هل تتحول هيئة علماء المسلمين لجناح سياسي للمقاومة
8 ربيع الثاني 1425

يبدو أن "هيئة علماء المسلمين" السنة في العراق، والتي تشكلت عقب احتلال العراق مباشرة تتحول تدريجياً إلى ما يشبه الجناح السياسي للمقاومة العراقية القادر على التفاوض مستقبلاً مع قوات الاحتلال، وفرض مطالب الشعب العراقي بعدما عصفت الحرب بقيادة حزب البعث والحكم العراقي الذي كان يتشكل أغلبه من المسلمين .<BR><BR>ويبدو أن الأدوار المختلفة التي باتت تلعبها الهيئة - التي تضم ما يزيد على ألفي عالم، وتشرف على ما يقرب من ستة ألاف مسجد في مختلف مدن العراق - وسطوع نجمها بقوة خاصة عقب أزمة مدينة الفلوجة المحاصرة ودورها في تحرير عشرات الرهائن الأجانب، يفتح الطريق أمام قيامها بدور سياسي أكبر تمثل فيه سنة العراق وتشكل عنصر توحيد للعراقيين ضد الاحتلال وقبلة سياسية يمكن للاحتلال التحاور مع خلالها مع العراقيين .<BR><BR>فقد بدأت الهيئة – عقب الاحتلال مباشرة في أبريل 2003م – تلعب دوراً سياسياً في صورة تصريحات تندد بالاحتلال ودعوات للتظاهر ، وساهمت في وأد فتنة سعى لها الاحتلال بين الشيعة والسنة وترتب عليها اعتداءات على مساجد وعلماء السنة ، وأسفر ذلك عن تقريب حقيقي بين المذاهب في بلد يتقاسم فيه السنة والشيعة تقريباً تعداد السكان .<BR><BR>ثم تحولت الهيئة تدريجياً للعب أدوار اجتماعية وإغاثية هي أقرب للأدوار التي تلعبها الحكومات، مثل: جمع المعونات والأغذية من العراقيين لإخوانهم المتضررين في مدن أخرى ، ومساعدة العوائل العراقية ، بل وكان لها دور هام في إرجاع العديد من الآثار والممتلكات الحكومية المنهوبة عقب الاحتلال وتجميعها في المساجد لإعادتها للوزارات المختلفة المنهوبة .<BR>ومع الوقت تحولت الهيئة إلى وزارة خارجية حقيقية ، وأصبحت قبلة للدبلوماسيين الأجانب مع تزايد حالات خطف أجانب من كل الجنسيات وصل عددهم إلى 40 ، وساهمت في إطلاق سراح غالبية المخطوفين وإظهار حقيقة الإسلام السمحة ، وساهم هذا في تقوية دورها واستفادتها من ذلك في نفس الوقت في حشد رأي عام عالمي مناهض للاحتلال الأمريكي البريطاني .<BR>وقد ساهم في إظهار الهيئة كقوة سياسية معبرة عن سنة العراق والمقاومة السنية أن العديد من الفصائل المقاتلة السنية أكبرت دور الهيئة واستجابت لنداءاتها بإطلاق سراح الرهائن الغربيين مثلما حدث عندما حضر أفراد ملثمين لمقر الهيئة بثلاث سيارات تقل الخاطفين والمختطفين وتركوهم أمام باب جامع الهيئة ، ورحلوا في عجالة تاركين ورقة مكتوبة بخط اليد موقعة باسم المقاومة العراقية الإسلامية- كتائب أبي عبيدة عامر بن الجراح، تقول: إن ذلك جاء (استجابة لنداء هيئة علماء المسلمين، ولذلك قمنا بإطلاق سراحهم).<BR><BR>والآن أصبحت الهيئة رمزاً سياسياً ودينياً هاماً في البلاد لا يستطيع أحد تجاهله، وأصبحت تلعب دوراً سياسياً حقيقياً بداية من الوساطة في أزمة الفلوجة ، وحتى تنظيم الاضرابات السياسية ، وتزعم حملات محاكمة المحتلين على جرائمهم في سجون العراق ودفع تعويضات عنها .<BR><BR><font color="#0000FF"> الهيئة تلغي دور العشائر: </font><BR>ومن مزايا هذا الظهور القوي لهيئة علماء المسلمين السنة وتحولها لرمز معبر عن سنة العراق في مقابل الحوزة العلمية الشيعية التي تمثل الشيعة ، أنه ألغى عملياً خلافات العشائر السنية ولعب قوات الاحتلال على وتر الخلافات بين هذه العشائر لضمان ولائهم .<BR><BR>فمنذ احتلال العراقي وهناك محاولات أمريكية للعب على وتر الخلافات بين السنة والشيعة لتحقيق المكاسب لقوات الاحتلال وإنهاء المقاومة ، وقد أخذت هذه المحاولات باعاً كبيراً مع السنة على اعتبار أن الكرة (المقاومة المسلحة ) في ملعبهم .<BR><BR>وقد كشف (مساعد وزير الخارجية الأميركي) ريتشارد ارميتاج يوم 10 نوفمبر 2003م عن خطة أمريكية لإشراك سُنة العراق الذين يعتقد أنهم وراء أغلب عمليات المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال الأمريكي بشكل أكبر في حكم العراق بجانب العمل العسكري .<BR><BR>واعترف ارميتاج – في تصريحات للتلفزيون المصري حينئذ – أن " استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة الهجمات ضد قواتها في العراق هي استخدام القوة العسكرية " ، ولكنه عاد واعترف بأن "هذا (أي: القوة) لا يكفي إذ ينبغي في الوقت نفسه إيجاد وسيلة لعودة السنة العراقيين المهمشين حالياً إلى المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية في العراق الجديد " .<BR>أيضاً كشف موقع (ستراتفور) الاستراتيجي الاستخباري الأمريكي في نشرة 15 ديسمبر 2003م www.stratfor.com/corporate/static_index.neo) عن محاولات أمريكية أخرى للعب بورقة السنة لوقف المقاومة والضغط على العشائر السنية لوقف المقاومة مقابل دور في الحكم بدل التهميش الذي اشتكت منه حتى دول عربية،مثل: الأردن .<BR>ووسط هذه المحاولات الأمريكية للعب على العشائر السنية ، ظهرت هيئة علماء المسلمين كقوة هامة موحدة معبرة عن سنة العراق وعشائره السنية لتلغي دور هذه العشائر عملياً .<BR><BR><font color="#0000FF"> الفلوجة والدور السياسي النشط: </font><BR>وقد جاءت أحداث الفلوجة وتزعم الهيئة حملة ضد العدوان الأمريكي هناك ، وأخرى لإغاثة السكان لتعطي الهيئة زخماً كبيراً ليس فقط على صعيد التفاوض مع قوات الاحتلال ، ولكن على صعيد تحولها إلى منبر معبر عن مطالب المقاومة الإسلامية السنية في العراق وجناح سياسي لهم .<BR><BR>صحيح أن الشيخ الكبيسي أحد علماء الهيئة نفي علاقة الهيئة المباشرة بالمقاومة، وقال بوضوح: "إن هيئة علماء المسلمين ليس لديها أي علم حول قادة المقاومة العراقية أو مراكز تواجدهم"، وقال: "إن الهيئة - بالنسبة لهم- مرجعية سنية، وبالتالي لها سيطرة معنوية، وبهذا القاسم المشترك لدينا حظوة لدى جميع العراقيين" ، ولكن الدور الذي لعبته الهيئة في الفلوجة أعطاها صفة الجناح السياسي للمقاومة الذي يمكن التفاوض معه .<BR><BR>ولا شك أن الأدوار التي قامت بها الهيئة أكسبتها ثقة العراقيين داخلياً بحيث إن مراكز الهيئة في بغداد وفروعها في المدن الأخرى تزدحم بالناس من مختلف الأصناف والتوجهات لاسيما من ممثلي الدول والمؤسسات الشعبية والإعلامية .<BR><BR>كما أن دورها في إطلاق الرهائن أكسبها - على مستوى العلاقات الخارجية - نجاحاً في نقل الموقف العراقي الصحيح لدول العالم ولفت الأنظار لضرورة أخذ المقاومة في الاعتبار عند أي مفاوضات سياسية مستقبلية ، وهذا بالإضافة إلى دورها في توطيد علاقاتها بأشقائها من العرب والمسلمين، حيث زارت وفود الهيئة مصر واليمن ودول الخليج والمغرب العربي وتركيا إضافة إلى بعض الدول الأوربية، وهناك تشاور مستمر مع الكثير من علماء أهل السنة والجماعة خارج العراق .<BR><BR>وساهم في تنمية دور الهيئة تنظميها الجيد، فللهيئة مجلس شورى يضم واحداً وأربعين عالماً متخصصاً ، ولها أمين عام هو الشيخ الدكتور حارث سليمان الضاري (وهو أستاذ في علوم الحديث كما إنه ابن أحد قادة ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، ووالده هو الذي قتل القائد البريطاني الشهير الكولونيل لجمن) .<BR><BR>ولم تقتصر جهود هيئة علماء المسلمين على الوساطة في الفلوجة (عضوان منها كانا ضمن وفد الوساطة السباعي ) ، ولكنها تبنت على لسان رئيسها حارث سليمان الضاري دعوة جميع المسلمين والعراقيين لتقديم يد العون إلى أهالي الفلوجة، وبلغ حجم المساعدات الإنسانية التي جمعت أكثر من 200 مليون دينار عراقي (الدولار يساوي نحو 1200 دينار) .<BR><BR><font color="#0000FF"> التحول لرقم صعب: </font><BR>وجاء تحول الهيئة مؤخراً إلى رقم صعب في المعادلة العراقية مع تنامي دورها أكثر ، بحيث باتت تنظم الاضرابات وحملات العصيان ، وعلى سبيل المثال ، دعت هيئة علماء المسلمين في بيان لها يوم 7-4-2004م "كافة العراقيين إلى الإضراب المدني الشامل في كافة القطاعات والاعتصام في المساجد، وإعلان العصيان المدني في كافة الإدارات العراقية، ومقاطعة السلع الأمريكية والبريطانية كونه واجباً شرعياً" .<BR><BR>كما أعلنت الهيئة رفضها في بيان آخر "التعامل مع الأمم المتحدة"؛ احتجاجا على امتناعها عن إدانة "الأعمال الإجرامية لقوات الاحتلال" ، ولا تزال تقول علناً أن مجلس الحكم العراقي الحالي "غير شرعي" ومشكل من قبل قوات الاحتلال ومؤسس على الطائفية والعنصرية وأغلب أعضائه جاؤوا مع الدبابة الأمريكية على الرغم من أن المجلس يشارك فيه أعضاء من أحزاب إسلامية سنية ينتمون إلى فكر (الإخوان المسلمين ) .<BR><BR>وقد أكدت الهيئة أنه وصلتها مئات الشكاوي من المعتقلين بعد الإفراج عنهم تكشف عن جرائم ارتكبتها قوات الاحتلال يندى لها جبين الإنسانية، وأنها سعت لنشر هذا الأمر ولكن الحصار الإعلامي خنقها خاصة أن هذه المعلومات لم تكن مصورة وموثقه ، ولكن بعد أن تسربت هذه المعلومات من خلال الصور التي التقطها المجرمون أنفسهم ، سعت الهيئة للضغط على قوات الاحتلال للانسحاب .<BR>وتحركت بشكل إيجابي في صورة مظاهرات وتحريك دعاوى قضائية ضد عناصر الاحتلال وفضح الأمر في المحافل الدولية .<BR>هيئة علماء المسلمين أثبتت بالتالي أنها أحد أعمدة الحياة السياسية في العراق مستقبلاً ، ولا شك أن دورها سيزداد أهمية في وقت ينادي فيه الغيورون على المقاومة العراقية بظهور جناح سياسي لها يعبر عن مطالب المقاومة العسكرية .<BR><BR>فهل تتحول الهيئة من مجرد هيئة دينية إلى مرجعية دينية وسياسية لمسلمي العراق السنة ومعبر عن مطالبهم ، وعن مطالب المقاومة العراقية ، أم أن الاحتلال الأمريكي سيسعى لتجاهل دورها وتجاوزها واللعب على وتر العشائر المتفرقين لضمان استمرار الاحتلال ؟!<BR><br>