الأجندة الإيرانية في العراق
30 رجب 1425

لقد ألقت فوضى الاحتلال الأمريكي للعراق بظلالها على الأوضاع فيه، حيث شهد تقويضاً لسيادته واستقلاله، وانفلاتاً مريباً في الأمن وعدم الاستقرار، وأصبح ساحة مكشوفة ومثالية لنشاط مختلف الأجهزة المخابراتية المهتمة بالشأن العراقي..<BR><BR> وفي ظل هذه الفوضى وارتخاء قبضة الولايات المتحدة، وجدت إيران نفسها في أفضل وضع لها ولأول مرة منذ عقود للتأثير على الشكل السياسي في العراق، حيث عزز النظام الإيراني موقفه بهدوء من خلال توفير الدعم المالي للعديد من الأحزاب الشيعية المؤيدة له، وأصبحت حركته سهلة على طول الحدود التي تزيد على " 1200 " كيلو متر، مما سهل لها إرسال المئات من عملاء مخابراتها، واتساع حركة الإيرانيين الذين يدخلون الأراضي العراقية بدون سمة دخول، والتي تغض سلطات الحدود الإيرانية الطرف عنهم، ومن بينهم العديد من شبكات الإجرام والاتجار بالمخدرات وأعضاء من تنظيمات إرهابية تشير المعطيات إلى أن لهم تنسيقاً مع المخابرات الإيرانية.<BR><BR><font color="#0000FF"> تحذير غير مسبوق: </font><BR> إن الدور الإيراني، ورغم الخطاب السياسي الرسمي الذي يؤكد على عدم التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، فإنه ينصب حقيقة على لعب دور في صياغة عراق يحكمه سياسيون شيعة يحكمون نيابة عن رجال الدين في البلدين! وهذا ما يؤكده تكديس ملايين الريالات الإيرانية التي تأتي كمساعدات لبعض رجال الدين العراقيين الشيعة، والتي اكتشفتها القوات الأمريكية لدى اعتقال بعضهم.. <BR><BR>التحذير غير المسبوق الذي وجهه (وزير الدفاع العراقي) حازم الشعلان إلى إيران بأنها تحاول زعزعة الأمن والاستقرار في العراق، ووصف تدخلها في الشؤون العراقية بأنه واسع وغير مسبوق منذ تأسيس الدولة العراقية، يؤكد على ما يبدو فشل لغة الغزل والدبلوماسية التي اتسمت بها السياسة العراقية نحو دول الجوار، وخاصة إيران في وقت حكم مجلس الحكم السابق، التي كان لإيران علاقات وطيدة مع أعضاء شيعة بارزين فيه، سبق وأن كان بعضهم منفياً على أراضيها في ظل نظام صدام حسين لمدة طويلة، فقد حاول هؤلاء تسديد جزء من الدين الإيراني عليهم حتى لو جاء ذلك على حساب العراق ومصلحته الوطنية، ومثال ذلك ما أعلنه عبد العزيز الحكيم (رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) عندما كان الرئيس الدوري لمجلس الحكم باستحقاق إيران لتعويضات الحرب؛ لأن العراق كان الطرف المعتدي وبقرار طرد أعضاء منظمة مجاهدي خلق من الأراضي العراقية! <BR><BR><font color="#0000FF"> أدلة وحقائق ثابتة: </font><BR> لقد أكد وزير الدفاع العراقي كذلك بأن الحكومة العراقية واجهت الإيرانيين بالأدلة والحقائق التي بحوزتها بدعمهم لما وصفه بالإرهابيين وعملياتهم الإرهابية في العراق، وأشار الشعلان وهو شيعي وزعيم قبلي لعشيرة الخزاعل العربية الجنوبية المعروفة والكبيرة، والتي سبق وأن كان لها دور مشهور في ثورة العشرين ضد الاستعمار الإنكليزي إلى أن إيران اخترقت مؤسسات الدولة العراقية من خلال عشرات العملاء والجواسيس حتى وصل الاختراق إلى وزارته! وذكر أنه قبض على عميل إيراني يحمل الجنسية السودانية، ومعه كميات كبيرة من السموم كان يحاول تسميم شط الديوانية الذي تقطنه عشائر شيعية معروفه بهدف إحداث فتنة طائفية بين السنة والشيعة! وقد اعترف العميل الإيراني أنه كلف من قبل المخابرات الإيرانية بهذه المهمة مقابل خمسة آلاف دولار! <BR><BR>وكانت تقارير استخباراتية وصحفية عديدة أكدتها تقارير لأجهزة الأمن العراقية تحدثت عن التغلغل الإيراني الواسع في العراق، ونشاط أجهزة المخابرات والتجسس الإيرانية فيه، حيث تناولت هذه التقارير بالتفصيل أشكال هذا التغلغل والنشاط الواسع، وأكدت أن العديد من عمليات الاغتيال التي طالت شخصيات سياسية وعسكرية بعثية وضباط أمن ومخابرات عملوا في الأجهزة الأمنية السابقة خاصة في ( شعبة إيران ) قد وجه إصبع الاتهام فيها إلى عملاء المخابرات الإيرانية، كما لوحظ أن عدداً من كبار الضباط العراقيين الذين حصلوا على أنواط شجاعة واستبسال خلال مدة الحرب العراقية الإيرانية، كانوا من بين الذين طالتهم عمليات الاغتيال!<BR><BR><font color="#0000FF"> تجسس وتخريب: </font><BR> ووصف أحد المتقاعدين من ضباط المخابرات العراقية السابقة (يعرب فوزي) الوضع الذي يعيشه العراق بأنه أكثر من مثالي لنشاط أي جهاز مخابرات أجنبي، وخاصة المخابرات الإيرانية التي لها أهداف تعمل على تحقيقها في العراق، حيث التربة الخصبة والملائمة لهذا النشاط والتحرك والاتصالات والتنقل التي تتم بحرية واسعة بدون أي مراقبة أو عرقلة من قبل أجهزة مختصة تمتلك مقومات الخبرة لمقاومة هذا النشاط الذي كان يديره في السابق جهاز متخصص في ذلك.. <BR>وأكد السيد فوزي أن هناك تداخلاً في العمل الاستخباري الإيراني مع العامل الديني الذي تستغله إيران نحو طائفة معينة من أجل خدمة أهدافها مع ملاحظة أن الأجهزة الإيرانية المختصة قد أقامت علاقات وثيقة مع العديد من المنفيين العراقيين الشيعة الذين كانوا موجودين على أراضيها لمدة طويلة، ويمكن أن تطلب من بعضهم تقديم خدمات لها! <BR><BR>لقد اتهمت عناصر الأمن العراقية دوماً الإيرانيين في ضلوعهم في عمليات تخريبية وإرهابية في العراق، وقد ألقت القبض على العشرات منهم وفي حوزتهم أسلحة ومتفجرات للقيام بمثل هذه الأعمال، وكان إلقاء القبض على شبكة التجسس الإيرانية في إحدى مناطق بغداد من قبل جهاز المخابرات العراقي الجديد الشهر الماضي المثال الحي على ذلك..<BR> وقال جهاز المخابرات العراقي: إن الشبكة يرأسها (ضابط المخابرات الإيراني) محمود تيموري، وتضم خمسة عناصر كلفت بالعديد من أعمال التجسس والتخريب.. <BR>وقد وجهت بعض القوى السياسية الشيعية النقد الحاد لحكومة الدكتور إياد علاوي لاتهامها إيران بالإرهاب، ووصفتها بأنها تسير على نفس نهج نظام صدام حسين في معاداته لإيران الإسلامية! ولكن جهاز المخابرات العراقي الجديد، والذي يبدو أنه حصل على معلومات تفصيلية عن علاقة وتورط بعض القوى والأحزاب الشيعية بإيران، وخصوصاً جهاز مخابراتها، وجه تحذيراً مبطناً إلى هذه القوى بأنه سيكشف كل الأوراق عن الارتباطات المشبوهة بهذه القوى بالجهات الأجنبية وعمالتها لها! وبعد هذا التحذير سكتت تلك الأصوات!!<BR><BR><font color="#0000FF"> انقسامات في إيران: </font><BR> يقول مراقبون مطلعون على الشأن الإيراني: إن سعي إيران للعب دور جديد للعراق منذ الإطاحة بالرئيس العراقي السابق تشوشه انقسامات إيران الداخلية، والتي أثرت بدورها على أحداثها بالعراق..<BR> فبدلاً من العمل باتجاه هدف شامل يسعى رجال الدين المتنفذون الإيرانيون والزعامة السياسية وجهات عسكرية واستخباراتية مختلفة إلى تحقيق أجندتهم الخاصة، فقد سارع زعماء سياسيون كبار في طهران إلى الاتصال بالحكومة العراقية المؤقتة معبرين عن ارتياحهم لاستعادة السيادة وانتهاء سلطة الاحتلال التي تقودها الولايات المتحدة برحيل (الحاكم المدني) بول بريمر، ومؤكدين أن إيران ستعاني هي الأخرى إذا ما حدث إراقة دماء في البلد الجار لها وهو العراق، ولكن في المقابل تقوم خلايا المخابرات الإيرانية بأنشطة تتعارض مع هذه الأهداف، حيث ترسل الأموال إلى جماعات متمردة مسلحة لتقوم بأعمال تعكر الأمن والاستقلال كما يقول مسؤولون عراقيون.<BR> <BR>وبهذا الصدد يقول الدكتور/ صباح كاظم (مستشار وزير الداخلية العراقي): إن إيران تتحدث بلسان شبيه بالشوكة! فالزعامة السياسية تدعو إلى الاستقرار في العراق، لكننا حين ننظر إلى أرض الواقع، فإننا نجد العكس تماماً، ففي كل يوم نلقي القبض على أشخاص يتسللون إلى العراق من إيران مع أسلحتهم، وهناك أحزاب سياسية تمولها وتدعمها إيران..<BR><BR><font color="#0000FF"> أجندات مختلفة: </font><BR> ويضيف الدكتور كاظم: إن النظام في إيران هو مجموعة من هياكل شبه مستقلة ولديها أجندات مختلفة اختلافاً شديداً، ويبدو أن هناك مراكز قوى مختلفة، ولست متأكداً إذا ما كان الرأي الرسمي الذي نسمعه هو الفاعل! بمعنى آخر نحن نواجه القضايا الإيرانية السياسية المختلف عليها في ساحة العراق، حيث يستخدم المتشددون والإصلاحيون الإيرانيون العراق مكاناً لصراعهم! ومع سقوط صدام حسين أصبح في إمكان إيران استخدام حلفائها لكي يصبحوا عنصراً في الخارطة السياسية العراقية.<BR> <BR>ويقول (الباحث العراقي في الشؤون العراقية) الدكتور/ عباس الخفاجي: إن هناك عقبات تواجه أهداف إيران في العراق، فرغم المذهب الشيعي الذي هو عنصر التوحيد المحتمل، لكنه يعاني من مشاكل، ذلك أن مدارس الفكر الشيعي العراقية والإيرانية تتنافس من أجل السيطرة على العلماء في النجف وقم.. كما أن التطلعات الوطنية والمنافسات التاريخية بين البلدين يمكن أن تعرقل المحاولات الإيرانية لتشكيل مستقبل العراق.. فبالرغم من أن العديد من الأحزاب السياسية العراقية التي لها ارتباطات معروفة بإيران، اعترفت بقبول المال والمساعدة من إيران، فإن زعماء هذه الأحزاب يصرون على وطنيتهم، وأنهم لن يسمحوا أبداً لإيران بإملاء أجندتها، ويقولون: إنهم يوازنون بين العرفان بالجميل والاستقلال.. <BR><BR>وهذا ما يؤكده (أحد قادة ما يسمى بالتيار الصدري)، هو: الشيخ أوس الخفاجي الذي اتهم إيران بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، وقال في خطبة أثارت انزعاج زعيمه "مقتدى الصدر": إن رعايا هذه الدولة يعيثون فساداً في كربلاء والنجف، وإن شبكات المخدرات هي غيض من فيض، وإن عملاء المخابرات الإيرانية يقومون بأعمال في العراق تزيد من جراحاته!! وإن العراق عانى ما عانى من هذه الجارة في السابق، وها هي الأمور اليوم أكثر حدة وخطورة، حيث تقوم المخابرات الإيرانية بترويج المخدرات في العراق للقضاء على مستقبل شبابه!<BR><BR><font color="#0000FF"> احتلال مرة أخرى: </font><BR> وكان أحد كبار الضباط في رئاسة الأركان العراقية قد اتهم إيران باحتلال أراض عراقية يتراوح عمقها بين (خمسة وعشرة كلم) في القطاعين الأوسط والجنوبي من الحدود المشتركة مستغلة الظروف الراهنة التي يمر بها العراق...<BR> وقال العميد الركن هيثم الأوسي: إن القوات الإيرانية اخترقت الحدود في منطقة "زين القوس " في قاطع محافظة ديالى، بجانب مناطق أخرى محاذية لمحافظة العمارة، وأقاموا مخافر حدودية جديدة على الأرض العراقية، ووفروا لها جميع المستلزمات الإدارية من ماء وكهرباء وأسواق، وتجهيزات أخرى لغرض سياسة الأمر الواقع.. <BR>ويذكر أن هذه المناطق التي أعلن العراق في السابق أنها أرض عراقية اغتصبتها إيران كانت الشرارة التي قادت إلى اندلاع حرب طاحنة مع إيران امتدت إلى ثماني سنوات. <BR><BR>ويوجد على الحدود العراقية الإيرانية (19) منفذاً حدودياً أغلق معظمها في الوقت الراهن، لكن مع ذلك مازالت عمليات التسلل الإيرانية مستمرة، حيث أعلن مسؤول في سلطات الأمن العراقية عن إلقاء القبض على (100) ألف متسلل إيراني للأراضي العراقية خلال الأشهر الستة المنصرمة.. كما تحدثت الأنباء عن استغلال إيران لظروف الانفلات الأمني في العراق، وقامت بطمر عشرات الأطنان من نفاياتها النووية من مفاعل بوشهر في منطقة الأهوار بجنوب العراق وفي أماكن مجهولة، وهي بذلك تعرض حياة عشرات الآلاف من السكان العراقيين والتربة إلى خطر الموت... ولم تعلق السلطات العراقية على هذا الحادث الخطير أو تقوم بالتحقيق بشأن بمدى صحته... <BR><BR>إن العلاقات العراقية الإيرانية ليست مرهونة بالنوايا الحسنة والتصريحات الدبلوماسية التطمينية، حيث إن الواقع يفرز مشهداً مختلفاً مرتبطاً بالأجهزة الإيرانية التي ستبقى الشوكة الدامية التي تنخز خاصرة تحسين هذه العلاقات مستقبلاً.<BR><br>