أولاد المسلمين في الغرب والقضية الفلسطينية
12 رمضان 1425

لم تؤدّ الحياة الغربية بكل إفرازاتها ورفاهيتها إلى سلخ ثلاثين مليون مسلماً يعيشون في أوروبا عن محور قضاياهم فلسطين وما تتعرّض له من ظلم صهيوني سافر ومتواصل.<BR><BR>وتؤكّد التظاهرات العربية والإسلامية التي انطلقت في أكثر من عاصمة أوروبيّة بمناسبة الذكرى الثانية لانتفاضة الأقصى أنّ الجاليّة العربية والإسلامية في الغرب، ورغم أنّها بعيدة عن جغرافيا الحدث الفلسطيني، لكنّها موجودة في دائرته السياسية والإعلامية وتداعياته اليوميّة، والأكثر من ذلك فإنّ الآباء العرب والمسلمين استطاعوا أن ينقلوا عقيدتهم بضرورة استرجاع فلسطين إلى أبنائهم الذين ولدوا في أوروبا، والذين لا يعرف بعضهم العالم العربي، بل لا يتكلم أكثرهم اللغة العربية، وهؤلاء الأولاد المولودون في أوروبا يحيطون علماً بتفاصيل القضية الفلسطينية، ورغم السيطرة الصهيونية على مفاصل الإعلام الغربي وتحويلها قضية الهولوكست إلى مرجع في فهم التطورات الحاصلة في فلسطين بالنسبة لكثير من الغربيين، إلاّ أنّ كل ذلك لم يزعزع إيمان هؤلاء بفلسطينهم وجبروت الكيان الصهيوني، وفي هذا السيّاق نشير إلى أنّ الأطفال المولودين في أوروبا والذين لم يروا فلسطين ولا العالم العربي كانوا في طليعة التظاهرات التي شهدتها مدن أوروبية دعماً للقضية الفلسطينية، وقد حمل أغلبهم صور إيمان حجّو، ومحمد الدرّة، وغيرهما.<BR><BR>وفي تظاهرة مؤيدة للشعب الفلسطيني في السويد، وبمناسبة الذكرى الثانية لانتفاضة الأقصى كان حملة الإعلام الفلسطينية والشعارات أطفال من أصول عراقية وجزائرية ومصرية وكردية وإيرانية وسويدية، وفي ذلك إشارة إلى أنّ العوائل العربية والمسلمة نجحت في جعل الهمّ الفلسطيني همّاً عربياً وإسلامياً بالدرجة الأولى، وفي الوقت الذي ينتحر فيه المراهق الأوروبي؛ لأنّ عشيقته تخلّت عنه، فإنّ أولاد العرب والمسلمين ينزلون إلى الشوارع الأوروبيّة ويصرخون بلغة غربية أصيلة لا لكنة فيها ولا لحن: شارون سفّاح، الانتفاضة هي الطريق، بوش مجرم، أوقفوا المجازر في فلسطين، الصهيونية عنصرية، إسرائيل اخرجي من فلسطين، وهي كلمات وشعارات كانت تصل إلى كل المارة والمشاهدين الغربيين، والذين انضم بعضهم تلقائيّاً إلى التظاهرات ورددوا نفس الشعارات.<BR><BR>بل إنّ بعضهم تكلم نيابة عن العرب والمسلمين، كما حدث في تظاهرة عربية وإسلامية في السويد، حيث تكلمّ فيها الدكتور أكسلسون (مستشار رئيس وزراء السويد الأسبق) أولف بالمه، وقال: إنّنا أصدقاء لفلسطين، إنّ أمريكا قررت ملاحقة بعض التيارات الفلسطينية، فعليها أن تلاحق أصدقاء الفلسطينيين، وعندها يجب أن تلاحقنا أيضاً كأوروبيين مناوئين للكيان الصهيوني وأصدقاء للفلسطينيين، أمّا هنريك السويدي، وهو أحد الشباب السويديين الذين كان محاصراً في كنيسة المهد في بيت لحم مع المقاومين الفلسطينيين إلى أن تمّ طرده من فلسطين المحتلّة فقد تحدث عن الإجرام الصهيوني، وطالب بتوحيد الجهود لتعريّة الكيّان الصهيوني.<BR><BR>وغير هذا المشهد الذي أفرزته الذكرى الثانية للانتفاضة الفلسطينية فإنّ الكثير من الجمعيات الفلسطينية والعربية والإسلامية بدأت تفكر في توحيد الجهود ونبذ الخلافات التي جاء بها أصحابها من العالم العربي والإسلامي لتركيز الجهود على تفعيل دعم القضية الفلسطينية في كافة المجالات السياسية والإعلامية والثقافية، تماماً مثلما تحاول الجمعيات الفلسطينية فعله في فنلندا والسويد والدنمارك. <BR><BR>ومن شأن هذا التوحد أن يعطي دفعاً للقضية الفلسطينية؛ لأنّ الدوائر الغربية تتوجّس خيفة من أي عمل وحدوي فيه تنظيم وتنسيق، وتوليه أهمية أكثر من الإعمال المنفردة غير المدروسة. <BR><BR>وقد لجأت جمعية فلسطينية في السويد إلى خطّة إيجابية في إيصال مظلومية الشعب الفلسطيني إلى الطلبة المسلمين والسويديين على حد سوّاء، فيومياً كان أحد الفلسطينيين الطاعنين في السنّ يتوجّه إلى مدرسة سويدية ويلقى محاضرة يسمعها الطلبة السويديون والأساتذة السويديون والأجانب أيضاً عن تاريخ فلسطين، وقد استحسنت المدارس السويدية هذه الفكرة، وهي لم تمانع البتة في إلقاء مثل هذه المحاضرات، بل اعتبرت ذلك خطوة باتجاه ترسيخ قواعد مجتمع متعدد الثقافات، ومعروف أنّ المدارس السويدية ترحبّ بأيّ ولي تلميذ أن يذهب أثناء الدوام المدرسي ويتحدث عن قضية ما، ويعدون ذلك جزءاً من التثقيف الذي يحتاجه الطفل. <BR><BR>وبالإضافة إلى ذلك فإنّ منظمّي التظاهرات التي انطلقت بمناسبة الذكرى الثانية للانتفاضة أكدوّا على أنّ هذه الفعاليات سوف تستمر، والنشاطات سوف تتوالى وخصوصاً في ظل المرحلة المقبلة، حيث تستعّد أمريكا لصياغة الخارطة العربية والإسلامية، والتي سيستفيد منها الكيان الصهيوني بما يدعم تحقيق حلمه التاريخي الذي توجزه عبارة من النيل وإلى الفرات التي زيّن مبنى تشريع الظلم الإسرائيلي - الكنيست - .<BR><BR>والملاحظة الأخرى التي يمكن إدراجها في سيّاق قراءة مشهد تظاهرات دعم الانتفاضة الفلسطينية في الغرب هو أنّ المرأة العربية والإسلامية كان لها وجود كبير في كل التظاهرات التي انطلقت في العواصم الغربية، بل إنّ العديد من النسوة العربيات اضطلعن بمهمة بتوزيع المناشير المكتوبة باللغات الغربية، والتي تكشف حقيقة المجازر الصهيونية، وكان للفتيات الشابات دور كبير في إطلاق الشعارات المنددة بالغطرسة الصهيونية. هذه المرأة التي أراد لها الإعلام الغربي أن تكون ماجنة ومتحررة، وشاءت فلسطين أن تكون امرأة مشدودة إلى أقصاها الأسير بكل ما يمثله في حركة التأريخ والنبوات.<BR><br>