شارون في المغرب العربي
6 صفر 1426

على الرغم من أنّ دول المغرب العربي بعيدة جغرافياً عن حقل الصراع العربي الإسرائيلي إلاّ أنّ دول المغرب العربي وجدت نفسها أو بالأحرى أقحمت نفسها في أعماق هذا الحقل بما يخدم المصلحة الصهيونية بالدرجة الأولى، وبعد أنّ كانت علاقات الكواليس بين أكثر من عاصمة مغاربية والكيان الصهيوني ساخنة بدأت هذه العلاقات تخرج إلى العلن و على أعلى المستويات محققّة انتصاراً دبلوماسياً مجانياً لصالح الكيّان الصهيوني، وهو الأمر الذي قصده وزير خارجية الكيان الصهيوني بقوله: إنّ الجليد سيذوب قريباً بين حكومته و معظم الدول العربية. <BR><BR>وتأتي خرجة (الرئيس التونسي) زين العابدين بن علي باستضافة (رئيس الحكومة الصهيونية) آرييل شارون في تونس لتؤكّد كل ما قيل عن علاقات سرية ثقيلة بين تونس والكيان الصهيوني والتي جعلت رئيس الربيين التونسيين يتصل بالقيادة السياسية في تل أبيب ويخبرها أنّ يهود تونس في وضع رائع، وقد يكون أروع من المواطنين الأصليين الذين قمعتهم الشرطة التونسية و هم ينددون بزيارة شارون المرتقبة إلى تونس. <BR><BR>ويعتقد العديد من السياسيين في المغرب العربي أن الدولة العبرية تراهن كثيراً على المغرب العربي، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية، وقد لعبت الجاليات اليهودية التي استوطنت في المغرب العربي دوراً كبيراً في تحقيق التقارب بين دولتهم العبرية ودول المغرب العربي،والعديد من اليهود ذوي الأصول المغاربية تولوا مناصب سياسية حساسة في الدولة العبرية وهذا ما يفسر مثلاً طرح المغرب نفسه كوسيط في أوج الصراع العربي –الإسرائيلي، كما أن بعض اليهود المغاربة شغلوا مناصب استشارية لدى (العاهل المغربي الراحل) الحسن الثاني، ومنهم دافيد بن عمار وأندريه أزولاي الذي ما زال مستشاراً للملك الشاب محمد السادس.<BR><BR>وعلى مدى سنوات الصراع العربي –الإسرائيلي لعب المغرب أدواراً غير معلنة وصفت بأنها من الأهمية بمكان بحيث إن (رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال) إسحاق رابين وعقب توقيعه على اتفاق غزة –أريحا أولاً في واشنطن توجه إلى الرباط لتقديم شكره الخاص لـ(العاهل المغربي الراحل) الحسن الثاني على المساعي التي بذلها في سبيل تحقيق التقارب الإسرائيلي –الفلسطيني.<BR><BR>صحيح أن الرباط لم تكن تعلن عن كثير من لقاءات السر والكواليس والزيارات التي كان يقوم بها إسرائيليون إلى المغرب، والتي كان يصادف أن يجهر بها الملك المغربي الراحل في بعض أحاديثه الصحفية وقد أصبح اليوم للدولة العبرية سفارة كاملة الأركان في المغرب.<BR><BR>و تونس التي استضافت منظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من بيروت أعلنت هي الأخرى بعد التوقيع على اتفاق غزة-أريحا عن فتح مكتب لها في تل أبيب، وكذلك فعلت موريتانيا التي أقامت مهرجاناً في واشنطن أعلنت فيه عن تدشين العلاقات الموريتانية-الإسرائيلية، والجزائر بعثت أكثر من رسالة إلى الدولة العبرية مفادها أن التطبيع على الأبواب و تأجيل التطبيع الجزائري-الإسرائيلي سابقاً كان بسبب تردي الوضع الأمني وكان الرسميون الجزائريون يخافون أن يؤدي التطبيع مع إسرائيل إلى مفاقمة الوضع الأمني وتجيير المعارضة هذا التطبيع لصالحها، كما أنّ ليبيا أعلنت وعلى لسان العقيد معمّر القذافي ألا عقدة قائمة بين ليبيا الإفريقية و إسرائيل، وذلك مؤشّر على قرب عودة العلاقات الثنائية بين البلدين. <BR><BR>وتراهن إسرائيل على المغرب العربي لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية وجيوسياسية، فعلى الصعيد الاقتصادي تبرز الدراسات الإسرائيلية أن الأسواق في المغرب العربي تستهلك المنتوجات الصناعية والزراعية بما يفوق 30 مليار دولار سنوياً، وهذه البضائع تصل معظمها من فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال وبلجيكا، وحسب الدراسات الإسرائيلية، فإن الدولة العبرية بإمكانها أن تزود الحزام المغاربي بنفس البضائع التي تأتي من دول المتوسط وبتكاليف أقل مما هي عليه التكاليف الغربية، وقد تصل هذه البضائع براً عبر مصر وإلى المغرب العربي في حال حصل التطبيع بكل أبعاده.كما أن الدولة العبرية تتطلع بشغف إلى اليورانيوم الجزائري الموجود بوفرة في منطقة التاسيلي الواقعة جنوب الجزائر.<BR>ودائماً حسب الدراسات الإسرائيلية فإن الاستهلاك في المغرب العربي واسع للغاية وتفترض هذه الدراسات بقاء الاقتصاد الاستهلاكي على المدى القريب والمتوسط وحتى على المدى البعيد.<BR><BR>وعلى الصعيد السياسي فإن الدولة العبرية تطمح في إقامة علاقات سياسية ودبلوماسية طبيعية مع دول المغرب العربي و ترى في ذلك استكمالاً لعملية السلام، وعلى الصعيد الأمني فإن أي علاقة بين الدولة العبرية ودول المغرب العربي من شأنها أن تؤدي إلى تنسيق الجهود وتبادل المعلومات حول الحركات الإسلامية التي تعارض في مجملها الصلح مع إسرائيل، وتحاول إسرائيل جاهدة الحصول على معلومات تتعلق بأعضاء في حركة المقاومة الإسلامية حماس والذين بعضهم من حملة الجنسية المغربية <BR>وتحاول <BR>إسرائيل معرفة ما إذا كان هناك تنسيق بين الحركات الإسلامية في المغرب العربي، وتلك الموجودة في فلسطين ولبنان والأردن ومصر.<BR><BR>وعلى الصعيد الجيوبوليتيكي فإن الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية تبين أن التطبيع مع الشمال الإفريقي ضروري لجهة تكريس الدور الإسرائيلي في كل القارة الإفريقية وتظهر بعض التقارير أن الدولة العبرية نجحت إلى أبعد الحدود في ترميم علاقاتها بكل الدول الإفريقية، وأنها بدأت تجني ثمار هذا الترميم و الشمال الإفريقي هو بوابة إفريقيا فلابد من استحكام الدور في كل الاتجاهات كما يرى إستراتيجيو الدولة العبرية!<BR><BR><font color="#0000FF"> إسرائيل تخترق المغرب العربي! </font><BR>في الوقت الذي يقتل فيه الفلسطينيون جملة وتفصيلاً بفعل الغطرسة الصهيونيّة فإنّ بعض الدول في المغرب العربي لا يعنيها البتّة ما يجري في الأرض المحتلة ويعنيها أمر الربح السريع القادم _للأسف الشديد_ من الدولة العبريّة التي تدشّن يوميّا مقبرة جديدة للأبرياء الفلسطينيين في الأرض المحتلة.<BR>وقد كشفت مصادر في وزارة التجارة الجزائريّة في وقت سابق أنّ شركة تجاريّة في شرقي الجزائر كانت على الدوام تصدّر النحاس والألمنيوم إلى الدولة العبريّة عبر قبرص، وقد استغلّت هذه الشركة تشجيع الدولة الجزائرية تصدير المواد الإنتاجيّة من غير النفط والغاز، وأفادت معلومات أوليّة أنّ أزيد من سبعين شخصاً يصدرّون الألمنيوم والنحاس إلى إسرائيل التي تودع ثمن البضائع الموردّة في حسابات خاصة بهؤلاء في بنوك أوروبيّة، وقد أكدّ العاملون في هذا المجال أنّها ليست المرة الأولى التي يتمّ التعامل فيها مع الدولة العبريّة بل إنّ العمليّة التي كشفت عنها جريدة الخبر الجزائريّة وحصّة المحقق التلفزيونية في الجزائر تأتي بعد سلسلة من عمليات بيع بالجملة للألمنيوم والنحاس لإسرائيل.<BR><BR>وحسب مصادر عليمة فانّ الجهات الرسمية كانت على علم بكل الصفقات وأنّ أصحاب هذه الصفقات لهم علاقة بالمافيا الجزائرية التي ازداد نفوذها في العشر سنوات الأخيرة، وقد اعترف (مدير عام الجمارك) سيد علي لبيب بوجود مثل هذه الحالات لكن وبتعبيره لا يوجد قرار سياسي بتعريّة هذه الحالات، والعجيب أنّ النحاس والألمنيوم المباع لإسرائيل هو من بقايا سكك الحديد المسروقة والكابلات المسروقة والمصنوعة من النحاس، وحسب معلومات أكيدة فانّ المافيا المتورطة في هذه التجارة المشبوهة مع إسرائيل استغلّت الأزمة الأمنيّة في الجزائرية، وراحت تفتح قنوات مع الدولة العبرية.<BR><BR>وتأتي هذه الفضيحة التي كشفت عنها وسائل الإعلام الجزائرية بعد أن أفاد مراقبون في العاصمة الجزائرية أنّ واشنطن طلبت من الجزائر بعد مقابلة بوتفليقة – بوش في البيت الأبيض بتاريخ 12 تموز – يوليو قبل سنتين إعادة فتح قنوات مع الدولة العبريّة، ومن الجزائر وإلى موريتانيا جرت ترتيبات عسكريّة بعيدة عن الضوء بين نواكشوط وتل أبيب لإجراء مناورات عسكريّة موريتانيّة - إسرائيليّة في محاولة من الدولة العبريّة لجعل موريتانيا كتركيا – تركيا خنجر إسرائيلي في جسد المشرق العربي وموريتانيا خنجر إسرائيلي في جسد المغرب العربي -، ومازالت الاتصالات نشيطة للغاية بين تل أبيب ونواكشوط ، وهناك صفقات بين العاصمتين متوسطة وبعيدة المدى، و هذا ما يجعل موريتانيا تغضّ الطرف عن الانتقادات العربيّة؛ لأنّ الربح الذي تنتظره وفي نظرها يعّد أكبر من كل الذي جنته موريتانيا من علاقاتها العربيّة.<BR><BR>وللسفارة العبريّة في موريتانيا نشاط كبير، وخصوصاً بعد أن دبّت البرودة بين نواكشوط والعواصم العربية بسبب الزيارة التي قام بها (وزير خارجية موريتانيا) الدا ولد عيدي إلى الدولة العبرية في العهد الشاروني، ويفيد مصدر موريتاني مطلّع أنّ الاتفاقات السريّة في المجال التجاري والصناعي والعسكري بين الدولة الموريتانيّة والدولة العبريّة كبير ومهم للغاية لكن لم يحن الوقت للإعلان عن هذه الاتفاقات للضرورات المعروفة، أمّا في المغرب فرغم إعلان المغرب عن تجميد مكتبه التمثيلي والدبلوماسي في تل أبيب، فإنّ سياسة القنوات المفتوحة مع الدولة العبريّة مازالت ساريّة، وانشغال المغاربة بالملفات الداخليّة حال بينهم وبين متابعة سلسلة الاتصالات السريّة، خصوصاً وأنّ لليهود المغاربة مصالح اقتصاديّة كبيرة ومن خلال المغرب يصدرون بضائع بلادهم إسرائيل إلى الدولة التي لا يوجد بينها وبين الدولة العبريّة علاقات سياسية وتجاريّة. وفي تونس فإن وكالات السفر والساحة منشغلة بنقل الآلاف من الإسرائيليين من أراضي الأرض المحتلة في فلسطين وإلى تونس للحج إلى مقام غريبة في الساحل التونسي، والذي ينتظر أن يشهد زيارات مكثّفة إلى المقام الذي يوليه اليهود أهميّة خاصة، والسلطة التونسيّة تعد ذلك جزءاً من تنشيط صناعة السيّاحة، و قد بلغت الترتيبات أوجهاً بين تونس والكيان الصهيوني، حيث أدت الاتصالات السرية إلى تنظيم زيارة لـ(رئيس الحكومة الإسرائيلية) شارون إلى تونس، والذي قد يعرج إلى ليبيا، وخصوصاً بعد أراح مشروع القذافي لأفرقة ليبيا من الالتزامات الإسلامية والقومية لهذه الأخيرة، و هذا يعني تدشين العلاقات الصهيونية – الليبية، والتي يجري التمهيد لها. <BR><BR>إنّ الدول المغاربيّة في إعلانها عن وقف الاتصالات مع الدولة العبريّة عقب وصول آرييل شارون إلى رئاسة الحكومة هو من باب رفع العذر والضحك على الشعوب التي تضرب بالقنابل المسيلة للدموع؛ لأنّها لا تقبل بوجود مسؤول إسرائيلي على أراضيها، والواقع أيضا فإنّ المصالح الماديّة للدول المغاربية التي مازالت قنواتها مفتوحة مع الدولة العبريّة هي أولى وأهمّ من كل الشهداء الذين يسقطون يوميّاً في الأرض المحتلة، وربمّا من أجل كل الذي سلف لم تنبس العواصم المغاربيّة ببنت شفة في المذابح المتواصلة في الأرض المحتلة ضدّ الشعب الفلسطيني، وما ينطبق على المغرب العربي ينطبق على مشرقه، وتلك الكارثة التي جعلت كل الأوراق بيّد هولاكو عصره آرييل شارون!!!!<BR><br>