الوجه الآخر لإسرائيل.. شهادة من الداخل
8 صفر 1425

قليلاً ما يطلع الرأي العام الدولي والمحلي على رأي مخالف للرؤية الصهيونية ومضاد لها في الاتجاه، قليلاً ما تستطيع شهادة صادقة أن تخترق الحواجز والجدران العازلة التي تخصصت فيها دولة الكيان الصهيوني وعصاباتها الدولية في أوروبا وأمريكا، غير أن الشمس لا يحجبها الغربال، وصوت الحق والصواب هو الأقوى والأعلى، ولو اجتمعت الإنس والجن على كتم أنفاسه لما استطاعوا لذلك سبيلا.<BR>صوت "إسرائيل آدم شامير" واحد من تلك الأصوات ونموذج لها. هذا اليهودي الروسي "الإسرائيلي" كاتب من النوع الرفيع، يجمع بين الكتابة والصحافة والترجمة. يناضل بشجاعة لا نظير لها لإسماع صوت "الإسرائيليين" الذين يرفضون منطق الحكومات الصهيونية المتتابعة ويريدون العيش في سلام ووئام مع الفلسطينيين تحت سقف دولة واحدة كما عاشت المجموعات الدينية من قبل على مدى قرون متطاولة.<BR> "إسرائيل آدم شامير" يستنكر في أسلوب أدبي وصحافي رفيع استغلال صهاينة الولايات لليهود البسطاء المستوردين من المشرق والمغرب ليكونوا حطباً لنار ملتهبة لا يجني منها أحد إلا الموت والدمار، كما يستنكر المجازر المتكررة من العصابة الصهيونية الحاكمة في حق الشعب الفلسطيني، ويمجد الكاتب المقاومة الباسلة للفلسطينيين، كما يعد قضية فلسطين والصراع الدائر حولها عالماً مصغراً لما يجري في العالم من تحولات، ويؤمن الكاتب أن النهاية الحتمية للصراع هي تحرير فلسطين، وانهيار الكيان الصهيوني وذلك ما يؤكده غير ما مرة في كتابه.<BR>نقدم للقراء والخبراء والمهتمين هذه المقاطع الدالة من كتاب "الوجه الآخر لإسرائيل" المأخوذة من عدد من المواقع، والتي ترجمناها لتبليغ هذا الصوت وليعرف الناس أن اليهود ليسوا سواء، وأن المعركة الحقيقية هي مع المتصهينين منهم الذين يقتلون ويسفكون ويسجنون باسم موسى _عليه السلام_، وهو منهم بعيد كما بعدت السماء عن الأرض. المقاطع المختارة في هذا المقال تتناول "الدولة الصهيونية الوهمية أو الافتراضية"، وانهيار الكيان المحتل، ويورد الكاتب وصفاً لمحنة اليهود المغاربة والمشارقة في هذا الكيان الغاصب، ليخلص على الإدلاء بشهادة وفاة المشروع الصهيوني واستحالة القضاء على الفلسطينيين ولو بقي فيهم مجرد فرد واحد.<BR><BR><font color="#0000FF">دولة من ورق: </font><BR>الدولة اليهودية دولة وهمية تفقد بسرعة العلاقة الرقيقة التي تربطها بالواقع. هذه الدولة الشبح تقتل الناس بجمع الأموال في أمريكا، وتتابع وجودا الآثم، كما يظهر ذلك التعبير القانوني "في ملكية الهالك". حقولها يرعاها عمال ضيوف مستوردون يحرسهم الروس والإثيوبيون المستوردون أيضاً، ويشكلون مواضيع لمحاضرات أساتذة الجامعات الإسرائيليين يدرسون (في زمن ممتلئ وحتى نهاية الجيل) في جامعات أمريكية، وجنرالات شجعان في ترصد دائم لتحول صناع الأسلحة الأمريكية. البطالة تتزايد يوماً عن يوم. المصالح العمومية في حالة إضراب شبه دائم، وانهارت السياحة، الفنادق أغلقت، وقطاعات أخرى من الاقتصاد الوطني على حافة السقوط، الإسرائيليون يشترون شققاً في فلوريدا وبراغ، بينما لا تجد الشقق في إسرائيل من يشتريها، وتحمس شارون لعقاب الفلسطينيين يشبه من يجلد يده اليسرى: الفلسطينيون والإسرائيليون اندمجوا معاً، وتفريقهم يقتل اقتصادهما.<BR> وعندما تنظر الولايات المتحدة إلى إسرائيل من بعيد، تبدو هذه الأخيرة بمثابة قوة نووية، وصديق كبير للأمريكيين، وتبدو الدولة الإسرائيلية مدعاة للفخر بالنسبة لبعض اليهود الأمريكيين، ومن زارنا يمكن أن يغادرنا وهو يعتقد جازماً أن لنا هوية ظاهرة، وأننا في أحسن حال. <BR>لكننا نحن الذين نعيش هنا دائماً، وحدنا من يعرف أن إسرائيل ليست سوى ديكور من الورق المقوى. إسرائيل في حالة انهيار، قواها الحية تهاجر فاقدة الأمل مليئة باليأس من القضية، في الوقت الذي ينهي فيه الجنرالات تدمير البلد.<BR> مصير همجي نزل على رؤوس الفلسطينيين: الدولة الشبح التي تغتالهم جسد بلا روح، يترنح مثل الحمار الوحشي، تروح وتغدو بين ممرات الكونغرس الأمريكي وقفار الشرق الأوسط. <BR><BR><font color="#0000FF">وفاة الصهيونية: </font><BR>(...) التجربة الصهيونية ماتت فعلاً، ويمكن أن تبقى إسرائيل حية بطريقة اصطناعية لبعض الوقت، وهي حالة تشبه الإسعافات العلاجية المقدمة في بعض الحالات لجسد إنساني في حالة موت دماغي، يمكن أن يقتل بعض الأشخاص، أو يعلن قيام حرب عالمية حتى، غير أنه بالنسبة إليه أصبحت العودة إلى الحياة مستحيلة.<BR> الدولة الإسرائيلية هي دولة عملية تعكس امتداد العقلية اليهودية الأمريكية، وانشغالاتها ومشاكلها التي تقض مضجعها هي مشاكل اليهود الأمريكيين.<BR>(...) أحياناً، أفضل أن يتخلى عنا أصدقاؤنا اليهود الأمريكيون وهم يشعرون بالمرارة، وينظرون إلينا نظر الكاره المحتقر. إن هذا خطأ لا يغتفر في الهوية. إننا لسنا من يظنون لسنا في حاجة إلى حمايتهم لنا من الأغيار، مثلنا في ذلك مثل الأسماك المحتاجة إلى أخذية لا تدخلها المياه.<BR>(...) لقد وقع التباس في الاختيار بين دولة يهودية أو دولة ديمقراطية، لم نختر لا هذه ولا تلك؛ لأننا احتقرنا الديمقراطية واستعبدنا السكان الأصليين، أما يهوديتنا، فهي في أحسن الأحوال، فكرة وهمية. إذا توقف اليهود الأمريكيون عن المساندة الجماعية لإسرائيل يمكن لنا أن ننسى الشتات وأن نذوب في الشرق الأوسط المعروف بكرمه وضيافته، وأن نكون إحدى قبائله. إذا توقفوا عن "تمويلنا" فسوف نظهر لهم بأن الأخشاب يسخن اليهود.<BR><BR><font color="#0000FF">محنة اليهود المغاربة: </font><BR>من أجل إعمار المناطق المفرغة من سكانها الفلسطينيين، قام الموساد بخداع الجاليات اليهودية بالمغرب العربي وإرهابها، لدفعها إلى ترك بلدانها الأصلية والاستقرار في إسرائيل. يهود إفريقيا الشمالية قوم شجعان، غير أنهم مظلومون، كانوا متخوفين على مستقبلهم؛لأن الفرنسيين شرعوا في مغادرة إفريقيا الشمالية. وحدها الشخصيات القوية اختارت الاختيار الأصوب وبقيت مع السكان الأصليين، المغاربة والجزائريين والتونسيين والليبيين، ولم يندموا على ذلك، فهم اليوم وزراء أو مستشارون للملك، وآخرون بهرهم الحسن القاهر للمدينة الفرنسية، فرفضوا شبح الدولة اليهودية واستقروا بفرنسا، وهم الذين أعطوا للدنيا جاك دريدا وأبير ميمي.<BR>والذين هاجروا إلى إسرائيل يشكلون 75% من المعتقلين. دخلهم لا يمثل سوى جزء من دخل اليهود ذوي الأصل الأوروبي، علماؤهم وكتابهم حظهم قليل في العمل ضمن الجامعات الإسرائيلية. صورتهم عن أنفسهم رديئة جداً، إذ يكرهون أنفسهم. "ليس عاراً أن تكون مغربيا" كما يقول الإسرائيليون، ويضيفون بسرعة، و"ليس شرفاً كبيراً بالمرة".<BR>لقد جيء باليهود المغاربة بأعداد كبيرة، ورشت عليهم مادة "دي دي تي" لقتل القمل المعشش فيهم، ووضعوا في مخيمات اللاجئين التي تحولت فيما بعد إلى مدن نييفوت وديمونا وبيروشام، ومايزالون فيها. البطالة ضاربة أطنابها في أوساطهم والفقر لا يفارقهم، يسدون رمق العيش بفضل بعض المساعدات والتبرعات المماطلة لليهود الأشكيناز الذين يتحكمون في مقاهي تل أبيب. بعض هؤلاء اليهود الشرقيين وصلوا إلى خلاصة مفادها أن محرقة الهولوكوست كانت عقاباً مستحقاً للمحتقرين "الأشكيناز" كما يكتبون، ومن المرجح أن تكون إسرائيل هي المكان الوحيد في هذه الأرض حيث يمكن أن نسمع من يقول: "مع الأسف ألا يكونوا قد حرقوك في أوشوويتز". بل إن الحبر الأكبر لليهود السيفرديين يوسف أوباد ياه فسر -أخيراًـ الهولوكوست على أنه بسبب ذنوب اليهود الأوروبيين وخطاياهم.<BR><BR><font color="#0000FF">حصار المغاربة: </font><BR>خلال زمن معين، شاهد صديقي الروسي جدران بيته في القدس وقد زخرفت بكتابات مقلقة "أشكينازي أوشويتز"، وعلى إثر ذلك شكا الأمر للسلطات الأمنية دون أن يتلقى أي جواب. المناصب الدنيا في قوات الأمن لا يشغلها غالباً إلا اليهود الشرقيون، وليس لديهم الوقت في الاستجابة لشكاوى اليهود الروس، غير أنه منذ ذلك ازدادوا تخلفاً على تخلف.<BR> وفي كل مرة يتمكن فيها يهودي شرقي من صعود السلم الاجتماعي يتعاون النظام على إسقاطه، فكثير من السياسيين الشرقيين الشعبيين ممن يمكن أن يهددوا سيطرة النخب الأشكيناز يوجدون في السجون، "أري درعي" الوزير المغربي اللامع الذي رفع حزبه من لاشيء إلى 17 مقعداً بالبرلمان (120 مقعداً) مازال يقبع في السجن بعد ما جمعت لجنة تحقيق ضده حججاً لإدانته، وسلفه "هارون أبو هتزيرا" ـ ابن يهودي مغربي ـ وهو حبر ووزير، أدخل إلى السجن لمخالفات مالية، وهي التهمة الرائجة في بلدنا هذا بالشرق الأوسط. والناشر القوي العراقي "عوفير نمرودي" قضى أكثر من سنة في السجن قبل أن يحاكم ثم أطلق سراحه بسرعة بعد ذلك لانعدام البراهين الدامغة ضده.<BR> وإسحاق مردخاي الكردي وزير الدفاع الذي كان يخطط للوصول إلى منصب رئيس للوزراء، توبع بتهمة الاستغلال الجنسي. و"شلومو بن عامي" -البروفيسور المغربي والوزير- استغل كبش فداء في الزيارة الشنيعة لشارون إلى جبل الهيكل.<BR>وفيما يعاني اليهود الشرقيون، لا يقل الكيبوتز معاناة عنهم، وفي استطلاع جيد عن صحراء النقب بصحيفة "هارتس" أظهر آري شافيت كيف أصبحت المنازل هناك "دوراً للتقاعد، فمنذ زمن بعيد لم يحتفل أي واحد من السكان بازدياد طفل جديد، والشباب سافروا إلى لوس أنجليس ليستقر هناك.<BR><BR><font color="#0000FF">فليتركنا اليهود الأمريكيون!: </font><BR>(...) كان القادة الصهاينة يحلمون أن يجعلوا من فلسطين دولة يهودية مثل ما هي إنجلترا دولة إنجليزية.. لقد أخفقوا في ذلك(...) نحن أبناء اليهود، لم يعد لنا سوى الحيرة في الاختيار. الإيطالي إيطالي، الإيطالية هي لغته وثقافته وإيمانه وتقاليده وفنه ومشهده الطبيعي، لا يمكن أن نميزه عن دانتي ولا عن جيوتو، ولا عن قرى توسكان أو ما دون والبندقية، لكن أن تكون يهوديا، فتلك قضية اختيار. اليهودي الإيطالي يستطيع أن يكون إيطالياً. اليهودي الأمريكي يمكن أن يقتصر على أن يكون أمريكيا. المنحدرون من اليهود الذين يطبقون الديانة القديمة قليل عددهم، هم أقل عدداً من أولئك الذين يتكلمون العبرية أو لغات يهودية أخرى ، فالأغلبية تركت أساليب العيش والمهن اليهودية التقليدية.<BR>الاختيار الشخصي الآن بين يدي كل فرد (...) ولو استطاع اليهود الأمريكيون أن ينسوا أمرنا لعقد من الزمن، لاستطعنا أن نفهم مشاكلنا وأن نحلها وأن نصل إلى توازن جديد طبيعي في فلسطين. وإذا كانت لديهم أموال كثيرة يودون استخدامها في ربح تأثيرهم، فلينفقوها في تحسين أوضاع مواطنيهم الأمريكيين ذوي الأصل الإفريقي، وذلك ما كانوا يفعلونه قبل مجيء الصهيونية. يروي توم سيجيف (الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي) حكاية يوليوس روزنوالد رجل الأعمال في شيكاغو وصاحب شركة "شيرز" وشركة "روبيك أندكو"، أنه كان يمول المشاريع الدراسية للأمريكيين من أصل إفريقي خلال 1920م بقيمة مليوني دولار في السنة (استنكر مبشر صهيوني هذا، فقال: يصعب علينا أن نقبل فكرة قيام أحدنا بإعطاء ماله للسود المتخلفين)، وهذا التقليد يمكن أن يصبح من جديد شرفاً؛ لأن الصدقة تبدأ في المقربين، والمقربون يوجدون في أمريكا.<BR> <BR><font color="#0000FF">لن تكون فلسطين دولة يهودية: </font><BR>حالياً يقومون بتدمير أرض فلسطين تحت أبصارنا. قراها القديمة قصفت حتى أصبحت حجارة، بعضها متراكم فوق بعض، معابدها أفرغت من روادها والمترددين عليها، أشجار الزيتون فيها اقتلعت من جذورها. هذه الأرض لم تعرف خراباً مثل هذا منذ عهد الأشوريين قبل 2700 سنة. لا شيء يمكنه أن يزيح عنا آلام الغصة التي تغمرنا من هول ما نسمع ونرى، والقتلة الإسرائيليون والذين يمولونهم من اليهود الأمريكيين هم الذين يتحملون مسؤولية هذه الجرائم وسيدفعون الثمن إلى الأبد.<BR>غير أنه يبقى على هامش الكتب القادمة من التاريخ سخرية عجيبة مفادها أن "الزعماء اليهود ارتكبوا كل هذه الجرائم دون جدوى، ولم يحصلوا من ورائها على أي منفعة"، وحتى لو لجأ المجرمون إلى صلب آخر فلسطيني حي في هذه الدنيا على جبل جمجمة، فإن ذلك لن يعيد الدولة اليهودية لإسرائيل إلى الحياة.<BR><br>