جدران مباني بغداد لوحات سياسية
17 ذو الحجه 1424

<BR>لا أظن أن مدينة في الدنيا تملأ جدرانها الشعارات كمدينة بغداد، فأينما اتجهت طالعتك الشعارات السياسية والدينية، وهي مكتوبة على جدران المدارس والبيوت ودوائر الدولة بخطوط مختلفة، وصياغات مرتجلة كثيراً ما تنقصها اللياقة أو سلامة اللغة، أو صحة الإملاء، وقد تسببت كثرتها في تشويه معالم المدينة، وجمال شوارعها، كما أدى "تلطيخ" ومسح بعض الشعارات بالدهان الأسود إلى إضفاء المزيد من القبح والتشويه على تلك الجدران.<BR>مراسل "المسلم" في بغداد قام بجولة للاطلاع على تلك الظاهرة التي انتشرت مؤخراً.. ففي حي الجهاد تكرر شعار "أيها الأمريكي المحتل اخرج من أرضنا قبل أن تكون جثة هامدة"، ومنها "سنقطع رؤوس الخونة"، ومنها "تحية إلى رجال المقاومة كتائب الحق".<BR>أما جدران مبنى دائرة المخابرات العامة، فقد تحول بين ليلة وضحاها إلى سبورة كبيرة تعلوها الشعارات المختلفة بعد أن كان مجرد المرور من جانب أسواره يبعث الفزع في نفوس العراقيين، والطريف أنك تقرأ شعاراً يشتم صدام ويلعن نظامه البعثي، مثل "صدام باع العراق، وهرب من المعركة" و"مفاتيح بغداد سلمها صدام لأسياده".. في حين ترى إلى جانبها شعارات أخرى تسب أمريكا، وتدعو إلى المقاومة، ومنها: "كلنا فدائيون"، و"سنلقن الأمريكان الموت الزؤام".<BR>ويقول الدكتور نهاد الفيضي من كلية الآداب..: "إن ظاهرة كتابة الشعارات على الجدران ليست جديدة، ولكن انتشارها بهذا الشكل المكثف يعكس حالة الفوضى وعدم الاستقرار ليس فقط في الوضع الأمني، وإنما في الوضع السياسي العام؛ لأن الفراغ السياسي والأمني كان هائلاً بعد سقوط نظام صدام الذي امتد لخمسة وثلاثين عاماً، وهو يفرض نمطاً شمولياً وقوياً لا يمكن خرقه، ومن هنا فإن الحالة التي نعيشها اليوم ليست سوى ردة فعل فطرية أو شعبية على ذلك الانغلاق القسري والدكتاتورية التي سجنت الناس في قمقم مظلم طيلة أكثر من ثلاثة عقود".<BR>ويضيف الدكتور الفيضي: "إن هذا الأمر لا يشمل الأحزاب والتنظيمات السياسية التي كانت تحت طائلة الملاحقة والإعدامات والسجون فحسب ، وإنما شمل كل قطاعات الشعب التي لم تكن تملك أن تتنفس إلا وفق إرادة الأجهزة القمعية والبوليسية، لذا نرى أن الشعارات تعكس في الكثير من الحالات سذاجة أو بساطة صياغتها وأسلوبها؛ لأنها تعبير شخصي عن كبت مضمر في صدور حتى البسطاء والبائسين من العراقيين، فبعضهم كتب كلمة "مبروك"، ويقصد "مبروك سقوط النظام"، بينما أضاف عليها البعض "مبروك الاحتلال".<BR>ويذكر أن الكثير من الشعارات كان لا يخلو من الطرافة أو عدم اللياقة أحياناً، ومنها إطلاق كلمات بذيئة على صدام أو على الأمريكان .. أو عليهما معاً في وقت واحد، ومن تلك الشعارات "عيادة بوش البيطرية لعلاج صدام والبعثية" أو "ألف أمريكي ولا تكريتي".<BR>الدكتورة حميدة سميسم (عميدة كلية الإعلام) قالت: إن هذه الشعارات تحتاج من قبل الباحثين إلى دراسة وتشريح، وهي بلا شك تنطوي على مضامين كثيرة جديرة بالبحث وتعبر عن أفكار وأيديولوجيات وتوجهات مختلفة منها السياسية، ومنها الدينية أو الانتقامية لدوافع شتى، ولكنني أعتقد أن من المناسب الآن الكف عن ذلك؛ لأن جدران بغداد أصبحت سوداء مشوهة،وعلينا الآن أن نعيد إلى مدينتنا العريقة وجهها الجميل بدل التمادي في "تسويد" وجهها بعد أن عبث بها المحتلون، ودمروا معظم معالمها ومبانيها.<BR>ويلاحظ الزائر لمدينة بغداد أن هناك الكثير من الشعارات الموحدة كتبت على معظم الجدران، مما يوحي بأن الجهة التي تقف وراء كتابتها تمثل تياراً قوياً أو مؤثراً في الشارع العراقي، حيث بقيت هذه الشعارات دون أن يجري مسحها، ومنها: "نعم.. نعم للإسلام.. لا أمريكا ولا صدام" أو "لا أمريكا ولا حكيم الشعب هو الزعيم" أو "مجلس الحكم صنيعة أمريكية"، وغيرها...<br>