره التاريخي، ليُضاف إلى بقية قراراته التاريخية، بدءاً بحمله قضية المسلمين في يوغسلافيا على عاتقه طيلة حياته الحافلة بالنضال، مروراً بتحقيق دولة ديمقراطية تتوافر فيها الحريات للجميع دون استثناء، وانتهاء بإعلان الابتعاد عن المهام السياسية في 12 أكتوبر القادم لأسباب كثيرة منها تقدم سنه.<BR>وأعلن الرئيس البوسني السابق علي عزت بيجوفيتش، قرار استقالته من منصبه السياسي في حكم البلاد، بعد مشوار طويل وكفاح مرير للوصول إلى دولة بوسنة إسلامية، وسط أوروبا العلمانية النصرانية.<BR>وكان السبب وراء استقالته: التقدم في العمر، والمرض الذي أثقل كاهل المفكر السياسي المسلم.<BR>حيث تعرض الزعيم البوسني لنوبة قلبية عام 1996م، وأدخل المستشفى منذ ذلك الوقت أكثر من مرة، كما عولج في العاصمة السعودية الرياض من مشاكل بالقلب بمستشفى الملك فيصل عام 1999م. <BR>إلا أنه وبعد تقاعده من منصبه كرئيس دولة، ظل يحتفظ بمنصب الرئيس الفخري لحزب العمل الديمقراطي وهو حزب إسلامي بوسني.<BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4">وفاته: </font><BR>توفي يوم الأحد 23 شعبان 1424ه، المصادف لـ19 أكتوبر 2003م، في مدينة براغ، عن عمر يناهز الـ 78 عاماً. <BR>وتوفي الرئيس بيجوفيتش في مستشفى سراييفو بعد تعرضه لأزمات صحية متواصلة، إثر سقوطه من منزله الشهر الماضي، حيث أدخل فيما بعد إلى وحدة العناية القلبية في مستشفى سراييفو.<BR><BR>ومن أقواله_يرحمه الله_: إن أكبر إخفاق له، هو: عدم استطاعته الوصول بالبوسنة إلى مصاف الدول الغنية الموحدة كما كان يأمل.<BR><br>