رئيس وزراء تركيا في اليونان : زيارة بلا تاريخ
2 ربيع الثاني 1425

الباحث عن منجزات زيارة رئيس التركي رجب طيب أردوغان الاخيرة لليونان، يجد أنها لم تناقش أياً من القضايا المهمة والتاريخية العالقة بين البلدين، ولا يخفى على أحد أن تلك القضايا كثيرة ومزمنة، وكأن تلك الزيارة جاءت لنفسها لا لشيء غيرها .<BR><BR>منذ اللحظة الأولى لوصول أردوغان لليونان، أظهرت الشاشات والصحف المحلية مناخاً من الود بينه وبين رئيس الوزراء اليوناني كوستاس كارامنليس، وكأن الأمر زيارة عائلية حميمة، وعبثاً حاول المتابعون التكهن ببعض الموضوعات المهمة التي ستطرح خلال الزيارة، لكن الزيارة انقضت دون أن تتسرب أي معلومات عن محادثات في الصميم، فالزيارة جاءت- كما يبدو- تمهيداً لمرحلة ما بعد الاستفتاء في قبرص، حيث بدا أن البلدين سيكون لهما ملف علاقات مستقل عن القضية القبرصية، سيما أن العاصمتين دفعتا باتجاه الموافقة على خطة عنان .<BR><BR>تركيا التي تتطلع إلى عضوية الإتحاد الأوروبي تدرك أهمية اليونان لها، فاعتراض اليونان على دخولها قد يؤخر مناقشة العضوية إلى أمد بعيد أو يلغيه تماماً، لكن الحكومة اليونانية لا تبدو راغبة بهذا المنطق، بل إن دخول تركيا إلى البيت الأوروبي قد يكون من مصلحتها؛ لأن الأخيرة سيكون عليها الانصياع التام للقرارات السياسية والمواصفات الاقتصادية للوحدة الأوروبية.<BR><BR>ومهما يكن من أمر فإن ما حاولت وسائل الإعلام إظهاره-أو ما استطاعت إظهاره لم يكن أكثر من جولات زوجتي رئيسي الوزراء في مدينة أثينا بجو من المودة، وتبادل الهدايا التذكارية بين الرجلين.<BR><BR>تحسن رغم كل إرث الماضي:<BR>الرسالة التي أوصلها الرجلان هي الرغبة في التواصل وتحسين العلاقات، رغم كل الإرث الثقيل بين البلدين،وترك مناقشة القضايا المهمة إلى ما بعد.<BR><BR>جهات دبلوماسية مشاركة في الحوار حاولت التوفيق بين رغبة كرمنليس في التوصل إلى شيء ملموس في بعض المسائل، وإصرار أردوغان على أن التغييرات التركية الأخيرة باتجاه الوحدة الأوروبية هي كافية للوقت الحاضر.<BR><BR>كارامنليس تجنب ذكر محكمة العدل الدولية،المسألة التي وضعتها الحكومة السابقة لتركيا شرطاً لانضمامها للوحدة الأوروبية، كما كان تأكيد على تجنب إدخال أطراف أخرى لحل المسائل العالقة بين البلدين.<BR><BR>مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن حكومة كارمنليس ومنذ توليها الوزارة ترسل إشارات اهتمام وحسن نية باتجاه الجار التركي وتبدي دعمها له .<BR>الزيارة لم تخل من احتجاج معارضي التقارب بين البلدين، لكن الاحتجاج جاء بأعداد لا تذكر.<BR><BR>(رئيس الحزب الاشتراكي) جورج باباندريو أعرب في لقاء مع رئيس الوزراء التركي أن حزبه يقف مسانداً لمسيرة تركيا الأوروبية بشرط احترامها لمعاهدة هلسنكي، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية.<BR><BR>زيارة ثراكي :<BR>مناطق المسلمين الشمالية كانت هدفاً لزيارة نموذجية من قبل رئيس الوزراء التركي، حيث حرص على الحفاظ على جو المودة الذي ساد في أثينا، وحيث حرص على زيارات بروتوكولية محسوبة بدقة تلافى فيها أي استفزاز للحكومة اليونانية، وكانت تصريحاته كلها تصب في نفس الاتجاه، حيث أكدت للمسلمين اليونانيين على هويتهم الأوروبية وانتمائهم إلى اليونان، وطلب منهم العمل بكل جد من أجل تقوية البلد الذي ينتمون له .<BR><BR>الحزب الاشتراكي الذي يرأسه اليوم جورج باباندريو (وزير الخارجية السابق) كان أبدى عبر بعض وجوهه عن تخوفات من أن زيارة أردوغان لثراكي سوف تفتح المجال لردود فعل قوية من المتطرفين في الجانبين، لكن أردوغان كان في غاية الحذر فرفض زيارة مقر جمعية الشباب الأتراك التي لم تعترف بها المحاكم اليونانية بسبب تسميتها، معتذراً بضيق الوقت، لكنه كانت له لقاءات مع أعضاء اللجنة الاستشارية لثراكيا الغربية الذين ينتخبون من قبل الأقلية المسلمة، كما التقى بالنائب المسلم عن حزب الديمقراطية الجديدة الحاكم أحمد إليخان، ومع المفتيين غير المعترف بهما من الدولة اليونانية في كسانثي وكوموتيني، محمد أمين آغا، وإبراهيم شريف.<BR><BR>وفي كلمة له إثر لقائه بوزير مقدونيا وثراكي "تسارتسيوني"، و(وكيل وزارة الخارجية اليونانية) ستيليانيذيس، قال أردوغان متوجهاً إلى اليونانيين المسلمين : علينا أن نتجاوز سياسات الماضي وأن نتوقف عن رفع الجدران بين شعبينا.<BR>وقال أردوغان في إشارة منه إلى المشاكل التي يواجهها مع العسكر التركي: إننا نواجه المشاكل نفسها في بلدنا، لكننا نعمل على تجاوزها، إن الشعوب التي تستطيع أن تتعايش محتفظة بحضارتها تصبح مثالاً يحتذى، محيياً الذين يستطيعون تجاوز مشكلات الماضي والتعايش بسلام.<BR><BR>أردوغان بدا مطمئناً إلى التأكيدات اليونانية على دعم اليونان لمسيرة تركيا الأوروبية، حيث دعا المسلمين إلى المساهمة في بناء يونان قوية ومستقرة مضيفاً :أنه كلما كانت اليونان قوية أكثر كلما كان سعادتنا أكبر، وكانت تعبيراته، مثل: "الأخوة في ثراكيا الغربية" معبرة عما بدا أنه فصل لملف الأقلية عن ملف العلافات التركية اليونانية.<BR><BR>وجاءت تصريحات أردوغان للمسلمين اليونانيين بأنهم " مواطنون يونانيون و أوربيون" لتشد انتباه مسؤولي الحكومة اليونانية وبعض أبناء الأقلية الذين طالما حاولوا ربط مصيرهم بتركيا من خلال الكثير من النشاطات السياسية والثقافية والعلمية.<BR><BR> وفي كلمة له في إحدى القرى عبر أردوغان عن توجهاته الأوروبية بشكل أكبر، حيث قال في كلمة له في مركز البلدية حيث كان يرفرف علم اليونان وعلم الاتحاد الأوروبي: هنا يرفرف العلم الأوروبي، أما تركيا فلم تندمج بعد في الاتحاد الأوروبي، وبفضل الجهود التي تقوم بها، وبمساعدة اليونان سننجح في ذلك، وأضاف متوجهاً للمسلمين: لم أقل لكم أن ترفضوا هويتكم، لكن أن تمارسوا حقوقكم ضمن إطار القوانين اليونانية.<BR><BR>وزيادة في رغبته بالظهور بالمظهر الأوروبي، لم ينس أردوغان زيارة مقر مشجعي فريق"غالاتا سراي" التركي أثناء توجهه إلى القنصلية التركية في مدينة كوموتيني.<BR><BR>الملفت للنظر أن أردوغان تجنب تماماً وصف الأقلية المسلمة في المنطقة بالأقلية التركية، وهو الوصف الذي كثيراً ما سبب التوتر لدى الحكومة اليونانية، التي ترى بهذا الوصف ومردديه مدعاة للتدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، وهذه المسألة كانت سياسة متبعة لدى العديد من وجوه المنطقة وسياسييها.<BR><BR>ويبدو أن أردوغان أراد أن يجعل حتى من مغادرته لليونان إشارة تودد للحكومة اليونانية، حيث غادر جوا عبر مطار "كافالا"، متجنبا المغادرة بموكبه عبر قرى ومدن الأقلية حيث كان من المنتظر أن تعد له استقبالات زعامية، سيما أنه أول رئيس وزراء تركي يزور المنطقة منذ أكثر من خمسين عاماً، وبهذا وفر على الحكومة اليونانية الحرج، وخرج بنفس أجواء التقرب والتودد التي دخل بها الى البلد.<BR><BR>مصادر قالت: إن نجاح زيارة أردغان للمنطقة يرجع لسببين؛ الأول: هو التحضيرات التي قامت بها الجهات اليونانية المستقبلة، والثاني هو المراقبة التي يمارسها أردوغان على أجهزة ما يسمى بالدولة الباطنة، ويشار بذلك إلى الأجهزة التركية الموجودة في المنطقة لا سيما القنصلية التركية.<BR><BR>والمنتظر للمنطقة بعد كل هذه المؤشرات أن تتوقف التدخلات التركية التي كانت تتم لصالح الأقلية، على أساس أقرب للقومي العرقي منه للديني، ويبدو أن سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ستعتمد من اليوم فصاعداً على أساس ثابت هو أن الرباط الذي يربط تركيا بالأقلية هو رباط ديني فقط، وأن مسألة الزج بتركيا في شؤون الأقلية لم تعد واردة بعد اليوم.<BR><br>