هل توجد «حرية صحافة» في مصر؟!
19 ذو القعدة 1425

على الرغم من تكرار السلطة في مصر رفضها أي تدخل يحد من استقلالية الصحافة‏‏ أو يقيد حرية الرأي والتعبير‏، والتباهي بأننا في العهد الذي لم يقصف قلماًَ، ولم تمنع فيه جريدة، ولم يحبس فيه صحفي بسبب رأيه، فإن هناك صحفيين ومثقفين مصريين يؤكدون أن هناك عشرات الصحفيين الذين يعتقلون ويحبسون ويختطفون ويهددون بالقتل أو يختفون تماماً بسبب مواقفهم السياسية وآرائهم التي ينشرونها، ويدللون على ذلك بثلاث حوادث، وهي: "اختفاء" الصحفي رضا هلال، ثم "حبس" الصحفي أحمد عز الدين، ثم " اختطاف وتهديد" الصحفي عبدالحليم قنديل.<BR><BR>وكان رضا هلال (الصحفي بمؤسسة الأهرام) قد اختفى فجأة وبدون مقدمات منذ أكثر من عام، وعجزت كل الجهود الشرطية في العثور على أي أثر له، وكأنه "فص ملح و داب" كما يقول المصريون، ورغم مرور أكثر من 6 أشهر على قرار الرئيس مبارك إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، لم يأخذ القرار طريقه للتطبيق. <BR><BR>وفي الخامس من شهر أكتوبر2004م، اعتقل الكاتب الصحفي أحمد عز الدين (مدير تحرير مجلة المجتمع، وجريدة الشعب المصرية السابق) بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وقد اعتصم عشرات الصحفيين ظهر الأحد 28-11-2004م، في مقر نقابتهم وسط القاهرة، وسط حشودٍ كبيرة من الشرطة، مطالبين السلطاتِ بالإفراج الفوري عنه، و إلغاء قانون الطوارئ، وقد عبرت نقابة الصحفيين عن قلقها، كما بعثت منظمة "صحفيون بلا حدود" بعدة رسائل لوزيري الداخلية والعدل المصريين، ناشدتهما الإفراج السريع عن عز الدين الذي تم اعتقاله على خلفية انتمائه الفكري، كما ناشدت النائب العام التدخل للإفراج عنه.<BR><BR>وفي فجر يوم الثلاثاء 2 نوفمبر 2004م، اختطف أربعة مجهولون الصحفي عبد الحليم قنديل (رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة العربي الناصري) من أمام منزله بمنطقة فيصل بالهرم، وعصبوا عينيه، وكمموا فمه، وقيدوه داخل سيارة انطلقت به إلي صحراء المقطم، ثم انقضوا عليه ضرباً بالأيدي وركلاً بالأرجل، ثم خلعوا نظارته وملابسه وتركوه وهم يقولون له: " علشان تتعلم الأدب وتحرم تتطاول على الكبار". <BR><BR>وقد طالبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وزير الداخلية بضرورة التحقيق الفوري في واقعة الاعتداء والكشف عن هوية مرتكبيه، وتقديمهم للعدالة، وإعلان نتائج التحقيق للرأي العام، واتخاذ الإجراءات الكفيلة لضمان سلامة وحياة الصحفي عبد الحليم قنديل، وقالت المنظمة: إن التحرك الجاد من جانب السلطات من شأنه أن يضع حداً للتأويلات التي تنظر لمثل هذا الحادث باعتباره آلية متعمدة للتنكيل بالصحفيين المعارضين. <BR><BR>وقد عرف عن قنديل آراؤه الجريئة ومقالاته الساخنة التي يتناول فيها القضايا الشائكة، مثل: "توريث الحكم في مصر"، و"الفساد الحكومي"، و"الاحتلال الأمريكي للعراق"، و" الإرهاب الحكومي الإسرائيلي المنظم"، وضرورة "الإصلاح السياسي في مصر"، كما تناول الأوضاع الاقتصادية، وثقافة الخنوع .<BR><BR>و ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها صحفيون للاختفاء أو الحبس أو الاعتداء بالضرب والتهديد بالقتل، ففي في 21 يونيو عام 1995م تعرض الكاتب الصحفي الإسلامي محمد عبد القدوس (عضو مجلس إدارة نقابة الصحفيين الحالي) للاعتداء بالضرب من قبل مجهولين، وفي شهر أغسطس من عام 1995م تعرض الكاتب الصحفي جمال بدوي (رئيس تحرير صحيفة الوفد آنذاك) لاعتداء مماثل من قبل 10 مجهولين، وذلك على خلفية إعلان موقفهما المعارض للقانون رقم 93 لسنة 1995م، كما سبق ذلك محاولات أخرى للتحرش بالصحفيين المعارضين منذ عام 1988م، ومن أبرز هؤلاء الصحفيين الذين تم التحرش بهم: المرحوم الأستاذ مصطفى شردي (رئيس تحرير صحيفة الوفد)، وكذلك الدكتور أيمن نور (عضو مجلس الشعب،الصحفي بالوفد) وعبد العظيم مناف (رئيس تحرير صحيفة صوت العرب آنذاك).<BR><BR><font color="#0000FF"> الحبس لقصف الأقلام: </font><BR>ومن جهته، يقول (الفقيه الدستوري والمفكر الإسلامي) الدكتور محمد سليم العوا:" الأصل في قضايا النشر ألا تكون هناك عقوبة أساساً، وأعتقد أن المقصود بتقرير عقوبة الحبس في قضايا النشر هو قصف الأقلام وحرمان الرأي العام من حقه في معرفة الحقائق والتمكين لصور الفساد التي نخرت عظام هذا البلد في كل موقع فيه. <BR><BR>ويضيف العوا أن النصوص التي أضيفت لقانون العقوبات عامي 1993م و1995م لتغليظ العقوبات في جرائم النشر كانت كلها نصوصاً تفتقر إلى الدستورية؛ لأنها تخالف 10 مواد على الأقل في الدستور، وقد دفع في قضايا عديدة بعدم دستوريتها، مطالباً بإلغاء القانون رقم (23) لسنة 1995م الذي حرم الصحفي من حقه في إثبات صحة الوقائع التي نشرها، وألغى حق النقد المباح وحرم الصحفي من الحصول على البراءة في قضايا النشر إذا ما كان النشر قد تم بحسن نية.<BR><BR>وفي تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" الذي نشرته في 28/10/2004م، عن حرية الصحافة في 167 دولة في العالم، جاءت مصر – التاسعة عربياً- في المركز الـ 128، فيما جاءت لبنان في المركز الأول عربياً، والسعودية في المركز الأخير، ويؤكد خبراء الإعلام أن حرية الصحافة والإعلام ترتكز على مجموعة من المقومات الأساسية، وهي: <BR>1. حرية الوصول إلى المعلومات والحصول عليها وتداولها.<BR>2. حرية إصدار الصحف والمطبوعات ووسائل الاتصال.<BR>3. حرية التنظيم المهني والنقابي للعاملين في مجالات الاتصال والإعلام.<BR>4. وجود ضمانات دستورية وقانونية ومؤسسية لحماية حرية التعبير عن الرأي من تجاوزات الحكومات وأصحاب الأعمال.<BR><BR><font color="#0000FF"> حرية محدودة جداً: </font><BR>ومن جهته، يصف الكاتب الصحفي ممدوح الولي (عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين) المساحة المتاحة من الحرية الصحفية بأنها "هامشية ومحدودة"، ويضيف " ما زالت هناك قيود وحواجز وحدود لا يمكن تخطيها في العمل الصحفي بمصر، ففي الصحف هناك قائمة بالممنوعات، وهناك حدود حتى بعد النشر، والممارسات اليومية تؤكد ذلك".<BR><BR>ويرفض الولي القول بأن مصر – رغم ما يقال عن وجود تضييق على الحريات الصحفية- أفضل من غيرها من الدول العربية، ويقول: " لماذا دائما نقارن أنفسنا بالدول العربية التي ليس فيها أي حريات صحفية مثل: سوريا أو السعودية أو ليبيا أو تونس، إلى متى سنخدع أنفسنا؟! ولماذا لا نقارن أنفسنا بدول، مثل: لبنان، أو الكويت، أو حتى قطر التي تطلق الحريات للصحافة وهو ما اتضح جلياً من تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الصادر في آخر شهر أكتوبر 2004م؟!".<BR><BR>ويضيف الولي "إذا أردت أن تتقدم فعليك أن تقيس سرعتك بسرعة المتنافسين معك، وحتى لو قسنا الأمر زمنياً فسوف نجد أنه في عام 79/80 كان هناك انفراجة أكثر مما نحن فيه الآن، وحتى قبل ثورة 1952م في أيام الملك، كان هناك حرية صحفية أكثر وأفضل من اليوم"، رافضاً وصف الصحافة بأنها السلطة الرابعة، مشيراً إلى أنه "تشبيه غير مضبوط وغير دقيق"، فالواقع أن "الصحافة في مصر هي أداة للسلطة الحاكمة".<BR><BR><font color="#0000FF"> صحافة لحماية النظام!! </font><BR>ومن ناحيته، يؤكد الكاتب الصحفي مصطفى بكرى (رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير صحيفة الأسبوع المصرية المستقلة):" أنا أدرك أن قلم الصحفي قادر على أن يزلزل العروش ويتصدى للجبابرة ويكشف الزيف والفساد، غير أنه من المؤسف أن أقول: إن حرية الصحافة باتت الآن في خطر شديد، وعلى الحكومة أن تترك الصحافة لتمارس دورها فهي عون للمجتمع وحماية لمنظومة القيم وترجمة لمشاعر الناس وآلامهم".<BR><BR>ويقول بكري: إن إغلاق الصحف وحبس الصحفيين لا يمكن أن يخدم الحرية أو الديمقراطية، وإنه علينا أن نطلق حرية الصحف المكبلة ونلغي عقوبة الحبس للصحفيين بدلاً من إطلاق الشعارات، مشيراً إلى أن هناك فئة ممن تربعوا على عرش الصحافة يحمون النظام الحاكم، ويصورون الصحافة على أنها الدفاع عن النظام وليس عن المجتمع، وأنه كما لا يوجد أي حراك سياسي في نظام الحكم، فإنه لا يوجد أي حراك مهني داخل المؤسسات الصحفية، وهو ما يعنى أننا أمام حالة جمود عامة تمثل الصحافة جزء أساسيا منها".<BR><BR>ويشير بكري إلى أن "أخطر ما يواجه الصحافة المصرية هو تزييف البعض منها أحيانا للحقائق والمعلومات وتبني خطاب سلطوي الهدف منه الترويج للمواقف السياسية للنظام والحكومات، وهو ما يعنى فقدان الصحفي لمصداقيته، غير أن هناك صحافة ناشئة في مصر استطاعت أن تثبت وجودها وأن تكسب مساحة واسعة من الانتشار ربما تعطي الأمل في النمو الطبيعي لصحافة مستقلة".<BR><BR>ويختتم بكري حديثه قائلاً:"على الدولة إن أرادت ازدهاراً للحياة السياسية في مصر، أن ترفع يدها عن الصحافة، وأن تلغي كل العقوبات السالبة التي يحاسب على عليها الصحفي، وأن تطلق حق الصحفي في الحصول على المعلومات، وحرية إصدار الصحف والمجلات بالضوابط الأخلاقية".<BR><br>