طريق التجارة الشمالي يمر في أفغانستان...
1 رمضان 1424

عملت روسيا لسنوات طويلة، على إزاحة حكم طالبان الإسلامي في أفغانستان، والآن وبعد أن احتلت الولايات المتحدة أفغانستان، فإن روسيا ستتمنى دائماً ألا تعود السيادة مرة إلى أخرى إلى طالبان، ليس فقط بسبب العداء القديم معها، والثأر من الحكومة المسلمة التي استطاعت إلحاق هزيمة بدولة عظمى، ولكن لسبب آخر لا يقل أهمية عنه، وهو ضمان الطريق التجاري الاقتصادي الهام بين روسيا وإيران والهند.<BR><BR>حيث تعتمد استراتيجية روسيا في تطوير تعاونها مع كل من إيران والهند مستقبلاً، على الوضع الأفغاني بشكل رئيسي. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الممر الجنوبي: </font><BR><BR>خلال زيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى الهند بتاريخ 26 يناير الماضي، والتي تزامنت مع احتفالات يوم الجمهورية في الهند، قام وفد صناعي إيراني بزيارة إلى الهند من أجل إقرار "الممر الجنوبي" بين الهند وإيران، باعتباره مسألة اقتصادية هامة للبلدين، حيث يسمح امتداد هذا الممر بأن يستمر إلى روسيا عن طريق البر والبحر. <BR>وناقش الطرفان الإيراني والهندي مسألة الطريق التجاري "الممر الجنوبي" الذي يتيح نقل البضائع والسلع بين مدينة "بومباي" وموانئ "كاندلا" الهندية، وبين مدينة "بندر عباس" الإيرانية، التي تسمح بتمرير البضائع، والسلع فيما بعد عن طريق السكك الحديدية إلى بحر "كاسبايان" ومنه إلى روسيا وأوروبا. <BR><BR>ويشرح نائب وزير النقل الروسي "تشينجيز ايزمايلوف" أهمية هذا الطريق، بأنه سيختصر ثلثي الوقت الذي تقضيه البضائع المحمولة للوصول بين الهند وروسيا عبر الخليج العربي والمحيط الهندي إلى أوروبا، مقارنة بالوقت الذي تقضيه هذه البضائع للوصول عبر قناة السويس في مصر. <BR>كما سيقلل الطريق الجديد تكاليف النقل بقيمة 400 دولار لكل وعاء شحن، يتم نقله من المنطقة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، <BR>مع الإشارة إلى أنه من المتوقع أن تصل الشحنات المصدرة إلى أمريكا ، إلى 8 ملايين طن في عام 2005م.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الاتفاقية الدولية: </font><BR><BR>بعد ستة أشهر من المشاورات الثنائية بين الهند وإيران، وانضمام روسيا إلى المباحثات، وقعت الدول الثلاثة في سانت بطرسبورغ خلال شهر مايو الماضي على اتفاقية ثلاثية تتعلق بالممر الجنوبي،<BR>حيث قام (وزير النقل الإيراني) أحمد خورام، مع نظرائه الهندي والروسي، بتوقيع الاتفاقية بحضور مسؤولي النقل في كل من دول البحرين وروسيا البيضاء (بيلاروسيا) وكازاخستان وفنلندا، بصفة مراقبين على مراسم التوقيع.<BR>وتعد هذه البلدان، بالإضافة إلى أذربيجان, من أكثر الدول المهتمة بالانضمام إلى اتفاقية الممر التجاري الموقع بين الدول الثلاثة، حيث عبرت الدول التي اجتمعت في سانت بطرسبورغ، عن أملها في أن تزيد هذه الاتفاقية حجم التبادل التجاري فيما بينها. <BR><BR>وعلى مدار السنوات الـ24 الأخيرة، شهدت دولة أفغانستان المسلمة، توترات عسكرية مسلحة، كما دمرت الحرب المستمرة الكثير من البنية التحتية لها، لذلك فإن دول روسيا وإيران والهند، ستبقى ممتنة للاحتلال الأمريكي في أفغانستان، ولاستمرار وجوده وملاحقته لمجاهدي طالبان، من أجل البدء بتنفيذ اتفاقية الممر الجنوبي والتي ستدر الملايين والمليارات لتلك الدول. <BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4">أمن الطاقة: </font><BR><BR>بتاريخ 3 يناير الماضي، اجتمع (سكرتير مجلس الأمن الروسي) فلاديمير رشيلوف، لمدة خمس ساعات مع الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف، لإعلان دعم روسيا الثابت للحاكم المستبد.<BR>لكن زيارة رشيلوف إلى تركمانستان لم تكن ببساطة لنقل ذلك الدعم المستمر من موسكو لنيازوف، بل تعدت ذلك إلى مهمة حساسة وجوهرية.<BR>حيث كشفت مصادر إعلامية (من بينها وكالة نوفوستي) الروسية، عن أن مسؤولين من وزارة الطاقة الروسية كانوا في زيارة هم أيضاً إلى تركمانستان، حيث اجتمعوا مع نظرائهم هناك من أجل المباحثات حول مسائل أمن الطاقة الروسية.<BR>كذلك فقد تباحث الجانبان حول القضية القديمة التي تتمحور حول كيفية تقسيم بحر "كاسبايان" بين البلدين، كما ناقش الجانبان حول تبادل النقل البحري، بحيث يتم نقل النفط التركماني خلال ميناء البحر الأسود إلى الميناء الروسي "نوفوروسييسك"، ويتم شحن النفط الروسي إلى معمل تكرير البترول "سييدين" في شرق تركمانستان.<BR><BR>وبغض النظر عن أهمية زيارة رشيلوف إلى تركمانستان، فإنها تبدو قد دفعت إيران إلى زيارة مفاجئة هي الأخرى إلى نفس الدولة، من قبل وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي في نفس اليوم تحديداً. <BR>استمرت مدة زيارة خرازي ليوم واحد فقط، اجتمع خلالها (فور مغادرة رشيلوف) مع نيازوف.<BR>وأدت المحادثات بين الجانبين إلى الاتفاق على مشاريع مشتركة كبيرة بين البلدين، وإلى تعاون بحري في بحر كاسبايان, طبقاً للناطق بلسان وزارة الخارجية الإيراني حميد رضا آصفي . <BR>حيث نقلت وكالة الانباء الرسمية الإيرانية عن آصفي قوله: إن أوضاع البلدين قريبة من بعضها البعض كثيراً، وإنهما وقعا على اتفاقيات مشتركة، وعلى الاستغلال الجيد لبحر كاسبايان. <BR><BR>وفي وقت لاحق، وقعت كل من إيران والهند وتركمانستان على اتفاقية نقل البضائع العابرة من الميناء الإيراني "بندر عباس" إلى آسيا الوسطى عبر دولة تركمانستان. <BR>وكانت الدول الثلاثة وقعت في عام 2000م على اتفاقية للنقل البري، ما أدى إلى تنامي حركة النقل التجاري بين الهند، ودول آسيوية أخرى، من بينها أوزباكتسان، وكورجستان، وكازاخستان،<BR>حيث ترتبط هذه الدول بشبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية. <BR><BR>أما الآن فإن البضائع المتنقلة بين الهند والاتحاد الفيدرالي الروسي، يتم نقلها عن طريق موانئ البلطيق في سان بطرسبوغ وكوتكا، والميناء الأوروبي روتيردام، وموانئ البحر الأسود الأوكرانية إيليتشيفسك وأوديسا.<BR>لقد كانت هناك حاجة عاجلة للبحث عن وسيلة بديلة للمواصلات تكون أفضل، بحيث تحقق التوفير والسرعة في آن واحد، وبالفعل وجد هذا الحل عبر الممر الشمالي.<BR>ففي يناير الماضي جرت مناقشات بين الهند وإيران حول نقل 5 آلاف طن من الشاي الإيراني والهندي إلى الأسواق الروسية، وطرحت إيران الحل عبر الممر الشمالي الذي يمر بالأراضي الأفغانية، وكانت النتيجة ناجحة، ثم تمت مناقشة قضية أخرى في عبور 1 مليون طن من القمح الهندي إلى أفغانستان عبر الأراضي الإيرانية. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الأطماع في أفغانستان بديلاً لباكستان: </font><BR><BR>بتاريخ 4-5 يناير الماضي، جرت اجتماعات ثلاثية بين الهند وإيران وأفغانستان في العاصمة الإيرانية طهران؛ لمناقشة طرق النقل البديلة إلى أفغانستان؛ لأن باكستان ترفض السماح بدخول الصادرات والواردات الهندية عبر أراضيها إلى أفغانستان.<BR>وركزت المحادثات على كيف إيجاد طريق سريع بين إيران وأفغانستان، حيث يوجد مينا " تشاباهار" على الساحل الإيراني، الذي يمكن أن يستغل في إيصال البضائع الهندية، ثم يتم نقله عن طريق كوبري من إيران إلى "وارانج" في أفغانستان.<BR>وبالفعل فقد بدأت إيران بالتخطيط لإنشاء الطريق الذي سمي باسم " تشاباهار-ميلاك" و بناء كوبري على الطريق إلى زارانج ، حيث ساهمت الهند في التخطيط لدراسة جدوى لبناء طريق " زارانج-ديلارام" بطول 213 كيلومتر، وفق ما أكد ناطق حكومي هندي ،<BR>وطبقا لمصادر هندية مسؤولة, فإن الجانب الإيراني ينظر إلى تحويل معظم السلع إلى أفغانستان وآسيا الوسطى التي ستصل إلى تشاباهار, كمؤشر إيجابي على تنامي تجارته مع دول روسيا وأوروبا، حيث سيصبح ميناء بندر عباس مركزاً رئيساً في التجارة بين هذه الدول، وبين أوروبا وروسيا. <BR><BR>تاريخياً فإن أفغانستان كانت إحدى دول التجارة العالمية الكبيرة، والتي تصل بين شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى و إيران وروسيا، إلا أن التدخل الأمريكي في أفغانستان في شتاء 2001م أفشل الآمال في أن تكون أفغانستان دولة قوية تجارياً، حيث انتشر انعدام الأمن في كل الدولة، ما جعل الآمال التجارية لكل من الهند وإيران وروسيا تخبو مجدداً، خاصة وأن روسيا حاولت احتلال أفغانستان قبل ذلك وفشلت. <BR><BR>ورغم ذلك فإنه وتحت الظروف الحالية, فإن المشاركة في ممر الشمالي التجاري الذي يضم كل من روسيا وإيران والهند يبدو خياراً متفائلاً وجديداً للحكومة الأفغانية الموالية للاحتلال الأمريكي، <BR>ولا يخفي حامد كرزاي (رئيس الحكومة الأفغانية) أمنياته بتحقيق ذلك، إلا أن السؤال يبقى، هل ستسمح له الولايات المتحدة أن يوقع على اتفاقية نقل مع تلك الدول أم لا؟؟<BR><BR>خاصة وأن اجتماع طهران الأخير، الذي ضم وفداً أفغانياً، جاء لإدخال طرف استراتيجي جديد وفعال في اتفاقية النقل بين الدول الثلاثة.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">علاقات ما وراء النقل التجاري: </font><BR><BR>لا تتضمن المصالح المشتركة بين الدول الثلاثة المصالح التجارية فقط، بل تتعداها إلى مصالح استراتيجية كبيرة وهامة، منها على سبيل المثال لا الحصر أن روسيا تعد من أكبر الدول التي لديها مخزون نفطي، فيما تعد إيران أنها تمتلك ثاني أكبر مخزون احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، أما الهند فإنها تعد إحدى أكبر الدول العالمية استهلاكاً وطلباً للنفط والغاز العالمي، وتنظر إلى إيران كمدخل استراتيجي للطاقة والوقود في الشرق الأوسط،<BR>ويشير التطور الإقليمي في آسيا (على الأخص فيما يتعلق بالبنية الأساسية) أن كلاً من الهند وإيران ستحتاجان إلى مزيد من النفط والطاقة خلال السنوات القليلة القادمة، ونمو النفط والطاقة والطلب عليها، بالإضافة إلى تقاسمهم مع دول آسيوية، مثل: الصين وأفغانستان وباكستان قد يؤدي إلى خلق منطقة مستقلة بدرجة كبيرة عن النفط القادم من الشرق الأوسط، إذ يعد الاعتماد الزائد من قبل دول كبيرة مثل: الصين والهند، على النفط القادم من الشرق الأوسط تهديداً لأمنهم القومي، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وبقاء القوات الأمريكية هناك. <BR><BR>بالإضافة لذلك، فإن كل من روسيا والهند تعدان دولاً نووية، ولديها برامج نووية لتوليد الطاقة بشكل متزايد، ولا شك بأن إيران تمتلك هي الأخرى طموحاً لذلك، في حين تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى تحطيم أي حلم إيراني لذلك، لذلك تأمل إيران في أن تؤمن لنفسها حلفاً تجارياً عبر هذه الدول، في مواجهة ما قد يتهددها من أخطار من قبل أمريكا وإسرائيل، إلا أن هذا الأمل لم يستمر طويلاً، خاصة بعد أن أعلنت إيران أنها على استعداد لتعليق عمليات تخصيب اليورانيوم، وتوقيع البروتوكول الإضافة الخاص بالسماح للمفتشين الدوليين بالتفتيش في إيران في أي وقت. <BR><BR>أما الهند فتطمح أن يحقق هذا الممر التجاري الجديد، والحلف الدولي الجديد، على أن تستخدم الأراضي والموانئ الإيرانية في تصدير منتجاتها إلى أفغانستان، أو تمريرها عبر أفغانستان إلى دول أخرى، في ظل عدم سماح باكستان للبضائع الهندية من المرور عبر أراضيها إلى أفغانستان، في حين تسمح بالمرور العكسي فقط.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">أطماع روسيا: </font><BR><BR>في حين تطمح روسيا بالوصول (عبر الممر الشمالي) إلى الخليج العربي، خاصة وأن روسيا ليس لديها أي وجود في منطقة الخليج. <BR>وفي عام 1979م عندما حاولت روسيا احتلال أفغانستان، أشار كثير من الخبراء إلى أن روسيا تأمل من وراء ذلك، الوصول إلى "المياه الدافئة" في الخليج العربي، أما الآن فإن هذه الاتفاقية ستعوض لروسيا ما أفقدها إياه المجاهدون الأفغانيون الذي تصدوا للاحتلال السوفييتي. <BR><BR>كما تأمل روسيا بأن يكون لها موضع قدم في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أن فرضت الهيمنة الأمريكية سطوتها على المنطقة عبر احتلال العراق. <BR>ويبدو أن روسيا بدأت تتحرك مؤخراً في طريق آخر، عبر محاولة الدخول في المؤتمر الإسلامي، عبر دخولها هذه السنة بصفة مراقب، في حين تشير دلائل دبلوماسية وسياسية إلى أن روسيا قد تنظم إلى مؤتمر الدول الإسلامية بعد عامين تقريباً. <BR><BR><BR><br>