السباق النووي بين الهند وباكستان ومخاوف الحرب الرابعة
16 شوال 1425

المناوشات العسكرية التي تدور بين الحين والآخر بين كل من الهند وباكستان، والتي قد تتحول في أي وقت إلى حرب رابعة بين الدولتين بسبب النزاع المزمن حول قضية كشمير المسلمة التي مر عليها حتى الآن أكثر من نصف قرن، جعلت أنظار العالم تتجه إلى شبه القارة الهندية نظراً لخطورة الموقف، وامتلاك كل من الدولتين للأسلحة النووية، وتخوف العالم من اندلاع حرب نووية في المنطقة تأكل الأخضر واليابس، وتهدد شعوب المنطقة بالفناء والدمار.<BR><BR>فقد خاضت كل من الهند وباكستان ثلاث حروب منذ عام 1947م، اثنتان منها بسبب النزاع حول ولاية كشمير المسلمة، الأولى عام 1947م والثانية عام 1965م، وفقدت باكستان في حرب 1965م الكثير من قواتها أمام القوات الهندية، كما انتهت الحرب بتقسيم كشمير بين البلدين إلى كشمير الحرة الباكستانية، وكشمير المحتلة الواقعة تحت الحكم الهندي، وجاءت الحرب الثالثة عام 1971م وانتهت بانفصال باكستان الشرقية عن دولة باكستان، والتي سميت دولة "بنجلاديش".<BR><BR><font color="#0000FF"> التسابق النووي: </font><BR>أما الحرب الرابعة المتوقعة والتي يتخوف العالم من اندلاعها، فهي – إن وقعت – سوف تختلف شكلاً ومضموناً عما سبقها من حروب نتيجة التطور الشديد في الأسلحة، والتسابق النووي الذي خاضته الدولتان في السنوات الأخيرة.<BR><BR>ففي مايو 1974م بدأت الهند معركتها التكنولوجية بإجراء اختبار نووي في صحراء راجستان، لتعلن بذلك أنها اكتسبت المكانة النووية العسكرية تحت شعار سلمي، ومر عشرون عاماً من الهدوء العسكري في شبه القارة الهندية في ظل القدرة النووية للهند، قامت فيها باكستان بجهاد علمي تكنولوجي شاق لاكتساب المكانة النووية العسكرية، وبدأت تظهر نتائج السباق النووي بين الدولتين عام 1994م، حين أعلن نواز شريف (رئيس وزراء باكستان السابق) في لقاء جماهيري في الشطر الباكستاني من كشمير أن باكستان لديها القنبلة النووية، وأسرعت باكستان تنفي الخبر، حيث كان نواز شريف وقتها (رئيس وزراء سابق).<BR>ولكن في مايو 1998م أعلنت باكستان أنها أصبحت دولة نووية، وردت على التفجيرات النووية الهندية اختباراً باختبار، وتفجيراً بتفجير، وكانت هذه أول مرة في تاريخ النزاع تستطيع باكستان أن ترد على الهند رداً متكافئاً، وأصبحت المواجهة بين الدولتين مواجهة نووية وتكنولوجية. <BR><BR>وقد توقع الكثيرون، وخاصة في الهند وباكستان أن عهداً من الاستقرار النووي سوف يسود شبه القارة الهندية في ظل التوازن النووي بين الهند وباكستان، اقتداء بما حدث بين أمريكا والاتحاد السوفيتي من استقرار نووي طوال مدة الحرب الباردة، خاصة وأن هامش الخطأ في شبه القارة الهندية ضئيل جداً لقرب المسافات بين البلدين والعاصمتين، وامتلاك كل منهما لوسائل الاتصال اللازمة من طائرات وصواريخ يمكن أن تصل إلى أهدافها في وقت قليل جداً.<BR><BR>هذا بالإضافة إلى قلق المجتمع الدولي بأكمله من التسلح النووي للبلدين وتزايد احتمالات المواجهة النووية بينهما مما خلق رأياً عاماً ضاغطاً يطالب بضبط النفس في شبه القارة عبر عنه قرار مجلس الأمن رقم 1172 الذي دعا الدولتين إلى مزيد من ضبط النفس وتحاشي التهديدات العسكرية واستئناف الحوار بينهما لإزالة التوتر، وإيجاد حلول مقبولة ومتبادلة لجذور القضايا التي تسبب التوتر بما فيها قضية كشمير.<BR><BR>وبالفعل دخلت الدولتان في حوار مباشر خلال السنوات الأخيرة حول قضايا النزاع بينهما، وأهمها قضية كشمير، ولكن التعنت الهندي تجاه هذه القضية وإصرارها على احتلال الولاية المسلمة والزعم بأنها جزء من الهند حال دون الوصول إلى حلول مقبولة.<BR><BR>وفي أواخر مايو 1999م تطور الموقف بين الدولتين في كشمير المحتلة، ووقعت أعمال عسكرية خطيرة، واشتباكات بالمدفعية الأرضية وسلاح الطيران على حد الهدنة الفاصل بينهما، وبدأت الضحايا يتساقطون بالعشرات من الجانبين، وسالت الدماء، واضطر أكثر من خمسين ألف كشميري إلى النزوح من مناطق القتال إلى مناطق بعيدة فراراً من الغارات الجوية الهندية التي لا تفرق بين العسكريين والمدنيين.<BR>وبعد فشل القمة الباكستانية الهندية في يوليو 2001م تبادل البلدان النوويان الرمايات مراراً على طول خط المواجهة.<BR><BR><font color="#0000FF"> حادث البرلمان الهندي: </font><BR>ثم تجددت التوترات بين البلدين في أعقاب الهجوم الذي تعرض له البرلمان الهندي في22ديسمبر2001م، والذي أسفر عن مقتل 14 شخصاً منهم المهاجمون الخمسة، وقد اتهمت الهند جماعات باكستانية إسلامية بأنها وراء الهجوم، واعتبرت الحكومة الهندية أن الهجوم على البرلمان الهندي قد تم تنفيذه على أيدي منظمة «جيش محمد» الكشميرية التي تدعمها أجهزة الاستخبارات الباكستانية، وأن الحادث جاء في سياق مؤامرة كبرى تهدف إلى القضاء على الزعماء السياسيين الهنود من خلال مهاجمة البرلمان الهندي؛ سعياً إلى ضرب مجمل النظام السياسي الهندي لزعزعة استقرار البلاد، وتبنت الحكومة الهندية على الفور موقفاً يتسم بالحدة والانفعال، حيث هدد المسئولون الهنود بأن كل من يجرؤ على أن يتحدى أمن الهند القومي سوف يواجه العواقب.<BR><BR>وأعقب ذلك قيام الهند باستدعاء سفيرها في إسلام آباد، وإعلانها أنها ستوقف خطوط النقل عبر سكك الحديد ووسائل النقل البري مع باكستان، وذلك بعد رفض "إسلام آباد" الاستجابة إلى مطالبها بقمع جماعتي "العسكر الطيبة"، و"جيش محمد" الإسلاميتين، والمشتبه في تنفيذهما الهجوم على البرلمان الهندي.<BR><BR>وأكدت الحكومة الهندية أنها ستتخذ عدة إجراءات أخرى ضد باكستان من بينها إلغاء الاتفاقية الثنائية الخاصة بالمياه، ووقف اتفاقيات التجارة بينهما، فضلاً عن حث مجلس الأمن باتخاذ إجراءات صارمة ضد إسلام آباد وفقا لحملة مكافحة الإرهاب.<BR>أما المسؤولون الباكستانيون، فقد اعتبروا كل المزاعم الهندية ملفقة، ودعو إلى إجراء تحقيق مشترك ؛ لأنه ليست هناك في الواقع أي مصلحة حقيقية لباكستان في زعزعة استقرار الهند، وأقصى ما تسعى باكستان إليه من الهند هو تسوية قضية كشمير من خلال منح سكان الإقليم حق تقرير المصير.<BR><BR>وأكد الرئيس برويز مشرف وقتها أن بلاده سترد بقوة على أي عمل متهور تقدم عليه الهند، وأن أي مغامرة ضد باكستان ستُقابل بالقوة، ولكنه تعهد في المقابل بتوقيف أي جماعة تتخذ من باكستان مقراً لها ويثبت تورطها في الهجوم على البرلمان الهندي، وبدأت الحكومة الباكستانية بالفعل في اتخاذ إجراءات متشددة تجاه منظمتي "جيش محمد" و"العسكر الطيبة" اللتين تتهمهما الهند بارتكاب الهجوم على البرلمان الهندي، كما أكد مسؤولون حكوميون وعسكريون أن باكستان سوف ترد بشكل قوي جداً إذا تعرضت للهجوم.<BR><BR><font color="#0000FF"> فخ هندي: </font><BR>ولكن صحيفة "نيوز إنترناشونال" الباكستانية ذكرت وقتها أيضاً أن الهند ترغب في نشر قواتها ومعداتها العسكرية قرب الحدود الدولية مع باكستان ؛ للإيهام بأنها تستعد لشنّ هجوم واسع النطاق عليها ؛ وذلك بهدف استدراج إسلام آباد لإخراج أسلحتها النووية، ومن ثم القضاء عليها.<BR>وقال المحلل الباكستاني "نصرات جافييد" في تقرير له بالصحيفة الباكستانية : "إنه حصل على معلومات من مصادر هندية -رفضت ذكر اسمها- تفيد بأن نيودلهي ترغب في قيام إسلام آباد بالكشف عن أسلحتها النووية "، مشيراً إلى أن ذلك سيتطلب من المجتمع الدولي السعي إلى القضاء على تلك الأسلحة تحت مسمى "الحد من انتشار الأسلحة النووية في جنوب آسيا". <BR><BR>وأشار المحلل إلى أن مسؤولاً أمريكياً بوزارة الدفاع (البنتاجون) كان قد صرح لمجلة "نيويوركر" الأمريكية بأن إحدى وحدات الجيش الأمريكي تقوم بتدريبات عسكرية استعدادا لشن هجوم محتمل على باكستان لسرقة ترسانة الأسلحة النووية التي تملكها. وألمح المسؤول الأمريكي إلى أن بعض الجنود من وحدة "262" الإٍسرائيلية والمعروفة بـ”SAYARET MATKEL” "قد شاركوا أيضاً في تلك التدريبات التي أجريت في الولايات المتحدة.<BR>وقال المحلل الباكستاني : إن إسلام آباد قامت بعد انفجارات 11 سبتمبر 2001م بنقل معداتها وأسلحتها النووية إلى أماكن "آمنة" لا تستطيع الأقمار الصناعية الأمريكية رصدها.<BR> <BR><font color="#0000FF"> التصعيد العسكري: </font><BR>يرى أحمد إبراهيم محمود (الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام) أن هناك عاملين رئيسيين يحكمان احتمالات التصعيد العسكري بين الطرفين، هما:<BR>1- القدرات النووية الباكستانية، التي تمثل عاملاً كابحاً لأي تصعيد عسكري خوفاً من اندلاع مواجهة نووية مدمرة، حيث أشار عمر عبد الله (وزير الدولة للشؤون الخارجية الهندي) صراحة في جلسة للبرلمان الهندي إلى أن ما يمنع الهند من ضرب الجماعات الانفصالية الكشميرية داخل الأراضي الباكستانية هو كون باكستان دولة نووية، وخلص إلى أن القوة والعنف لن يكونا قط الخيار الأول.<BR><BR>2- الموقف الدولي والإقليمي الذي ربما لا يوفر فرصة ملائمة للهند من أجل القيام بتصعيد عسكري ضد باكستان، فالولايات المتحدة دعت الجانبين إلى ضبط النفس، والحيلولة دون تصعيد الموقف. ومن ناحية أخرى، فإن باكستان سعت إلى تعزيز موقفها في الأزمة الحالية من خلال الاستقواء بحليفها التقليدي القوي الصين، التي تتسم علاقاتها مع الهند بالتأزم المزمن، وقد سارع الرئيس الباكستاني إلى زيارة الصين، في وقت تزامن مع ازدياد التوتر مع الهند، مع تأكيد الجانبين على عمق وقوة علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، كما ركزا على محاولة صياغة معادلة إستراتيجية جديدة في وسط آسيا بعد هزيمة طالبان في أفغانستان، جنباً إلى جنب مع دعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين.<BR><BR>وعلى الرغم من أن هذين العاملين ربما يمثلان قيداً على تصعيد عسكري واسع النطاق من جانب الهند، فإن ذلك لا ينفي احتمال لجوء الهند إلى المبادرة بشن هجوم عسكري ضد الشطر الباكستاني في كشمير، من أجل خلق أمر واقع جديد، على أمل حدوث تدخل دولي لاحقاً لمنع تصعيد النزاع، والحيلولة دون وصوله إلى مواجهة نووية بين الهند وباكستان، كما أن ذلك لا ينفي احتمال لجوء الهند إلى أشكال أقل حدة من التصعيد العسكري، وهو ما يعني أن جنوب آسيا ربما تشهد قريباً اندلاع أعتاب الحرب الرابعة بين الهند وباكستان.<BR><BR><font color="#0000FF"> توازن القوى: </font><BR>ويرى المراقبون أن أي تفجر للمواجهات في شكل حرب بين البلدين يمكن أن تكون له عواقب وخيمة ليس على المنطقة فحسب وإنما على نطاق عالمي، كما أن حسم الصراع لأي من الطرفين لن يكون سهلاً، فالهند التي يفوق عدد سكانها سكان باكستان ثماني مرات تتمتع بقدرات عسكرية واقتصادية أكبر من باكستان التي تعتمد على الردع النووي في ظل عدم التوازن في الصراع.<BR><BR>وتحظى نيودلهي بتأييد من الولايات المتحدة في موقفها المتشدد من باكستان رغم أن واشنطن لا ترغب في تصعيد المواجهة بين البلدين لأن من شأن ذلك أن يعرقل حملتها في مكافحة ما تسميه الإرهاب، كما أن أي انحياز أميركي كامل للهند يمكن أن يحرم واشنطن من تعاون باكستان في وقت لم تحقق فيه الحملة العسكرية بأفغانستان أهدافها المتمثلة في القبض على ابن لادن وتدمير القاعدة وطالبان.<BR><BR>ويقول محللون: إن الهند تحاول حرمان باكستان من جني ثمار تعاونها مع الولايات المتحدة في حربها على ما تسميه الإرهاب، وذلك بعد أن فقدت الهند الكثير بسبب التعاون الأميركي الباكستاني، لكن الولايات المتحدة عبرت في أكثر من مناسبة عن قوة علاقتها مع نيودلهي. <BR>ويخشى مراقبون من أن ينتقل الصراع بين الهند وباكستان في حال السيطرة عليه في الحدود إلى ساحة أخرى يمكن أن تكون أفغانستان التي تشكلت فيها حكومة تميل أكثر إلى التقارب مع الهند.<BR>وقد أبدت العديد من الدول خشيتها من انزلاق الهند وباكستان في حرب شاملة على اعتبار أن طبيعة المواجهة بينهما هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة التي تبادلا فيها التراشق المدفعي عبر الحدود .<BR><BR><font color="#0000FF"> قضية كشمير: </font><BR>والحل النهائي للنزاع بين الهند وباكستان، والذي استمر على مدى نصف قرن أو يزيد لن يتحقق إلا بحل قضية كشمير المسلمة طبقاً لقرار تقسيم شبه القارة الهندية والقرارات الدولية التي صدرت لصالح الشعب الكشميري المسلم وحقه المشروع في تقرير المصير. <BR><BR>فولاية كشمير المعروفة بـ"جنة الله في الأرض" لما فيها من حقول يافعة، وأزهار وورود جميلة، وبحيرات عذبة، وتلال خلابة بجداولها الرقراقة، قد فقدت زخرفها ورونقها وتحولت إلى قفار منعزلة، وقبور موحشة مهجورة بسبب ما تقوم به القوات الهندية من جرائم وحشية بربرية لا مثيل لها من تقتيل وتعذيب وتشريد للسكان، وهتك للأعراض وإفساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل، وحرق للمنازل والمتاجر والحقول، وذلك لا لذنب اقترفوه إلا لأن الشعب الكشميري المسلم يطالب بحقه المشروع، والذي ضمنته له القرارات الدولية، والتي تنص على تقرير المصير. <BR><BR>ولقد تبوأت القضية الكشميرية على مدى السنوات العشر الماضية من القرن المنصرم موقفاً بارزاً في الأحداث العالمية، وأثير خلال السنوات العشر الماضية الكثير من الجدل حول القضية وملابساتها، ومرد ذلك الجدل إلى التطورات والقفزات النوعية التي شهدتها الساحة الكشميرية مثل انطلاقة شرارة المقاومة، وبروز حركة المقاومة الشعبية التي اشتد أوارها في الولاية، وتشكيل أحزاب سياسية إلى جانب أحزاب عسكرية جهادية للحصول على حقه في تقرير مصيره.<BR><br>