الإفراج عن عزام أم شارون ..؟!
4 ذو القعدة 1425

ويبدو الوصف الأدق لفرحة عزام عزام (الجاسوس الإسرائيلي المطلق سراحه في مصر)، والأمر الأهم من قوله بعد وصوله للكيان الصهيوني، إنه كان ميتاً وأن شارون وحكومته أعاداه إلى الحياة –وسبحان المحيي والمميت المولى _عز وجل_ –هو أن ما جرى كان إفراجاً عن شارون وليس عن عزام بحد ذاته.<BR><BR>صحيح أنها فرحة كبيرة لعزام ولكل عملاء الموساد، وأنها صفقة للصهاينة هي الأفضل لهم بسبب عدم التكافؤ في ميزانها بين المفرج عنهم على طرفي الصفقة، إذ جرى الإفراج عن مصريين غير متهمين بأية تهمة حقيقية وغير محكوم عليهم بأحكام، من الجانب الصهيوني، في مقابل الإفراج عن واحد من أهم جواسيس الكيان الصهيوني، والذي كان بقى له 8 سنوات من مدة السجن اختصرها بالإفراج عنه، على الجانب المصري.ولكن الأهم هو أن الإفراج عن عزام جاء في توقيت كادت تنتهي فيه حياة شارون السياسية –وربما الشخصية أيضا بعدما طالته تهديدات المستوطنين بالقتل –ليتحول في الكيان الصهيوني، من نموذج البطل الذي لا يهزم، إلى نموذج للحماقة السياسية والعسكرية والفشل الاستراتيجي في فهم توازنات القوة في وضعها الفعلي والمستقبلي، وفى الوصول بالكيان الصهيوني إلى الاتجاه المعاكس، لكل ما بدا به رحلته إلى رئاسة الوزارة الصهيونية.<BR><BR>جاءت الصفقة في توقيت لقي فيه شارون أهم وأخطر هزيمة في الكنيست الصهيوني بعدما صوت وزراء حزب شينوى المتحالف معه في الحكومة ضد إقرار الميزانية الصهيونية، فاضطر شارون لإقالة وزراء الحزب من الحكومة، وبعدما صوت حزب العمل الصهيوني هو الآخر ضد إقرار الميزانية، وهو الذي يشكل حاليا شبكة أمان سياسي، بما جعل شارون في حالة تتضاءل فيها بشكل مضطرد أغلبيته في الكنيست، بينما يحاصره ويتلاعب به حزب العمل المعارض له.<BR><BR>وبهذه الصفقة عاد شارون إلى الحياة السياسية داخل الكيان الصهيوني، بعدما بات على مشارف خطوات قصيرة من السقوط النهائي على الأقل من قمة هرم السلطة في الكيان الصهيوني، جاءت لتنقذه، على الأقل من بوابة أنه رغم كل إخفاقاته في عين الناخب الصهيوني، فإنه بهذه الخطوة، حافظ على بقاء الدروز داخل جسد الجيش والمجتمع الصهيوني بلا تململ -ذلك كان مغزى تمثيلية عزام بلف نفسه بعلم الكيان الصهيوني والسير في شوارع موطنه - وبسببها فتح شارون الطريق مرة أخرى إلى مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات مع الحكومة المصرية بعد ما ظلت مدة مجمدة على الأقل ظاهرياً.ذلك أنه ورغم أن الدبلوماسية المصرية قد حرصت وبشدة على نفى أن يكون إطلاق عزام جاء في إطار صفقة إلا أن كل المؤشرات تقول: إن الأمر يتعدى فكرة صفقة مبادلة الطلاب الستة بعزام إلى فكرة الصفقة السياسة الواسعة والمتعددة الأبعاد.<BR><BR><font color="#0000FF">الصفقة الأبسط! </font><BR>ليس معلوماً بالدقة على صعيد المعلومات، سبب أن الموقف الرسمي المصري شدد على استبعاد تعبير الصفقة في مبادلة الجاسوس عزام عزام، بالشباب المصريين الستة.<BR><BR>لكن هذا الأمر منطقي ومفهوم، لأسباب كثيرة ومن عدة زوايا:<BR>أولها: أن الحكومة المصرية رفضت من قبل الإفراج عن عزام عدة مرات من قبل، وخلالها جرى التأكيد مراراً وتكراراً على أن الجاسوس الصهيوني محبوس بحكم قضائي وألا تدخل للقرار السياسي في القرار القضائي.<BR><BR>وثانيها: أنه ليس منطقياً أن يكون الإفراج قد تم في إطار صفقة بينما الميزان في هذه الصفقة ليس فيه أى توازن بل هي تميل -في حدود ما نشر- بشكل كامل إلى صالح الكيان الصهيوني،حيث الطلاب المصريين الستة، ليسوا سوى شباب ضلوا الطريق ليلاً، فدخلوا الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك لأن الطلاب لم يحاكموا بعد ولم تصدر ضدهم أحكام، وربما تحت ضغط الدولة المصرية وتحريك الجانب القانوني كان بالإمكان أن يصل الأمر في النهاية إلى إفراج عنهم.<BR><BR>وأيضاً لأن الناس المتابعين للأوضاع والصفقات المشابهة لا ينسون أن تعبير الصفقة قد استخدم في مبادلات سابقة جرى خلالها إطلاق عدد كبير من الأسرى العرب في مقابل رفات جنود صهاينة، فإذا استخدمت مصر التعبير -الصفقة - سيظهر أن مصر بكل قدرها قد أفرجت عن عميل وجاسوس كبير كعزام، مقابل ستة طلاب مصريين، ودون تنفيذ حتى ما راج من إشاعات عن قرب الإفراج عن البرغوثى ضمن هذه الصفقة.<BR><BR>وثالثها: أن القاهرة حرصت على ألا يكون للأمر أبعاد سياسية واسعة وأن يكون في حدود الإفراج الصحي –كما قيل - عن الجاسوس حتى لا تثار أسئلة حول لماذا لم تشمل الصفقة نحو 17 مصرياً أسرى لدى إسرائيل ، بعضهم منذ عام 1967م، وحتى الآن إضافة إلى أكثر من 40 مسجوناً جنائياً مصرياً لدى إسرائيل أيضاً.<BR><BR>اهتمت القاهرة بنفي تعبير "الصفقة" في حدودها المباشرة، إلا أن المؤشرات كلها توحي بأن ما جرى كان " صفقة سياسية " أبعد مدى من فكرة تبادل أشخاص، وأوسع من فكرة إطلاق جاسوس، وأبلغ من فكرة تبادل مواطنين.<BR><BR><font color="#0000FF">الصفقة السياسية! </font><BR>الصفقة السياسية هي الأهم، فإطلاق سراح عزام يفتح مرحلة جديدة من الأوضاع في المنطقة أو هو تم على خلفية فتح مرحلة جديدة من لعبة المفاوضات والمساومات، إذ إن المرحلة الراهنة، والتي بدأت بعد وفاة أو قتل الرئيس عرفات، هي مرحلة سيجرى خلالها تثبيت محمود عباس في سدة الحكم في فلسطين ويعقبها الدخول في عمليات تفاوض صهيوني فلسطيني، وسيجرى خلالها تفاوض سوري صهيوني –ربما تكاثر الشائعات حول لقاء أصحاب رؤوس أموال سوريين وصهاينة أحد مؤشراته – كما سيجرى أيضاً عقد مؤتمر دولي في لندن لإعادة تأسيس لعبة المفاوضات والتسوية وربما على هامش ذلك كله ستجرى أيضاً عودة السفير المصري إلى الكيان الصهيوني مرة أخرى، كما سيجرى انسحاب جيش الاحتلال الصهيوني من غزة وتعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد، ليسمح بوجود قوات مصرية أكثر مما هو منصوص عليه في اتفاقية كامب ديفيد، وإذا كان ذلك في ضوء المتوقع فإن ما بات مؤكداً هو ما أعلنه شارون من وجود اتفاق رسمي مصري وصهيوني على توقيع اتفاق للتجارة الحرة بين مصر والكيان الصهيوني، قيل: إنه سيمثل تطوراً هاماً في المنطقة كلها !<BR>وهنا يبدو السؤال المنطقي وهو: هل يستحق عزام والإفراج عنه كل هذا التطور فيما بعده؟<BR><BR><font color="#0000FF">أهمية عزام! </font><BR> واقع الحال بالطبع أن عزام كان مهماً في شخصه وفى قضيته -وأن كان الأمر لا يرتبط به كلياً - فعزام على الصعيد الشخصي كان له أهمية خاصة جداً، و حجم وتوحش التصريحات الصهيونية بشأنه أظهر هذا.<BR><BR>فقد كان ملحوظاً أن المسؤولين الصهاينة، قد أبرزوا اهتماماً غير مسبوق بشخص عزام، وهو أمر لم يحدث مثلاً في حالة الجاسوس "الإسرائيلي" وتاجر المخدرات يوسف الطحان الذي مات بالفعل داخل السجون المصرية.<BR><BR>لم يتوقف الأمر عند حدود طرح القضية في كل مباحثات ثنائية مصرية صهيونية، أو مع كل وجود ثلاثي بمشاركة أمريكية مع الطرفين، وإنما تخطاه إلى تصريحات "مجنونة" وصلت حد وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ، التي اعتبرها الكيان الصهيوني أهم إنجاز له من عملية التسوية –في كفة والإفراج عن عزام في كفة أخرى، وكان ذلك على لسان شارون نفسه الذي أعلن أن لا دور لمصر في التسوية دون الإفراج عن عزام، وكذلك وصل الأمر إلى التهديد بالخروج عن كل التقاليد والأعراف الدبلوماسية، وسجن الدبلوماسيين المصريين في تل أبيب، ووصل الأمر حد الجنون إذ هدد دانى نافيه بقصف السد العالي في مصر –وهو بالمناسبة لا يقصف بشكل مؤثر إلا بالأسلحة النووية –إذا لم تفرج مصر عن عزام.<BR><BR>ويعود الاهتمام الرسمي الصهيوني الشديد والمبالغ بقضية عزام لأسباب متعددة، أولها: أن عزام هو واحد من أهم كوادر الموساد، وأن اصطياده من قبل المخابرات المصرية كان ضربة هامة لعمل الموساد في مصر، خاصة وأن مجال تجسسه هو مجال اقتصادي، وليس من نمط التجسس المعتاد، وأن تجسسه جاء خلال العمل في أحد المشروعات التي أنشئت على خلفية اتفاقات السلام بين البلدين، وثانيها: أن عزام هو من الطائفة الدرزية التي تحرص” إسرائيل “على استمرار اندماجها في إسرائيل “ وهى الطائفة العربية التي يتم دخولها الجيش الصهيوني في سلاح حرس الحدود خاصة باعتبارهم ناطقين بالعربية، والتي تنتقى المخابرات” الإسرائيلية “من أفرادها عناصر مهمة، بمعنى أنهم على درجة من الأهمية لجهاز الدولة الإسرائيلي، وكذلك للمجتمع الإسرائيلي .<BR><BR><font color="#0000FF">الإفراج عن شارون! </font><BR>جاءت صفقة تبادل عزام عقب نجاح الصهاينة في قتل الرئيس عرفات، لتكون خطوة أخرى في تفتح الطريق أمام فك العزلة التي فرضت على شارون في الوضع العربي، ولتعطيه قبلة حياة ما قبل الموت في الحياة السياسية في الكيان الصهيوني. <BR><BR>لكن المتابع والمدقق فيما يجرى يكتشف أن الإفراج عن شارون جاء بعد أن لم يعد هو شارون أو أن شارون المفرج عنه بات شارون آخر.<BR><BR>فشارون المفرج عنه بات فعلياً ومع كل يوم جديد يسقط في اللعبة السياسية الداخلية، والأهم أن شارون الحالي هو شارون المهزوم أمام الانتفاضة والذي لم يعد لديه ما يقوله أو يفعله في الصراع إلا التراجع وأصبح يستجدى الدعم من الخارج.<BR><br>