أبعاد انضمام روسيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي
25 شعبان 1424

جاء الطلب الروسي للانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، في 14 أغسطس الماضي مفاجئاً للكثير من الدول العالمية، ليس فقط بسبب وجود معارك بين الروس والمسلمين الشيشان، أو بسبب احتمالات "بسيطة" لرفض الدول الإسلامية مشاركة روسيا في المؤتمر، بل أكثر من ذلك، التوجه الروسي الشيوعي الذي يدعم معاداة الإسلام والمسلمين، وينادي بالعلمانية واللادينية.<BR>على أن الطلب الروسي لاقى القبول على الفور، من قبل الدول التي باتت تبحث عن شريك قوي، بعد أن وقفت أمريكا والدول الأوروبية منها موقف العداء الواضح والمباشر.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">تحركات دبلوماسية سبقت الانضمام: </font><BR><BR><BR>شهدت المرحلة التي سبقت إعلان روسيا الانضمام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بصفة مراقب جملة من التحركات الدبلوماسية التي تبادلتها روسيا مع دول إسلامية.<BR>على سبيل المثال زار الرئيس بوتن ماليزيا (والتي عقدت فيها القمة الإسلامية العاشرة) قبل انعقاد القمة بثلاثة أشهر تقريباً، حيث وقع مع رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد اتفاقية عسكرية بقيمة 900 مليون دولار، تزوّد روسيا بموجبها ماليزيا بـ 18 طائرة مقاتلة من نوع سوخوي 30 (سو- 30).<BR>كما وقع البلدان عقداً آخر يتم بموجبه تدريب رائد فضاء ماليزي مدة 18 شهراً قبل إرساله إلى الفضاء عبر رحلة فضائية روسية.<BR>كذلك فإن ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود قام بزيارة تاريخية لروسيا – هي الأولى من نوعها – بتاريخ 2-4 سبتمبر الماضي، لتعطي الانضمام الروسي للمنظمة بعداً أكبر، عن طريق إقامة علاقات غير مسبوقة بين روسيا ودول إسلامية أخرى.<BR>كذلك لقاءه مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة على هامش الدورة الـ 58 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، و مكالمة هاتفية مع الرئيس المصري حسني مبارك، بالإضافة إلى الزيارات التي أجراها وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف في سلسلة من الدول العربية والإسلامية، كل ذلك يدل على منهجية ومواظبة في حشد أوسع قاعدة للتأييد عربياً وإسلامياً داخلياً وخارجياً لانضمام روسيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">روسيا وشروط الانضمام إلى المنظمة: </font><BR><BR><BR>روسيا التي تضم حوالي 20 مليون مسلم، ما يشكل نسبة 14% من الشعب الروسي تعد بعيدة كل البعد عن الشروط الواجب توافرها، لدخولها إلى المنظمة الإسلامية، لذلك فإن روسيا وجدت الحل بأن تعرض على الدول الإسلامية دخولها بصفة "مراقب" غير عضو، وهي الصيغة التي تمكنها من حضور اجتماعات الدول الإسلامية، حيث قال بوتين في هذا الشأن: إن من حق المسلمين في روسيا أن يشعروا بأنهم جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي. (...)<BR><BR>وترجح مصادر إعلامية وسياسية أن تتحول روسيا في المستقبل، إلى عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، خاصة وأن بوتين أكد أثناء طلبه الانضمام إلى المنظمة، على أن روسيا مستعدة لتحمل جميع الالتزامات المالية المتعلقة بانضمامها إليها، وبذلك ستنظم روسيا، ولأول مرة في تاريخها، إلى منظمة دولية إسلامية.<BR><BR>ممثل منظمة المؤتمر الإسلامي إلى الأمم المتحدة في جنيف "لسيانس باباكار" قال: إن طلب روسيا الانضمام إلى المنظمة، سيكون صعباً؛ لأنه يجب عليها أن تضم مواطنين مسلمين يشكلون ربع السكان على الأقل، وفق قواعد المنظمة، إلا أنه أضاف أنه من الممكن العمل بالاستثناءات التي طبقت على بلاد إفريقية معينة، مثل: "الغابون" ذات الأقلية المسلمة. <BR><BR>وتعد روسيا -سكانياً- ذات أكثرية نصرانية، حيث يشكل النصارى ما نسبته 60% من مواطني روسيا البالغ عددهم 145 مليون مواطن، أما المسلمين، فإنهم يمثلون ما نسبته 14% من الشعب الروسي، بعدد يقدر بـ20 مليون مسلم. يتمركزون على طول نهر فولجا وفي منطقة القوقاز الجنوبية. كأكبر أقلية في روسيا.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">آمال روسيا من الانضمام إلى المؤتمر: </font><BR><BR><BR>قالت صحيفة اللوموند الفرنسية بأن الطوائف المسلمة في روسيا تشكل جماعة ناخبين يتعين التودد إليها مع اقتراب انتخابات الدوما المقرر إجراؤها في ديسمبر القادم، مشيرة إلى أن إطالة أمد الحرب في الشيشان مع المجاهدين، وقمع الشرطة للعديد من مواطني القوقاز والمسلمين، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد سلسلة من الهجمات من قبل المجاهدين الغاضبين من سياسة بوتين في الشيشان، من بين العوامل التي تبعث على التوتر وتثير الخوف المتبادل.<BR><BR>ونقلت الصحيفة عن الكسندر سالتانوف (نائب وزير الخارجية الروسي) قوله: إن تنشيط التعاون بين روسيا والدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، من شأنه أن يساعد على إنجاز المهام التي يتصدى لها المجتمع الدولي، مشيرة إلى أن المبعوث الخاص بنيامين بوبوف يتأهب للقيام بجولة في البلدان الأعضاء في المنظمة لشرح المبادرة الروسية. <BR><BR>بوتين الذي ألقى كلمة أمام القمة الإسلامية في كلمته أمام المنظمة، قال بأن عضوية روسيا،" قد تعطي فرصة في مساعدة حل النزاع الدموي الذي يحيط بالغالبية المسلمة في جمهوية الشيشان".<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">أبعاد التقارب الروسي الإسلامي: </font><BR><BR><BR>لم يقتصر الأمر على قبول دخول روسيا في المنظمة، بل سمح للرئيس بوتين كذلك بإلقاء خطاب له أمام القمة، التي حظرها زعماء 33 دولة إسلامية.<BR>وتحدث بوتين في كلمته عن طموح روسيا في تحسين علاقاتها مع العالم الإسلامي، مبرزاً كذلك التطورات على ساحة المجتمع الإسلامي في روسيا، الذي وصفه كجزء راسخ من بلده، وقال بأن روسيا تحوي 7 آلاف مسجد، في حين كان فيها نحو 700 مسجد فقط في عام 1991م.<BR><BR>شكل حضور روسيا إلى قمة منظمة المؤتمر الإسلامي علامة تعجب لواشنطن، حيث ينظر إلى الأمر على أنه محاولة روسيّة لكسب الميزان الإسلامي العالمي، والذي تتزايد فيه نزعة الارتياب والرفض للهيمنة والسيطرة الأمريكية.<BR>وباعتبارها خصماً قديماً وعنيداً لأمريكا، ودولة رافضة للغزو الأمريكي البريطاني على العراق، فإن روسيا كسبت جولة هامة في التقرّب من الدول الإسلامية والعربية.<BR>وهي ربما أرادت بشكل فعلي أن تستفيد تماماً من وقوفها في وجه الغزو الأمريكي البريطاني على العراق، لذلك بادرت قبل انعقاد القمة إلى عرض طلبها الذي لاقى القبول من الدول الإسلامية والعربية.<BR>كما أن روسيا – وعلى الرغم من تصويت الأمم المتحدة على مشروع القرار الأمريكي الجديد حول العراق – فإنها لن تشارك بإرسال قوات عسكرية إلى العراق، وهذا البند ركزت عليه القمة، حيث أيد زعماء الدول الإسلامية مبدأ عدم إرسال قوات عسكرية كبلدان مسلمة أو عربية إلى العراق.<BR>وبالتالي فإن روسيا باتت أقرب إلى هذه الدول..<BR>وتدل الكثير من المعطيات السياسية، إلى أن روسيا أرادت بالفعل، كسب تأييد الدول الإسلامية، والتي بدأت تتنامى فيها ظاهرة "التمرد" على الهيمنة الأمريكية، خاصة وأن أميركا باتت، وتحت ذريعة ما تطلق عليه اسم " الحرب على الإرهاب" توجيه ضربات عسكرية ودبلوماسية واقتصادية، مباشرة وغير مباشرة، للعديد من الدول الإسلامية.<BR>وأمريكا لا تخفي ذلك، بل إنها وفي كل مناسبة، تؤكد عبر أفراد حكومتها، بمعاداة الإسلام والمسلمين، وتبشر بحملة صليبية ضد الإسلام في كل مكان.<BR>بدءً من احتلال أفغانستان، وتسليم حكومة عميلة الحكم فيها، مروراً باحتلال العراق، وفرض وصايا عسكرية واقتصادية عليه، ودعم إسرائيل في مواجهة الدول المجاورة، وتقديم دعم عسكري للفليبين من أجل القضاء على المسلمين في الجنوب، وليس انتهاءً بتهديد دول عربية وإسلامية بعمليات احتلال عسكرية، أو على أقل تقدير، تنظيم هجمات دبلوماسية وإعلامية ضد بعض الدول، كما يحصل مع المملكة العربية السعودية.<BR><BR>لذلك فإن روسيا، قد تحاول عبر هذه الوسائل الدبلوماسية والسياسية، كسب ود الدول الإسلامية، وتمكين الارتباطات الاقتصادية والعسكرية والتجارية معها. لخلق توازن جديد مع الولايات المتحدة، التي بدأت تواجه تنامي المواقف المعادية لسياساتها الخارجية، بالإضافة لتنامي العجز الاقتصادي فيها، ما قد "يدغدغ" آمال روسيا، بإعادة ثنائية القطب الدولة من جديد.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">تغيب لمجاهدي الشيشان عن المؤتمر الإسلامي: </font><BR><BR><BR>توقعت مصادر إعلامية أن تناقش الدول الإسلامية مسألة جمهورية الشيشان المسلمة، التي تصر روسيا على إخضاعها للحكم المركزي، حيث أنجحت أحمد قادروف، المدعوم من قبل موسكو - كرئيس منتخب بقوة الكرملين – في الشيشان.<BR>المجاهدون الشيشان قاطعوا الانتخابات ورفضوا الحكم الروسي عبر قادروف، واستمروا في تنفيذ الهجمات ضد القوات الروسية والحكومة الشيشانية الموالية لروسيا.<BR>إلا أن القمة بدأت وانتهت، ولم يذكر أي شيء حول حقوق المسلمين في الشيشان، ما يعني أن المسلمين (كمنظمة مؤتمر) لم تتحرك – على الأقل – لاسترداد حق الشيشان إعلامياً مقابل دخول روسيا في المنظمة.<BR>في حين أعلنت روسيا قبل انعقاد المؤتمر، عن آمالها في أن يثمر انضمامها لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إلى حل الصراع الشيشاني، ما يرجح أن يكون الحل في أذهان الروس، على حساب المسلمين الشيشان، الذين عليهم أن يتفهموا أن موافقة الدول الإسلامية على انضمام روسيا إليهم، وعدم مطالبتها أمام المؤتمر بأي شكل من أشكال إيقاف احتلال الشيشان، يعني أن الدول الإسلامية موافقة "ضمنياً" على ما تقوم به روسيا في دولتهم الإسلامية.<BR><br>