بلوشستان بعد وزيرستان.. مشرف ضد شعبه!
21 ذو الحجه 1425

دخلت قبائل البلوش المتمردة مؤخراً في معركة استمرت لعدة ساعات مع القوات الأمنية الباكستانية في منطقة سوي الغنية بحقول الغاز، وازداد التوتر في المنطقة لدرجة أن المواجهة أصبحت تهدد بأن تتحول إلى تمرد شامل، خصوصاً وأن الكثير من قيادات البلوش ميالون لهذا الاتجاه ولم يخفف من وطأة الموقف سوى تدخل السياسيين البارزين في الحكومة، ودعوتهم لضخ الأموال في مشاريع التنمية بإقليم بلوشستان.<BR><BR>ويعتقد بأن التهديدات التي أطلقها (الرئيس الباكستاني) الجنرال مشرف من قناة تلفزيونية محلية بإيقاع أشد العقوبة الممكنة بالمخربين وقيامه بتذكيرهم بأن اليوم ليس البارحة، وأنهم لن يتمكنوا من مواجهة السلطات كما فعلوا في مدة السبعينات من القرن الماضي، وبأنهم لن يدروا من أين ستقع عليهم الضربات، هذا كله لن يفلح في كتم أصوات متمردي البلوش ويرشح المواجهة للتصعيد وللدخول في المزيد من المشاكل حسب الاعتقاد السائد لدى المراقبين السياسيين في باكستان ، بل إن الأمر قد يتطور ويضطر الجيش الباكستاني للقيام بحملة عسكرية مماثلة لما يقوم به في جنوب وزيرستان.<BR><BR>فقد لقي 8 جنود حتفهم وأصيب أربعة آخرون بجروح خطيرة عندما قام رجال القبائل المسلحون بمهاجمة حقول غاز سوي التي تعد الأكبر في باكستان من حيث احتياطي الغاز، وتقول السلطات: إن البلوش يطالبون بالحصول على المزيد من الأموال مقابل حصول بقية أقاليم باكستان على الغاز من أراضيهم.<BR><BR>والطرفان تبادلا إطلاق نار من الأسلحة الثقيلة وقام رجال قبيلة "بوجتي" الذين يصل عددهم إلى حوالي 10,000 عنصر بإطلاق الصواريخ على منشآت الغاز ومواقع الجيش، وباستخدام قذائف المورتر والأسلحة الأوتوماتيكية في هجماتهم، وتمكن المسلحون من فرض السيطرة على عدد من المباني في حقول سوي لعدة ساعات خلال تلك المواجهة، وأدى الضرر الذي لحق بكمبريسور الضغط إلى إيقاف ضخ الغاز للمستهلكين في إقليم البنجاب وإقليم السند ولا زالت المحاولات جارية لإصلاح العطب.<BR><BR>واضطرت شركة نفط باكستان المحدودة للإعلان عن وقف التزويد بالغاز لاماكن عديدة من أنحاء البلاد، والإشارة إلى أنها ستبدأ في تقنين التزويد بالغاز للمدن الباكستانية، مما يعني مصدراً جديداً للصداع بالنسبة للحكومة الفيدرالية بإسلام أباد.<BR><BR><font color="#0000FF">خلفيات النزاع: </font><BR>بلغت أعمال العنف والمواجهات في إقليم بلوشستان ذروتها مع تشكيل جيش التحرير البلوشي، والذي برز اسمه في الثمانينات عندما قامت العناصر البلوشية الموالية لموسكو بتنظيم مجموعات سرية التزمت فيما بينها على العمل من أجل تأسيس دولة بلوشستان الكبيرة المكونة من أراضي البلوش في باكستان وأفغانستان وإيران.<BR><BR>إلا أن جيش التحرير البلوشي قد اقتصرت مهامه في السنوات الأخيرة على إطلاق بعض الصواريخ على معسكرات الجيش في مدينة كويتة عاصمة إقليم بلوشستان بين الفينة والأخرى.<BR><BR>ويعود انحسار نشاط الجيش التحرير البلوشي السري إلى نزعته الشيوعية وانخفاض شعبيته لدى السكان المحافظين، وانخفضت أنشطته إلى درجة كبيرة لم تزد على قيام مجموعات طلابية في منتصف الثمانينات بأعمال إرهابية؛ بينما قام تنظيم سياسي فيما بعد بالإعلان عن ميله الشديد إلى موسكو وبالدعوة لإقامة دولة مستقلة للبلوش .<BR>وتعد بلوشستان الإقليم الأكبر جغرافياً بين أقاليم باكستان، ولكنه الأقل من حيث تعداد السكان ويحتفظ بكميات كبيرة من الغاز والفحم والنفط وبعض المعادن كالذهب والنحاس، وفيه حدود جبلية استراتيجية تربط باكستان بكل من أفغانستان وإيران، كما أنه يحتفظ كذلك بشواطئ طويلة على سواحل بحر العرب .<BR><BR>ويمكن تقسيم إقليم بلوشستان إلى ثلاثة مناطق لكل منها ديناميكيتها وثقافتها وأوضاعها الاجتماعية الخاصة بها:<BR>(أ) الشريط المكون من مناطق هوب ولاسبيلا وخضدار الذي يخضع لتأثير قوي من مدينة كراتشي التي تبعد عنه مجرد 45 دقيقة بالسيارة، وهوب منطقة تعج بالصناعات الثقيلة ولكنها مملوكة لصناعيين من كراتشي، وهم يسيطرون على الأيدي العاملة البلوشية الرخيصة نسبياً، وقد جلب التصنيع معه تغييرات واضحة في حياة البلوش.<BR><BR>ويستمر تأثير مدينة كراتشي ليصل إلى منطقة خضدار التي شهدت خروج السكان المحليين من بوتقة ما يوصف بسيطرة رؤوساء القبائل، وذلك باستثناء بعض الجيوب الصغيرة ، وأصبحت الأحزاب الرئيسة مثل حزب الرابطة الإسلامية الحاكم وحزب الشعب بقيادة بينظير بوتو هي الأحزاب المسيطرة في المنطقة ولم يعد هناك وجود قوي للأحزاب القومية البلوشية .<BR><BR>(ب) الشريط الساحلي المكون من مناطق ماكران وجوادر الذي ظل خاضعاً للسيطرة الأجنبية (الأعراق الأخرى باستثناء البلوش) ومثال على ذلك أن الحكام في هذه المنطقة كانوا في السابق ينحدرون من أصول إيرانية كما أن قبائل ذات وجود قويّ فيه قد هاجرت من إقليم السند إلى هذه المنطقة، وتتميز هذه المنطقة بوجود مافيات سرية تعمل في الخفاء، والتي تفرض سيطرتها على الساحل والبحر، وتسيطر كذلك على عمليات النقل وأنشطة تهريب البشر وتهريب البضائع التي تتراوح ما بين الذهب والمخدرات والسلاح أو أي شيء آخر.<BR><BR>وتمتاز التوزيعات السياسية في هذا الشريط بأنها شديدة التباين والاختلاف ، فهناك النفوذ الديني المتمثل بجمعية علماء الإسلام بقيادة المولوي فضل الرحمن ، والأحزاب القومية مثل حزب الوطني الجمهوري وجبهة بلوشستان القومية بالإضافة إلى حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية الحاكم .<BR><BR>إلا أن السلطة الحقيقية تقع بأيدي المافيات التي تسيطر على الساحل على الرغم من أن نفوذها قد تقلص في الآونة الأخيرة وأصبح أقل من السابق، وخصوصاً بعد التدابير الاحتياطية التي اتخذتها الحكومة الفيدرالية بعد مقتل اثنين من المهندسين الصينيين العاملين في مشروع ميناء جوادر في العام الماضي.<BR><BR>فباكستان تعمل وتطمح إلى تحويل ميناء جوادر إلى مدينة حديثة بكافة المقاييس وذلك بمساعدة الصين، وقام الصناعيون بشراء الأراضي فيها لإقامة المصانع والمجمعات السكنية والمخازن للشركات المحلية والأجنبية؛ والبلوش لا يخفون خشيتهم من أن إقامة مدينة كبيرة في جوادر لن يؤدي إلا إلى المزيد من تقليص نفوذ زعماء قبائلهم ومنح السيطرة لأعراق أخرى غيرهم .<BR><BR>(ج) الجزء الشرقي من بلوشستان وهو قبائلي بالكامل وأهم اللاعبين السياسيين والقبليين فيه هم نواب خير بخش ماري ونواب أكبر بوجتي، وهذه المنطقة هي نواة المواجهة مع الحكومة والقوات الأمنية، وهي جزء يشتهر بانعدام الأمن أو النظام فيه، كما أن سيطرة الدولة فيه ضعيفة أمام شبكات معقدة من التركيبات القبلية. وتقع حقول الغاز في هذه المنطقة وتسيطر عليها قبائل بوجتي بقيادة نواب أكبر بوجتي ؛ في حين تخضع منطقة كوهلو لسيطرة نواب خير بخش ماري.<BR><BR><font color="#0000FF">أهم القوى المؤثرة في النزاع البلوشي: </font><BR> تنحصر المشكلة في الجزء الشرقي من بلوشستان حيث يقف سردار عطا الله خان مينغل ونواب أكبر بوجتي ونواب خير بخش ماري جنباً إلى جنب ضد القوات المسلحة الباكستاني، وهذا ليس بالأمر الجديد، فخلال سنوات الغزو السوفييتي لأفغانستان في الثمانينات، وهي المدة التي اتسمت بعداء إيراني (ظاهري) لأمريكا وميل رسمي أفغاني لموسكو وموقف هندي غير منحاز ولكنه متعاطف مع روسيا، فإن السوفييت قد ظلوا يعدون باكستان القوة الرئيسة في المنطقة التي تقف إلى جانب الولايات المتحدة ولكن باستثناء إقليم بلوشستان الذي كان يشكل شوكة في خاصرة واضعي السياسة وصانعي القرار في باكستان.<BR><BR>فقد أدت الميول السياسية لدى سردار عطاء الله ونواب بوجتي ونواب ماري باتجاه السوفييت إلى لعب دور كبير في التأثير على عواطف البلوش المعادية للأمريكان في بلد يؤيد السياسات الأمريكية.<BR><BR>فقد نجح نواب ماري في دفع كل من نواب بوجتي وسرداء عطاء الله للقيام بتمرد مسلح في منتصف مدة السبعينات وخلال حكم ذو الفقار علي بوتو، وتم حينها القضاء على حركة التمرد تلك بالاستخدام المفرط للقوة العسكرية، واضطر القادة الثلاث للهرب إلى المنفى.<BR><BR>وقام نواب خير بخش ماري بأهم أدوار تدعيم التمرد البلوشي من بين القادة الثلاث خلال وجودهم في المنفى، حيث إنه قد هرب إلى أفغانستان ومعه حوالي 12,000 مقاتل من أتباعه، والذين تمكنوا من تأسيس أنفسهم في قندهار وهيلمند، وقامت حكومة أفغانستان الشيوعية برعايتهم وتقديم الدعم لهم ، وقامت كذلك بتدريبهم على استخدام الأسلحة المختلفة، وتم إرسال نواب زاده بلاش ماري ابن نواب بخش ماري إلى موسكو التي تخرج منها كمهندس إليكتروني.<BR><BR>وبعد سقوط الحكم الشيوعي في كابل في مطلع التسعينات، عاد البلوش من قبيلة ماري إلى ديارهم ولكنهم ظلوا محافظين على اتصالاتهم مع الجهات الموالية لموسكو ومع المتعاطفين معهم في الهند. واصبح نواب زادة بالاش ماري فيما بعد القائد الأيديولوجي للحركة ومعه الآلاف من الأتباع.<BR><BR>والمنطقة الأخطر في الجزء الشرقي من بلوشستان هي منطقة كوهلو، والتي فيها ما يزيد عن 30 معسكراً لتدريب قبائل الماري على حرب العصابات، كما أن القبيلة قد أقامت مراكز دراسات متخصصة تحت إشراف نواب بلاش ماري لتعليم شباب البلوش على أيديولوجية فكرة انفصال بلوشستان.<BR><BR>وينظر المراقبون إلى نواب أكبر بوجتي على أنه يتسم بالاعتدال وأنه حاول إبعاد نفسه عن حركة التمرد والعنف، ولكنه في الوقت ذاته يتحكم في حوالي 10,000 مقاتل من أبناء القبائل المتمرسين في استخدام السلاح في منطقة ديرة بوجتي ومنطقة سوي.<BR><BR>أما سردار عطاء الله خان فإنه يتحدث عن حقوق البلوش في المنتديات السياسية وهو لا يترأس مجموعة مسلحة من الشباب المتمردين المتمركزين في منطقة واد التابعة لمنطقة خضدار والخاضعة لسيطرته.<BR><BR><font color="#0000FF">ردود فعل الحكومة الفيدرالية: </font><BR> قام (الرئيس الباكستاني) الجنرال برويز مشرف خلال حديثه مع إحدى القوات التلفزيونية المحلية بتحذير المتمردين بشن حملة عسكرية ضدهم قائلاً بأن اليوم يختلف عن مدة السبعينات التي كانوا يستطيعون وقتها أن يختبئوا في الجبال وهددهم بأنهم لن يتمكنوا من معرفة الاتجاه الذي ستسقط منه الضربات على رؤوسهم ، وقال: إن الضربات ستقع بهم بدون أن يعووا حقيقة ما حدث لهم.<BR><BR>أما نواب زاده بلاش فإنه قد صرح من قناة تلفزيونية أخرى قائلاً :- "لقد سمعت لتوي مشرف وهو يهددنا، وإنني أقول له كذلك: إن اليوم ليس مدة السبعينات، وإنهم لا يستطيعون إخضاعنا باستخدام القوة العسكرية كما فعلوا في السابق. يجب على مشرف أن يتعلم درساً من العراق الذي لم يتمكن فيه أقوى جيش في العالم من أن يقضي على المقاومة المحلية".<BR><BR>وبعيداً عن تهديدات مشرف، وعلى الرغم من أن المتمردين قد تحدوا سلطة الدولة إلى أبعد الحدود ، إلا أن الحكومة مترددة بشكل واضح للجميع في استخدام القوة العسكرية ضد المتمردين كما فعلت في منطقة جنوب وزيرستان في العام الماضي لإرغام – حسب دعاوى الحكومة - المقاتلين الأجانب على الخروج من مخابئهم؛ ويمكن عزو هذا التردد للأسباب التالية:<BR>- الكثير من القادة العسكريين في الجيش الباكستاني يضغطون على الرئيس مشرف بشأن العديد من القضايا العالقة، وخصوصاً طريقته في التعامل مع الهند ومواقفه المؤيدة بدون تردد للسياسات الأمريكية، ولهذا فإنه لا يرغب في فتح جبهة مواجهة جديدة.<BR><BR>- القوى السياسية الباكستانية بدأت تشعر بالقلق من سياسات مشرف خصوصاً بعد تخليه عن وعوده السابقة بالتخلي عن منصبه العسكري.<BR><BR>- التزمت الأحزاب الليبرالية الباكستانية مثل حزب الشعب الصمت فيما يتعلق بعملية جنوب وزيرستان، ولكن جميع الأحزاب مرشحة لمقاومة أي عملية عسكرية في بلوشستان.<BR><br>