أوروبا علمانية .. وأمريكا صليبية !؟
21 جمادى الأول 1425

من مفارقات السياسة الأوروبية والأمريكية الجديدة في عالم اليوم أن الأمريكان يتجهون أكثر – عبر حكومتهم – نحو مزيد من العنصرية والصليبية في سياستهم الداخلية والخارجية ، وبالمقابل يتبني الأوروبيون – في دستورهم الموحد الجديد – سياسة علمانية، ويرفضون حتى مجرد الإشارة إلى جذور أوروبا المسيحية في دستور أوروبا الموحد المفترض توقيعه في نوفمبر القادم.<BR><BR>وفي الوقت الذي تعلن فيه إدارة الرئيس بوش خطوات صليبية للتعامل مع العالم العربي ، وتتخذ خطوات أخرى داخلية لزيادة تمويل التعليم الديني المسيحي في المدارس الأمريكية ، تتبع البلدان الأوروبية سياسة أكثر علمانية في تعاملتها الخارجية وتحارب التعليم الديني الإسلامي والحجاب في مدارسها باعتباره مخالف لهذه العلمانية .<BR><BR>فالرئيس (بوش) وصل به الأمر لحد محاربة القضاء الأمريكي، والتهديد بعدم تعيين القضاة الذي يعارضونه (محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو)؛ لأنهم يرفضون اعتماد قَسَمٍ للولاء في المدارس يتضمن كلمة (الله) ، ولكنه – بالمقابل – طالب مصر، وباكستان، والسعودية بتغيير مناهج المدارس ومحاربة الدينية منها بدعوى أنها تحض على الإرهاب !؟<BR><BR>وبوش – أيضًا- يشجع إقامة المدارس الدينية المسيحية ويقدم لها الدعم ، بل ويقود حملات قوية –عبر حزبه الجمهوري المتحالف مع اليمين المسيحي المتطرف – لإقامة مدارس غير مختلطة لكل من الإناث والذكور على حده ، ولكنه بالمقابل يرفض تمامًا دعم الحكومات العربية والإسلامية للمدارس الدينية الإسلامية التي تُخرج الدعاة وحفظة القرآن بدعوى أنها تخرج متطرفين وإرهابيين ومتعصبين .<BR><BR>وبالمقابل تسعي أوروبا الموحدة لرفض أي ربط بين الدين والدولة في دستورها الجديد الموحد ، وتحارب حتى المدارس الدينية الإسلامية في أوروبا ولبس الحجاب ، الأمر الذي قد تكون له انعكاسات مستقبلية علي السياسة الخارجية الأوروبية الموحدة عموماً ، ورفض للتعليم الديني في أوروبا أو أي بلد عربي أو إسلامي آخر .<BR> <BR>أيضاً سيترتب على عدم النص في الدستور إلى "مسيحية " أوربا ، وجذورها ، السماح لدول أخرى إسلامية، مثل: تركيا للانضمام للاتحاد ، بل وربما السماح لدولة يهودية مثل الدولة العبرية الإسرائيلية بالانضمام للاتحاد الأوروبي فعلياً .<BR><BR>ولهذا انتقد البابا يوحنا بولس الثاني (بابا الفاتيكان) الدستور الأوربي الجديد الذي توصلت إليه الدول الأعضاء بالاتحاد الأوربي في 18 يونيو 2004م في بروكسل لعدم تضمينه إشارة واضحة إلى الجذور المسيحية لأوربا، معتبراً أنه "لا يمكن قطع الجذور التي نشأنا منها"، واعتبر يوحنا بولس الثاني أن "تاريخ قيام الدول الأوربية مرتبط بالتبشير بالإنجيل"، وأن هوية أوربا "ستكون غير مفهومة بدون المسيحية ، كما عبر الفاتيكان رسمياً 19-6-2004م عن خيبة أمله لإغفال ذكر الجذور المسيحية لأوربا في الدستور الأوربي الذي تم إقراره خلال قمة الاتحاد الأوربي ، مؤكداً أن ذلك يشكل "رفضاً للبرهان التاريخي والهوية المسيحية للشعوب الأوربية" ، وشاركت الكنيستان الكاثوليكية والبروتستانتية في ألمانيا في الإعراب عن خيبة أملهما لعدم إشارة الدستور الأوربي للمسيحية .<BR><BR>إغفال "المسيحية" يقضي علي نفوذ الكنيسة <BR>وكانت بولندا وإيطاليا قد حاولتا حتى اللحظة الأخيرة الحصول على ذكر للمسيحية في مشروع الدستور الأوربي، إلا أن معارضة عدد كبير من الدول، بينها فرنسا، كانت قوية جداً، فغاب ذكر المسيحية بنص الدستور ، وتوصلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي إلى اتفاق حول أول دستور للاتحاد لم يتضمن إشارة للمسيحية .<BR><BR>حيث سعي (رئيس الوزراء البولندي) ليجيك ميللر للمطالبة بذكر "الطابع المسيحي للاتحاد الأوروبي" صراحة في الدستور المقبل ، وسعت دول أخرى تلعب فيها الكنيسة المسيحية دوراً كبيراً، مثل: اليونان وأسبانيا والبرتغال لتأييد هذا الطلب ، ولكن الدول الأخري التي تعادي أي دور للكنيسة خصوصاً فرنسا نجحت في حسم الأمر لصالح عدم النص على إشارة لجذور أوروبا المسيحية خشية أن يسمح هذا بدور مستقبلي للكنيسة في الحياة السياسية .<BR>وتشير المقدمة التي اقترحتها المعاهدة حول مستقبل أوروبا فقط إلى "الميراث الثقافي والديني لأوروبا التي ما زالت قيمها موجودة في تراثها" ، ولكن هذا لم يكف هذه الدول، وقال رئيس وزراء بولندا –موطن بابا الفاتيكان-: "إن المقدمة تتحدث عن التقاليد الأوروبية، ويجب أن يكون ضمن هذه التقاليد دون أدنى شك المسيحية" .<BR><BR>أيضاً قدمت البرتغال من جانبها طلباً بهذا المعنى، وقال (رئيس الوزراء البرتغالي) جوزيه مانويل دوراو باروسو: إن الديانة المسيحية شكلت مساهمة أساسية لدول الاتحاد الأوروبي ، ودعا (رئيس الوزراء الهولندي) يان بيتر بالكينيند إلى الإشارة إلى "الجذور المسيحية-اليهودية " في الدستور الجديد ، كما طالبت بالأمر نفسه وزيرة الخارجية الاسبانية آنا بلاثيو ونفت الاتهامات بأنها تحاول تحويل أوروبا إلى "ناد مسيحي" ، مشيرة إلي أن الهدف هو فقط "إبراز " الميراث المسيحي دون استثناء "الديانتين اليهودية والمسلمة". <BR><BR>ويقول مؤيدو النص على مسيحية أوروبا: إن هذا أمر طبعي ولا بد من الاعتراف بالميراث المسيحي خاصة أن مقدمة الدستور تعترف بمفهوم "الميراث الديني"، وهذا أمر لم يقم به ميثاق الحقوق الأساسية لمواطني الاتحاد الأوروبي ، ولكن المعارضين – خاصة الأحزاب اليسارية – يقولون: إنه يكفي أن عدة دساتير أوروبية – منها: البولندية والألمانية – تشير إلى الله أو القيم المسيحية حتى أن مقدمة الدستور الألماني تبدأ بعبارة : إن "الشعب الألماني إذ يعي بمسؤولياته أمام الله والإنسان وضع هذا القانون الأساسي بموجب السلطة التأسيسية " .<BR><BR>ويبدو أن جانباً من الرفض الأوروبي للنص علي الجذور المسيحية للقارة نابع من إرث تاريخي سلبي فيما يخص العلاقة بين الحكومات والكنيسة من جهة ، وارتباط الممالك الأوروبية القديمة بإرث غير مريح من الغزوات والحروب الصليبية .<BR><BR>وقد حاولت شبكة (ايه بى سى) الأمريكية في تقرير حول تداعيات الحرب التي شنتها أمريكا وبريطانيا على العراق أن تذكر بأن " تلك الحرب قد تؤدى لتنامي فكرة أن الغرب وبصفة خاصة إدارة الرئيس بوش ينتهجون حرباً ضد الإسلام في العالم الإسلامي ، وأعادت ذاكرة الكثيرين من الناس في الشرق الأوسط للمذابح والعنف التي حدثت أثناء العصور الوسطى عندما أرسل الأوروبيون حملات صليبية ضد الإسلام .<BR><BR>وربما لهذا لم يعر الأوروبيون مطالب البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان للاتحاد الأوروبي بتضمين الدستور الأوروبي الجديد إقراراً بالتراث المسيحي لقارة أوروبا ، وتجاهلوا قوله : " إن على صانعي القرارات السياسية في الاتحاد الأوروبي أن يعيدوا اكتشاف جذورهم المسيحية " ، ما يعني أن الكنيسة الكاثوليكية خسرت معركة إضفاء اعتراف خاص على المسيحية في الدستور الأوروبي الجديد إلا أنها لا تريد أن تستسلم وتسعي – حتى تاريخ إقرار هذا الدستور في نوفمبر المقبل 2004 م– للضغط ومعها الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية وأحزاب وسط اليمين في أسبانيا وإيطاليا والبرتغال وبولندا .<BR><BR>تركيا تستفيد <BR>ولا شك أن تركيا هي المستفيد الأول من علمانية أوروبا ، حيث سيفتح هذا الدستور الموحد الباب أمامها للانضمام رغم أنها دول إسلامية بعد أن كان قادة أوروبيون يقولون في السابق: إن مسيحية أوروبا وطبيعة الاتحاد "المسيحية عقبة أمام دخول دولة إسلامية مثل: تركيا للاتحاد.<BR><BR>ولهذا عد (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب أردوغان أن القرار الذي سيتخذه الاتحاد الأوربي في نهاية 2004م بشأن ترشيح تركيا للانضمام إليه سيحدد ما إذا كان الاتحاد "تحالفَ قيم" أو "ناديا مسيحيا"، وأعرب أردوغان عن قناعته بأن "الاتحاد الأوربي اتحاد للسلام والحوار بين الحضارات، وليس للصدام أو تجمع مسيحي". <BR>كما قالت صحيفة "يني آسيا" التركية: إن "ضم تركيا للاتحاد الأوربي يعني تصالح الغرب مع الإسلام" .<BR><br>