الانتخابات الرئاسية الفلسطينية.. تسريع خيار التسوية على حساب المقاومة
9 ذو القعدة 1425

يأتي قرار حماس بمقاطعة انتخابات الرئاسة الفلسطينية معبراً عن حقيقة الموقف الفلسطيني، الذي ما زال يفتقد الأجندة الوطنية الموحدة ، وكانت حماس أعلنت الاربعاء 1/12/2004م أنها ستقاطع الانتخابات الرئاسية الفلسطينية المقررة في التاسع من يناير المقبل لاختيار خليفة لـ(الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات.<BR><BR>وأرجع إسماعيل هنية (الزعيم القيادي البارز في حماس) هناك سببان أساسيان لعدم المشاركة في الانتخابات، وقد تم طرحهما على قيادة السلطة الأسبوع الماضي، والمتمثلة في ضرورة أن تكون هناك انتخابات عامة، سواء كانت رئاسية أو تشريعية أو محلية". وإنه يجب كذلك التوافق على المرجعية السياسية؛ لأنه لم يعد مقبولاً أن تكون مرجعية الشعب الفلسطيني اتفاقات اوسلوا بعد أن جلبت للشعب الفلسطيني الفشل والمعاناة، وأن اوسلو تمثل خطيئة كبرى في تاريخ القضية الفلسطينية، والوطن ليس حكرا على أحد، وبالتالي يجب على السلطة أن تستجيب إلى إرادة الشعب الفلسطيني الذي رفض أوسلو. <BR><BR><font color="#0000FF"> مفترق طرق: </font><BR>لم تكد تمر أيام قليلة على رحيل ياسر عرفات حتى بات واضحاً أن القضية الفلسطينية تقف عند مفترق طرق؛ إذ تباينت مواقف القوى الفلسطينية على اختلاف مشاربها السياسية تجاه سبل إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، وهي الإشكالية التي باتت مطروحة بقوة على الساحة الفلسطينية، وترتبط بها جملة من القضايا (الانتخابات، البرنامج السياسي المشترك، القيادة الموحدة، الأمن) صارت تشكل محور اجتماعات وتصريحات توالت بشكل مكثف من جانب كل القوى، قبل أن يمضي أسبوع واحد على وفاة عرفات؛ وهو ما ينبئ بأن مهمة صعبة تنتظر خليفة عرفات؛ محمود عباس أبو مازن. <BR><BR>فالكل يتحدث عن ضرورة صياغة مشهد سياسي فلسطيني متناغم، ويطالب بتوحيد القرار الفلسطيني، وإعادة الاستقرار إلى الوضع الداخلي من أجل الوقوف على أرض صلبة أمام التحديات التي ستواجه الفلسطينيين جميعاً في المرحلة المقبلة، خاصة في ضوء وجود حكومة إسرائيلية أقصى ما يمكن أن تقدمه للفلسطينيين قطاع غزة وثلث الضفة الغربية مع استبعاد القدس الشرقية تماماً، ودخول جورج بوش مدة رئاسة ثانية بإدارة تبدو أكثر انحيازاً تجاه إسرائيل من جهة أخرى، فيما تنأى الدول العربية بنفسها عن التدخل -على الأقل علناً- في الشأن الفلسطيني الداخلي. <BR><BR>ومن بين جملة القضايا المثارة الآن قضية الانتخابات التي تعد الأكثر سخونة بحكم أنها تكشف عن قدر كبير من التباينات بين مواقف الأطراف المعنية، ففي الوقت الذي أكدت فيه حركة فتح والسلطة بشكل حاسم إجراء انتخابات لرئاسة السلطة الفلسطينية ينتظر أن يترشح لها أبو مازن، ل وحددت موعداً لذلك (9 يناير 2005م) طالبت الفصائل الإسلامية، خاصة حركة "حماس" بانتخابات عامة تشمل أيضاً الانتخابات التشريعية والبلدية، على أن تشكل قيادة وطنية مشتركة تشكل مرجعية وطنية لحين إجراء هذه الانتخابات، وتضمن مشاركة جميع القوى في صناعة القرار، فيما تبنت الفصائل الوطنية (الجبهتان الديمقراطية والشعبية لتحرير فلسطين وغيرها من فصائل منظمة التحرير الصغيرة) شعار "الانتخابات التشريعية أولاً". <BR><BR><font color="#0000FF"> مواقف الفصائل الفلسطينية: </font><BR>في ضوء ذلك رأينا أن المشهد الفلسطيني بحاجة لقراءة تحليلية توضح مواقف كل طرف في المرحلة الحالية، وترصد الدوافع والمبررات التي جعلته يتبناها، وبالرغم من أن هذه المواقف قابلة للتغير بدرجات متفاوتة في الأسابيع بل والأيام المقبلة، فإن قراءتها الآن في هذه المرحلة المفصلية التي تمر بها القضية الفلسطينية يكتسب درجة كبيرة من الأهمية. <BR><BR>فالسلطة الفلسطينية على لسان (رئيسها المؤقت)روحي فتوح بادرت إلى إعلان أن الانتخابات الخاصة باختيار رئيس السلطة الفلسطينية ستجرى في التاسع من يناير 2005م، ولم يذكر فتوح شيئاً عن كل من الانتخابات التشريعية والبلدية التي كانت مقررة أصلاً قبل وفاة عرفات في ربيع 2005م، وهو ما يمكن تفسيره على أن السلطة وجناح فتح الذي يسيطر عليها يعطي الأولوية -على الأقل في المرحلة الانتقالية الراهنة- لانتخابات الرئاسة فقط؛ سعياً نحو استقرار الأوضاع القائمة التي تمكنه من الاستمرار في إدارة السلطة، ويفضل بالتالي حسم مسألة عقد أي انتخابات أخرى إلى منتصف 2005م. <BR><BR>أما التيار الإسلامي ممثلاً في حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" والجهاد الإسلامي، كان واضحاً في مطالبته بالاحتكام للجماهير، حيث دعا -عقب أول لقاء عقده الاثنين 15-11-2004م مع أبي مازن باعتباره رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية- إلى تنظيم "رزمة انتخابات شاملة" على المستويات التشريعية والرئاسية والبلدية، باعتبار أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق في تحديد المسار الذي يراه ملائماً لاستعادة حقوقه. <BR><BR>وقبل هذا اللقاء أوضح أيضاً محمد نزال (عضو المكتب السياسي لحماس) وجهة نظر الحركة من قضية الانتخابات، حين أكد في مداخلة له على فضائية "الجزيرة" القطرية على ضرورة أن تكون الانتخابات هي "العامل الأساسي والأداة الرئيسية" في حسم الخلاف السياسي بين الحركة و"من ينتهجون نهج أوسلو" من السلطة وفتح، وشدد نزال على أهمية اعتماد برنامج ونهج الفصيل الذي يحصل على أغلبية في تلك الانتخابات باعتباره يعبر عن رأي الشعب الفلسطيني. <BR><BR>أما إسماعيل هنية (القيادي بالحركة)، فقال عقب لقاء الحركة الثلاثاء 16-11-2005م وأبو مازن: "موقفنا المبدئي هو المشاركة في الانتخابات البرلمانية في ظل الاتفاق على مرجعية سياسية لا ترتهن بأوسلو؛ لأنها برأينا انتهت من الوجود الفلسطيني والأجندة السياسية الفلسطينية"، ومحمود الزهار (أحد أبرز مسؤولي حماس في غزة) رأى بدوره أن الانتخابات الرئاسية لو أجريت لوحدها فستكون "مجتزأة وغير شرعية". <BR><BR>حركة الجهاد من جانبها بدا موقفها مختلفاً بعض الشيء عن حماس إذ أعلنت على لسان محمد الهندي أن الحركة لن تشارك في الانتخابات التشريعية والرئاسية، وستشارك فقط في الانتخابات البلدية، "لكن إذا تم وضع كل الانتخابات رزمة واحدة وجدولتها فيمكن للجهاد أن تفكر في المشاركة بالانتخابات" التشريعية. <BR><BR>على جانب آخر تطالب الجبهتان الديمقراطية والشعبية لتحرير فلسطين بإجراء انتخابات تشريعية وبلدية أولاً، على أن يقوم المجلس المنتخب بانتخاب رئيس السلطة؛ في محاولة منهما لتغيير نظام الحكم إلى نظام برلماني ديمقراطي بدلاً من النظام الرئاسي البرلماني السائد الآن لأسباب سنوضحها لاحقاً. <BR><BR>وشددت الجبهة الديمقراطية في بيان لها الثلاثاء 16-11-2004م على أن "إعلان استقلال فلسطين" ( نوفمبر 1988م) قرر بإجماع المجلس الوطني لمنظمة التحرير (برلمان المنفى) بناء "نظام برلماني ديمقراطي في فلسطين"، وليس بناء نظام مختلط أثبتت التجربة "خطأه؛ فقد أدت إلى جمع كل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمالية والأمنية بيد الرئاسة؛ الأمر الذي حول قضية الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى عمل مستحيل". <BR><BR><font color="#0000FF"> مصالح ورؤى متناقضة: </font><BR>وهكذا بدا واضحاً في أيام قلائل أن كل طرف يحاول أن يمكن لرؤيته ونهجه الخاص، ولكن كيف يتسنى أن يحقق كل طرف هذا التمكين من خلال "الآلية الانتخابية" التي يدعو إليها؟ <BR><BR>إذا كانت حركة حماس تطالب أبا مازن بإجراء انتخابات تشريعية موازية للانتخابات الرئاسية؛ فلا شك أنها ترى أن ثقلها الواضح في الشارع الفلسطيني يمكن أن يسمح لها بالحصول على الأغلبية في المجلس التشريعي إذا ما أجريت الانتخابات وفق نظام الدوائر الفردية المعتمد حالياً، وهي الأغلبية التي تجعلها مؤهلة لاختيار رئيس الوزراء الجديد وتشكيل الحكومة، وبالتالي اقتسام السلطة مع فتح ممثلة في (رئيس السلطة) أبو مازن، طبقاً لما نصت عليه التعديلات التي أدخلت على القانون الأساسي للسلطة الصادرة بتاريخ 18-3-2003م، حيث ينص الباب الخامس منها على منح سلطات أساسية لرئيس الوزراء المختار من المجلس التشريعي، في مقدمتها السيطرة التامة على الأجهزة الأمنية وإدارة أموال السلطة. <BR><BR>وبفضل هذا الاقتسام للسلطة يمكن للحركة -ومعها بالطبع حركة الجهاد- أن تسعى لتغليب خيار المقاومة باعتباره السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق المغتصبة، وسيدعمها بالطبع في هذا الطرح المواقف الإسرائيلية المتصلبة والأمريكية المنحازة التي تقضي على أي بصيص أمل في تسوية سلمية مقبولة فلسطينياً. <BR><BR>أما حركة فتح فإدراكاً منها لشعبية حماس تسعى إلى تمرير الوضع الذي قررته (الأولوية للانتخابات الرئاسية) دون الاضطرار إلى الموافقة على طلبات حماس، ودون الدخول في مواجهة علنية معها، وذلك اعتماداً على تكتيك كسب الوقت الذي توفره آلية اللقاءات الجماعية والثنائية بين قادتها وممثلي الفصائل، وصولاً إلى موعد الانتخابات المقرر في التاسع من يناير 2005م. <BR><BR>ويرى الجناح المتنفذ في فتح أن استحواذ حماس على المجلس التشريعي سيحرم فتح من احتكار السلطة من جهة، كما أنه يشكل "خطراً كبيراً على مستقبل القضية الفلسطينية بشكل عام ومسار التسوية السلمية بشكل خاص" من جهة أخرى، وهو ما عبرت عنه تصريحات ياسر عبد ربه (عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية) للجزيرة في برنامج "أكثر من رأي" يوم 12-11-2004م، حين ألمح إلى أن السلطة لن تسمح لحماس بالفوز في هذه الانتخابات حال انعقادها؛ حيث ستحذر الشعب الفلسطيني من "الأخطار التي سوف يجلبها تصويته لحماس، أقلها عزلة دولية قد تتسبب في خنق كل أمل أمام الشعب الفلسطيني في الخلاص وتحقيق حلمه بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس". <BR><BR>من جهتهما تستند الجبهتان الديمقراطية والشعبية في دعوتهما إلى اعتماد النظام البرلماني الديمقرطى إلى وثيقة إعلان الاستقلال التي نصت على "أن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا (...) في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب". <BR><BR>ولسد الطريق على القوى الإسلامية تطالب الجبهتان بأن تعقد الانتخابات على أساس قانون جديد ينص على التمثيل النسبي المختلط، وذلك بانتخاب 50% من المرشحين عبر القائمة النسبية التي تتعامل مع مجمل الأراضي الفلسطينية كدائرة واحدة ، والـ50% الأخرى تقسم إلى 16 دائرة صغيرة تجرى فيها الانتخابات وفق النظام الفردي. <BR><BR>وترى هذه القوى أن هذا النظام هو وحده الذي يمكن أن يكفل لها تمثيلاً معقولاً في المجلس التشريعي إذا تحالفت عبر نظام القائمة النسبية مع فتح في قوائم مشتركة، كما أن مثل هذا التحالف يمكن أن يؤدي إلى التفوق على التيار الإسلامي، وبالتالي ضمان نصف مقاعد المجلس التشريعي (والقدرة على اختيار رئيس السلطة في مرحلة لاحقة من خلال المجلس)، على أن تستكمل عملية الحسم عبر الدوائر الفردية الستة عشر الباقية. <BR><BR>وبينما الخريطة السياسية الفلسطينية تتشكل من جديد شيئاً فشيئاً وتزداد في الوقت نفسه غموضاً وتشابكاً يسعى محمود عباس إلى كسب الوقت من خلال عقد اجتماعات مكثفة ومتتالية مع الفصائل. <BR><BR>ويبدو أن الرجل قد نجح في التوافق مع عدد من أجنحة حركة فتح طوال الأيام القليلة الماضية مما أتاح له قدراً كافياً من المناورة مع الفصائل الأخرى جعلته يبادر للاجتماع بها، وهو يدرك في الوقت نفسه أنه إذا قبل برؤية الإسلاميين فسيبحر معهم في قارب واحد صوب جهة ومسار لا يريده، وإذا قبل برؤية الفصائل الوطنية الداعية للتحالف الانتخابي مع فتح، يكون قد أنهى عملياً سيطرة فتح -وإلى الأبد- على القرار السياسي الفلسطيني، وبين هذين الخيارين يسعى للتوافق حول حد أدنى من القضايا مع باقي القوى وإقناعها بإعطاء الأولوية "للاستحقاق الدستوري" الأكثر إلحاحا؛ الانتخابات الرئاسية؛ فهل ينجح في ذلك؟ وهل تتدخل قوى دولية أو إقليمية لدعم أبي مازن في مهمته الشائكة باعتبار أنه الأقرب لرؤيتها بشأن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سلمياً ؟ <BR><BR>لعل في التصريح الذي أدلى به كولن باول (قبل ساعات قليلة من إعلان استقالته من منصب وزير الخارجية الأمريكي)، والذي أشاد فيه بـ"السلاسة" التي اتسمت بها عملية انتقال السلطة الفلسطينية بعد وفاة عرفات.. ما يؤشر على أن إدارة بوش تعتزم -وللمرة الثانية في أقل من عامين- أن تضع ثقلها وراء قيادة أبي مازن (المرة الأولى عام 2003م حين تولى رئاسة الحكومة الفلسطينية)، خاصة أن من وقف ضدها في المرة الأولى وأفسد لها مخططها قد غيبه الموت..<BR><BR><font color="#0000FF"> بطلان الانتخابات الفلسطينية: </font><BR>وفي الواقع فإن انتخابات السلطة الفلسطينية تمثل نموذجاً صارخاً للديمقراطية الأمريكية التفكيكية، فهي ليست انتخابات تحت الاحتلال فحسب، وليست حتى انتخابات صورية رسمية عربية، بل هي انتخابات لا يمكن أن يشارك فيها إلا رُبع الفلسطينيين ديموجرافيًا، وهم فلسطينيو الضفة وغزة، أما جغرافياً فلا تملك السلطة التي يفترض أن تُجرى لها انتخابات سيادة حقيقية حتى على الضفة وغزة، سواء في القدس أو غيرها!! فأي مهزلةٍ هذه؟! وهل هناك معنى للحديث عن ديمقراطية أو إصلاح بعدها؟ <BR><BR>مرة أخرى، ما تأسس على باطل فهو باطل، وكل انتخابات رئاسية أو تشريعية في ظل الاحتلال باطلة، من انتخابات السلطة الفلسطينية إلى انتخابات الكنيست الصهيوني، وكل من ينتخَب فيها ليس ممثلاً شرعيًا للأغلبية، ولا يحق له بالتالي، أن يدَّعي تمثيلها، بغضِّ النظر عن اسمه أو انتمائه السياسي؛ فالمرجعية القانونية للسلطة الفلسطينية هي اتفاقية أوسلو، واتفاقية أوسلو التزامٌ بالتعاون الأمني مع الاحتلال، واعترافٌ بحق العدو باحتلال 78 % من أرض فلسطين، وتعهدٌ بالتعاون على إدخال الكيان الصهيوني إلى نسيج المنطقة، فهل يهمنا بعدها اسم العميل الفلسطيني الذي سيحمل عبء تلك المهمات القذرة؟! <BR><BR>ولا يغرَّنكم تجاوز العدو لأوسلو وأخواتها، بل إن رئيس السلطة الذي يظن أن تجاوز العدو لها يعفيه هو من الالتزام بها وما هو أسوأ، سيُحاسب بموجب ما التزم به، ثم لم يلتزم؛ لأن القانون يفسره القوي لا الضعيف، ففي فلسطين كما في العراق، لا ديمقراطية بدون تحرير، ولا تحرير دون مقاومة.<BR><br>