بوش وكيري يتسابقان على كسب ود إسرائيل
15 جمادى الثانية 1425

يوم اختار جون كيري خصمه الرئيسي في الحملة التمهيدية، جون ادواردز؛ ليكون نائباً له في حملة الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة الأميركية، كان يرغب في إحداث المعادلة التي تقربه أكثر فأكثر للناخبين الأميركيين، فإبان الحملة التمهيدية للديمقراطيين في العام الماضي شبهت مجلة "تايم" الأميركية جون كيري بجون كينيدي، في حين شبهت جون ادواردز ببيل كلينتون، فمثل هذا الثنائي الذي تتمازج فيه مواصفات رئيسين سابقين من طراز كينيدي وكلينتون يشكل خطراً حقيقياً على حملة جورج بوش، الأمر الذي استدعى ارتفاع أصوات جمهورية للمطالبة بإسقاط نائبه ديك تشيني واستبداله بشخص آخر لهذا المنصب، لإحداث المعادلة المعاكسة المطلوبة؛ فتشيني بنظر الكثير من الأميركيين هو رجل احترقت جميع أوراقه، وحتى أولئك الذين دعموه ووقفوا وراء تزكيته لدى الرئيس في الانتخابات السابقة، انفضوا من حوله وعرفوا بأنه فقد جاذبيته وكاريزميته وجميع مهاراته وقدراته، بحيث أن بقاءه إلى جانب الرئيس مدة "جديدة" سيشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل بوش في مرحلة الانتخابات الأخيرة.<BR>يتزعم حملة المطالبة بتغيير نائب الرئيس، السناتور الجمهوري السابق عن مدينة نيويورك، الفونسو داماتو، الذي يرى أن تشيني الذي كان يتطلع إليه الأميركيون قبل أربع سنوات على أنه دعامة صلبة مفعمة بالخبرة تقف وراء بوش الذي كان يومها مجرد حاكم سابق لولاية تكساس تنقصه الخبرة والتجربة، أصبح اليوم شخصية "سلبية، غير مرغوب فيها، ويعد داماتو أن تشيني فقد شعبيته بسبب وقوفه وراء جميع القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها بوش، وبالأخص منذ الإعداد لغزو العراق واحتلاله، كما ويحمله مسؤولية ما آلت إليه علاقات الولايات المتحدة الأميركية الدولية بسبب ما اصطلح على تسميته "الحرب العالمية ضد الإرهاب"، وتشهد بورصة السياسة الأميركية منذ أيام تداولاً لعدة أسماء لخلافة تشيني يتصدرها اسم وزير الخارجية كولن باول.<BR><BR>في غضون ارتفاع الأصوات الجمهورية المطالبة بتغيير تشيني، يتواتر الحديث داخل الدوائر الرسمية الأميركية حول احتمال تأجيل موعد انتخابات الرئاسة المقررة في الثاني من تشرين الثاني القادم، فعلى أثر تحذيرات أطلقها (وزير الداخلية الأميركي) توم ريدج، في التاسع من الشهر يوليو 2004م حول احتمال تعرض الولايات المتحدة لهجمات إرهابية خلال الانتخابات، حث رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات الوزير على ضرورة مطالبة الكونغرس بسن تشريع طوارئ تؤجل الانتخابات بموجبه إلى موعد آخر يكون قد زال معه خطر ذلك الاحتمال.<BR><BR><font color="#0000FF">* هاجس انتخابات عام 2000م</font><BR>ومع تجاوز حملة انتخابات الرئاسة الأميركية نصف المدة المقررة لها والبالغة ثمانية شهور ودخولها النصف الثاني، بدأ هاجس انتخابات 2000م، التي أعلن فيها فوز جورج بوش الابن على خصمه الديمقراطي في حينه آل غور في عملية "قيصرية" تولى القضاء البت فيها بعد إعادة عمليات الفرز في العديد من الدوائر في ولاية فلوريدا، يخيم على نسبة كبيرة من المواطنين الأميركيين، إلى درجة الاستنجاد بمنظمة الأمم المتحدة وأمينها العام كوفي أنان. فأملاً في حدوث انتخابات نزيهة مغايرة للانتخابات السابقة، سعى عدد من النواب الأميركيين لدى المنظمة الدولية للإشراف على الانتخابات وفرز الأصوات في جميع الولايات الأميركية، وكان تسعة من النواب قد رفعوا رسالة بهذا الشأن إلى الأمين العام، في الأسبوع الأول من شهر يوليو 2004م، طالبوه فيها بإرسال مراقبين دوليين للقيام بهذه المهمة! ومما جاء في الرسالة: "يتحتم علينا أن نطمئن الشعب الأميركي بأن بلادنا لن تمر بكابوس الانتخابات الرئاسية الذي شهدته في عام 2000م"، ونوه النواب الأميركيون إلى تقرير صدر عام 2001م، قالت فيه اللجنة الأميركية للحقوق المدنية: إنها وجدت أن العملية الانتخابية في فلوريدا أدت إلى حرمان عدد لا يحصى من الناس من حق الانتخابات، وحسب ذلك التقرير، فإن الناخبين السود وأولئك الذين يعيشون في مناطق فقيرة كانوا هم الأكثر تضرراً من ذلك الأمر، وأشارت اللجنة في تقريرها إلى أنه بالرغم من الوعود بإدخال إصلاحات على مستوى البلاد، فإنه لم يتم اتخاذ الخطوات الكافية لضمان ألا يحدث في انتخابات عام 2004م الجاري ما حدث في انتخابات عام 2000م.<BR><BR><font color="#0000FF">* "إسرائيل" العنوان الأهم </font><BR>قبل ثلاثة شهور من إجراء انتخابات الرئاسة الأميركية في الثاني من تشرين الثاني القادم، يمكن القول: إن الحملة الانتخابية المحتدمة قد دخلت مرحلة "جديدة" و"أخيرة" في معركة كسر العظم بين الرئيس الجمهوري جورج بوش وخصمه الديمقراطي جون كيري. وبالرغم من أن "إسرائيل" كانت - كالعادة - من العناوين الرئيسة لهذه الحملة منذ الإعلان عن بدئها بشكل مبكر في بداية العام الجاري من قبل الرئيس بوش، إلا أنه وعلى ما يبدو نجح (رئيس حكومتها) أرئيل شارون في أن يحولها إلى العنوان الرئيس الأهم في المرحلة الجديدة والأخيرة، ويُدلل على ذلك أنه في الوقت الذي أخذت اهتمامات كل من بوش وكيري بالشؤون الأميركية الداخلية خاصة والشؤون الدولية عامة بما فيها الشأن العراقي تضيق شيئاً فشيئاً، بدأت اهتمامات الاثنين بإسرائيل ومصالحها وأمنها وسياستها الاستيطانية التوسعية تتسع أكثر فأكثر.<BR><BR>فمع معرفتنا وإدراكنا المسبقين بأن جميع المرشحين الذين عرفتهم انتخابات الرئاسة الأميركية خلال الخمسين سنة الأخيرة حرصوا دائماً على خطب ود "إسرائيل" باعتبارها القاعدة المتقدمة للاستراتيجية الاستعمارية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط و"العروس المدللة" التي تشكل جزءاً هاماً من عقيدة الحزبين الأميركيين، الجمهوري والديمقراطي، إلا أن ما تبلغه من اهتمام و"تضحية" و"إيثار" من قبل الرئيس جورج بوش وجون كيري هذه الأيام، لم تبلغه مع متنافسين سابقين على موقع الرئاسة الأميركية من قبل، فالخصمان المتصارعان على كرسي الرئاسة وبلوغ البيت الأبيض يعيشان هذه المرة حالة من "العشق" لإسرائيل بلغت درجة الهوس، فهما يقدمانها على ما دونها من الدول بما فيها مصالح الولايات المتحدة نفسها، ويقدمان مصالحها على ما دونها من المصالح بما فيها مصالح الولايات المتحدة نفسها أيضاً. هذا ويطوعان أمن بلدهما وسياستها الاستعمارية لصالح أمن إسرائيل وسياستها الاستيطانية التوسعية، وذلك من خلال حملة أميركية - صهيونية مركزة لمحاربة ما اصطلح علي تسميته "إرهاباً" وفق المفهوم المشترك للولايات المتحدة و"إسرائيل".<BR><BR><font color="#0000FF">* كسب ود "إسرائيل"</font><BR>هذا الجنوح المقيت والمتطرف من قبل المرشحين للرئاسة باتجاه "إسرائيل" يعود لجملة من الأسباب والعوامل أهمها:<BR>- أولاً: تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وتوجيه أصابع الاتهام لبعض العرب بالتورط في تلك الأحداث، الأمر الذي اتخذت منه الإدارة الأميركية ذريعة لإعلان الحرب على العرب والمسلمين تحت يافطة محاربة "الإرهاب المتمثل بالأصولية الإسلامية"، وقد نجحت "إسرائيل" في ظل حكومة أرئيل شارون في تطويع تلك الحرب الواهية لصالحها حين اعتبرت نفسها، بطريقة انتهازية ذكية حظيت بقبول الإدارة الأميركية ودعم اللوبي الصهيوني (إيباك) والتيار المسيحي اليميني المتطرف (المحافظين الجدد)، شريكاً مباشراً للولايات المتحدة في تلك الحرب، وبلغ نجاح "إسرائيل" ذروته عندما تمكن شارون من إقناع الإدارة الأميركية بأن المنظمات الفلسطينية المقاومة من أجل استعادة الأرض ونيل الاستقلال "منظمات إرهابية"!<BR><BR>- ثانياً: حالة التفكك العربي التي عبرت عنها القمم العربية الفاشلة التي لم تستطع الوصول بالدول العربية إلى الحدود الدنيا للتضامن العربي وصياغة مشروع عربي موحد، ولو في الإطار السياسي الضيق بعد التخلي عن الخيار العسكري، وبالطبع فقد سحبت تلك الحالة العربية في إطارها العام نفسها على الحالة الفلسطينية في إطارها الخاص، إذ لم تتمكن السلطة والمنظمات والأحزاب الفلسطينية من التوصل إلى مشروع وطني موحد لمواجهة الطوفان القادم، وكما هو معروف، فإن الحالة العربية في إطاريها العام والخاص ظلت وحتى اللحظة الراهنة صريعة الإملاءات الأميركية والصهيونية، سواء كان ذلك في فلسطين أو العراق.<BR><BR>- ثالثا: الناخبون الأميركيون اليهود حافظوا على أن تكون مواقف المرشحين للرئاسة من "إسرائيل" هي المقياس الذي تتحدد على ضوئه وجهة أصواتهم في أية انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة، بغض النظر عن كون المرشح جمهورياً أو ديمقراطياً. فبعد أن حسم العرب والمسلمون الأميركيون أمرهم وبات الرئيس بوش على قناعة تامة بأن الأغلبية الساحقة من أصواتهم ستذهب لصالح جون كيري بسبب خيبة أمل هؤلاء من المعاملة السيئة التي لاقوها في ظل الإدارة الحالية، وبعد أن اطمأن كيري بدوره أن أمر هذه الأصوات أصبح محسوماً لصالحه، كان من البديهي أن تتجه اهتمامات المرشحين في آن معاً إلى أصوات اليهود الأميركيين والسعي للحصول عليها، وهذا يستوجب بنظر كل من بوش وكيري أن تتحول "إسرائيل" إلى العنوان الرئيس فيما تبقى من عمر الحملة الانتخابية لما لها من تأثير على هذه الأصوات.<BR><BR>- رابعاً: الوضع "الشاذ" للحملة الانتخابية الجارية قياساً بالحملات الانتخابية السابقة، فقبل هذه المدة، وتحديداً في النصف الأول من فترة الحملة الانتخابية، كانت استطلاعات الرأي الأميركية تقدم الرئيس جورج بوش على خصمه الديمقراطي جون كيري، وعادة ما كان الفارق بينهما يتراوح بين 10 و5 في المئة، أما الآن ونحن على مسافة ثلاثة شهور من موعد الانتخابات، فإن استطلاعات الرأي المتلاحقة تظهر تعادلاً واضحاً بين مؤيدي المرشحين. والخلاصة أن الادعاء القائل "بأن بوش والحزب الجمهوري يمثلان النهج العقائدي في حين يمثل كيري والحزب الديمقراطي النهج الواقعي" هو غير صحيح بتاتاً، فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تتداخل العقائدية مع الواقعية عند بوش وحزبه من جهة، وعند كيري وحزبه من جهة أخرى، ليشكل الفريقان وجهين لعملة إسرائيلية واحدة.<BR><BR><br>