بعد سنوات العنف.. شباب الجزائر بين انتحار وتنصير
16 شعبان 1425

مرة أخرى تؤكد الوقائع أن بعض الدوائر الغربية المتربصة بالعالم العربي والإسلامي لا تريد لنا الاستقرار والتساكن والتعايش، وتسعى بكل وسيلة ممكنة إلى إغراقنا في التطاحن الذاتي والإنهاك المتبادل، حتى إذا ما انزلقنا في هاوية الفوضى العشوائية، تقدمت تلك الدوائر بكتائبها السياسية والدينية والاقتصادية لجني الثمرات وتثبيت الأقدام وتعميق الجراح، نحو بسط الهيمنة الكاملة وإحكام نفسية الاستعباد والاستغلال.<BR><BR>المقال التالي يرصد التصاعد المتزايد لنسبة الانتحار في منطقة "القبائل" بعد سنوات الحرب الأهلية، كما يرصد التغلغل التنصيري الأمريكي في المنطقة نفسها، وهكذا يتبين أن ذلك ما كانت تخطط له الدوائر المتربصة، وأننا قد نصنع مأساتنا بأيدينا، وأن القوم يتقنون الرقص على الجراح.<BR><BR><font color="#0000FF"> "القبائليون" ينتحرون أكثر فأكثر: </font><BR>أفادت صحيفة "الحرية" اليومية الجزائرية في عددها ليوم الخميس 16 شتنبر 2004م أن نسبة الانتحار آخذة في التصاعد بنسب مخيفة بمنطقة القبائل، وأوردت الصحيفة المذكورة في تحقيق أجرته تحت عنوان "الانتحار في منطقة القبائل، هذه الأرقام التي تخيف" أن 44 حالة انتحار سجلت خلال سنة 2004م في بجاية إحدى مقاطعات القبائل، في حين أن السنة لم تنته بعد. في سنة 2003م انتحر 30 شخصاً، وفي سنة 2002م انتحر 40 شخصاً، وفي سنة 2001م 44 شخصا، وفي سنة 2000م 51 شخصاً. الأرقام المذكورة لا تعكس الحقيقة الكاملة؛ لأن التقاليد القوية في تلك المنطقة تمنع دون كشف حالات الانتحار، وتقدم على أنها حالات موت عادي لتجنب تشويه الشرف، حسب تفسير الكولونيل ياسين ديرامشي (المسؤول الدركي ببجاية)، ويتراوح عمر الأشخاص المنتحرين بين 30 و50 سنة، ثلاث أرباعهم من الذكور.<BR><BR>في ملتقى دولي نظم بجامعة بجاية العام الماضي، تبين أن منبع الظاهرة يعود إلى الفشل المهني، إذ غالباً ما يكون آباء الأسر الذين فقدوا أعمالهم والشبان الذين لم يجدوا عملاً هم المنتحرون، ومما يعزز الإقدام على الانتحار في تلك المنطقة انقراض آليات التضامن، حسب خبير رفض الكشف عن اسمه.<BR> <BR> وفي مقال سبق أن نشر في موقع إسلام أون لاين بتاريخ 29 ماي 2004م قال الكاتب رياض فتح الدين : <BR>"حسب فريق من الأطباء النفسيين بمستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، تكشف الظاهرة عن مرحلة متقدمة من اليأس بلغها العديد، خاصة من الشباب، وتذكر إحصائيات مصالح الأمن أن عدد المنتحرين بلغ 369 شخصا منذ بداية العام 2004، من بينهم 35 شخصا في ولاية تيزي وزو (110 كلم شرق العاصمة) وحدها، وعلى الرغم من تعدد أسباب الانتحار في الجزائر، فإن تدهور المحيط العائلي، وسوء الأوضاع المعيشية، من أكثر ما يدفع إلى الانتحار، وأغلب المنتحرين يسكنون المناطق الفقيرة أو نشؤوا في محيط تسوده القلاقل والاضطرابات، إضافة إلى الحرمان أو الإحباط العاطفي الذي يصيب البعض منهم." <BR><BR>وأضاف المقال أن دراسات أجرتها المصالح الطبية المتخصصة، تتحدث عن حوالي 850 حالة انتحار وقعت خلال السنوات القليلة الماضية، وأن 15% من الحالات جاءت بعد انهيار عصبي، والملاحظ أن الرجال هم الأكثر ميلاً للتفكير في الانتحار، إذ يمثلون 67% من العدد المذكور، و33% نساء، أما أعمار المنتحرين فتتراوح بين 18 و30 سنة بالخصوص، وبدرجة أقل بين 30 و40 سنة". <BR> <BR><font color="#0000FF"> العصا والمخدر: </font><BR>في سنة 1992م اندلعت حرب أهلية بالجزائر أثارت رد فعل سريع في الأوساط الإعلامية ضد الإسلام، واستخدم النظام الحاكم يومذاك فزاعة المد الإسلامي لتبرير حربه المعلنة، وبذلك حصل على تعاطف الغرب الذي غض الطرف عن الأسلوب القمعي المستعمل. وسائل الإعلام الفرنسية ابتلعت الطعم وأسندت المجازر اليومية للإسلاميين وحدهم رغم الفساد الظاهر للنظام واستبداده المكشوف. <BR>بعد مرور عدة سنوات، فقد الآلاف من الناس، وتعمقت الجراح في نفوس الشعب الجزائري حتى صارت الجزائر اليوم ضعيفة منهكة في حالة إغماء. <BR>ولما رأى المبشرون الإنجيليون هذا الوضع وجدوا فيه ضالتهم، واستغلوا الأوضاع لنشر أفكارهم ومعتقداتهم بعيداً عن أي ارتباط بالكنيسة الكاثوليكية، فهذه الأخيرة عرف عنها في السنوات الأخيرة ربط علاقات احترام متبادل مع الدين الإسلامي، ونادت بالحوار بين الديانات واعتبرت التبادل المعرفي والثقافي بمثابة إغناء وتلقيح، بل وتعميق للتجربة الإيمانية. <BR><BR> تنصير الجزائر يعد جزءاً من استراتيجية عالمية للانتشار والتوسع لدى البروتستانتية الأمريكية الجديدة، وهي تدخل في إطار موجة صليبية يقودها الإنجيليون الأصوليون والمحافظون الجدد وبعض الصهاينة ضد الإسلام. <BR>في الجزائر يستثمر هؤلاء ميدان العمل الإنساني، ويختارون أهدافهم من بين الأشخاص الأكثر فقراً، فيعتنق بعضهم المسيحية مقابل مبلغ من المال قد يصل أحياناً إلى 2000 دينار جزائري، أي ما معدله 20 يورو أوروبي، ثم تضاف لهم وعود بالأدوية الطبية أو تأشيرات للهجرة إلى الخارج، وبطبيعة الحال فإن القنصليات الأوروبية المعتمدة بالجزائر تمنح التأشيرات المطلوبة بسهولة لطالبيها والوسطاء فيها، خاصة لمن يصرح في الوثائق المعروضة أنه مسيحي الديانة أو يعاني من "الاضطهاد". في حين أن أكثر من 74 في المئة من المتوجهين إلى الكنيسة لا يقصدون سوى المساعدات المالية من المبشرين. <BR><BR>إحدى الأنشطة الأخيرة التي قامت بها الكنيسة البروتستانتية بقسنطينة وجهت للتلاميذ في السلك الثانوي، إذ اقترحت عليهم دعماً مدرسياً مجانياً. هذا بالإضافة إلى أقراص إلكترونية وكتب ووثائق أخرى للدعاية الإنجيلية، وهذا السيناريو ذاته جرى العمل به في منطقة تيارت وفي مدن أخرى.<BR>وقد أثارت صحيفة وهران اليومية هذه القضية في صفحة منوعاتها بطريقة حذرة متوجسة إلى حد أن القراء لم يفهموا شيئاً مما نشر.<BR><BR>ويستخدم الناشطون المسيحيون كل الوسائل الممكنة للاتصال لترويج خطابهم مثل الإذاعة والتلفزيون والفضائيات والكتب والأشرطة البصرية والسمعية وترجمات للإنجيل، وقد تطورت الوسائل التبشيرية تحت إشراف التسيير الأمريكي وبعد دراسة حالات الفشل الماضية التي درست وحللت بكل عناية ويقظة.<BR>ويستعمل المنصرون خطاباً بلغة مأخوذة من الثقافة الإسلامية بهدف التحايل على الخصم واجتناب المواجهة المباشرة مع الإسلام، ويتقدمون خفية لتطبيق سياسة الحرباء بغية استغفال الضحايا.<BR> وهذا التنصير خال من النقاش الساخن ومن المشاعر الدينية الصادقة، وليس له من هدف سوى إحداث خلافات ونزاعات داخل الشعب الواحد من أجل زعزعة وإضعاف البلد ثم السيطرة عليه بسهولة ويسر. <BR><BR>وتراقب الإدارة الأمريكية هذا التطور بكل يقظة، وتشجعه وتوفر التمويل والحماية. في الآونة الأخيرة عبر الكونغرس الأمريكي عن رضاه على الطريقة الجزائرية في التعامل مع ملف التنصير، وبالفعل فإن السلطات الجزائرية تلتزم الصمت الطويل أمام هذه الظاهرة، وهو سلوك يعكس تخوف الإدارة الجزائرية من ضغوط الإدارة الأمريكية وعصاها الغليظة. ويحتل هاجس صدام حسين وعقدة "محور الشر" مكاناً مركزياً في النفس الجزائرية الرسمية وفي شقيقاتها العربية في هذه المعركة الإيديولوجية. <BR><BR>وكانت صحف جزائرية من بينها "اليوم" و"الشروق العربي" قد نشرت في شهر يونيو 2004م تقارير تؤكد اتساع الظاهرة كما نشرت صحيفة "البلاد" تقديرات تقول: إن نسبة معتنقي المسيحية في منطقة القبائل "في ازدياد، وأنهم يمارسون شعائرهم في 15 كنيسة". <BR>كما ذكرت صحيفة "اليوم" الجزائرية المستقلة يوم 14 ديسمبر 2000م أن خمسين جزائريا على الأقل يتعمدون وينتقلون من الإسلام إلى المسيحية كل عام في منطقة القبائل البربرية شرق الجزائر العاصمة.<BR><BR><font color="#0000FF"> باسم الحرية الدينية: </font><BR>في الجزائر يستغل المنصرون ورقة الجهوية، وهي ورقة موروثة عن الاستعمار الفرنسي القديم، ولذلك يركزون جهودهم في جهة "القبايل" و"الطوارق" الأمازيغ الجنوبيين مع الإبقاء على النشاط في باقي القطر الجزائري بأكمله."القبائلي" الجزائري رجل حر وثائر يعيش في الجبال رفض الاستعباد على الدوام. اليوم يعارض السلطة المركزية، ويطالب بقوة بعدالة اجتماعية وعيش أرغد في جو من الاحترام المتبادل. لقد أصبحت "القبائل"ورقة قوية في أيدي الذين يريدون تحويل هذه المنطقة إلى سيف مسلط لاستغلالها في ترويض الجزائر ودحرجتها في عالم التبعية والاستعباد من جديد، فالولايات المتحدة الأمريكية بقواها الأصولية المسيحية الصهيونية متغطرسة وبغيضة لا تكل من البحث عن مواطئ أقدام لتثبيت هيمنتها، ويعد الدين من أسلحتها الإرهابية لاستعباد واستغلال الآخرين وسحقهم . <BR><BR>وباسم الحرية الدينية تشهر واشنطن العصا في وجه بلدان العالم، فترضى عمن تشاء وتسخط على من تشاء، وتقرب من تشاء وتبعد من تشاء. وباسم الحرية الدينية تتقدم حجافل التنصير بين الجائعين والعطشى والمكروبين والمهضومي الحقوق لتشجيعهم على الارتداد عن أديانهم دون تفكر ولا تعمق، وصدق القرآن الكريم عندما جعل الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي والسياسي شرطاً لازماً لحرية اختيار العقيدة، ومنّ الله على قريش بهاتين النعمتين داعياً زعماء مكة إلى الاعتراف بوحدانية الألوهية والربوبية، منكراً عليهم وعلى أمثالهم أن ينصبوا أنفسهم أربابا من دون الله لإكراه الناس على هذه العقيدة أو تلك "لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ، إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ.الّذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ". <BR><br>