الحريات الدينية في السعودية بين الواقع والاتهام
6 شعبان 1425

فيما تقترب ساعة الصفر في حرب الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأمريكية، تكثف إدارة الحكومة الحالية برئاسة جورج بوش حملة انتقادات وهجمات واسعة ومكثفة، تنحصر في معظمها بالدول العربية والإسلامية.<BR><BR>فمن أزمة دافور التي تصر فيها الإدارة الأمريكية الحالية على فرض عقوبات على السودان، إلى استصدار القرار الدولي رقم (1559) ضد الانتشار السوري في لبنان، والقرار الأمريكي رقم (2003) لفرض عقوبات على سورية، إلى احتلال العراق وما تبعه من قرارات أمريكية ودولية، مروراً بإرسال 1100 جندي أمريكي إلى أفغانستان، وتأييد (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين في حربه ضد المجاهدين الشيشان، ومحاولة تضييق الخناق على إيران لوقف أي نشاط نووي (حتى لو كان سلمياً)، وتصعيد الأزمة مع تركيا في استمرار قصف مدينة (تل عفر) العراقية ذات الأغلبية التركمانية، ووصولاً إلى اتهام المملكة العربية السعودية بانتهاك الحريات الدينية فيها.<BR><BR>الأيام القليلة الباقية التي تفصلنا عن ساعة الصفر الأمريكية في الانتخابات الرئاسية، قد تحمل المزيد من الاتهامات والقرارات ضد دول عربية وإسلامية، وربما بات هذا (برأي الحكومة الحالية) أقرب الطرق إلى قلب الناخب الأمريكي، خاصة بعد أن صورت إدارة بوش ولأكثر من 3 سنوات، أن العدو الأول للأمريكيين هو (الإسلام والمسلمين)، وخاصة (العرب) منهم.<BR><BR>الاتهام الأمريكي الجديد، جاء على لسان (وزير الخارجية الأمريكي) كولن باول، والذي عرض التقرير السنوي الصادر عن مكتب "الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" التابع لوزارة الخارجية.<BR><BR><font color="#0000FF"> الاتهام الأمريكي: </font><BR><BR>بحسب المزاعم الأمريكية، فإن المملكة العربية السعودية تعد إحدى ثماني دول، صنفت هذا العام فقط ضمن "الدول التي تثير قدراً خاصاً من القلق" بسبب "وقوع انتهاكات كثيفة (...) للحريات الدينية فيها".<BR>في الأعوام السابقة، كان الحديث عن بعض الدول التي لم تقع السعودية بينها، ففي العام الماضي، قدّرت!! وزارة الخارجية الأمريكية أن كل من "الصين وكوريا الشمالية والسودان وإيران وبورما" تقع فيها انتهاكات ضد الحريات الدينية.<BR>أما هذه السنة، فقد أضافت الوزارة الأمريكية كل من المملكة العربية السعودية وفيتنام وإريتريا، إلى هذه القائمة لاعتبارات نجهلها.<BR><BR> وبحسب التقرير الأمريكي، فإن "الحرية الدينية لا وجود لها" في المملكة.<BR>وأضاف البيان يقول: " إن الحريات الدينية الأساسية محظورة على الجميع باستثناء الذين يعتنقون مبادئ المذهب الوهابي الذي تقره الدولة". !!<BR><BR>السفير جون هانفورد باعتباره أحد المسؤولين عن التقرير، قال: " إن الرياض حققت بعض التقدم في مجال الحوار مع الأقلية الشيعية وتنقيح الكتب المدرسية المناهضة للديانات الأخرى، إلا أنه لا يكفي" !!<BR><BR>وأضاف أن الطائفة الشيعية (10% من سكان السعودية) أكثر الفئات التي تعاني من التمييز الديني في المملكة (...).<BR><BR><font color="#0000FF"> الاتهام في قفص الاتهام: </font><BR><BR>بعيد انتهاء الحرب الباردة بين القطبين الأمريكي والسوفيتي السابق، وخروج الولايات المتحدة منتصرة في حرب لم تشهد إطلاق رصاصة واحدة، بدأ عصر الهيمنة الأمريكية على معظم مناحي الحياة العالمية.<BR>وباعتبارها القطب الأوحد في المعادلة الدولية، فقد بدأت بنشر خطط وسياسات، وتغيير حكومات، واحتلال بلدان، وفرض معاهدات عسكرية لنشر قواتها في جهات العالم الأربع، وإصدار تقارير تنتقد فيها دول العالم، وغيرها من الممارسات الكثيرة.<BR>ورغم ذلك، إلا أن كل ما تفعله -في حقيقة الأمر- لا يعطيها أي شرعية دولية لذلك.<BR><BR>دولياً، هناك منظمات متخصصة تنبثق عن الأمم المتحدة، تعنى بالعديد من الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية وغيرها، في بلدان العالم.<BR>ولم تخوّل هذه الجهات المتخصصة يوماً؛ الإدارة الأمريكية، في إصدار تقارير حول هذه التخصصات العالمية، أو تخولها التدخل في شؤون الدول والحكومات الأخرى.<BR><BR>ولو نظرنا من زاوية أخرى، لوجدنا أن التقارير الأمريكية بحد ذاتها، تعتبر تجاوزاً ، باعتبارها تدخلاً في شؤون داخلية لدول أخرى.<BR><BR>على أن الولايات المتحدة لم تصدر مثل هذه التقارير يوماً، إلا لتحقيق غاية في نفسها، فكما هو معروف، فإن السياسة الأمريكية تعد جملة واحدة غير منفصلة، وكل ما يصدر عن الإدارة الأمريكية هو بالتالي ينصب في السياسة العامة التي ترسمها بعناية، أيدي مهندسي السياسة الأمريكية.<BR><BR>فعندما قررت فرنسا فرض منع ارتداء الحجاب الإسلامي في مدارسها، لم تحرك واشنطن ساكناً، ورغم الرضا الداخلي للإدارة الأمريكية على القرار الفرنسي، إلا أنه وعلى الجهة الأخرى، تعتبر فرنسا بالنسبة لأمريكا، قوة أوروبية هامة لا يجب إفساد العلاقات معها، خاصة بعد مواقفها من الحرب الأمريكية على العراق، والسعي الأمريكي خلفها لإقناعها بدخول العراق وتغيير موقفها.<BR><BR>المذابح الصربية بحق المسلمين البوسنة، وانتهاكات المتعددة ضد المسلمين في الولايات الأمريكية، وانتهاكات الحرية الدينية في أوزباكستان ضد المسلمين، والدماء المسفوكة في نيجيريا بسبب الحرب الدينية بين المسلمين والنصارى، وغيرها من الأمثلة الكثيرة لم تعني للأمريكيين شيئاً، وستعني لهم أشياءً كثيرة عندما تدخل تلك الدول في دائرة السياسة الأمريكية الخارجية.<BR><BR><font color="#0000FF"> الانتهاكات الدينية في الولايات المتحدة: </font><BR><BR>ربما من اللافت للنظر، ما دأبت عليه الولايات المتحدة من طريقة فريدة في اللعب على "حبلين"، باتت تمارسه باحتراف كبير، نظراً للتجربة الطويلة لها في ذلك.<BR>كالدعاوى للحد من انتشار الأسلحة النووية في العالم، مقابل مساعد اليهود في إنماء مخزونهم وأسلحتهم النووية.<BR>وورود "حريات الصحافة والإعلام" في البنود الأولى للدستور الأمريكي، مقابل ضغوط دبلوماسية وسياسية مارسها كولن باول على قطر، من أجل إيقاف بث قناة (الجزيرة) الفضائية للجرائم الأمريكية في العراق، وخسائرها المخجلة أيضاً.<BR>أو التأكيد الأمريكي على "نظافة البيئة وخلو العالم من مخلفات الصناعات الكبرى" في وقت امتنعت فيه الولايات المتحدة عن التوقيع على معاهدة (كيتو) للحد من انبعاث الغازات السامة من المصانع والتي أدت إلى ارتفاع درجات الحرارة في الجو وزيادة التلوث، على الرغم من أن الولايات المتحدة تساهم بنسبة كبيرة في هذا الأمر.<BR>وغيرها من الأمثلة الكثيرة.<BR><BR>وهنا فالولايات المتحدة تزيد (مثالاً واحداً) لتجربتها الطويلة في هذا المجال.<BR>ففي وقت تعد فيه الولايات المتحدة، المملكة العربية السعودية، دولة تمارس التمييز العنصري، فإنها صاحبة أعرق تجربة في التمييز العنصري ضد "الزنوج" مثلاً.<BR><BR>أما فيما يتعلق بالأديان، فإن الصحف الأمريكية والأوروبية والعربية، باتت تضج من الممارسات العنصرية من قبل الحكومة والشعب الأمريكي ضد الدين الإسلامي.<BR><BR>على سبيل المثال لصعوبة الحصر، فإن الجملة التي أطلقها بوش بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، عبرت بصورة واضحة عن "الحملة الصليبية ضد الدول الإسلامية"، وكانت تعبيراً صادقاً لما في النفوس، وما حدث بعد ذلك على أرض الواقع.<BR><BR>كذلك الأفكار السلبية الموجودة في عقول كثير من أركان الحكومة الأمريكية، كمثل الجملة التي أطلقها الجنرال ويليام بويكين الذي يحتل موقعاً مرموقاً بوزارة الدفاع الأمريكية، والتي قال فيها (أثناء إلقاء محاضرة عامة العام الماضي عن جهوده للقبض على أحد زعماء الحرب الصومالية): "أنا كنت أعلم أن ربي أكبر من ربه. كنت أعلم أن ربي هو إله حقيقي وأن ربه مزيف" !!!<BR><BR>أو ما ذهبت إليه أكبر شبكات الإذاعة الأمريكية، وهي شبكة (وستوود) في وصف الدين الإسلامي بأنه "منظمة قاتلة" تعلم "الكراهية والإرهاب والقتل".<BR>أو إجبار المسلمات على خلع الحجاب في المدارس وعند أخذ الصور لهن من أجل استخراج بطاقات القيادة، أو استجواب المسلمين والتضييق عليهم لدى وصولهم إلى المطارات الأمريكية.<BR>عدا عن آلاف الحالات الفردية والجماعية التي انتهكت فيها الحرية الدينية للمسلمين بشكل خاص في الولايات المتحدة، كما حصل في المراكز التعليمية في فلوريدا، وحوادث الاعتداء على المسلمين وممتلكاتهم في ولايات أريزونا ونيويورك وفيرجينيا ونيوجرسي، وغيرها مما تنوء به الصحف ووسائل الإعلام الأخرى.<BR><BR><font color="#0000FF"> المصداقية الأمريكية: </font><BR><BR>في ظل الممارسات الأمريكية في العالم العربي والإسلامي، وما يرافقها من تجاوزات وانتهاكات واستبداد، يستغرب البعض كيف يمكن أن يكون لأي من التقارير الأمريكية مصداقية، بعد أن خسرت الحرب الإعلامي في العالمين العربي والإسلامي.<BR><BR>وما وجود قناة (الحرة) ومجلة (هاي) وغيرها من الوسائل الأمريكية باللغة العربية، إلا دليلاً على محاولة التفاف جديدة، لتحسين صورة المصداقية الأمريكية في أذهان المسلمين.<BR>وهو - أغلب الظن - ما لن يحدث أبداً.<BR><BR><br>