ماذا قال مؤتمر الدوحة للأسرة؟!
6 ذو القعدة 1425

انعقد في الدوحة منذ أيام مؤتمر دولي للأسرة، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للسنة الدولية للأسرة، وقد جرى الإعداد له من خلال عدة مؤتمرات تحضيرية سابقة عقدت خلال العام الحالي في كل من المكسيك والسويد وماليزيا، من أجل التصدي لتيارات فكرية ظهرت بقوة خلال السنوات الماضية، وتطالب بإعادة تعريف مفهوم الأسرة بشكل يدمر تماماً مفهوم وشكل الأسرة الطبيعية المكونة من أب ذكر وأم أنثى وأبناء.<BR><BR>وقد افتتح المؤتمر تحت رعاية زوجة الأمير القطري الشيخة موزة بنت ناصر المسند، وشارك به العشرات من الشخصيات العالمية البارزة والأكاديمية والدينية المهتمة والمعنية بشؤون الأسرة والمحافظة عليها.<BR><BR>ومن أبرز المشاركين بالمؤتمر (العالم الإسلامي) الدكتور يوسف القرضاوي ، و(الداعية الإسلامي) الأستاذ عمرو خالد ، و(رئيس وزراء ماليزيا السابق) محاضر محمد، و(الأمين العام للأمم المتحدة) كوفي أنان، و(الأمين العام لجامعة الدول العربية) عمرو موسى، و(مدير المركز العالمي للأسرة) الدكتور ريتشارد ولكنز، و(المدير العام لليونسكو) كوشيرو ماتسورا، والبابا بوب جون الثاني من الفاتيكان، و(الرئيسة الأسبق للجمهورية الأيرلندية) ماري روبنسون، و(مدير الجامعة الأمريكية في بيروت) جون واتيربيري.<BR><BR>وقد تمت مناقشة أربعة محاور في المؤتمر، هي: "الأسرة في الألفية الثالثة تحديات ورهانات"، وفي هذا المحور تم مناقشة موضوع الأسرة والتنمية، والأسرة والعولمة، ونحو سياسة دولية لحماية الأسرة، ويشكل المحور الثاني وهو "القواعد الدينية والحقوقية لأسرة الألفية الثالثة" أهم محاور المؤتمر والذي يتضمن العديد من المواضيع منها الزواج المستقر والتآلف الأسري، والآثار الإيجابية للزواج وتكاملية الأمومة والأبوة، إضافة إلى موضوع الأسرة الممتدة وكيفية نقل القيم، كما تناول المؤتمر بالنقاش محور "الأسرة والتعليم"، وكذلك محور "الأسرة وثقافية الحوار".<BR><BR>وجاء هذا المؤتمر في وقت تتزايد فيه الدعوات المطالبة بإلغاء مفهوم الأسرة المتعارف عليه في كل الديانات، ومحاولة فرض واقع جديد قائم على التحلل من كل القيم والأخلاق والشرائع، مفهوم يقوم على علاقات غير شرعية بين الرجال والنساء وعلاقات مثلية شاذة، ولا يقيم وزناً للمحرمات كالزنا واللواط والإجهاض، ويعدها حرية شخصية، و من هنا كانت أهمية هذا المؤتمر .<BR><BR>وقد أكد المجتمعون على أن الحكومات قد تلعب دوراً أساسياً في حماية الأسرة أو المساهمة بتدميرها، وذلك من خلال التشريعات التي تفرضها، وتساهم في أحيان كثيرة بتحطيم بنية الأسرة الطبيعية من خلال إغراء المرأة بترك بيت الزوجية والذهاب إلى سوق العمل، أو سن التشريعات التي تبيح العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة خارج مؤسسة الزواج.<BR>وحث المشاركون الحكومات على سن التشريعات وتشجيع المرأة على القيام بدورها الطبيعي كأم وزوجة، من خلال تخصيص بدل مالي شهري للمرأة التي تقوم برعاية شؤون أسرتها، على اعتبار أنها تسهم من خلال وظيفتها هذه بما لا يقل عن 25% من الدخل القومي في بلدها.<BR><BR>واتهم مشاركون في المؤتمر الحكومات بتدمير الأسر الطبيعية والممتدة من خلال إنشاء دور رعاية المسنين، التي قامت بأدوار كانت ضمن الأدوار الطبيعية للأسرة.<BR><BR>وقد اتفق علماء الدين المسلمون والمسيحيون واليهود في المؤتمر على ضرورة مواجهة ما أسموه الهجمة الشرسة التي تهدد بدمار الأسرة وتفكيكها وصولاً إلى تدمير المجتمعات والبشرية جمعاء.<BR>وأكدت هذه القيادات الدينية أن الأسرة وفقاً لكافة الشرائع السماوية هي التي تنتج عن رباط شرعي بين رجل وامرأة وينجبون أولاداً شرعيين.<BR><BR>ومع أن علماء الدين لم يصدروا ورقة عمل خاصة بهم بشأن الحفاظ على الأسرة، فإن العديد من المراقبين اعتبروا مشاركة هؤلاء في المؤتمر وفي إعلانه الختامي موقفاً موحداً لأتباع الديانات السماوية من تعريف الأسرة، وهو الأمر الذي يكسب المؤتمر أهمية كبيرة بنظر المجتمع الدولي.<BR>وبهذا الخصوص أكد (الداعية الإسلامي) الدكتور يوسف القرضاوي أن الأديان حرصت جميعها على قيام الأسرة بالزواج، الذي هو ارتباط شرعي معلن بين رجل وامرأة تترتب عليه حقوق وواجبات، وتتحقق به السكينة والرحمة والمودة باعتبارها من أركان الزوجية الأساسية.<BR> <BR>وقال : إن الأسرة هي الخلية الأولى والضرورية لقيام المجتمع، وهي المحضن الدافئ الذي تتكون فيه عواطف الحب والحنان والرحمة والتعاطف والإيثار، وأن القرآن الكريم والسنة الشريفة جعلا من الزواج أساساً لعمارة الأرض وبقاء النوع البشري عن طريق التناسل، وأوضح فضيلته أن لكل من الأمومة والأبوة حقوقاً وعليهما واجبات، كما أن على الأبناء حقوقاً لوالديهم.<BR><BR>وبيّن أن من واجبات الوالدين الرعاية الكاملة للأبناء مادياً وروحياً وأخلاقياً بجانب حق الإرضاع في الصغر والنفقة والتربية السليمة بدون شدة مفرطة أو تدليل مفسد.<BR> وشدد على ضرورة حسن رعاية الأبناء حتى يأخذوا حقهم كاملاً من الرعاية، وأكد على أهمية الإيمان في الحياة البشرية، ودعا فضيلته إلى العض على الإيمان بالنواجذ.<BR>وقال : إن على ممثلي الأديان أن يعملوا على تثبيت الإيمان وحراسته من الآفات التي تهدده في عصرنا الحاضر، مثل: الفلسفات المادية التي تريد أن تفصل الأرض عن السماء والمخلوق عن الخالق، وتعد أن الإنسان خلق الله وليس أن الله هو خالق الإنسان .<BR>وذكر فضيلته إن دعاة الإباحية يريدون أن يكون الشذوذ أمراً طبيعياً وعادياً مشيراً إلى أن الشذوذ هو الخروج على القاعدة. <BR><BR>وذكر أن هناك خصوصيات في كل دين يجب أن تحترم وتراعى، وأضاف نحن في الإسلام نؤمن بقوامة الرجل، ولدينا نظام للمواريث مأخوذ من القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولدينا تعدد الزوجات بشروط لابد أن نشدد على مراعاتها، ولدينا في شريعتنا الطلاق. <BR><BR>وذكر الداعية الإسلامي الأستاذ عمرو خالد في مشاركته التي كانت تحت عنوان الزواج المستقر والتآلف الأسرى نحو تحسين الأسس الاجتماعية والأخلاقية للأسرة أن الحل لمشاكل الأسرة ليس بالقضاء عليها، وهدم أركانها، ولكن بإصلاح الأخطاء التي تحدث فيها بعد وقبل تكوينها. <BR>وأكد على أن الارتقاء بالأسرة لا يتم إلا من خلال إصلاح حال المرأة في المجتمع فهي نصف المجتمع وتربي النصف الآخر، فهي المجتمع بأسره.<BR><BR>وذكر أن المرأة تتعرض في المجتمعات العربية للظلم أحياناً باسم الدين، والدين بريء من ذلك، ومن أمثلة هذا الظلم: إجبارها على الزواج بمن لا تريد، والزواج في الإسلام يقوم على المودة والرحمة، فكيف تستقيم الأسرة وأحد أركانها لا يحب الآخر، كذلك عدم توريثها أو عدم إعطائها حقوقها المالية بصفة عامة، وإهمال تعليمها، حيث إن أكثر الأميين في العالم العربي من النساء، فكيف تربي المرأة الأجيال القادمة وهي لم تحصل على القدر الكافي من العلوم، وكذلك ممارسة العنف ضدها بدون وجه حق مما يصيبها بالأمراض النفسية التي تجعلها غير قادرة على أداء دورها على الوجه الأكمل .<BR><BR>هذا وقد حذر رئيس منظمة "نحو التقاليد" في الولايات المتحدة الحاخام اليهودي دانيال لابن من أن الخطر الأخلاقي الذي تواجهه البشرية من خلال ظهور تيارات فكرية تدعو إلى إعادة تعريف الأسرة، أكبر بكثير من الخطر السياسي أو الخطر التكنولوجي الذي عرفه العالم.<BR><BR>وقد أجمع المشاركون في المؤتمر على أن الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، واتفق هؤلاء على أن مفهوم الأسرة يعني الجمع بين رجل وامرأة عن طريق رباط الزواج الذي يمكّنهم من إنجاب الأطفال.<BR><BR>ورفض المشاركون المحاولات التي شهدها العالم مؤخراً والمتعلقة بتقديم مفاهيم جديدة للأسرة، من شأنها إضفاء شرعية على العلاقات الشاذة، وإنجاب أطفال عن طريق علاقات بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج، واتفقوا على أن حماية وضمان استمرار الأسرة الطبيعية يتأتى من خلال التعليم والتمسك بالقيم الدينية، والتربية السليمة القائمة على أساس الحوار والمناقشة.<BR><BR>وقدم الكثير من الأكاديميين وخبراء الاقتصاد الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم العديد من الدراسات التي أثبتت أن الأطفال الذين يعيشون ضمن أسر غير طبيعية يكونون أكثر عرضة للأمراض النفسية، مثل: الاكتئاب، كما أن ميولهم الإجرامية والانحرافية تكون أكثر بكثير من الأطفال الذين يعيشون ضمن أسر طبيعية تتكون من أب وأم وإخوة.<BR><BR>وأكد خبراء الاقتصاد الذين شاركوا في المؤتمر أن الفرد الذي يكون ضمن عائلة مستقرة وطبيعية يكون أكثر قدرة على تحقيق الأرباح من شخص آخر نشأ دون أسرة أو ضمن أسرة مفككة، مشددين على أن شيوع ظاهرة الشذوذ سيلحق بالمجتمعات خسائر اقتصادية فادحة، كما يهدد بتفشي أمراض خطيرة بالمجتمع.<BR>واختتم المؤتمر أعماله بإصدار "إعلان الدوحة" الذي أكد أن المؤتمر يأتي اعترافاً بالضرورة الملحة لمواجهة التحديات التي تتعرض لها الأسرة في إطار العولمة، وإدراكاً لما يمثله تعزيز الأسرة من فرصة فريدة لمعالجة المشاكل المجتمعية.<BR><BR>وقد أعاد إعلان الدوحة التأكيد على الالتزامات الدولية المهمة للأسرة، وأهاب بالحكومات والمنظمات الدولية وأعضاء المجتمع المدني على جميع المستويات أن يتخذوا إجراءات وسياسات فعالة للأسرة.<BR>وتعهد مؤتمر الأسرة بالاعتراف ودعم دور الأسرة التربوي والتعليمي، مؤكداً ضرورة الحفاظ على كرامة الإنسان وأهمية إعطاء الأمومة العناية اللازمة لها.<BR><BR>وجدد الإعلان التأكيد على أن الأسرة هي الخلية الجماعية الطبيعية الأساسية للمجتمع ولها حق التمتع بحماية ومساعدة المجتمع على أوسع نطاق ممكن، وحث على ألا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين فيه رضاً كاملاً دون أي إكراه.<BR>وحسب الإعلان فإن الأسرة تتحمل مسؤولية تنشئة الطفل وحمايته منذ طفولته الأولى من أجل تحقيق نمو كامل لشخصيته.<BR><BR>ودعا الإعلان في خطة عمله الرامية إلى تحقيق أهدافه المتمثلة بحماية الأسرة، جميع الحكومات والمنظمات الدولية وأعضاء المجتمع المدني لوضع البرامج والسياسات التي ترمي إلى حفز وتشجيع النقاش بين الأمم والأديان والثقافات والحضارات بشأن المسائل المتعلقة بالحياة الأسرية بما في ذلك مؤسسة الزواج.<BR>كما دعا إعلان الدوحة إلى دعم مؤسسة الزواج ورعايتها وانتهاج سياسات تعزز استقرارها، وحث الإعلان الحكومات على مراجعة كافة البرامج الحكومية المؤثرة على استقرار الأسرة، ومطالبتها بوضع سياسات وبرامج تحمي الأسر من الفقر وتمكنها من التغلب عليه، وكذلك مراجعة السياسات السكانية والحكومية خاصة في الدول التي تقل فيها معدلات الخصوبة عن معدلات الوفاة.<BR><BR>وفيما يتعلق بمؤسسة الزواج دعا الإعلان إلى دعمها ورعايتها وصونها وسن وتنفيذ سياسات تعزز استقرارها، وحث المؤتمر المؤسسات والمنظمات الدولية على تعزيز الجهود المبذولة لإشراك الوالدين وأولياء الأمور في تعليم أبنائهم، وكذلك الاعتراف بحق الوالدين "أو أولياء الأمور القانونيين" في اختيار نوع التعليم الذي يرغبونه لأطفالهم.<BR>هذا وقد ذكر الدكتور ريتشارد ويلكنز (مدير المركز العالمي لسياسة الأسرة بالولايات المتحدة) بعد نهاية المؤتمر أن إعلان الدوحة بتأكيده علي أهمية الزواج والوالدين والأطفال وأهمية القيم الاجتماعية والثقافية تضمن قواسم مشتركة بين كل العقائد، وما جاء في هذا الإعلان يمثل اللبنة الأساسية في التفاهم بين الأديان علي هذا الصعيد.<BR><BR>ومن شأن هذه النتائج التي أسفر عنها المؤتمر أن تثير ضجة كبيرة، خاصة أنها تناهض بقوة الأفكار التي جرى طرحها في مؤتمر القاهرة عام 1994م ومؤتمر بكين 1 وبكين2.<BR>ومن المقرر أن تسلم وزارة الخارجية القطرية نص هذا الإعلان إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل مناقشته.<BR><br>