العلاقات الإسرائيلية الروسية وسنوات التقارب
2 ذو الحجه 1424

قبل أقل من شهر، وبالتحديد في تاريخ 28 ديسمبر 2003م، أطلقت روسيا صاروخها "سويز" حاملاً معه قمر الاتصالات الإسرائيلي الصناعي (عاموس 2).<BR>وهذا الخبر لم يلق الكثير من التغطيات الإخبارية، حيث لا يوجد شيء ملفت للانتباه – عالمياً – فأخبار الأقمار الصناعية كثيرة ومتعددة، وروسيا تطلق أقماراً صناعية لدول أخرى من عام 1991م عبر قواعدها الصاروخية.<BR><BR>إلا أن ذلك في الحقيقة يمثل اتجاهاً جديداً وتطوراً هاماً يشير إلى الخطوات البعيدة التي بدأت تخطوها روسيا اتجاهات منذ نهاية الحرب الباردة.<BR>وكان يمكن أن يشكل هذا الخبر أيام الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفيتي حدثاً هاماً، يرصد بالتحليل والدراسة، خاصة وأن معظم دول العالم تعرف العلاقة الوطيدة جداً بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وكان من الصعب أن تقوم روسياً بعقد أي اتفاقية عسكرية أو استراتيجية أو تقنية مع إسرائيل في ظل ظروف المنافسة مع أمريكا.<BR><BR>أما الآن فإن كل شيء يمكن أن يحدث بسهولة، خاصة مع وجود العامل المادي الذي تستفيد منه روسيا في إطلاق الأقمار الصناعية لعدة دول عالمية (من بينها إسرائيل) عبر تقنيات قواعد إطلاق الصواريخ والتكنولوجيا المتطورة لديها بوضع الأقمار الصناعية في مداراتها، وهو ما ورثته – إيجابياً – من الحرب الباردة القديمة.<BR>ورغم أن روسيا قامت بإطلاق صواريخها حاملة أقماراً صناعية لدول أخرى تعد دولاً معادية لإسرائيل (كالمملكة العربية السعودية، وإيران...) إلا أن إطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي يبقى يحمل دلالات وإشارات ذات طابع آخر، والذي حصل بعد كم تراكمي من العلاقات الروسية الإسرائيلية.<BR><BR><font color="#0000FF"> بداية العلاقة: </font><BR>بعض الدول العالمية ممن قامت روسيا بإطلاق أقمارها الصناعية للفضاء، تمتلك علاقات قديمة مع روسيا، ومنذ أيام الاتحاد السوفيتي، أما إسرائيل، فإن العلاقات معها بشكل عام حديثة، ولكنها وصلت إلى حد كبير من الثقة والمصالح المتبادلة.<BR><BR>فمنذ أيام الرئيس بوريس يلتسين بدأت العلاقات الروسية الإسرائيلية تنمو بشكل إيجابي، حيث تم تبادل السفراء، وتم افتتاح السفارات، كما سمحت روسيا بهجرة اليهود إلى فلسطين المحتلة ولم تقتصر هذه العلاقات على التمثيل الدبلوماسي فحسب، بل ذهبت لأكثر من ذلك عبر تفعيل الحوار المشترك وتطوير العلاقات التجارية بشكل كبير، كما تم ترحيل نحو أكثر من مليون يهودي من دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى فلسطين المحتلة للعيش تحت ظل الحكومة الإسرائيلية.<BR><BR>منذ عام 1991م إلى بداية مجيء آريل شارون كرئيس للحكومة الإسرائيلية حافظ الرؤساء على زيارات رسمية روتينية إلى موسكو، محافظين على وتيرة معينة من العلاقات الثنائية، ناقشوا خلالها قضايا ومشاكل، وتبادلوا مع نظرائهم الروس وجهات النظر، فيما بقى في موسكو إرث سوفيتي سابق بعداء اليهود وإسرائيل، حيث لم تتسم السياسات الروسية (حتى وقت قريب نسبياً) بالدعم الواضح لإسرائيل.<BR>إلا أن المصالح المشتركة بين البلدين بدأت في فتح آفاق جديدة، أنست روسيا دعم موسكو للكتلة الاشتراكية في وجه الإمبريالية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط خلال سنوات طويلة.<BR><BR>فعلى سبيل المثال: نقلت وكالات الأنباء العالمية تعليقات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الأحداث في فلسطين وموقف روسيا منها وتأكيده على العلاقات الطيبة مع العالم العربي؛ ولكن بتأكيد آخر أشار إلى أن روسيا تنظر بالاهتمام إلى أكثر من مليون ناطق بالروسية في إسرائيل لدرجة دعت بوتين إلى اعتبار إسرائيل "إحدى الدول الناطقة بالروسية". (...) وما لذلك من أهمية ثقافية - حضارية تحرص عليها روسيا كمفتاح لمستويات أخرى من الأهمية السياسية والاقتصادية.<BR><BR><font color="#0000FF"> سمات التقارب الجديد: </font><BR>يقول الصحفي الروسي بفراغ ستيفن (محلل الشؤون الأمنية والدولية في هاريسبورغ): "في الحقيقة فإن كلتا الدولتين (روسيا وإسرائيل) تواجهان التهديدات من حركات إسلامية، أدت إلى تقارب معين بينهما".<BR>ويشير الصحفي الروسي إلى أن إسرائيل تمتنع عن أية تعليقات أو تنديدات بممارسات الجيش الروسي بحق المجاهدين الشيشان، فيما يغض بوتين الطرف عن استمرار العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، على الرغم من النظرة الروسية القديمة في مسألة النزاع في الشرق الأوسط، التي كانت تعد إسرائيل عدوةً ومحتلة.<BR><BR>إلا أن القفزة التي شهدتها العلاقات بين الجانبين كانت في عام 1995م، والتي أثارت دهشة الكثيرين، وهي توقيع وزارة الدفاع الروسية لاتفاقيات واسعة وكبيرة مع إسرائيل، تشمل توريد وتطوير عدة أنواع من الأسلحة الروسية، والتي بدأها وزير الدفاع الروسي بافل جراتشيف، ولاقت صدىً إيجابياً لدى الإسرائيليين.<BR>وتنطلق دهشة الكثيرين حول هذه الصفقة من أن الصناعات الحربية الروسية والإسرائيلية تعد صناعات تنافسية في العديد من تفاصيلها، كما تتنافس في مبيعاتها في الأسواق العالمية، (كالهند مثلاً).<BR><BR>وتقول العديد من وسائل الإعلام الغربية والآسيوية: إن إسرائيل قد احتلت مكانة روسيا فيما يتعلق بتوريد الأسلحة للهند، حيث وقعت نيودلهي صفقات بأكثر من مليار دولار مع إسرائيل لتوريد أنواع من الأسلحة كانت تستوردها من روسيا.<BR>وبالفعل فإن إسرائيل قد أصبحت – بدل روسيا – أكبر مزود أسلحة للهند.<BR>بالإضافة لهذه الاتفاقية بين إسرائيل وروسيا، فإن الدولتين وقعتا على اتفاقية هامة تختص بتطوير عدة موديلات للأسلحة الروسية القديمة.<BR><BR>ويبدو أن الولايات المتحدة مرتاحة من أن تحل إسرائيل محل روسيا في توريد الأسلحة لبعض الدول، كما تتحكم إلى حد كبير بالجهة التي يتم توريد أسلحة إسرائيل إليها، على سبيل المثال أجهضت الولايات المتحدة صفقة بيع رادارات الإنذار المبكر "فالكون" الإسرائيلية المحمولة على طائرات "إيليوشن 78" الروسية للصين، فيما وافق البنتاغون الأمريكي على صفقة لنفس الأسلحة الروسية الإسرائيلية مع الهند، حصلت خلالها نيودلهي على ثلاث طائرات روسية مزودة بأنظمة المراقبة المبكرة الإسرائيلية.<BR><BR>وهذا الأمر لن يزعج روسيا، طالما أنها تقوم ببيع طائراتها القديمة بأثمان معقولة، وطالما أنها تحافظ على علاقات متينة مع هذه الدولة، وهو ما تجد صداه إيجابياً لدى الهند، حيث نشرت الصحف الهندية بأهمية بالغة تصريحات الملحق العسكري الروسي في الهند الجنرال فيكتور تشيرنوف بأن روسيا مهتمة جداً بتطوير العلاقات مع كل من الهند وإسرائيل.<BR>وهو ما انعكس على تنامي العلاقات التجارية أيضاً بين روسيا والهند.<BR><BR><font color="#0000FF"> مشاريع تحت التنفيذ: </font><BR>لا تقتصر أهمية إطلاق إسرائيل لقمرها الصناعي (عاموس 2) على إمكانية تسويق المصانع الإسرائيلية العسكرية لأقمارها الصناعية، كما لا يقتصر إطلاق روسيا لهذا القمر عبر قواعدها الصاروخية على استعراض التقنيات الناجحة والجيدة في هذا المجال فحسب، بل تتعداها إلى أبعد من ذلك.<BR>حيث يوجد لدى كلتا الدولتين -وحسب صحف عديدة- طموحاً خاصاً بدخول برامج المجموعة الأوروبية حل استكشاف الفضاء عبر برامج "أريان" و"ستارسيم" كما يظهر هذا التقارب الروسي الإسرائيلي في إطلاق القمر الصناعي للفضاء، أهمية المشاركات الدولية لإنجاح بعض البرامج الفضائية.<BR><BR>فبعد يومين فقط من إطلاق (عاموس 2) أي في 30 ديسمبر 2003م أعلنت الصين عن مشروعها الفضائي الأول الذي أطلقت عليه اسم (غاليلو 5) بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، والخاص بتعقب العواصف الفضائية، وبمحاولة إيجاد بيئة ملائمة لتحسين أمان المهمات الفضائية، بالإضافة لمهام أخرى.<BR><BR>وإذا كانت كل من روسيا وإسرائيل لم تعلنا حتى الآن عن وجود مشاريع مشتركة فضائية بينهما، إلا أن عملية الإطلاق الأخيرة تشير إلى علاقة قوية قامت بين الدولتين.<BR>خاصة وأن روسيا تدرك جيداً وهي تطلق القمر الصناعي الإسرائيلي، مدى القوة التي قد يدعمها (عاموس 2) لإسرائيل، حيث أثبتت عمليات عاصفة الصحراء في يناير عام 1991م الحسم الاستراتيجي الذي تقدمه الأقمار الصناعية في الحروب والمعارك العسكرية والمهام الأخرى كالرصد والتعقب والاتصالات وتحديد الأهداف... إلخ.<BR><BR><font color="#0000FF"> التقارب الأمني: </font><BR>على أن إسرائيل التي عانت لسنوات طويلة من عزلة عن العديد من الدول العالمية، ممن وقفت لسنوات طويلة إلى جانب القضية الفلسطينية العادلة، ستقدم بكل قوة وانفتاح على تلك الدول، محاولة خلق جو تنافسي دبلوماسي يدعم قرارات إسرائيل، ويغض الطرف عن الممارسات المستمرة ضد الفلسطينيين، خاصة إذا ضمن وجود علاقات ومصالح متبادلة مع تلك الدول.<BR><BR>وقد وجدت إسرائيل إحدى هذه العلاقات عبر الطريق الأمني الاستخباراتي.<BR>ولابد أن الصيت القديم لـ(كي جي بي) أو المخابرات الروسية سيثري هذا التعاون، في ظل وجود مصالح مشتركة.<BR>وهو ما كشفت عنه مصادر إعلامية إسرائيلية منذ 30/11/2000م، حيث قالت الإذاعة الإسرائيلية: إن كلاً من روسيا وإسرائيل قد كثفتا التعاون الأمني والاستخباري بينهما بشكل لم يسبق له مثيل.<BR>وأضافت أن الحكومتين الروسية والإسرائيلية اتفقتا على عقد لقاءات دورية بين قادة الأجهزة الاستخبارية في الجانبين لتنسيق جهودهما ضد ما أسمته الإذاعة "خطر الأصولية الإسلامية المتصاعد".<BR><BR>وفي هذا السياق قام (رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي) إبراهام هليفي بعدّة زيارات للعاصمة الروسية موسكو بغية وضع آليات للتعاون الاستخباري في هذا المجال، كما قام عدد من قادة الأقسام في جهاز الموساد بزيارات عديدة لموسكو لنفس الغرض .<BR>لم يفت على الإذاعة الإسرائيلية تعلقيها حول هذا التقارب بالقول: " إن لكل من روسيا وإسرائيل، قواسم مشتركة كبيرة وهامة في مجال مواجهة العدو (...) الذي يتمثل في خطر المقاومة الإسلامية".<BR>وتدعي المصادر الإسرائيلية بأن المخابرات الروسية هي التي شرعت بتزويد الموساد الإسرائيلي بمعلومات حساسة حول أنشطة حركات إسلامية على علاقة بالمجاهدين الشيشان، وعلى علاقة بأسامة بن لادن.<BR>ولم تستبعد المصادر الصحفية أن يوافق الروس على فتح مكتب خاص للموساد على أراضيهم، بحيث يتولى عملية التنسيق مع الأجهزة الاستخبارية الروسية أولا بأول.<BR>فيما تقول مصادر أخرى أن هذا المكتب موجود بالفعل في روسيا.<BR><BR>ومن المصادفات التاريخية التي زادت من ثقل هذه الفكرة في أذهان الروس والإسرائيليين أنه في يوم واحد (18/4/2002م) حملت الأخبار العالمية نبأ عمليات تفجيرية في كل من فلسطين والشيشان، الأولى ضد جنود إسرائيليين، والثانية ضد جنود روس.<br>