تصفية التيار السُّنِّي في العراق قبل الانتخابات.. هدف أمريكي!
12 ذو القعدة 1425

كانت صدمة كبيرة عندما قال لي الدكتور مثني حارث الضاري (المتحدث باسم هيئة علماء المسلمين) - وهو يزور مصر الأسبوع الماضي للقاء أمين عام الجامعة العربية لعرض موقف سنة العراق من انتخابات يناير 2005م - أن انتهاك حرمة المساجد واعتقال أئمتها وخطبائها، والعبث بالمصاحف وشرب الخمور على منابرها "أصبح أمراً طبيعياً" (!؟) من قبل جنود الاحتلال الأمريكي في العراق. <BR><BR>فقد كنت أتوقع أن يخفف من مثل هذه الأنباء التي تتردد بشكل غير معلن عن استهداف الاحتلال (وأعوانه) قتل علماء السنة، وتدمير المساجد، وترهيب هيئة علماء المسلمين بهدف دفع الهيئة علي المشاركة في الانتخابات المخصص لصبغ الشرعية علي الاحتلال وأعوانه في الحكم، ولكنه زاد، فقال: إنهم أصبحوا يهددون الهيئة وعلماءها علناً، ويستهدفون المساجد بشكل طبيعي.<BR><BR>ويبدو من سياق أنباء نشرتها المقاومة العراقية ومواقع إسلامية أخرى، أن قوات الاحتلال استهدفت بالفعل عشرات المساجد في العراق والفلوجة بزعم اختباء المقاومة بها،ثم اتخذتها هي مأوى لها، ووضعت قناصتها على مآذن المساجد لقنص سكان المدينة لدرجة أن قادة المقاومة اضطروا لهدم مأذنة مسجد حمود المحمودي بالفلوجة لقتل القناصة الأمريكية فوقها.<BR><BR>حتى قيل: إن عدد هذه المساجد المنهارة بلغ 33 مسجداً، وقتل أبرياء داخلها أكد الدكتور حارث الضاري (الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق) أن هناك مخططًا مستمرًا لتصفية التيار السُّنِّي في العراق على أيدي قوات الاحتلال الأمريكي وفئات من الأحزاب الموالية لها والمتعاونة معها. <BR><BR>ولأن الفلوجة التي يوجد بها ما بين 150- 200 مسجد كانت أكثر مدينة تعرضت للقصف وهدم مساجدها، فقد نشرت تقديرات عراقية مختلفة عن تدمير أكثر من نصف مساجد الفلوجة غير ما تعرض للتدمير والتدنيس من قبل قوات الاحتلال.<BR><BR>وقد نشر علي لسان فاضل بدراني، وهو عراقي مراسل للبي. بي. سي البريطانية، وأحد المراسلين القلائل الذين كانوا بالفلوجة أثناء العدوان وشهد ما حل بالمدينة من دمار ومن مذابح إن "كل مساجد الفلوجة كانت بالنسبة للأمريكيين هدفاً مشروعاً للقصف، وإن كثيراً من المساجد تعرضت للقصف بالفعل".<BR><BR>ومضى يقول في أحد تقاريره: إنه نتيجة لهذا القصف، وصل الأمر إلى أنه لأول مرة، لم أسمع الأذان يرتفع من مساجد الفلوجة في أوقات الصلاة، وإن عادت مؤخراً للأذان مرة أخرى مع بوادر عودة سيطرة المجاهدين على المدينة.<BR><BR>أيضاً كتب مايكل جورجي مراسل صحيفة "اندبندنت" البريطانية من الفلوجة يقول: إن بعض المساجد دمرت وتحولت إلى ركام، كما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريراً تفصيلياً عن معركة خاضتها قوات الاحتلال من أجل احتلال مسجد في الفلوجة هو مسجد "المحمودية" جاء فيه أنه: بعد 16 ساعة من المعارك، استطاعت قوات المارينز كسب معركة الاستيلاء على المسجد، مشيراً إلى أن الدبابات الأمريكية أطلقت ثمانية موجات على الأقل من القذائف على جدران المسجد، ثم موجة من قذائف مدافع الهاوزر!!<BR><BR>والطريف أن هذا المسجد الذي حولته قوات الاحتلال هو وغيره لأماكن للقناصة وللراحة وشرب الخمور، حررت المقاومة هذا الأسبوع بعدما هدمت مأذنته بفتوى من علمائها بعدما تحول لنقطة قتل لأهالي الفلوجة.<BR><BR>وما قاله الدكتور مثني، أكد الشيخ حارث الضاري (والده والأمين العام لهيئة علماء المسلمين) عندما وصف ما يحدث حالياً في بغداد وكل العراق بما حدث أيام التتار عندما دخلوا بغداد، فقد كان كل شرُّهم منصبًا على العلماء والخطباء ورجال الفكر ودور العبادة، فقتلوا العلماء وطلبة العلم، وهدموا مراكز العلم ودور العبادة. <BR><BR>وأوضح الدكتور الضاري في مؤتمر صحفي عُقد الثلاثاء 30/11/2004م أن "استهداف قوات الاحتلال الأمريكي والقوات العراقية الموالية لها لعلماء السنة أمرٌ أصبح واضحًا؛ فيدُ الاغتيال طالت حتى الآن ما يزيد على 20 إماماً وخطيباً، وتم اعتقال أكثر من 80 خطيباً ومداهمة أغلب مساجد أهل السنة، وفي مقدمتها مسجد الأمام أبي حنيفة النعمان ببغداد". <BR><BR>وقد أوضح الدكتور الضاري "أن هذه الاغتيالات مدبَّرة وتقوم بها فئات وجهات معروفة دون أن يحددها وأنه تم إلقاء القبض على الذين تورطوا في اغتيال الشيخ فيضي الفيضي (عضو هيئة علماء المسلمين بالموصل) مؤخراً، ولقد اعترفوا على الجهة التي تقف وراءهم، وهناك مستندات تثبت ذلك، ومع أنه لم يفصح عنها فالحقائق تشير إلى أنهم من أعوان قوات الاحتلال من قوات البشمركة الأكراد وبعض غلاة الشيعة ممن يريدون تحويل العراق رسمياً إلى دولة شيعية، ويعدون الانتخابات المقبلة فرصة لا تعوض!؟<BR><BR>والواضح أن مسلسل استهداف مساجد السنة بالهدم أو الاستيلاء عليها من قبل قوات الاحتلال ( بعض غلاة الشيعة المتعاونين مع الاحتلال علقوا صور المرجع الشيعي السيستاني في مساجد بالفلوجة )، واستهداف علماء السنة، جاء في أعقاب فشل محاولات الترهيب والترغيب التي قامت بها قوات الاحتلال (قائد القوات الأمريكية في بغداد تعمد زيارة هيئة العلماء بعد ضرب الفلوجة بثلاثة أيام ليطالبهم بدخول الانتخابات!؟)، ويقع ذلك ضمن خطة عامة لتصفية التيار السني أو إضعافه على أحسن التوقعات، بحيث تأتي النتائج لصالح أعوان الاحتلال، ويصير للعراق ما صار لأفغانستان في انتخابات الرئاسة الأخيرة!<BR><BR>ففي غضون أقل من شهرين تقريباً تم اعتقال أو قتل العشرات من علماء المسلمين وأئمة المساجد السنة من جانب القوات الأمريكية، ومجهولين، حيث اغتالوا حتى الآن قرابة أربعة أو خمسة من علماء الهيئة، واعتقلوا واقتحموا منازل العشرات بما فيهم (أمين عام الهيئة) حارث الضاري وكبار العلماء.<BR><BR>فقد داهموا منزل (رئيس الهيئة) حارث الضاري- قُرب أبو غريب- ومنزل الشيخ عبد السلام الكبيسي في بغداد، ومنزلَ الشيخ شوكت العاني (إمام وخطيب الجامع الكبير بعامرية الفلوجة جنوب الفلوجة)، ويقع ضمن ساحة المسجد واعتقلوه، واغتالوا عضوين من هيئة علماء المسلمين،هما: الشيخ غالب لطيف علي (إمام مسجد في قضاء المقدادية (40 كلم شرق بعقوبة)، والشيخ فيض الفيضي في الموصل (شمال)- وهو شقيق الناطق باسم الهيئة (محمد بشار الفيضي). <BR><BR>وفي 19 نوفمبر قاموا باقتحام مسجد الإمام أبي حنيفة في منطقة الأعظمية السنية في بغداد، حيث قتل عراقيان، ونجا إمام المسجد مؤيد الأعظمي من الهجوم الأمريكي.<BR><BR>وبسبب نشاطهم المتزايد في مداهمة المساجد حتى في خطب الجمعة واعتقال الأئمة، قال الدكتور عبد السلام الكبيسي: "إن كل مسجد آمن قد يتعرض إلى المداهمة أو الاعتقال وإن كل شبر من أرضنا مرشح لكي تكون عليه مجزرة بسبب أن اللافتة المرفوعة هي أنك إذا لم تلب ما يريده المحتل وإذا لم تخضع إليه فأنت محسوب على الإرهاب". <BR><BR>وقد بلغ الأمر أن هددت الحكومة العراقية المؤقتة بتوجيه تهمة الخيانة العظمى - وعقوبتها القصوى الإعدام- لأئمة المساجد الذين يحرضون على التصدي للاحتلال الأمريكي من فوق المنابر بهدف تكميم أفواه العراقيين المناهضين للاحتلال مع اقتراب موعد الانتخابات العراقية.<BR><BR>حيث أعلن (وزير الداخلية العراقي) فلاح النقيب أن "المحرضين على القتل من على المنابر" (في إشارة إلى الخطباء الرافضين للاحتلال الأمريكي والمعارضين لنهج الحكومة المؤقتة) "ستوجه إليهم جريمة الخيانة العظمى، وسيتم إحالتهم إلى المحاكم المختصة"، وقال الرسمي باسم (رئيس الوزراء العراقي) إياد علاوي: إنه تم في الموصل (شمال) "اعتقال عدد من أئمة المساجد الذين مارسوا التحريض على قيام العنف والمواجهات المسلحة مع الأجهزة الأمنية العراقية".<BR><BR>وفي هذا السياق جري اعتقال العشرات من شيوخ ورموز هيئة العلماء المسلمين (أبرز تجمع لسنة العراق)، بينهم الشيخ عبد الستار عبد الجبار (الناطق الإعلامي للهيئة)، وذلك على خلفية موقف الهيئة الداعي لمقاطعة الانتخابات المقبلة!؟.<BR><BR><font color="#0000FF"> العالم تحرك من أجل بوذا ولا أحد يتحرك لتدمير المساجد: </font><BR>والغريب أن العالم كله تحرك ولم يقعد من أجل تماثيل بوذا التي دمرتها حركة طالبان الحاكمة في شهر مارس 2000م، وأجتمع مجلس الأمن لبحث الأمر، وتحرك علماء الآثار في العالم والسياسيين وحتى علماء في العالم العربي والإسلامي، ولكن لم يتحرك أحد لوقف هذه العنصرية الأمريكية واستهداف المساجد ولو من باب أن أغلب مساجد العراق هي من المساجد التاريخية التي يرجع بعضها لعهد دولة الخلافة وتتميز بتخطيطها العمراني المدهش بالفيسفساء وغيرها!؟<BR><BR>بوذا هذا لم يهدأ لهم بال حتى غزو أفغانستان وهدموها على رؤوس أهلها، ثم بدأت جماعات غربية مهتمة بتراث أفغانستان الثقافي بتنفيذ خطط لإعادة بناء تماثيل بوذا، أما في العراق فلا صوت يعلو على صوت الاحتلال ولا أحد يتحدث عن القانون الدولي.<BR><BR>فهناك الكثير من الأحكام والاتفاقيات التي تمنع انتهاك حرمات المساجد ودور العبادة عموماً منذ منتصف القرن التاسع عشر مروراً بالاتفاقات الواضحة التي أبرمت في لاهاي عام 1907 م، وهي الاتفاقية الخاصة بأعراف الحرب البرية والتي حظرت قصف المناطق السكنية ودور العبادة، وكذلك الانتقام تحت أي ظرف من الظروف من المدنيين العزل، وهذه الاتفاقية بنيت عليها اتفاقية جنيف عام 1929م، ثم اتفاقيات جنيف الأربع عام 1949م، ثم بروتوكول جنيف الأول الملحق بالاتفاقيات الأربع لعام 1977م، وكلها حظرت القذف البري أو الجوي أو بالمدافع أو القنابل المناطق السكنية ودور العبادة.<BR><BR>أيضاً هناك اتفاقية أبرمت في إطار اليونسكو، وهي تتعلق بالأماكن الثقافية والتاريخية وأماكن العبادة تحظر انتهاك حرمتها تحت أي ظرف من الظروف منذ الحضارات القديمة في مصر الفرعونية مثلاً كانت المعابد تعد أماكن لها قدسيتها ولا يجوز انتهاكها لأي سبب.<BR><BR>وسر الغضب الأمريكي على ما يجري في مساجد العراق أنها تحولت منذ اللحظة الأولى للاحتلال إلى مؤتمرات جامعة لمسلمي العراق ومنابر أو مؤتمر حزبي، خصوصا أيام الجمع بحضور كاميرات الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء وشبكات التلفزة التي تنتشر في داخل المساجد وتنقل للعالم ما يجري في العراق من تجاوزات تماماً كما يجري في مقار الحكومات والبرلمانات، ويتحول خطيب الجمعة إلى مسؤول كبير تحرص وسائل الإعلام على نقل تصريحاته.<BR><BR><font color="#0000FF"> "هيئة علماء المسلمين" والمقاومة: </font><BR>أيضاً يرجع سر التركيز الأمريكي على "هيئة علماء المسلمين" السنة في العراق والغضب منها إلى أنها تتحول تدريجياً إلى ما يشبه الجناح السياسي للمقاومة العراقية القادر على التفاوض مستقبلاً مع قوات الاحتلال، وفرض مطالب الشعب العراقي في ضوء وضوح المراجع الشيعية والقيادات الكردية التي يمكن الحديث معها، واختفاء قيادة سنية موحدة عامة للمسلمين.<BR><BR>ويبدو أن الأدوار المختلفة التي باتت تلعبها الهيئة - التي تضم ما يزيد على ألفين عالم وتشرف على ما يقرب من ستة ألاف مسجد في مختلف مدن العراق - وسطوع نجمها بقوة خاصة عقب أزمة مدينة الفلوجة المحاصرة ودورها في تحرير عشرات الرهائن الأجانب يفتح الطريق أمام قيامها بدور سياسي أكبر تمثل فيه سنة العراق، وتشكل عنصر توحيد للعراقيين ضد الاحتلال وقبلة سياسية يمكن للاحتلال التحاور مع خلالها مع العراقيين.<BR><BR>فقد بدأت الهيئة – عقب الاحتلال مباشرة في أبريل 2003م – تلعب دوراً سياسياً في صورة تصريحات تندد بالاحتلال ودعوات للتظاهر، ثم تحولت الهيئة تدريجياً للعب أدوار اجتماعية وإغاثية هي أقرب للأدوار التي تلعبها الحكومات، مثل: جمع المعونات والأغذية من العراقيين لإخوانهم المتضررين في مدن أخرى، ومساعدة العوائل العراقية، بل وكان لها دور هام في إرجاع العديد من الآثار والممتلكات الحكومية المنهوبة عقب الاحتلال وتجميعها في المساجد لإعادتها للوزارات المختلفة المنهوبة.<BR><BR>ومع الوقت تحولت الهيئة إلى وزارة خارجية حقيقية للمسلمين السنة، وأصبحت قبلة للدبلوماسيين الأجانب مع تزايد حالات خطف أجانب أو الرغبة في استطلاع مواقف مسلمي السنة .<BR><BR>ومن مزايا هذا الظهور القوي لهيئة علماء المسلمين السنة وتحولها لرمز معبر عن سنة العراق في مقابل الحوزة العلمية الشيعية التي تمثل الشيعة، أنه ألغى إلى حد كبير خلافات العشائر السنية ولعب قوات الاحتلال على وتر الخلافات بين هذه العشائر لضمان ولائهم، بحيث لم تجد قوات الاحتلال من يدخل انتخابات العام القادم سوى أحزاب وعشائر قليلة من السنة والتف الغالبية حول هيئة العلماء.<BR><BR><font color="#0000FF"> مطلوب "بصمة" السنة على شرعنة الانتخابات! </font><BR>وقد سبق لـ(مساعد وزير الخارجية الأميركي) ريتشارد ارميتاج أن كشف يوم 10 نوفمبر 2003م عن خطة أمريكية لإشراك سُنة العراق في الحكم، وقال: "ينبغي إيجاد وسيلة لعودة السنة العراقيين المهمشين حالياً إلى المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية في العراق الجديد "، ولكن التحرك الأمريكي هنا يحكمه هدف خبيث، كما قال د. مثني حارث الضاري لـ "المسلم" يتلخص – كما قال - في مخطط " للإيقاع بالقوى الوطنية الشريفة المناهضة للاحتلال كي تساعد في ترسيخ أمر واقع، بحيث يجري تشجيعها على المشاركة في الانتخابات ثم منعها من الفوز بقصد إضفاء الشرعية على المحتل ومن سيمثل المحتل بعد هذه الانتخابات!! <BR><BR>فما يقلق الأمريكان أن عدم مشاركة السنة – الذين يشكلون مع الشيعة والأكراد أطراف المعادلة في العراق – سينزع صلة "المشروعية " عن هذه الانتخابات، ولذلك يسعون لإظهار أن السنة سيشاركون للحصول منهم على بصمة بشرعنة أو شرعية الانتخابات، ولهذا يكثفون ضغوطهم لإشراك السنة.<BR><BR><font color="#0000FF"> هل تتغير منظمة الحكم العراقي من سيطرة السنة إلى الشيعة؟! </font><BR>والملفت للنظر في المعركة الأمريكية ضد مسلمي العراق السنة، أنه يوازيها وربما يؤازرها معركة أخرى يقودها بعض مراجع الشيعة بهدف تغيير المنظومة القديمة في العراق الموجودة منذ القرن الثامن عشر، والقائمة على سيطرة سنة العراق على مراكز الحكم الهامة وتوليهم غالبية مناصب إدارات الدولة والجيش والتي ظلت موجودة حتى انهيار حكم (الرئيس العراقي) صدام حسين، بل إن مسؤولاً عراقياً سنياً – رفض ذكر اسمه - قال لـ "المسلم": إنه رغم أن الظرف غير مهيأ للانتخابات، يجري الدفع من قبل المراجع الشيعية لعقد الانتخابات بأي شكل وترشيح لوائح موحدة لهم مثل لائحة السيستاني؛ لأنهم يرون أن هذه "فرصة تاريخية" للشيعة للفوز في الانتخابات وتولي المناصب الكبري وتغيير هذه المعادلة القديمة.<BR><BR>كذلك يجري الترويج على نطاق واسع أن أعداد الشيعة أكبر من السنة رغم أن قراءة واقع المحافظات العراقية (سبعة محافظات سنية كبيرة خالصة وثمانية محافظات شيعية صغيرة نسبياً خالصة وأخرى متداخلة بها ملايين المسلمين السنة )، والحقيقة – كما يقول هذا المسؤول – هي أن نسبة السنة تبلغ ما بين 52-54% من السكان، والشيعة 48% والباقي تركمان ومسيحيين وغيرهم.<BR><BR>وقد لفت النظر إلى هذه السيطرة السنية القديمة في العراق (والتي تحير الاحتلال وتمنعه من تجاوز دور سنة العراق ) د. عبد الله النفيسي (المفكر الإسلامي الكويتي) في دراسة له نشرت في أبريل الماضي، وقال: إن الحملة العسكرية الأمريكية 2003م التي أدت لسقوط النظام ومعه معادلة "الاصطفاف السياسي للطوائف" وضعت كل الطوائف والفئات في العراق على مفترق طرق جديد تماماً.<BR><BR>فمنها من اتسعت أمامه الدروب "الشيعة والأكراد" ومنها من ضاقت أمامه السبل "أهل السنة بالذات"، وساهم في ذلك غياب "المرجعية الموحدة" لديهم وغياب "العنوان الموحد" الذي يمكن التفاوض معه.<BR>وقال: إن سيطرة السنة تعود إلى مدى أربعمائة عام من سيطرة الدولة العثمانية على بلاد ما بين النهرين -لاحقاً العراق- والتي استعان خلالها العثمانيون بالعرب السنة لإبعاد إيران الصفوية (الشيعية) عن أي صورة من صور النفوذ في العراق، ولأن العثمانيين أنفسهم من أهل السنة حرصوا على التعاون مع العرب السنة في العراق وتوليتهم المناصب وأبعدوا الشيعة الذين انزووا في الفرات الأوسط وابتعدوا مرغمين عن المركز "بغداد" وشكلوا في الفرات الأوسط مجتمعاً شبه مستقل عن "الدولة".<BR><BR>وعندما احتل الإنجليز بغداد 11 مارس 1917م، وانسحب العثمانيون منها وجدوا إطارات الإدارة العليا في "ولاية بغداد" جلهم من العرب السنة، فعمد الإنجليز أيضاً إلى الاعتماد على الإطارات الإدارية القائمة.<BR><BR>ويضيف د. النفيسي – نقلاً عن مراجع عراقية تاريخية – أن تعيين الإنجليز لفيصل بن الحسين الحجازي ملكاً على العراق وإبعاد المرشحين العراقيين لذلك المنصب، عزز من موقع العرب السنة في الإدارة العليا للحكم الوطني الذي أعلن 1921م.<BR><BR>وهكذا سنلاحظ أن "العامل التاريخي" لعب دوراً رئيساً في التأثير في الاصطفاف السياسي للعرب السنة ولصالحهم، ونلاحظ أيضاً أن أول مؤسسة في الدولة العراقية قامت هي الجيش العراقي على يد أبي الجيش جعفر العسكري، وهو الجيش الذي قام على أكتاف وسواعد الضباط السابقين في الجيش العثماني، وكانوا كلهم من أبناء العرب السنة، وهذا مما عزز مكانة أهل السنة في النظام الجديد الذي يرأسه فيصل بن الحسين، واستمر الحال - في شكله العام - على ما هو عليه حتى أطيح بالنظام الملكي 1958م على يد مجموعة من الضباط "عبد الكريم قاسم وأنصاره " لتصحيح الوضع الطائفي في الإدارة العليا للدولة في العراق إلا أنه تمت الاطاحة بعبد الكريم قاسم عام 1963م وإعدامه من طرف البعثيين، وجنح حزب البعث الذي أمسك بتلابيب الدولة بعد 1963م بشكل تدريجي جنوحاً مضاداً للشيعة، فأعطى انطباعاً خاطئاً بأن السنة في العراق مستفيدون من حكم البعث خاصة في ضوء الحملة الواسعة التي قادها صدام ضد الشيعة والأكراد.<BR><BR>فهل يغير الاحتلال هذه المعادلة القديمة في العراق القائمة منذ مئات السنين وهي سيطرة السنة علي دواليب الحكم الهامة، وهل يساعده السنة بمقاطعتهم الانتخابات وترك الشيعة والأكراد يسيطرون علي الحكم ويغيرون فيه بما يقلص نفوذ الشيعة؟ <BR>وهل لهذه الأسباب التاريخية يحرص الاحتلال على إشراك السنة في الحكم، سواء بالترغيب أو الترهيب؟!<BR><br>