سنة لبنان.. أين هم من الأزمة الحالية؟
26 محرم 1426

تعد لبنان من أكثر دول العالم تمايزاً من الناحية الطائفية الدينية، بنسب متوازية تقريباً، ما أفضى إلى تقسيمات سياسية داخلية على أساس طائفي صرف، فرئيس الحكومة يجب أن يكون من طائفة النصارى المارون (حسب الدستور اللبناني)، ورئيس الحكومة يجب أن يكون من المسلمين السنة، أما رئيس البرلمان، فينص الدستور على أن يكون من المسلمين الشيعة.<BR><BR>ومن بين البلدان العربية، يتفرد لبنان باحتوائه هذا المزيج غير المتجانس من الانتماءات الطائفية، التي تتغيّر تركيبتها بشكل مستمر.<BR>ففي بداية قيام الدولة اللبنانية التي أسسها الفرنسيون لضمان إقامة دولة للموارنة عام 1920م، كان النصارى المارون (إضافة إلى مزيج من الطوائف النصرانية الأخرى) يشكلون الأغلبية في تلك الدولة الناشئة.<BR>وخلال السنوات القليلة الماضية، عندما أصبحت لبنان تمتد لتشمل سهل البقاع والمدن الساحلية، بات النصارى يشكلون أغلبية بسيطة تعدت الـ50% بقليل.<BR><BR>ولكن، وخلال السنوات التالية، وصولاً إلى بداية السبعينيات، أصبح المسلمون (بمختلف طوائفهم السنية والشيعية) يشكلون النسبة الغالبة من لبنان الحديث، انحسر خلالها الوجود النصراني إلى الثلث تقريباً.<BR><BR>اليوم، وحسب آخر بيانات رسمية، فإن نسبة المسلمين في لبنان تبلغ 54% بعدد إجمالي يقدر بـ2 مليون مسلم، منهم 1200000 شيعي (بنسبة 32%) و750000 سني، بنسبة (20%).<BR>أما النصارى فيبلغ تعدادهم حوالي 1450000، بنسبة تصل إلى (40%) تقريباً، منهم (23%) من المارون، و(11%) من الكاثوليك، و(3.2%) من الأرثوذكس الأرمن.<BR>فيما يشكل الدروز نسبة (5.7%) بعدد إجمالي يقدر بنحو 21000 تقريباً.<BR> <BR>ولو نظرنا إلى تاريخ الدولة اللبنانية، لوجدنا أن المسلمين السنة هم أقل الأصوات فاعلية في القرار السياسي اللبناني، وأقل الطوائف سيطرة وسلطة، رغم العدد الكبير الذي لا يستهان به في دولة تقسمها الطائفية، وتحولها إلى قطع صغيرة.<BR><BR>على سبيل المثال، ورغم أن نسبة الشيعة تعد أعلى من نسبة السنة، إلا أن طائفة الشيعة تنقسم إلى قسمين رئيسين متقاتلين فيما بينهما، هما: حركة (أمل) وما يعرف باسم (حزب الله)، وهما فصيلان متناحران، قسما الوجود الشيعي إلى نصفين تقريباً، ما جعل الصوت الشيعي المدعوم من قبل رئيس البرلمان نبيه بري (رئيس حركة أمل) يحظى بأصوات نصف الشيعة، وكذلك الأمر بالنسبة لحسن نصر الله، الأمين العام لـ(حزب الله).<BR><BR>وكذلك الأمر بالنسبة لطوائف النصارى، الذين تبلغ نسبتهم نحو 40%، إذ إن منهم نسبة 23% فقط من المارون الذين يتولون السلطة.<BR>ومع ذلك، تعد الطوائف النصرانية طوائف متصارعة فيما بينهما، فميليشيات ميشيل عون النصرانية، وميليشيات سمير جعجع، تقاتل ضد المارون الموالين لسوريا، والذين يتبوؤون منصب الرئاسة في لبنان.<BR><BR>وبالتالي، فإن المسلمين السنة، رغم قلتهم بشكل عام، إلا أنهم يمثلون أغلبية بتماسكهم وسط انقسامات الطوائف الأخرى، ومع هذا نرى أن السنة هم الأقل حظاً في التأثير على الساحة اللبنانية.<BR>وتتفاوت التفسيرات لذلك فمن يقول: إن هذا لقلة الدعم الدولي لها، مقارنة بدعم سوري إيراني للشيعة، ودعم فرنسي للمارون، ويراها البعض ضعفاً في الموقف السني الموحد، وانشغال القيادات السنية بالعمل الاجتماعي والديني أكثر من العمل السياسي.<BR><BR><font color="#0000FF">الموقف السني من الأزمة الأخيرة: </font><BR>باعتباره المرجع الأعلى للمسلمين السنة في لبنان، فإن البيانات التي أصدرها (مفتي لبنان) الشيخ محمد رشيد قباني، عبّرت بشكل عام عن توجه أهل السنة في لبنان، بعيداً عن بعض الحوادث التي جرت في بعض المدن والمناطق اللبنانية.<BR><BR>وفي أول رد فعل له على اغتيال الحريري، أكد المفتي قباني على "الالتزام سقف الثوابت وهي اتفاق الطائف". بالإضافة إلى تأكيدهم على نبذ "الشعارات العنصرية".<BR><BR>وأكد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى (الذي عقد برئاسة المفتي قباني بعد اغتيال الحريري) عدم الرضا عن إجراءات التحقيق في حادث اغتيال الحريري، كما أكد تطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً مشدداً على ضرورة "الاحتكام إليه واحترام ما تضمنه من أحكام ومبادئ ولا سيما ما يتعلق منها بتنظيم العلاقات بين لبنان وسوريا". <BR>وأصدر بياناً تلاه (عضو المجلس) عبد الحليم الزين، قال فيه: " يؤكد المجلس على اللبنانيين جميعاً، والقوى السياسية المختلفة، التحلي بالحكمة والرؤية، ضناً بوطنهم، وحرصاً على مصالحهم، ومعالجة الأمور بموقف ثابت وجامع، احتراماً لروح الرئيس الحريري، وتمثلاً بما كان يتحلى به من عظيم الخلق، وكبر النفس، والصبر والأناة، وحفاظاً على إنجازاته العمرانية والاجتماعية والاقتصادية، والمكتسبات التي عمل الرئيس على توفيرها للبنانيين، ولا سيما الحفاظ على الوحدة الوطنية، والروح اللبنانية العالية التي تجلت بعد استشهاده (...)، والتي افتدى الرئيس الحريري نفسه من أجل صونها وتعزيزها".<BR>وهو ما عكس روح (البعد عن الطائفية والعنصرية) التي دفعت السنة ضريبتها مرة أخرى، باغتيال أهم الشخصيات السنية الفاعلة في لبنان منذ سنوات طويلة.<BR>فعلى الرغم من المرجعية الدينية التي يحظى بها المفتي محمد القباني، إلا أن الشخصية السنية الأولى في لبنان، كانت تتمثل في الحريري، الذي كان مهندس اتفاقية الطائف، التي أنهت الصراع الدموي الطائفي في لبنان، وكان أهم شخصية سياسية استغلت نفوذها في حصول لبنان على دعم دولي من دول خارجية، عبر المعونات الاقتصادية والديون طويلة الأجل، وعبر تبني بعض القرارات الدولية في الشأن اللبناني.<BR><BR>على سبيل المثال، فإنه وخلال السنوات الطويلة التي تلت عام 1991م، موعد انسحاب القوات السورية وفقاً لاتفاقية الطائف المبدئية، التي نظمت خروج القوات السورية من لبنان، حافظت فرنسا على دور اقتصادي وثقافي مع لبنان، عبر دعم متعدد الأوجه، شكّل الحريري جسراً بينهما في كثير من القضايا الكبيرة.<BR>وعندما قرر الحريري الوقوف ذد الوجود السوري، والانحياز للمعارضة، وافقت فرنسا على الفور، على دعم توجه الحريري، وساندت الولايات المتحدة، التي أصبح صوتها مسموعاً هذه المرة (بوجود حليف قوي من داخل الاتحاد الأوروبي) فمررت بسهولة القرار رقم (1559) القاضي بضرورة انسحاب القوات السورية من لبنان.<BR>وعلى الصعيد الداخلي، يعد الحريري أكثر الشخصيات الاقتصادية التي دعمت لبنان واللبنانيين، فمن إعادة إعمار صيدا، وأسواق بيروت، مروراً بدعم الجمعيات الخيرية وبناء المساجد (كمسجد محمد الأمين الضخم الذي دفن فيه) وليس انتهاءً بفرص العمل لآلاف اللبنانيين وتدريس آلاف الطلاب على حسابه الخاص داخل وخارج لبنان.<BR>بل إن الدعم الذي كان يحصل عليه المفتي القباني، كان يأتي مصدره الأساسي من الحريري، الذي استطاع أن يحقق توازن للقوة السنية في لبنان (للمرة الأولى) بوجه القوة العسكرية الشيعية، والقوة المدعومة دولياً وعربياً للموارنة.<BR><BR><font color="#0000FF">موقف الجماعة الإسلامية في لبنان: </font><BR>عبّرت الجماعة الإسلامية في لبنان (كبرى الحركات السنية المنظمة في البلاد) عن موقفها المحدد من التجاذب المستمر بين الحكومة والمعارضة منذ اغتيال الحريري، وفضّلت (كعادتها)الوقوف على الحياد، منعاً لمزيد من الاحتقان الطائفي، وتقليلاً من حجم القوى المؤثرة والمتأثر في الأزمة، ودرءاً لإدخال السنة في حرب قد تكون هي أكبر الخاسرين فيها مرة أخرى.<BR><BR>فعلى الرغم من أن الحريري محسوب (طائفياً وسياسياً) على المسلمين السنة في لبنان. إلا أن الجماعات الإسلامية فضّلت الحياد، بعيداً عن مطالب المعارضة أو الحكومة.<BR>إلا أنها دعت إلى استقالة (الرئيس اللبناني) إميل لحود، كحل للأزمة، واستبعاد لإثارة الفتنة، وليس موقفاً معادياً من لحود.<BR><BR>وأطلقت الجماعة ما سمته "مبادرة" لمعالجة الأزمة السياسية المستحكمة في البلاد، وتطالب المبادرة التي أعلنها (الأمين العام للجماعة) المستشار الدكتور فيصل مولوي في مؤتمر صحفي عُقد في بيروت مؤخراً؛ بإقالة المسؤولين عن الخرق الأمني الكبير الذي تسبّب بحدوث جريمة اغتيال الحريري، وأن يجري التحقيق بإشراف لجنة منتدبة من الجامعة العربية وبمشاركة ممثل عن عائلة الحريري، واستقالة رئيس الجمهورية من أجل تخفيف الاحتقان والمحافظة على وحدة البلاد، حسبما أكد البيان.<BR><BR>ودعت المبادرة أيضاً إلى إطلاق حوار مباشر بين اللبنانيين أنفسهم تمهيداً لحوار بين الدولة اللبنانية وسورية بهدف الوصول إلى صيغة توافقية جديدة لاستكمال تنفيذ اتفاق الطائف، وأخيرا إجراء الانتخابات في "ظروف طبيعية"، تشمل إصدار قانون جديد للانتخابات، على أن تشكل هيئة عليا للإشراف عليها من كبار القضاة.<BR><BR>وناشدت الجماعة الإسلامية في مبادرتها (الرئيس السوري) بشار الأسد "إعلان مبادرة أخوية تجاه الشعب اللبناني تساهم في استعادة العلاقات المميزة بين الشعبين"، فيما يمكن أن يُفهم منه مطالبة سورية بسحب قواتها من لبنان، وهو أبرز محطات الخلاف بين سورية والمعارضة اللبنانية.<BR><BR>وفي أهم بنود المبادرة، ناشدت الجماعة الإسلامية في لبنان "الرئيس أميل لحود، أن يتقدّم إلى الشعب اللبناني المكلوم ببيان يعلن فيه عزمه على الاستقالة من أجل تخفيف الاحتقان والمحافظة على وحدة البلاد، وحتى لا يترك الوطن في مهبّ الرياح العاتية، وذلك بعد إجراء الانتخابات النيابية في موعدها".<BR>كما أن الجماعة رفضت تصنيفها في خانة الحكومة اللبنانية؛ بقولها في المبادرة: "إن تجمّع عين التينة أصبح محسوباً على الموالاة (للسلطة)، ونحن لم نكن في أيّ يوم معها؛ وحتى نكون أكثر قدرة على التحاور مع الجميع من أجل الحفاظ على لبنان ومستقبله؛ نعلن امتناعنا عن حضور اجتماعاته، مع تمسّكنا بالثوابت الوطنية التي قام عليها لبنان ما بعد الطائف، ومع استعدادنا للمشاركة في أي جلسة حوارية مع أي من الأطراف"، على حد تعبيرها.<BR><BR><font color="#0000FF">هل يشارك السنة بالمظاهرات: </font><BR>سؤال أجابت عنه الكثير من المصادر الإعلامية العربية والغربية، دون عناء في قراءة الموقف السني من الأزمة الأخيرة، بالقول: "نعم"!<BR><BR>ولكن، على اعتبار أن الأزمة تفجّرت بسبب اغتيال رفيق الحريري (الممثل السياسي لتيار السنة في الحكومة اللبنانية)، فإن السنة يجب أن يكونوا أكثر الأطراف فاعلية في الأزمة الأخيرة، إلا أن ذلك لم يحدث، وبدل ذلك تجمعت قوى معارضة مع أسرة الحريري، معتبرة أنها "أحق الناس به"! ما أضفى الطائفية المعارضة على أسرة الحريري.<BR>وهو ما تمثل في تآلب (الزعيم الدرزي) وليد جنبلاط، و(الزعيم الروحي الماروني) صفير، مع حادثة اغتيال الحريري، ودعوى جنبلاط الناس للاعتصام والمطالبة بإسقاط الحكومة، على مقربة من قبر الحريري.<BR><BR>وعلى اعتبار أن أكبر تداعٍ لاغتيال الحريري تمثل باستقالة حكومة عمر كرامي (الممثل السياسي التالي للسنة في الحكومة اللبنانية) فإن السنة يجب أن تقوم بدور أكثر فاعلية في الأزمة اللبنانية، وهو الذي لم يحصل أيضاً، ولم يحدث سوى بعض المشاحنات والمشاجرات في طرابلس (مدينة كرامي) الذين احتجوا غضباً على استقالته، وعلى تحمّل الزعامات السنية آثار الأزمة التي أشعلها استهداف أكبر زعيم للتيار السني في البلاد!<BR><BR>تقول بعض المصادر الإعلامية: " إن التيار السني يقف إلى جانب الموارنة في مطالبة السوريين بالانسحاب، والحكومة بالاستقالة".<BR><BR>إلا أن ما حدث في الحقيقة، هو أن القيادات السنية الرسمية (المفتي قباني) والشعبية (فيصل مولوي) أكدوا وقوف السنة على الحياد، مطالبين بحقن دماء اللبنانيين، وعدم الانخراط وراء دعاوى الغرب،<BR>كما أنهم لم يحضروا اجتماع (قرنة شهوان) المعارض، ولم يتبنوا الموقف الحكومي الرسمي.<BR>وما حدث، لم يكن سوى تداعيات شخصية من قبل البعض، أثارها العمل الاستفزازي بحق القيادات السنية المسلمة في البلاد، والتي حاول الجميع الاستفادة منها، من أجل تمرير مطالبهم وأهدافهم.<BR><br>