مقعد للعرب والمسلمين بمجلس الأمن.. حلم مؤجل!
21 شعبان 1425

قدمت مصر رسمياً وبلسان (وزير خارجيتها) أحمد أبو الغيط ترشيحها لشغل مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي يوم 25 سبتمبر 2004م على هامش الدورة رقم 59 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي بدأت يوم 14 سبتمبر بهدف بحث إقرار الإصلاحات الخاصة بمجلس الأمن وبالأمم المتحدة بشكل عام وضمنها رفع عدد الدول الأعضاء في مجلس الأمن من 15 إلى 25 عضواً.<BR><BR>وفي خطابه الذي قدم فيه مؤهلات مصر كي تحظى بهذا المنصب، قال أبو الغيط: "إن مصر مؤهلة تماماً لتحمل مسؤوليات دائمة في إطار توسيع محتمل لمجلس الأمن الدولي، وإنها مؤهلة من خلال إسهامها في النظام العالمي والنظام الإقليمي والنظام العربي لعضوية مجلس الأمن الدولي الموسع".<BR><BR>وقال: "إن مساهمات مصر الإقليمية والدولية وفي الأطر الأفريقية والعربية والإسلامية وفي الشرق الأوسط وبين الدول النامية والاقتصاديات البازغة، فضلاً عن إسهاماتها في دعم أنشطة وتحقيق مقاصد الأمم المتحدة وعملياتها لحفظ السلام إنما تؤهلها لتحمل مسؤوليات العضوية الجديدة في مجلس الأمن الموسع".<BR><BR>ومن مفارقات هذا الطلب أن مصر قدمته وهي في أضعف أوقاتها.. في وقت يتنافس عليه عدة دول هامة ذات جدارة وتأثير في الشؤون العالمية، كما تتنافس عليه في القارة الأفريقية جنوب أفريقيا، التي تحظى بقبول دولي كبير، كما أنها قدمت الطلب في وقت يزداد فيه انحسار الدور المصري على المستوى الإقليمي والدولي ويقل ثقلها.<BR><BR>وهناك خشية حقيقية أن تعول القاهرة على ذات الكلام الذي قيل أثناء الترشيح لتنظيم كاس العالم 2010م بشأن دور وحضارة مصر وثقلها الدولي ومساهماتها، دون أن يكون لها حضور فعلي وحقيقي على الساحة الدولية نتيجة انسحابها أو انكماش دورها في العديد من القضايا الأفريقية وحتى العربية، بحيث تتكرر مأساة صفر المونديال في مباراة مقعد مجلس الأمن!؟ <BR><BR>ويبدو أن هناك إدراكاً مصرياً لصعوبة تحقيق هذا الحلم، ولهذا صدرت تصريحات متضاربة من (وزير الخارجية) أبو الغيط في مناسبات مختلفة، حيث قال في خطاب ألقاه في مؤتمر للمجلس المصري للشؤون الخارجية عن التهديدات والتحديات والإصلاح.. بناء الأمن في منطقتي المتوسط والخليج أوائل سبتمبر 2004م: إن مصر تستحق مقعد في مجلس الأمن بالنظر إلى مكانتها التاريخية والحالية ووضعها في المنطقة العربية.<BR><BR>ثم عاد في منتصف سبتمبر ليدعو من الصين - عقب مباحثات مع نظيره الصيني - لمقعد "عربي إسلامي دائم "، وقال: إن هذا شرط لقبول مصر توسيع مجلس الأمن، ما يوحي بالتنازل عن الأفريقي والدعوة لمقعد عربي خالص.<BR>وعاد مرة ثالثة ليقول في الأمم المتحدة: "نعتقد أن الحصول على هذا المقعد (في مجلس الأمن) يمكن أن يكون على أساس نظام مداورة مع أشقائنا الأفارقة لشغل مقاعد إضافية تخصص لقارتنا في إطار توسيع مجلس الأمن".<BR><BR>ولا شك أن هناك مخاوف مصرية وعربية حقيقية من إفشال محاولات مصر للحصول على مقعد في مجلس الأمن بالنظر إلى حالة الضعف العربي عموماً، والمصري خصوصاً وفي وقت تتصاعد فيه العنجهية والتسلطية الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر ويزداد كراهية واشنطن والغرب – المهيمنين على مجلس الأمن– للعرب والمسلمين.<BR><BR>والوزير أبو الغيط نفسه تحدث في مؤتمر المجلس المصري للشؤون الخارجية بشكل غير مباشر عن هذه الكراهية الغربية لكل ما هو عربي وإسلامي قائلاً: إن فكرة صدام الحضارات نتجت عن انهيار الاتحاد السوفيتي، وإنه لمدة من الزمان رأى بعض أصحاب نظرية البحث عن عدو أن الصين تبدو هدفاً محتملاً وراج مصطلح الخطر الأصفر الذي يمثله التنين الزاحف من شرق أسيا إلا أن شروط العداء لم تتوافر في الصين، لذلك جرى البحث محموماً عن عدو أفضل وكلل المسعى بالنجاح عندما ظهرت نظريات الصراع بين الحضارات والثقافات ونضج الخطر في ليلة وضحاها وتغير لونه من الأصفر إلى الأخضر" في إشارة من الوزير إلى العالم الإسلامي.<BR><BR>ومضى يقول: "إننا بحاجة إلى منظور جديد في التعامل مع هذه المنطقة (يقصد العربية) من العالم.. منظور يدرك ما بها من ثراء حضاري ولا يعتبرها فضاء ثقافياً خالياً يتعين على الآخرين ملؤه "!<BR>بل أنه تساءل: "كنت ومازلت عاجزاً عن فهم هذا القدر من الإصرار الغربي على تغيير (نظام) الميراث في الإسلام رغم أنه نظام لا يلزم غير المسلمين. أو فهم الإلحاح علينا لتقنين العلاقات الشاذة وإسباغ وضعية الزواج عليها في الوقت الذي مازالت فيه هذه العلاقات محل جدل داخلي كبير في ذات المجتمعات التي تطالبنا بقبولها".<BR><BR>وتابع "لا ننكر على أحد قيمه الثقافية أو عاداته الاجتماعية ولا نفكر في إجباره أو حتى في دعوته لاتباع قيمنا الذاتية، وأعتقد أن المعاملة بالمثل هي أبسط ما يحق لنا ويجب على الآخرين احترامه في تعاملهم معنا!! <BR>ويبدو أن ما أراد الوزير المصري قوله دون أن يفصح عنه بوضوح لأسباب دبلوماسية: إنه منذ الحرب العالمية الثانية واجتماعات منتجع يالطا على البحر الأسود للمنتصرين في الحرب، وهناك سيطرة لهؤلاء على المؤسسة الدولية التي أنشؤوها ليديروا العالم من خلالها عبر ما سمي بمجلس الأمن الدولي في حين لا يؤخذ برأي المهزومين والضعفاء.<BR><BR>ولأن ذات الدول الكبرى المنتصرة هي التي لا تزال تمسك بزمام أمور المجلس فلن يكون هناك إصلاح حقيقي، ولكن مجرد تزيين وتوسيع للعضوية بأعضاء مرضي عنهم وبالطبع لن تكون منهم دول عربية أو إسلامية في وقت يتحول فيه الصراع بين الشرق والغرب إلى صراع حضاري وديني حقيقي وتتطاير كلمات في الغرب عن حروب صليبية!<BR>فهناك مجموعة من الدول التي حققت إنجازات علمية واقتصادية على الصعيد الدولي تسعي إلى تحويل ذلك إلى إنجازات سياسية من خلال تغيير التركيبة الحالية لمجلس الأمن الدولي وتوسيعها لتشمل دول جديد، ومن هذه الدول اليابان والهند وألمانيا وجنوب أفريقيا .<BR><BR>والولايات المتحدة وافقت على عضوية اليابان وألمانيا بالفعل، كما تعهدت البرازيل وألمانيا واليابان والهند في دورة الأمم المتحدة الأخيرة بدعم بعضها في مساعيها لشغل مقاعد دائمة في مجلس الأمن الدولي واجتمع زعماء هذه الدول في نيويورك على هامش المناقشات الوزارية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة وأصدروا بيانًا مشتركًا تعهدوا فيه بدعم ترشيحات دولهم بعضها للبعض الآخر. <BR><BR>ورغم محاولة مصر طرح فكرة أن يكون هناك صوت "عربي وإسلامي"، على اعتبار أن الحديث يدور في أوساط الغرب فقط عن مقعد أفريقي قد يذهب لجنوب أفريقيا أو نيجيريا، ومقعد لآسيا قد يذهب للهند وهكذا جغرافيا، فلم يساند المطلب المصري أي دولة عربية أو إسلامية، ولم يحدث أي تعاون عربي ولم يطرح الموضوع في أي لقاء عربي بالجامعة العربية مثلا!!<BR><BR>فهل يتهاون العرب والمسلمون في المطالبة بمقعد عربي، وينتظرون 40 عاماً أخرى حتى يحين موعد التوسيع والتجديد الجديد لعضوية مجلس الأمن على اعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الآن الحديث عن توسيع عضوية مجلس الأمن منذ توسيع العضوية عام 1965؟!<BR><br>