البطالة في الدول العربية تتفاقم في ظل العولمة
19 جمادى الأول 1425

<BR>الأرقام المعلنة عن انتشار ظاهرة البطالة في العالم وفي الدول العربية تثير المخاوف، فهناك مليار عاطل في الدول الفقيرة بينهم 16 مليون عربي، وهناك 1.5 مليون شخص ينضمون إلى طابور العاطلين عن العمل سنوياً في الدول العربية، والتوقعات تؤكد وصول عدد العاطلين في المنطقة العربية إلى 32 مليون شخص عام 2010م، وأن الأمية وتدني المستوى التعليمي وضعف الأداء الاقتصادي وسوء سياسات التنمية الاقتصادية وعدم مواكبة السياسة التعليمية والتدريبية لمتطلبات سوق العمل .. أسباب رئيسة للظاهرة.<BR><BR>هذه الأرقام تؤكد أن البطالة من أخطر المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تتفاقم يوماً بعد يوم على المستوى العالمي، وخاصة في الدول الفقيرة والنامية، فقد كشف تقرير حول " العولمة والبطالة " عن أن هناك ما يزيد على مليار شخص متعطل عن العمل في دول الجنوب مجتمعة، بما فيها دول مجموعة ال15. <BR><BR><font color="#0000ff">مفهوم البطالة</font><BR>البطالة بالمفهوم الاقتصادي، هي: التوقف عن العمل أو عدم توافر العمل لشخص قادر عليه وراغب فيه، وقد تكون بطالة حقيقية أو بطالة مقنعة، كما قد تكون بطالة دائمة أو بطالة جزئية وموسمية، وتتضاعف تأثيراتها الضارة إذا استمرت لمدة طويلة، وخاصة في أوقات الكساد الاقتصادي، وكان الشخص عائلاً أو رباً لأسرة، حيث تؤدى إلى تصدع الكيان الأسرى، وتفكك العلاقات الأسرية، وإلى إشاعة مشاعر البلادة والاكتئاب.<BR><BR><font color="#0000ff">البطالة في الدول العربية</font><BR>إذا نظرنا إلى حجم الظاهرة في الدول العربية، نجد هذه الدراسة الحديثة التي أعدها (المدير العام لمنظمة العمل العربية) د. إبراهيم قويدر حول البطالة في الدول العربية وأقرها مؤتمر العمل العربي في دورته الثلاثين التي عقدت مؤخراً بالقاهرة، فقد ركزت هذه الدراسة على مشكلة البطالة التي تعانيها البلدان العربية، والتي تعد من الظواهر السلبية التي تهدد السلم والاستقرار الاجتماعيين، لاسيما أن مشكلات البطالة تزداد تعقيداً في العديد من الدول العربية مع تفاقم ظاهرة بطالة الشباب، وحملة الشهادات التعليمية. <BR><BR>كما يُقدر حجم السكان في البلدان العربية عام 2000م بما يقارب 289 مليون نسمة، وحجم القوى العاملة بما يقارب 104 ملايين عامل، وبمعدل مساهمة في النشاط الاقتصادي يقارب 36 في المئة، وترجع هذه الظاهرة إلى مجموعة من العوامل الديموغرافية والاجتماعية، ومن أهمها :ارتفاع معدلات الإنجاب والنمو الديموغرافي في البلدان العربية، إضافة إلى تدني مستوى مساهمة المرأة العربية في النشاط الاقتصادي. <BR><BR>وقدرت الدراسة معدل البطالة العام في الدول العربية بنحو 7ر15 في المئة، أي: ما يوازي نحو 4ر16 مليون عاطل عن العمل بالإضافة إلى أن معظمهم من الشباب. لذلك اقترحت الدراسة للتخفيف من البطالة خاصة بين الشباب تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة كوسيلة أساسية لمحاربة هذه الظاهرة. <BR><BR><font color="#0000ff">توزيع القوى العاملة العربية </font><BR>وتتوزع القوى العاملة العربية بصورة شديدة التباين، فأغلبها ينتمي جغرافياً إلى أفريقيا9 بلدان تمثل 70 في المئة من إجمالي القوى العاملة.<BR>وهناك نحو خمسة ملايين عامل مهاجر في بلدان أخرى غير بلدانهم، ويبلغ حجم المنتقلين منهم في البلدان العربية 2ر3 مليون بجانب 3ر4 مليون من الوافدين الأجانب على البلدان العربية في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربي فقط. <BR><BR>أما بالنسبة للتوزيع المهني للقوى العاملة العربية فهو في غاية الاختلال، إذ إن الأخصائيين والفنيين لا يشكلون سوى نسبة 7ر6 في المئة من إجمالي القوى العاملة، إضافة إلى نسبة تقدر بحوالي 62 في المئة من القوى العاملة هم عمال غير ماهرين، مما يستوجب إيلاء هذه الفئة من العمال المزيد من الاهتمام والعناية في إطار التنمية الشاملة للقوى العاملة العربية. <BR><BR><font color="#0000ff">نمو قوة العمل العربية </font><BR>ومما يزيد في خطورة ظاهرة البطالة ارتفاع معدلاتها السنوية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن معدل نمو قوة العمل العربية كانت خلال الأعوام 1995- 1996 – 1997م نحو 3.5% ارتفع هذا المعدل إلى نحو 4% في الوقت الحاضر، وإذا كانت الوظائف وفرص التشغيل تنمو بمعدل 2.5% سنوياً، فإن العجز السنوي سيكون 1.5%، وعليه فإن عدد العمال الذين سينضمون إلى طابور العاطلين عن العمل سنوياً سيبلغ نحو 1.5 مليون شخص. <BR><BR>وتقدر منظمة العمل العربية أن كل زيادة في معدل البطالة بنسبة 1% سنوياً تنجم عنها خسارة في الناتج الإجمالي المحلي العربي بمعدل 2.5%، أي نحو 115 مليار دولار، وهو ما يعني ارتفاع المعدل السنوي للبطالة، وارتفاع فاتورة الخسائر السنوية إلى أكثر 170 مليار دولار، وهذا المبلغ يمكن أن يوفر نحو 9 ملايين فرصة عمل، وبالتالي تخفيض معدلات البطالة في الوطن العربي إلى ربع حجمها الحالي.<BR>وهذه الأرقام تشير إلى أن ظاهرة البطالة باتت تؤرق أغلب البلدان العربية، خاصة وأن عدد المتعطلين في ازدياد مستمر بالنظر إلى أن حجم القوى العاملة العربية، والذي يزداد هو الآخر بشكل مطرد؛ فقد ارتفع من 65 مليون نسمة عام 1993م، إلى 89 مليوناً في العام 1999م، ويتوقع أن يصل إلى 123 مليوناً في العام 2010م، فيما يقدر حجم الداخلين الجدد في سوق العمل العربية بنحو 3 ملايين عامل سنويًا، وتقدر حجم الأموال اللازمة لتوفير فرص عمل لهم 15 مليار دولار سنوياً.<BR><BR><font color="#0000ff">بطالة حملة الشهادات</font><BR>فضلاً عن ذلك، فقد برزت منذ سنوات بطالة حملة الشهادات التعليمية، واستفحلت في العديد من الدول العربية ، حيث تبلغ معدلاتها الضعفين في الأردن، وثلاثة أضعاف البطالة بين الأميين في الجزائر، وخمسة أضعاف في المغرب، وعشرة أضعاف في مصر.<BR><BR>وتستحوذ دول اتحاد المغرب العربي على الجانب الأكبر من قوة العمل العربية بنسبة 37.8%؛ حيث يوجد بها حاليًا 33.5 مليون عامل، ومن المتوقع زيادتها إلى 47 مليوناً عام 2010م، ثم دول مصر والأردن واليمن والعراق، وبها 25.2 مليوناً تصل إلى 35 مليونًا عام 2010م بنسبة 27.7 %، ودول مجلس التعاون الخليجي، وبها 8.3 ملايين تصل عام 2010م إلى 11.4 مليونًا بنسبة 9.3 % من قوة العمل، فيما يتوزع الباقي، وهم 22.6 مليوناً، على بقية الدول العربية، ومن المنتظر زيادتهم إلى 30 مليوناً عام 2010م.<BR><BR>وتتفاوت معدلات البطالة من دولة عربية لأخرى، ففي الدول ذات الكثافة السكانية العالية، ترتفع حدة الظاهرة، فيأتي العراق في المرتبة الأولى بين الدول العربية وبنسبة بطالة تزيد عن 60% من حجم قوة العمل، وتبلغ 25% في اليمن، و21% في الجزائر، و19% في الأردن، و17% في السودان، و15% في لبنان والمغرب، و12% في تونس، و9% في مصر، و8% في سورية، وفي المقابل تنخفض في دول الخليج العربي ذات الكثافة السكانية المنخفضة، ففي سلطنة عمان يوجد نحو 330 ألف عاطل عن العمل، وفي السعودية نحو 700 ألف، وفي الكويت يصل العدد إلى 3 آلاف فقط. <BR><BR><font color="#0000ff">انحسار فرص العمل</font><BR>ومما يساهم في زيادة معدلات البطالة مستقبلاً، وخاصة في الدول العربية ذات الكثافة السكانية والمصدرة للعمالة -انحسار فرص هذه العمالة في دول الخليج العربي وإحلال العمالة المحلية مكانها، وفي هذا الإطار تشير دراسة حديثة أعدتها منظمة "الأسكوا" إلى أن عدد سكان الدول الخليجية الست سيصل بحلول العام 2010م إلى نحو 40 مليون نسمة، مما سيرفع القوة العاملة فيها إلى حدود 21 مليون نسمة، وبالتالي تناقص فرص العمل أمام العمال الوافدين بشكل عام والعرب بشكل خاص، حيث يبلغ مجموع العمالة الوافدة في الوقت الحاضر نحو 8 ملايين عامل وافد، يشكل العمال غير العرب منهم نسبة 58%. <BR>وتقول دراسة عن واقع العمالة في دول الخليج: إن نسبتها بلغت عام 1997م على التوالي ما يقارب 93%في الإمارات، و84% في الكويت، و76% في قطر، و68% في عمان، و65% في البحرين، و61% في السعودية. <BR><BR><font color="#0000ff">أسباب تفشي البطالة</font><BR> وقد أرجع خبراء الاقتصاد تفشي ظاهرة البطالة في العالم العربي إلى الأسباب التالية:<BR>أولاً: فشل برامج التنمية في العناية بالجانب الاجتماعي بالقدر المناسب، وتراجع الأداء الاقتصادي، وتراجع قدرة القوانين المحفزة على الاستثمار في توليد فرص عمل بالقدر الكافي، إضافة إلى تراجع دور الدولة في إيجاد فرص عمل بالحكومة، والمرافق العامة وانسحابها تدريجيًا من ميدان الإنتاج، والاستغناء عن خدمات بعض العاملين في ظل برامج الخصخصة والإصلاح الاقتصادي التي تستجيب لمتطلبات صندوق النقد الدولي في هذا الخصوص.<BR><BR>ثانيًا: ارتفاع معدل نمو العمالة العربية مقابل انخفاض نمو الناتج القومي، ففي الوقت الذي يبلغ فيه نمو العمالة 2.5 في المئة سنوياً، فإن نمو الناتج القومي الإجمالي لا يسير بالوتيرة نفسها، بل يصل في بعض الدول العربية إلى الركود، وأحياناً يكون سالباً ؛ فالدول العربية التي يتوافر فيها فائض العمالة تعاني من الركود الاقتصادي وعدم توافر أموال الاستثمار، وازدياد البطالة والديون؛ حيث يصل معدل النمو السنوي لدخل الفرد العامل في مصر إلى 2.1 %، وفي المغرب 3.5 %، وفي الأردن 3.6 %، وفي سورية 5%.. وهذا التراجع في مستوى معيشة العامل العربي له آثاره السلبية على إنتاجيته ودوره في الاقتصاد الوطني.<BR><BR>ثالثاً: استمرار تدفق العمالة الأجنبية الوافدة، خاصة في دول الخليج؛ ففي أعقاب الأزمة العراقية الكويتية 1990-1991م، هيمنت العمالة الآسيوية على سوق العمالة في الخليج، وحلت محل العمالة العربية، وكان من بين الآثار السلبية لهذه العمالة: تفشي البطالة بين الشباب الخليجي في ظل تشبع القطاع الحكومي والتباين في الأجور وشروط العمل بين العامل الوافد والوطني ؛ مما أدى إلى عدم النجاح الكامل لسياسات توطين الوظائف.<BR>ويعود تدفق العمالة الأجنبية إلى دول الخليج العربية إلى أسباب عديدة، بعضها تنظيمي، والآخر يتعلق بالعامل الآسيوي مقارنة بالعامل العربي، لكن أبرز هذه الأسباب حرص القطاع الخاص على استقدام العمالة الأجنبية ؛ بسبب انخفاض أجورها وتحملها ظروف العمل القاسية، كما أنها أكثر طاعة وانضباطاً وذات إنتاجية مرتفعة،<BR>وتشير الإحصاءات إلى أن عدد الأجانب العاملين في الدول العربية يتزايد باطراد؛ فقد بلغ نصف مليون عامل عام 1975م، ثم ارتفع إلى 2.5 مليون عام 1983م، ثم 5.7 ملايين عام 1993م، ووصل إلى 8.8 ملايين عام 2000م.<BR><BR>ولا شك أن لهذه العمالة، خاصة غير المسلمة تأثيرات سلبية عديدة على الأمن العربي على جميع المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، لكن الأثر الأكثر خطورة لها يتمثل في ارتفاع معدلات تحويلاتها السنوية ؛ فقد بلغ حجم المبالغ التي حولها العمال الأجانب من خمس دول عربية 10 مليارات دولار عام 1988م، متفوقة بذلك على مجموع تحويلات العاملين الأجانب في الولايات المتحدة التي تعد أكبر دولة مستوردة لقوة العمل الأجنبية.<BR><BR>------------------- <BR>* كاتب وصحفي مصري<BR><br>