نظرة على الحجاب في تركيا
13 ذو الحجه 1425

كانت موافقة الدائرة العليا بمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية يوم 24 نوفمبر الماضي على طلب النظر في استئناف الحكم القضائي الخاص بالطالبة التركية ليلى شاهين، والذي صدر عن دائرة دنيا بالمحكمة، وأيد فيها القضاء التركي والحكومة التركية في قرارهما بمنع المحجبات من الدراسة بالجامعات لارتدائهن الحجاب، مبعثاً لمناقشة مسألة الحظر الذي تفرضه تركيا على التحاق المحجبات التركيات للدراسة في الجامعات والعمل في المؤسسات العامة في الشارع التركي وبين النخبة المتابعة لحيثيات هذا الملف.<BR><BR>وفي أعقاب عودة طيب رجب أردوغان من بروكسل، ظافراً بتحديد موعد لبدء مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي في الثالث من أكتوبر 2005م، نظم آلاف الأتراك مظاهرة في العاصمة أنقرة للمطالبة بحرية ارتداء الحجاب في مدارس وجامعات البلاد ذات الأغلبية المسلمة في 20 ديسمبر الجاري وهو ما نظر إليه المراقبون بأن المتظاهرين يحاولون استغلال موقف الحكومة التركية الملتزمة أمام الاتحاد الأوروبي باحترام الحريات، لإجبارها على تلبية مطالبهم، حيث تذكر الأرقام أن أربعين ألف طالبة قد فصلن من الجامعات منذ 28 شباط 1997م بسبب ارتدائهن الحجاب، ومنذ ذلك الوقت تتواصل الاحتجاجات على هذا القرار ولاسيما من جانب هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان.<BR><BR><font color="#0000FF"> الحجاب أمام القضاء الأوربي: </font><BR>وليلى شاهين التي تعمل طبيبة حالياً قد رفعت دعوى قانونية ضد الحكومة التركية أمام محكمة حقوق الإنسان الأوربية في عام 1998م بسبب طردها من كلية الطب التابعة لجامعة استنبول وحرمانها من حق تلقي التعليم بحجابها، وهو ما اضطرها إلى الالتحاق بجامعة أوروبية وإكمال تعليمها الطبي وهي مرتدية حجابها، حيث تخرجت قبل عامين تقريباً، وقد أصدرت الدائرة الدنيا بمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية قراراً في يونيو 2004م أيد الحكومة التركية في اتخاذ قرارات إدارية لمنع المحجبات من الدراسة بالجامعات والمعاهد العليا، مشيرة إلى عدم وجود إخلال ببنود اتفاقية كوبنهاجن الأوروبية لحقوق الإنسان من طرف الحكومة التركية، وأن قرارات منع المحجبات من دخول الجامعات والمعاهد تتماشى مع قوانين ولوائح النظام الداخلي للجامعات التركية، كما رأت المحكمة أن هذا الحظر لا يمثل انتهاكاً لحرية العبادة، وأنه وسيلة قانونية لمواجهة "الحركات الأصولية"، وحماية "الطبيعة العلمانية" لتركيا. <BR><BR>وكان رضا تورمن (القاضي التركي والعضو بهيئة محكمة حقوق الإنسان الأوربية) قد أشار في 3 مارس الماضي إلى أن القضايا المرفوعة ضد تركيا بتهمة الإخلال بحقوق الإنسان أمام المحكمة الأوروبية تعادل 18% من إجمالي القضايا التي تنظرها المحكمة، من بينها حوالي 1800 دعوى تتعلق بالحق في ارتداء الحجاب.<BR><BR>ولا غرابة أن هذه الموافقة على طلب النظر في الاعتراض على قرار المحكمة الدنيا يحيي آمال حوالي 183 طالبة تركية لهن دعاوى مماثلة أمام المحكمة الأوروبية، فضلاً على وجود مليون طالبة تركية محجبة أخرى يقفن على أبواب الجامعات منذ عام 1997م بموجب قرارات صدرت من هيئة التعليم العالي التركية، وينتظرن قراراً إيجابياً يسمح لهن بتلقي حق التعليم بالحجاب في المؤسسات التعليمية التركية.<BR><BR><font color="#0000FF"> موقف حكومة أردوغان: </font><BR>الحقيقة البارزة أن حزب العدالة والتنمية يسعى عبر سياساته المعلنة بالدرجة الأولى إلى الحد من درجة التطرف العلماني للدولة التركية في عدائها للدين واستبدالها بعلمانية أقرب في مضمونها إلى المعنى الأوروبي، والتي يغلب عليها الحياد إزاء المسألة الدينية، والاقتراب إلى المعايير الأوروبية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، فقد أعلن أردوغان في تصريحاته أن حزبه يريد من الدولة أن تقف على مسافة واحدة من حرية العبادة لجميع المتدينين، مشدداً أن المشكلة تكمن فيمن يحرفون معنى العلمانية ويطبقونه حسب أهوائهم، كما أن عبد الله جول أكد أنه مع العلمانية المتصالحة مع الدين والمدافعة عن الحريات.<BR><BR>المعضلة القائمة أن الدستور التركي لا يتضمن أية إشارة إلى الإسلام أو الشريعة؛ لذا ينطلق الإسلاميون من دفاعهم عن الحجاب ضد الدولة لا من أصله الشرعي الإسلامي، بل انطلاقاً من مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يزيد الأمر صعوبة عليهم بخلاف الحال في معظم الدول الإسلامية الأخرى التي يعطي النص على الإسلام باعتباره ديناً رسميا في دساتيرها منطلقاً قوياً للإسلاميين في الدفاع عن الحجاب، فتصبح العقبة الأساسية أمام التقدم في موضوع الحجاب هي عدم تطور الديموقراطية في تركيا.<BR><BR>وما لا يعد خافياً أن حزب العدالة والتنمية قدم بتجاوزه تجريم زنا الأزواج في سبتمبر الماضي إخفاقاً آخر له تداعياته الواضحة على فشل الحزب في إثارة المسائل الدينية والدفاع عنها، وفي مقدمتها السماح بارتداء الحجاب في الدوائر الحكومية والجامعات، وهو ما خيب آمال الكثيرين في تركيا، فرغم إعلانه في يوليو الماضي عن أمله في مراجعة القوانين حتى يتاح للطالبات بارتداء الحجاب الإسلامي في الجامعات التركية الخاصة، وذلك على الرغم من رفض سلطات التعليم العالي، لم يذهب أردوغان بعيداً فيها دفعاً للتوتر، إذ يتخذ الحزب موقفاً حذراً في إبداء رأيه حول هذه القضية.<BR><BR>ودرءاً لذلك، ذهب تركيزه على ضرورة التوصل إلى «إجماع اجتماعي» حول هذا الموضوع الشديد الحساسية في تركيا باعتبار أن قضية الحجاب ليست قضية حزب العدالة والتنمية، ولكنها قضية المجتمع التركي كله، وأن المجتمع لا يبدي اهتماماً كافياً بهذه القضية، ومن ثم فحكومته ليست مستعدة لدفع ثمن مواجهة هذه القضية، وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم ذو التوجهات الإسلامية قد وعد بإنهاء الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في المؤسسات الرسمية حال فوزه في الانتخابات التشريعية وتشكيله الحكومة في نهاية عام 2002م، لكنه تراجع بعد معارضة شديدة من الجيش العلماني. <BR><BR>غير أن أردوغان الذي ترتدي زوجته الحجاب، تعهد في الوقت نفسه بعدم ترك المسألة لما وصفه "بالاستغلال" من قبل المتدينين المتطرفين. وقال في نوفمبر من عام 2002م: "سوف نحل المشاكل بالتفاهم الاجتماعي. لا نريد توترات… إن اللعب بالورقة الدينية يجب أن ينتهي في هذا البلد".وأضاف أردوغان: "في هذا البلد الذي ألغى عقوبة الإعدام سيكون من المؤسف أن نكون عاجزين عن إلغاء قرار يقيد حق التعليم".<BR>ووفقاً لبعض المراقبين الأتراك فإن حكومة حزب العدالة والتنمية تخشى من إثارة قضية منع المحجبات؛ خوفاً من أن يمثل ذلك معوقاً أمام انضمامها للاتحاد الأوروبي من جهة، ومن جهة أخرى قد يؤدي للتصادم مع بعض القوى التركية الرافضة لإثارة هذه القضية، والمؤيدة لعلمانية الدولة.<BR>وتثير بعض سائل الإعلام التركية سيما العلمانية منها حملة مستمرة على الحجاب الإسلامي، ويصاحبها على ردود الأفعال إزاء مشاركة زوجات بعض المسؤولين من حزب العدالة والتنمية وهن محجبات في مراسيم رسمية.<BR><BR>مشكلة حزب العدالة والتنمية الكبرى هي مع الحجاب، فإذا كان الحزب قد فشل حتى الآن في حل قضية أصغر مثل معاهد إمام خطيب، فهذا يعني أنه يواجه أزمة حقيقية في قضية الحجاب، وقد يتوقف عليها مستقبل الحزب ووحدته. <BR><BR><font color="#0000FF"> محاربة الحجاب: </font><BR>لم يعد الحجاب في تركيا مجرد التقيد بتعاليم الشريعة الإسلامية بتغطية رأس المرأة، بل تحول إلى مواجهة سياسية بين من يرون فيه رمزاً سياسياً وبين من يرونه أحد متطلبات الإيمان.<BR>فالجهات العلمانية ترى في حجاب الطالبات الجامعيات وطالبات ثانويات الأئمة والخطباء مظهراً إسلامياً وبمثابة إعلان دعم للأصولية الإسلامية لا يتلاءم -على حد زعمهم- مع علمانية الدولة على الرغم من أن الغالبية الساحقة من الأتراك مسلمين، وتدافع المؤسسة العسكرية التي تتمتع بنفوذ واسع بقوة عن فصل الهوية العلمانية العامة للدولة عن الممارسات الدينية الخاصة، وتحرص على إظهار هذا الفصل أمام العالم، فهي تريد الإيحاء بأن الدولة التركية دولة علمانية حديثة غربية التوجهات.<BR><BR>غير أنه لا يمكن اسـتيعاب أبعاد قضية الحجاب في تركيا، بدون الاطلاع على الجهود التاريخية الحثيثة للقضاء عليه منذ أتاتورك إذ لا تزال الحرب قائمة بما أحدثته علمانية أتاتورك شرخاً كبيراً فـي الانتماء الإسلامي للمجتمع التركي.<BR><BR>وتتعسف بعض الأوساط العلمانية في تركيا ضد الطالبات المحجبات، وتقول: إن قانون القيافة الذي وضع عام 1926م في مدة حكم مصطفى كمال أتاتورك (مؤسس تركيا الحديثة) يفرض ارتداء الملابس الغربية على المرأة والرجل بحجة التوافق مع شروط الحياة العصرية الغربية؛ ما جعله أحد أهم المؤثرات على مظهر زي الطالبة التركية، وإن كان تطبيقه يرتبط بميول الحكومة الإيديولوجية. <BR><BR>ويفرض قانون ارتداء القبعة، وإلغاء ارتداء الطربوش والطاقية، على المرأة العاملة بدواوين الدولة والحكومة، والمدرسة والجامعة أيضاً ارتداء التنورة (الجيب) الطويلة والبلوزة أو الجاكيت، أو التايير وهو نفس القانون الذي استند إليه مجلس الأمن القومي في تركيا لإسقاط العضوية البرلمانية عن النائبة المحجبة "مروة قاوقجي" عام 1999م، فخلال جلسة حلف اليمين بالبرلمان التركي للأعضاء الجدد بعد انتخابات إبريل من نفس العام، أصر أعضاء الحكومة التركية الائتلافية حينها بزعامة بولنت أجاويد وأعضاء البرلمان من الحزب الديمقراطي اليساري على طرد قاوقجي التي فازت بمقعدها البرلماني عن حزب الفضيلة (المحظور) بحجة منع القانون للمحجبات من دخول القاعة العامة للبرلمان، مثلما أسقط مجلس الوزراء التركي برئاسة بولنت أجاويد جنسيتها التركية.<BR><BR>وقد صدر عام 1981م قانون يمنع ارتداء الحجاب في الجامعات التركية، ولكن تورغوت أوزال (رئيس الوزراء المنتخب عام 1983م) تراجع عن هذا القانون، ثم أبطلته المحكمة الدستورية في إصدار قانون 1987م يمنع دخول المحجبات إلى الجامعات، وقد تم التراجع عــن هذا القانون سنة 1991م، ولكن لم يمنع هذا مـن استمرار الحظر في جامعات كثيرة، من قِبَل البرلمان والمحكمة الدستورية.<BR><BR>ولكن أعاد (الرئيس التركي) سليمان ديميرل إصدار قرار عام 1997م ضمن حزمة الحملة المضادة للتيار الإسلامي أثناء ولاية حكومة مسعود يلمظ بمنع دخول المحجبات المؤسسات التعليمية أو الوزارات والمصالح الرسمية التركية عندما أجبر الجيش (رئيس الوزراء) نجم الدين أربكان على تقديم استقالته، كما منع القرار المحجبات من التردد على الأندية والمؤسسات الاجتماعية التابعة للجيش التركي، مثلما منع الصحفيات المحجبات من دخول أي مؤسسة تابعة للجيش التركي، حيث تم منع بعض الصحفيات التركيات المحجبات من دخول المؤسسات الرسمية للمشاركة في تغطية وقائع إخبارية، وتعرضت مئات الموظفات للفصل أو الإجبار على الاستقالة بسبب الحجاب، واضطرت الطالبات التركيات الميسورات للسفر إلى أذربيجان والمجر والنمسا لاستئناف دراستهن الجامعية، ولكن النظام السياسي مازال يتعقبهن ويسعى إلى رفض اعتماد شهاداتهن الجامعية.<BR><BR>ورغم اضطرار بعض الطالبات في جامعات تركيا إلى الاستمرار في التعليم حتى لو كلفهم ذلك خلع الحجاب أمام مداخل الجامعات، فقد تركت أخريات التعليم مفضلات ذلك على خلع حجابهن. <BR><BR>الأزمة الحقيقية للنظام الكمالي في تركيا هي في صراعه اليائس مع حركة كبرى في تركيا تسعى لاستعادة الجذور والهوية التركية الإسلامية، كما كانت طوال ألف عام، وتقول الدراسات: إن 80 في المئة من المجتمع يريد تشريع الحجاب، والأسوأ من ذلك بالنسبة للنخبة السياسية والعسكرية هي في مصالحها المهددة التي ارتبطت بهذا الوضع تركيا.<BR><br>