اليهود يصعدون وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية
18 رمضان 1425

بين فينة وأخرى تعلن وزارة الإسكان الصهيونية عن عطاء لتوسيع مستوطنة، أو إقامة أخرى في مناطق الضفة الغربية بفلسطين المحتلة، ويبدأ العالم مع هذا الإعلان في إثارة موضوع الاستيطان الصهيوني من جديد، وما هي إلا أسابيع معدودة حتى تهدأ "الزوبعة"، وتتواصل عملية البناء الاستيطاني من دون أي حسيب أو رقيب. <BR><BR>وقبل مدة قصيرة أعلنت حكومة الاحتلال نيتها إقامة حوالي ستمئة وحدة سكنية لتوسيع مستوطنة "معاليه أدوميم" تجاه منطقة العيزرية في القدس المحتلة، وثار العالم ضد هذه العملية؛ لأنها ستقسم الضفة الغربية قسمين من خلال إغلاق خط وادي النار، الذي يربط بين شمال وجنوب الضفة، والذي يمر في هذه المنطقة المعدة للتوسع الاستيطاني الصهيوني.<BR><BR>وأعلن أيضاً قبل أسابيع معدودة عن توسيع عدة مستوطنات وإضافة أكثر من 1200 وحدة سكنية لها في إطار مواجهة بما يسمى "النمو السكاني الاستيطاني"، أي أن "إسرائيل" أعلنت رسمياً عن نيتها إقامة حوالي 1800 وحدة سكنية خلال الأشهر القليلة القادمة، هذا هو المعلن، ولكن هناك نشاطاً استيطانياً هادئاً غير معلن يتم من خلاله بناء وحدات سكنية من دون أية محاسبة أو مراقبة.<BR><BR>أميركا في المدة الأخيرة أبدت اهتماماً بالاستيطان الصهيوني، ووصل وفد رسمي، على ذمة وسائل الإعلام الأميركية والصهيونية، إلى "إسرائيل" لمراقبة هذا التوسع الاستيطاني، حتى أنه قيل بأن أميركا طلبت من "إسرائيل" العمل على:<BR>- عدم توسيع المستوطنات الحالية القائمة في الضفة الغربية.<BR>- عدم إقامة مستوطنات جديدة.<BR>- العمل على إزالة المستوطنات أو النقاط الاستيطانية العشوائية غير الشرعية.<BR>- إبقاء ملف الاستيطان هادئاً في هذه المدة الحرجة من الانتخابات الأميركية.<BR><BR>وقيل أيضاً: إن الوفد الأميركي رسم الحدود للمستوطنات "الشرعية" المقامة في الضفة والقدس بهدف مراقبة أي توسيع لحدودها الحالية، أي أن أميركا لا ترفض بناء وحدات سكنية داخل هذه المستوطنات، ولكنها ترفض توسيع حدودها، وبصورة أكثر وضوحاً فإن الإدارة الأميركية تعد هذه المستوطنات "شرعية" أما توسيع حدودها فهو غير شرعي!<BR><BR>ولا بد من التساؤل: لماذا تقوم الحكومة الصهيونية بعملية استفزاز سياسية من خلال تصعيد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية؟ والجواب على هذا التساؤل هو أن حكومة الاحتلال تريد تحقيق عدة مكاسب من وراء هذه العملية الاستيطانية، ومن أهمها:<BR>1. محاولة إرضاء اليمين الصهيوني من خلال القول له وبكل وضوح: إن حكومة شارون لم تتنازل عن الاستيطان في الضفة الغربية، وستواصل البناء الاستيطاني مهما كانت الانتقادات وردود الفعل المحلية أو الإقليمية أو الدولية وحتى الأميركية، وإن هذه الحكومة هي حكومة الاستيطان وراعيته. <BR><BR>2. توسيع المستوطنات في الضفة الغربية الآن يهدف إلى:<BR>- استيعاب عدد أكبر من المستوطنين في هذه المستوطنات، وبخاصة من المهاجرين الجدد.<BR>- استيعاب المستوطنين الذين سيخلون منازلهم في منطقة القطاع إن تم الانسحاب من قطاع غزة.<BR>- تأكيد التمسك بهذه المستوطنات وعدم التنازل عنها في أية تسوية سياسية مستقبلية مع الفلسطينيين.<BR><BR>3. إشغال الفلسطينيين والعالم بموضوع الاستيطان وتناسي بناء جدار الفصل العنصري الذي أوشكت عملية بنائه على الانتهاء.<BR><BR>4. محاولة إظهار أن ملف الاستيطان في الضفة الغربية هو أكثر صعوبة من ملف الاستيطان في غزة.. إذ إن قطاع غزة ليس ضمن أراضي "إسرائيل" التاريخية المزعومة، ويمكن التنازل عن مستوطناته؛ لأنها تحتاج إلى حماية أمنية كبيرة.<BR><BR>5. إجبار الإدارة الأميركية على التوصل إلى اتفاق مع "إسرائيل" حول المستوطنات.. ملخصه: أن "جميع المستوطنات القائمة منذ يونيو 1967م هي شرعية، أما تلك التي أقيمت من دون موافقة الحكومة الصهيونية، وهي عبارة عن نقاط استيطانية صغيرة فهي غير شرعية، وأن حكومة الاحتلال ستعمل على إزالتها"، ويأتي إجبار الإدارة الأميركية على التوصل إلى اتفاق أو تفاهم حول الاستيطان في وقت تنهمك خلاله في الانتخابات للرئاسة الأميركية، وهي تريد رضا اللوبي الصهيوني الأميركي من أجل إعادة انتخاب جورج بوش الابن.<BR><BR>6. تشجيع المستوطنين في قطاع غزة على الانتقال للاستيطان في الضفة الغربية أو في النقب، إذ إن الانتقال من مستوطنة إلى أخرى لا يعني التنازل عن مبادئ الاستيطان، بل يأتي تلبية لضرورات أمنية.<BR><BR>7. توجيه رسالة واضحة إلى الفلسطينيين بأن يأخذوا في الحسبان بأن الحل النهائي لن يزيل المستوطنات المقامة في الضفة الغربية.. وعلى الفلسطينيين القبول ببقاء هذه المستوطنات.<BR><BR>8. توسيع المستوطنات في الضفة واستيعاب عدد أكبر من المستوطنين سيعطي المبرر لإسرائيل وأميركا في رفض إزالة أو فك هذه المستوطنات، إذ إن مساحة أراضي الكيان الصهيوني ضيقة، وهناك مشكلة سكنية، ولا يمكن طرد حوالي نصف مليون من الضفة إلى "إسرائيل"، إذ لا مأوى لهؤلاء المستوطنين الآن في "إسرائيل" _كما تزعم حكومة الاحتلال_.<BR><BR>9. محاولة الحصول على مساعدات مالية من الحركات والجمعيات الصهيونية التي تدعم الاستيطان في الضفة من خلال القول: إن حكومة "إسرائيل" بحاجة إلى دعم مالي لتوسيع المستوطنات وإقامة جديدة.<BR><BR>10. محاولة الحصول على رضا المستوطنين، إذ إنهم يشكلون الآن ثقلاً سياسياً؛ لأن عددهم وصل إلى حوالي نصف مليون مستوطن.<BR><BR>11. يقال: إن شارون أعطى الضوء الأخضر لتصعيد وتيرة الاستيطان لتحقيق مآرب سياسية ذاتية، ومن أهمها:<BR>- إشغال العالم في موضوع الاستيطان بدلاً من متابعة هزائمه داخل حزب الليكود، أو المداولات القضائية حول تورطه وابنه جلعاد في قضايا فساد.<BR>- محاولة تحسين أو تجميل صورته أمام اليمين الصهيوني الرافض لخطة شارون في الانسحاب من قطاع غزة.<BR>- محاولة الحصول على مكاسب سياسية لصالح الاستيطان من الإدارة الأميركية التي تراجعت عن العديد من مواقف سابقة لها لصالح المواقف والرغبات والمطالب الصهيونية.<BR>- تشجيع الأحزاب اليهودية الدينية المتطرفة على الانضمام إلى الائتلاف الحكومي، إذ إنها تدعم الاستيطان وتؤيده.<BR>ولا بد من الإشارة إلى أن تصعيد الاستيطان هو رسالة واضحة إلى اليسار الصهيوني يؤكد فيها شارون وأركان حكومته عدة حقائق، وهي:<BR>1- أن اليسار الصهيوني ضعيف، ولا يستطيع الوقوف أمام هجمة الاستيطان.<BR>- أن الحكومة الصهيونية تتحدى المعارضة بكل سهولة رغم عدم ارتكازها على قاعدة برلمانية موسعة.<BR>- أن المعارضة السياسية في "إسرائيل" هزيلة، ولا تستطيع عمل أي شيء ضد الحكومة، بل إنها عبر حزب العمل تحاول الانضمام إلى الائتلاف الحكومي.<BR>ويجب الإشارة أيضاً إلى توقيت تصعيد الاستيطان في الضفة إذ جاء بعد:<BR>- إعلان شارون خطته الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة.<BR>- مفاوضات حزب العمل مع حزب الليكود لانضمام الأول إلى الأخير في ائتلاف حكومي جديد.<BR>- احتدام معركة الرئاسة الانتخابية في أميركا، إذ إن كلاً من المرشحين، جورج بوش وجون كيري، يطلبان الدعم الصهيوني لهما، ومستعدان تقديم كل ما تطلبه "إسرائيل" من أي منهما في هذه المرحلة الحرجة من الانتخابات.<BR>- انهماك العالم في ما يحدث في العراق من صدامات ومواجهات عسكرية وسياسية.<BR>- انهماك العالم العربي في خلافاته الذاتية، وغياب موقف عربي موحد.<BR><BR>وتقول بعض المصادر الصهيونية: إن تصعيد وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية هو بمثابة ضربة إلى حزب "المفدال" الذي انسحب من الائتلاف الحكومي، والتأكيد لمؤيديه أن قادة الحزب "استعجلوا" و"تسرعوا" كثيراً بانسحابهم من الائتلاف الحكومي، إذ إن شارون وأركان حكومته لم يتخلوا عن الاستيطان، بل أرادوا تعديل "مواقعه" لضرورات أمنية.<BR>وقد يدعي بعضهم بالقول: إن حزب شينوي المشارك في الائتلاف الحكومي يعارض الاستيطان وإقامة مزيد من المستوطنات إذ إن وزير العدل تومي لبيد يحاول عبر (وزير الداخلية) إبراهام بوراز في تعطيل أو تأخير توفير أموال للمجالس المحلية لهذه المستوطنات، ولكن الحقيقة تقول: إن حزب شينوي ليس ضد مبدأ الاستيطان، بل هو يؤيده، ولكنه يطالب بأن يكون الاستيطان منظماً ومرتباً، وفي تجمعات سكنية محترمة، وكذلك يطالب بألا يكون للمستوطنين ميزات خاصة تفرقهم عن اليهود الآخرين، وكذلك يرفض تجاوزهم للقوانين والتصرف كما يشاؤون. حزب شينوي ضد المستوطنات "غير الشرعية" مثل الموقف الأميركي، ولكنه لن يقبل بالتنازل عن جميع المستوطنات، ومن هنا يمكن القول: إن الاستيطان ورقة سياسية تستخدمها حكومة شارون متى شاءت، وتلوح بها كلما رأت ذلك مناسباً لها أو يحقق أهدافاً ومكاسب جديدة لها.<BR><br>