هل يحسم الدين نتائج الانتخابات الأمريكية؟
15 رمضان 1425

لم يدخل "الدين" يوماً كلاعب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، بقدر ما دخل في الانتخابات الحالية لدرجة أن هناك توقعات بأن يحسم المعركة لصالح (الرئيس الحالي بوش) لمدة رئاسة ثانية بسبب تركيز معسكر بوش على عنصر الدين في حملته الانتخابية عبر رفع شعارات مختلفة تبدأ من الحديث عن " الإيمان بالله " وتطبيق تعاليم المسيحية الإنجيلية في الحياة السياسية، إلى الحديث عن شن "حرب صليبية" على أعداء أمريكا، وبالمقابل شن حرب دينية على "كاثوليكية" كيري.<BR><BR>صحيح أنه ظهر دور نسبي للدين في انتخابات سابقة على يد (الرؤساء السابقين) هاري ترومان وكارتر وريجان، وتحدثت تقارير في أعوام سابقة عن دور ما يسمي "التحالف المسيحي" الذي يقال: إنه يضم 20 مليون أمريكي في لعب دور لصالح المرشح المتدين، ولكن ظل هذا الدور محدوداً علي الأقل حتى تفجيرات 11 سبتمبر التي فجرت دعاوى معادية للمسلمين والإسلام استغلها تحالف اللوبي الإنجيلي "التحالف المسيحي" ولوبي "المحافظين الجدد" لتحقيق مصالحهما في السيطرة علي أمريكا وغزو العالم بالقوة!<BR><BR>وأهمية دور الدين في حسم الانتخابات المقبلة لصالح بوش ترجع إلى أن اليمين المسيحي الذي يستند إليه بوش يقدر بما بين خمسين وستين مليون ناخب، أي: ربع مجموع الناخبين ونصف الناخبين الأميركيين البالغ عددهم 105 ملايين شخص، والإحصاءات تشير إلى أن 70% من هؤلاء يؤيدون جورج بوش.<BR><BR>أما خطورة هذا التيار الديني الأمريكي فتتمثل في أنه يقدم مصالح الدولة الصهيونية علي أي شيء اعتماداً على ما يسمونه "رؤى إنجيلية" تؤمن بضرورة مساندة اليهود للسيطرة علي فلسطين، وعودة اليهود كلهم للقدس، وكذلك السيطرة على أرض بابل (العراق) في سياق النظرية الدائرية للتاريخ وفكرة "هرمجدولين"، ومن ثم يجعل تحرك الرؤساء الأمريكان لنصرة الدولة العبرية أمراً دينياً ربانياً يجب أن ينفذوه!!<BR><BR>وتصاعد هذا الدور للدين في هذه الانتخابات لم يرصده المحللون من خارج أمريكا، ولكنه كان نتيجة أكدتها مراكز أبحاث أمريكية لدرجة القول: "إن الحماس الديني أصبح عاملاً أساسياً في السباق إلى البيت الأبيض في بلد يرى فيه سبعة من كل عشرة أميركيين إن رئيسهم يجب أن يكون على درجة كبيرة من الإيمان بالله".<BR><BR>فللمرة الأولى منذ 44 عاماً، تنتهي مناظرة في إطار الانتخابات الرئاسية (بين بوش وكيري) بمثل هذا الحماس الديني، والدعوات الدينية، وبعبارتي "ليحمي الله أميركا"، و"ليبارك الله بلدنا الكبير"، وللمرة الأولى يكون معيار "الذهاب إلى الكنيسة مرة واحدة أو أكثر في الأسبوع" معياراً لحساب الأصوات التي يمكن أن يجنيها كل مرشح!<BR><BR>أيضاً هي المرة الأولى التي تؤكد فيها استطلاعات الرأي أن أكثر من 60% من الأميركيين يرون إن "الديانة" ترتدي أهمية كبرى في حياتهم، مما دعا روبرت بوستن الذي يعمل لجمعية (الأميركيين المتحدين من أجل الفصل بين الدين والدولة) للقول: "إن هذه السنة تشهد أهمية استثنائية للسياسة على أسس دينية".<BR><BR>بل إن بوش حرص – من خلال مارك راسيكوت (رئيس حملته الانتخابية) على تدشين حملته الانتخابية بإعادة استخدام مصطلح "حملة صليبية" ضد الإرهاب في خطاب لجمع التمويل، وركز حزبه علي ما أسماه " قيادته حملة صليبية عالمية ضد الإرهاب ". <BR><BR>والحقيقة أن إدخال بوش الدين في معترك الرئاسة ليس وليد لحظة الانتخابات بل هو خاتمة لها؛ لأنه حرص خلال ولايته الأولى على إبراز دور الدين في قراراته وسياسة إدارته، فهو يكاد يكون أول رئيس يطالب بتدريس المسيحية في المدارس الأمريكية، وأول رئيس يحارب القضاء الأمريكي، ويهدد بعدم تعيين القضاة الذي يعارضونه؛ لأنهم يرفضون اعتماد قَسَمٍ للولاء في المدارس يتضمن كلمة (الله)!<BR><BR>وهو أيضاً أول رئيس يجاهر بأنه تلقَّى علوماً دينية في الكنيسة في شبابه، ويشجع بالتالي على إقامة المدارس الدينية المسيحية، ويقدم لها الدعم، بل ويقود حملات قوية –عبر حزبه الجمهوري المتحالف مع اليمين المسيحي المتطرف – لإقامة مدارس غير مختلطة لكل من الإناث والذكور، ويناهض الإجهاض، وأول رئيس يقترح تعديلاً دستورياً لمنع زواج الشواذ، ويقيم مكتباً خاصاً في البيت الأبيض للمساعدة على تطوير الهيئات الاجتماعية المرتبطة بمؤسسات دينية.<BR><BR>ومعروف أن إدارتي بوش الأب ومن قبل إدارة ريجان الجمهوريتين كانتا من أوائل الداعين لمزيد من التدين في المجتمع الأمريكي، وساندتا منع الإجهاض في المستشفيات، وزيادة جرعة التعليم الديني في المدارس، والفصل بين الإناث والبنين، ومنع الاختلاط في المدارس،، بيد أن هذه هي المرة الأولى التي يبدأ فيها التنفيذ بضغط من الرئيس بوش الابن لحد نقد معارضيه وتهديد القضاة بعزلهم ما لم يصدروا أحكاماً لصالح ما يقوم به!؟ أما أهم ما يرصده الصحفيون الأجانب بشأن هذه الحملة، فهو أن هذه النزعة المحافظة والتدين لا تثير معارضة علنية في البلاد ويرجعون ذلك إلى أحداث 11 سبتمبر التي قلبت المجتمع الأمريكي رأساً على عقب، ودفعت الأمريكيين لمزيد من التدين بعدما رأوا الموت بأعينهم.<BR><BR><font color="#0000FF"> الدين يدير السياسة الخارجية: </font><BR>وإذا كان الاهتمام الديني في البيت الأبيض ظاهرة جديدة، فالجديد هو إدارة الدين للسياسة الخارجية أيضاً حتى إن الإنجيليين الجدد الذين ظلوا مهتمين بقضايا محلية وداخلية، مثل: الشذوذ الجنسي والصلاة في المدارس والتعرّي والإجهاض، صاروا الآن يهتمون بقضايا عالمية. <BR><BR>ويعود هذا التغيير لدى الإنجيليين إلى الاهتمام المستجد بما يسمونه: "الكنيسة المضطهدة "، وهم يعنون بذلك المسيحيين الذين يعانون في بقاع من العالم خارج الولايات المتحدة،، ويقول القس ريتشارد شيزيك (نائب رئيس جمعية الإنجيليين، التي تمثل 43 ألف كنيسة) في تفسير سر هذا النشاط في الخارج: إن الإنجيليين مهتمون بأن يحدثوا فرقاً لا أن ينقل عنهم موقف علني، وإن الإنجيليين أبدوا استعداداً في السنوات الأخيرة للتعاون مع اليهود والشواذ جنسياً في القضايا المشتركة، وإن أحد أسباب فشلهم في الثمانينات إنما يعود لفشلهم في التعاون!؟<BR><BR>وترى هذه الجماعات أن البيت الأبيض ترك الباب مفتوحاً أمامهم، وذلك بتأثير الرئيس الذي يستعمل لغة الإنجيل في خطاباته، ويقول: إن الله هداه وأنقذه بالإنجيل من إدمان الخمر (أي: ولد من جديد).. ومن هنا يمكن فهم سر تصاعد الحديث عن الرئيس (بوش) الذي "ولد من جديد" في أوساط الإنجيليين ما يعطي انطباعاً بوجود نهضة دينية حقيقية، حتى إن محللين أمريكان قالوا: إن بوش يمكن أن يفوز بالانتخابات معتمدا على أصوات المسيحيين الإنجيليين فقط!!<BR><BR>وقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز في 10/4/2001م -عقب تولي بوش الحكم - عن موظفين في الإدارة الأمريكية، وأعضاء في الكونغرس قولهم: إن هذا التحالف الأمريكي الديني يملك نفوذاً غير عادي في إدارة هي من أكثر الإدارات تديناً في تاريخ البيت الأبيض، وإن الجماعات الدينية تتدخل في موضوعات في السياسة الخارجية، وحصلت على تعيينات كبيرة فيها، حتى إن مايكل جرسون (رئيس كُتّاب خطابات بوش، وهو من الإنجيليين الجدد) يركز في الخطابات التي يلقيها بوش على عبارات دينية وأخلاقية لجلب التعاطف وحشد التأييد لسياسته الداخلية والخارجية.<BR><BR>هناك بالتالي دور حقيقي يلعبه الدين و"التحالف المسيحي الإنجيلي" الذي يضم ربع سكان أمريكا في انتخابات 2 نوفمبر المقبلة، وهو يميل لصالح الرئيس بوش (الإنجيلي) رغم أن ربع الأمريكان أيضاً هم من الكاثوليك، ولكنهم لا يدعمون جميعاً كيري (الكاثوليكي)، ويبدو أنه سيكون الفيصل في تحديد شخصية الرئيس الأمريكي القادم مع ما سيترتب على هذا مستقبلاً من تغلغل الدين في السياسة الأمريكية رغم دعاوى الفصل بين الدين والدولة! <BR><BR><font color="#0000FF"> أرقام عن دور الدين في الانتخابات الأخيرة: </font><BR>- يؤكد 60% من الأميركيين أن الديانة تلعب دوراً مهماً جداً في حياتهم، ويعتقدون أنها يمكن أن تقدم حلولاً لمعظم المشكلات المطروحة اليوم (استطلاع لمعهد جالوب- يونيو 2004م).<BR><BR>- يقول 64% من الأميركيين: إنهم من أتباع كنيسة أو معبد أو كنيس (معهد جالوب - يونيو 2004م).<BR><BR>- يؤكد ثلث الأميركيين أنهم يمارسون الشعائر الدينية مرة في الأسبوع على الأقل (جالوب- يونيو 2004م)، وترتفع هذه النسبة إلى 47% لدى الناخبين الذي أعلنوا بحسب استطلاعات الرأي عزمهم على المشاركة في انتخابات 2 نوفمبر (مجلة تايم - يونيو 2004م).<BR><BR>- يؤكد 72% من الأميركيين المسجلين على اللوائح الانتخابية أنه من المهم بنظرهم أن يكون الرئيس الأميركي مؤمناً (مركز بيو ريسورتش - أغسطس 2004م).<BR><BR>- يعد 70% من الجمهوريين أن الرئيس يجب أن يحدد سياسته بموجب قناعاته الدينية، فيما يرى 63% من الديموقراطيين إن الرئيس يجب ألا يمزج ما بين الإيمان والسياسة.<BR><BR>- يرى 27% من الأميركيين أن الجدل السياسي يتضمن أكثر مما ينبغي من الاستشهادات الدينية، مقابل 31% يعدون أن هناك أقل مما ينبغي منها، و32% يعدون أن هناك ما يكفي منها تماماً (بيو - أغسطس 2004م).<BR><BR>- يدعم الأميركيون الذين يعدون أن على القادة السياسيين التحدث أكثر عن الديانة جورج بوش (61% مقابل 29%) بينما يميل الذين يدعون إلى التحدث أقل في الدين إلى دعم جون كيري (63% مقابل 22%) (بيو- أغسطس 2004م).<BR><br>