خسائر العراق والانتخابات الأمريكية
2 شعبان 1425

في 7 سبتمبر الجاري 2004م، اعترف (وزير الدفاع الأمريكي) رامسفيلد وكبار قواده بأن خسائر الأمريكان في العراق فاقت – بعد عام ونصف من الغزو – عدد الأف قتيل لأول مرة بمعدل قتيلين في اليوم تقريباً، وقرابة 7000 جريح 45% منهم حالتهم خطيرة، ومن هؤلاء 135 قتيلا، وأكثر من 1100 جريح في شهر أغسطس الماضي فقط، لتبدأ حلقة جديدة من الضغط علي حكومة (الرئيس الأمريكي) بوش والمقارنة بين خسائر حرب العراق، وحرب فيتنام التي قتل فيها 3000 ألاف جندي سنوياً على مدار 20 عاماً (58209 قتلى).<BR><BR>وعلى الرغم من أن هذه الأرقام لا تعبر – كما تقول المعارضة العراقية – عن حقيقة الخسائر الأمريكية (المقاومة تؤكد مقتل أكثر من 20 يومياً في حوالي 25 عملية) ، كما أن هناك حملة أخرى داخلية تقودها أسر القتلى والمصابين الذين كشف فيلم "فهرنهيت 11/9 " للمخرج مايكل مور أنهم من فقراء ومشردي شباب أمريكا وأحيائها الفقيرة الذين يجري إغراؤهم بالمال للقتال، فقد بدأت حملة حقيقية لاستغلال هذه الخسائر الضخمة (في الأرواح والأموال) في تدمير فرص فوز الرئيس بوش في الانتخابات المقبلة.<BR><BR>ويقود هذه الحملة طرفان أحدهما أمريكي، وهي الجماعات المناهضة للحرب، التي دشنت مؤخراً ساعة زمنية ضخمة في أكبر ميادين أمريكا لبيان الخسائر اليومية في الحرب، والثاني عراقي.. هو جماعات المقاومة نفسها التي بدأت – بشهادة قادة الجيش الأمريكي- " تطور عملياتها وأساليبها"، وتسعى لتنفيذ حملة ضغط معنوية علي الشعب الأمريكي عبر أسر وقتل جنود أمريكان، وبث صور وتسجيلات للقتلى والجرحى والأسرى منهم وتعميمها في كافة وسائل الإعلام ومخاطبة الشعب الأمريكي بها.<BR><BR>فالمقاومة العراقية حسنت – بشهادة الجنرال مايرز (قائد القوات الأمريكية في العراق) تكتيكاتها، وتمكنت من السيطرة على بعض المناطق في وسط البلاد مثل مدينتي الفلوجة وسامراء لا سيما في المثلث السني الواقع في شمال غرب بغداد، وترتب على هذا ارتفاع متنامٍ في أرقام قتلى وجرحى جنود الاحتلال.<BR><BR>ففي مايو وأغسطس 2003م سقط 37 و 35 جندياً على التوالي قتلى مع بدء عمليات المقاومة، وبعد سنة تزايد المعدل ليسقط 80 جندياً في مايو 2004 م، و135 في أغسطس 2004م، والآن أصبحت وتيرة مقتل الجنود الأميركيين – وفق الإحصاء الأمريكي - تصل إلى أكثر من جنديين يومياً، بل وتوقع (وزير الدفاع الأميركي) دونالد رامسفلد أن يزداد ما يسميه "العنف والإرهاب" مع اقتراب موعد انتخابات العراق في يناير 2005م.<BR><BR>وقد حاول المسؤولون العسكريون الأمريكان إطلاق سلسلة من التصريحات والبيانات لتخفيف حدة الرعب لدى أسر الجنود، والتقليل من شأن هذه الخسائر، خصوصاً بين المصابين الذين ترد تقارير عن تزايد أعدادهم بعشرات الآلاف ( إحصائية لوزارة الدفاع قالت: إن 6916 جندياً أمريكياً أصيبوا بجروح في الحرب)، فذكروا تارة أن من أصل العسكريين الألف القتلى، قتل ثلاثة أرباعهم في المعارك، فيما قضى الآخرون في حوادث أو بسبب أمراض، وتارة بتأكيد أن "هذه الحصيلة تعزز تصميم الجيش على الانتصار في الحرب"، ولكنهم كشفوا في سياق تصريحاتهم حقائق أخطر!<BR><BR>ففي تصريحاته عن أعداد القتلي كشف الناطق الاميركي باسم الجيش غريغ سلافونيتش عن أن نسبة من القتلى "انتحروا" في إشارة ذات مغزى بشأن عمليات الاكتئاب والغضب القاتلة التي تسود الجنود الأمريكان هناك، كذلك أشاد الناطق باسم البيت الأبيض سكوت ماكليلان بذكرى أولئك الجنود مؤكداً أن "تضحياتهم" تظهر ضرورة مواصلة الحرب ضد الإرهاب"، وأن الطريقة الأفضل لتكريم كل الذين فقدوا حياتهم في الحرب ضد الإرهاب هي مواصلة شن حرب مكثفة ونشر السلام في المناطق الخطرة في العالم"!؟ <BR>وهو ما دعا (المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية) جون كيري للسخرية من البيت الأبيض، والقول: إنه يوم "مأساوي"، حيث إن أكثر من ألف "من أبناء وبنات أميركا قدموا حياتهم باسم بلادهم واسم الحرية والحرب ضد الإرهاب". <BR><BR>أيضاً أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد غالوب الأسبوع الماضي تقلص عدد مؤيدي الحرب _وإن ظلوا أغلبية صغيرة_ وإن (51%) من الأميركيين لا تزال تعد أن الدخول في حرب ضد نظام صدام حسين السابق كان "يستحق العناء"، وأظهر هذا الاستطلاع أيضاً أن الرئيس بوش يحظى بنسبة ثقة أكبر لحل الوضع في العراق (49%) من منافسه كيري (43%). <BR><BR>والغريب أنه رغم اتباع الأمريكان تكتيك عسكري جديد يقوم على دك المناطق التي تخرج منها المقاومة (مثل: الفلوجة، وتل عفر) بالطائرات، مما أدى لمقتل 2500 عراقي (مقاوم) وفق الإحصاءات الأمريكية، والزج – كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست - بقوات الجيش المدرعة الثقيلة بدلاً من قوات المارينز المزودة بدروع أخف، فقد تزايد أعداد القتلى والجرحى الأمريكان لدرجة الشكوى من ازدحام المستشفيات الميدانية الأمريكية في العراق!<BR><BR><font color="#0000FF"> تنظيم المقاومة وتوحدها السبب: </font><BR>والحقيقة أنه لا يمكن إنكار إن تنظيم المقاومة العراقية وتوحد الكثير من فصائلها كان السبب الرئيس في تحويل حياة الأمريكان لجحيم حقيقي، خصوصاً منذ إصدار إحدى أهم فصائل المقاومة في العراق يوم 9 أغسطس 2004م، بياناً حمل الرقم واحد، ووقع باسم "مكتب التنسيق المشترك لفصائل المقاومة العراقية والعربية والإسلامية يؤكد أن عمليات المقاومة ستستمر موجهة نحو الاحتلال الأمريكي والبريطاني وكافة القوى التي تسانده محلياً وعربياً وعالمياً.<BR>وأن المشروع الأنجلو - أمريكي في العراق "هوى.. هو ومن يقف وراءه.. وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة ولن يستطيع قطعاً تحمل الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها يومياً جراء عمليات أبطال المقاومة المجاهدين".<BR><BR>أيضاً قدمت نصائح عديدة للمقاومة باستغلال توقيت انتخابات الرئاسة الأمريكية لتنفيذ عمليات أكبر للضغط على الإدارة الأمريكية، سواء بأسر جنود أمريكيين أو ببث صور وتسجيلات للقتلى والجرحى والأسرى لهدف إلحاق ضرر بالغ بقوات الاحتلال، وضرب الساسة الرابضين في واشنطن وراء حملة الغزو.<BR><BR>صحيح – كما قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية 10-9-2004م - أن سقوط أكثر من ألف قتيل أمريكي بالعراق منذ غزوه في مارس 2003م لم يكن له تأثير كبير مباشر في تراجع شعبية (الرئيس الأمريكي) جورج بوش، وأن آخر استطلاع أجرته صحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "إيه بي سي" الإخبارية حصل فيه بوش على تأييد 53% قالوا: إنه الأفضل في التعامل مع العراق من كيري الذي حصل على 37% فقط، ولكن مع قفز عدد القتلى والمصابين إلى أرقام أكبر، وتزايد المقارنة بخسائر فيتنام وكوريا وغيرها بشرياً ومادياً سيؤثر في نهاية الأمر في نتيجة الانتخابات. <BR>وقد أرجع مارك ميلمان (وهو خبير استطلاعات من أنصار كيري) استمرار تأييد الرأي العام لبوش رغم أعداد القتلى إلى "التغطية الإخبارية الضعيفة لعدد القتلى بعد تسليم سيادة محدودة للعراقيين "، فيما قال آخرون: إن اللوبي الصناعي العسكري الذي يؤيد سياسات بوش يهيمن على وسائل الإعلام، ويغذي عقول الأمريكان بأن هذه الحرب وخسائرها ضرورية، كما أن الرأي العام هناك لا يمتلك إحساساً واضحاً أن كيري لديه سياسة بديلة لسياسة بوش في التعامل مع الوضع في العراق.<BR><BR>وربما لهذا حرص المسئولون الأمريكان على فرض رقابة عسكرية على صور توابيت الجنود القتلى القادمين من العراق، بل وعلى المصابين بدعوى مراعاة شعور الأسر المنكوبة، وأصبح نشر أي صور أو مقالات جادة يواجه بحملة هجوم من أكبر رأس في الإدارة الأمريكية.. من بوش وتشيني ورامسفيلد.<BR><BR>ولو تسارعت وتيرة الخسائر وتزايد النشر في الصحف ومحطات التلفزيون ذات التأثير القوي، لزاد تعاطف الجمهور مع الجنود الضحايا، وتأثرت شعبية بوش في الانتخابات المقبلة، وعلينا أن نتذكر أن المنافسة أصبحت ضئيلة بين بوش وكيري، والفروقات تدور حول أصوات ألفين أو ثلاثة ألاف صوت كما حدث في انتخابات 2000م، وهي حصيلة بسيطة يسهل حشدها.<BR><BR>فهل يخسر بوش الانتخابات هذه المرة بسبب توابيت جنوده القتلى في العراق؟ وهل صحيح ما تردده فصائل المعارضة العراقية بأن عدد القتلي الأمريكان لا يقل عن 20 يومياً؟ وهل يخفي الأمريكان الرقم الحقيقي لقتلاهم؟!<BR><BR><font color="#0000FF"> قتلى الجيش الأمريكي في الحروب: </font><BR>- العراق (19 مارس 2003م – 7 سبتمبر2004م) 1000 قتيل. <BR>- أفغانستان (7 أكتوبر 2001م – 3 سبتمبر 2004م ) 135 قتيلاً. <BR>- حرب الخليج الأولى (1990م-1991م) 382 قتيلاً.<BR>- الحرب الفيتنامية ( 1955م- 1975م) 58209 قتلى.<BR>- الحرب الكورية ( 1950م-1953م) 36574 قتيلاً. <BR>- الحرب العالمية الثانية ( 1941م-1946م) 405399 قتيلاً. <BR>- الحرب العالمية الأولى ( 1917م-1918م) 116516 قتيلاً. <BR><br>