الرؤية الأمريكية للجنرال مشرف
17 صفر 1426

تركيا فقدت قيادتها للعالم الإسلامي، وربما كان المسلمون يبحثون الآن عن قيادة لهم من مسلمي روسيا، وهذا قد يكون من أخطر عوامل الجذب بين المسلمين، ولهذا فإن هناك الكثير مما يجب القيام به من أجل إيجاد قوة إسلامية مدعومة بالعلوم البريطانية؛ حيث يبدو أنه من الضروري حصر الإسلام بين الشيوعية الروسية والهندوسية. قال ذلك السير الجنرال فرانسيس توكر (قائد القيادة المركزية للقوات البريطانية في الأجزاء الشرقية من الهند).<BR><BR>بعد سنوات قليلة زادت على نصف قرن من مقولته تلك؛ عادت قوى سياسية فاعلة لإتمام مشروع إيجاد تلك القوة الإسلامية المحصورة بين فكي روسيا والهندوسية وازداد حماسها بعد أحداث 11/9 ، ومن غير الممكن تخيل زعيم أفضل من الجنرال برويز مشرف للقيام بدور البطولة في هذا المشروع، وربما كان هذا هو الدور الذي ترغب الولايات المتحدة بإناطته إلى الجنرال ليقوم به.<BR>فمنذ أن وصل إلى السلطة وهو يفكر في صياغة ثوب خاص من الديموقراطية قال: إنه يحلم بأن يكون على مقاس الشعب الباكستاني، وحرص أيما حرص على نشر صورته حينها وهو يحمل كلبيه بطريقة توضح تصوره لهذه الديموقراطية وحرص كذلك على تأكيد ولائه التام لنظام الحكم التركي الذي أعقب اندحار الحكم العثماني لأجزاء واسعة من العالم الإسلامي.<BR><BR>ومن بين ما أكده الجنرال لدى توليه السلطة القول بأن أمامه ثلاث سنوات يحتاجها لإجراء التغييرات السياسية والدستورية التي يطمح إليها وبعد أن تم له ذلك بحكم من المحكمة العليا فإنه خرج على قومه قائلاً بأن خطواته التالية، والتي تضمن عدم تزحزح نظام الحكم الباكستاني عن الطريق الذي اختطه هو شخصياً له؛ هذه الخطوات تتطلب خمس سنوات حكم أخرى وهو ما يبدو أنه قد أفلح في تحقيقه من خلال تهميش دور التحالف الإسلامي وإلهاء أحزابه ببعضها البعض وإبعادها مجتمعة عن بقية أحزاب المعارضة وجهود الجنرال الأخرى القائمة على مبدأ فَرِّق تَسُدْ، والتي تمثلت في إفراجه المفاجئ عن عاصف زرداري زوج بينظير بوتو على الرغم من قضايا الفساد المرفوعة ضده وعدم قيامه بإعادة المال الذي اختلسه من الرشاوي والعمولات خلال مدة حكم زوجته لفترتين، وكل هذا جاء في إطار صفقة سياسية نجح الجنرال برويز مشرف في عقد خيوطها مع حزب الشعب الباكستاني الذي ترأسه بينظير بوتو، وذلك بهدف تمكين الجنرال من البقاء في السلطة لمدة تزيد عن المدة المقررة آنفاً بعقد انتخابات عام 2007 م العامة.<BR><BR><font color="#0000FF"> باكستان أنموذج للعالم الإسلامي: </font><BR>هذا ما قامت كوندليزا رايس بإطلاع الجنرال برويز مشرف عليه خلال اجتماعها الأخير معه بإسلام أباد في جولتها الآسيوية الأولى بعد توليها لمنصب وزيرة خارجية القوة العظمى التي تتركز مخططاتها في المنطقة على قضية جوهرية وحيدة هي الحفاظ على مصالحها ومصالح الغرب. " باكستان نموذج تحتذيه بلدان العالم الإسلامي".<BR>ومن بين أمور أخرى قامت بالإطراء على (رئيس باكستان، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة) الجنرال مشرف للدور الهام والبارز الذي قام به في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب. انصب هذا الثناء على ما وصفته كوندليزا رايس برؤية الجنرال مشرف الثاقبة لمنطقة جنوب آسيا ومبادراته التي لم تنتهي لدعم السلام بين بلاده والهند ولدعم الاستقرار الإقليمي.<BR><BR>في نيودلهي؛ حرصت المسؤولة الأمريكية على المطالبة بمساعدة نيبال على العودة إلى طريق الديموقراطية، ولكنها لم تطالب بشيء مماثل من الجنرال مشرف وتركته يخيط الديموقراطية التي يراها على مقاس شعبه كما قال لهذا الشعب لدى توليه السلطة في أكتوبر 1999م. وعزوف الولايات المتحدة عن مطالبة مشرف بإحلال الديموقراطية في بلاده وإنهاء سيطرة الجيش على السلطة له ما وراءه من الشكوك، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ماهية الاستقرار والسلام الذي تراه الولايات المتحدة لباكستان، وكيف ترى إمكانية تحقيقه.<BR><BR>ولا يلام المتابع العادي للدعاية الإعلامية التي رافقت زيارة كونداليزا رايس للهند وباكستان وأفغانستان إذا ما اعتقد أن ما يهم الولايات المتحدة من المنطقة هو بيع السلاح لكل من الهند وباكستان والموضوع الإيراني؛ فقد تركز معظم الحديث الإعلامي على قضية بيع طائرات إف 16 لباكستان وللهند بنسب مختلفة وبيع أنظمة الدفاع الصاروخية للهند.<BR>واحتل موضوع معارضة الولايات المتحدة لمشروع أنابيب النفط الإيراني للهند مرورا بباكستان مكانة ثانوية من حيث حجم التغطية الإعلامية التي حظي بها.<BR><BR>إلا أن الأبواق الإعلامية التي رافقت زيارة رايس لباكستان لم تتطرق سوى تلميحاً إلى القضايا الأساسية في العلاقة الراهنة بين باكستان والولايات المتحدة والتي في مقدمتها ملاحقة قيادات القاعدة وطالبان والتوصل لتسوية النزاعات مع الهند وحظر الانتشار النووي والبحث المستفيض في قضية الدكتور عبد القدير خان (رائد البرنامج النووي الباكستاني)، الذي تطالب الولايات المتحدة بأن يقوم خبراؤها بالتحقيق المباشر معه إمعاناً في توجيه الإهانات له وتقليل مكانته؛ بالإضافة إلى مواضيع مثل شطب ما هو هام بالمناهج الدراسية الباكستانية وحشوها بما يفرغها من أي محتوى ذا قيمة، وكذلك بحث الموقف الباكستاني ومدى تشدده تجاه المجموعات الإسلامية المتشددة كما يتم وصفها. موضوع الدكتور عبد القدير اخذ يتطور بعد الزيارة ومن خلال تصريحات شيخ سيد أحمد وزير الإعلام والناطق رسميا باسم الجنرال برويز مشرف وباسم الحكومة الباكستانية، والتي قال فيها: إن الدكتور عبدالقدير قد سلم معدات طرد مركزية لإيران وزودها بأسرار تقنية تصنيع الأسلحة النووية.<BR><BR>والوزير بحكم عمله في باكستان غير مطالب بأن يكون أمريكياً أكثر من الأمريكان في هجومه على العالم النووي الذي ترك متاع عيشه الرغد في أوروبا وعاد إلى باكستان مطارداً لكي يزودها بقدرات الردع النووي التي حمتها من هجوم هندي كان واقعاً لا محالة، وخصوصاً على الأجزاء الخاضعة لباكستان من كشمير إبان توتر الأوضاع بين البلدين وتبنى الهند – مثلها في ذلك مثل أمريكا وإسرائيل – لنظرية تسديد الضربات الاستباقية حتى قبل بروز التهديد أو الخطر.<BR><BR><font color="#0000FF"> الاعتدال المستنير: </font><BR>وفي إطار الاستراتيجية الأمريكية ومخططاتها تجاه العالم الإسلامي والمزاعم المتعلقة بأنه محضن للإرهاب؛ جاءت تصريحات الرئيس الجنرال برويز مشرف متناولة التأكيد على أن باكستان لا تواجه مخاطر خارجية مطلقا وان التهديد الذي يكاد يعصف بوجودها ذاته هو التهديد الداخلي، والذي يشكله التيار الديني المتطرف أو حتى مجرد التدين بصفة عامة، وهو يطالب من يصفها بالأغلبية الصامتة في باكستان بالدفاع عن حقوقها في وجه الذين يحاولون تهديدها داخلياً.<BR><BR>هذا التحول في السياسية الباكستانية جعل الجنرال يتجه إلى منحى آخر، وهو مطالبة المسلمين في باكستان وفي كل مكان آخر بالتسليم بنظرية الاعتدال المستنير التي طرحها في مؤتمر القمة الإسلامية الأخيرة بكوالالمبور، والتي زعم أنها الطريق الوحيد لإنقاذ المسلمين وإخراجهم مما يصفه بالعزلة بين دول المجموعة الدولية. ويؤكد كذلك أن هذه العزلة التي يراها نابعة من المخاطر الدينية ومن قصور لدى المسلمين أنفسهم وعدم قدرة لديهم على التعامل المناسب مع المعطيات الدولية، وأنه هو من سيوضح لهم مسارهم، ولهذا فإنه يجب أن يظل في الحكم لحين تحقيق ذلك.<BR><BR>والحقيقة هي أن نظرية الاعتدال المستنير أو كما يسميها البعض في باكستان الاستسلام المستنير هي الوجه الذي ترغب من خلاله الولايات المتحدة مواجها النظريات والأفعال التي تطلقها القاعدة كما أنها تعبير عن الاستراتيجية الخاصة بتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة ومنها إلى مشروع أيديولوجي شامل أكثر أبعاداً واتجاهات، ويشي بذلك الاعتقاد الراسخ لدى الناطق بهذه النظرية بأن المشكلة تكمن في المسلمين أنفسهم وليس في القوى التي تهاجمهم من الخارج.<BR><BR>إن هذه النظرية كما تفسرها تصريحات الجنرال مشرف هي مدى قدرة باكستان على إعادة تخيل هويتها وجعلها تقوم على أساس أنها كيان تغلب عليه العلمانية (كالنظام التركي الذي لا يزال يشكل عامل إبهار وإعجاب لدى مشرف الذي قضى سنوات شبابه الأولى في أنقرة) ودولة ديموقراطية تقدمية وليست حاضناً للأفكار المتطرفة كما يراها.<BR>مؤدى هذا المشروع الشامل هو إقامة أو تصنيع أمة أو مجموعة ممن تصفهم بالمتدينين ومكونة من أطياف متفرقة من المنتفعين، والذين تتضارب أفكارهم وآرائهم ومصالحهم بشكل فاضح ولكنهم يصاغون في بوتقة الصورة التي النهائية التي تريدها القوة العظمى للمسلمين والكيفية التي تريدهم من خلالها أن يديروا شؤونهم دون أن يكون بمقدورهم الخروج قيد أنملة عن المعطيات المحصورة في الإطار الخارجي لهذه الصورة. <BR><BR>والمخطط الأمريكي لجنوب آسيا لا يتخذ من باكستان مركزاً لأنشطته بل يجعل الهند مقرا لذلك، وعلى الرغم من أن خبرة كوندليزا رايس السياسية منصبة على المعسكر الأوروبي الشرقي إلا أنها قبل زيارتها الأخيرة لآسيا قد حددت العناصر الرئيسة لمنطقة جنوب آسيا.<BR>وكانت في خلال كتابتها بدورية الشؤون الخارجية الأمريكية عام 2000م قد "طالبت الإدارة الأمريكية بإيلاء الدور الهندي في التوازن الإقليمي الأهمية التي يستحقها". واحتجت على ما وصفته "بالاكتفاء بالربط بين الهند وباكستان والتفكير فقط بما يشغلهما من التنافس النووي وقضية النزاع الكشميري" في حين أنه يجب على الإدارة الأمريكية – كما تضيف – "أن تضع الهند في الحسابات الصينية كذلك وفي الحسابات الأمريكية أيضاً". فهي تؤكد على أن "الهند ليست بالقوة العظمى الآن ولكنها تحتفظ في عمقها بالقدرات اللازمة لتحويلها إلى قوة إقليمية عظمى".<BR><BR>وببساطة فإن كوندليزا والمؤسسة السياسية التي تمثلها تعتقد بأن الهند لديها البعد الاستراتيجي لكي تكون قوة المواجهة الرئيسة في وجه الصين، والكثيرون في الهند كـ(وزير الدفاع الهندي السابق) جورج فيرنانديس يشخصون تنامي القدرات العسكرية التقليدية وغير التقليدية لبلادهم وعلاقاتها بالولايات المتحدة على أنها إستراتيجية تهدف إلى مواجهة الصين.<BR><BR>وهذه الوضعية ليست جديدة؛ فقبل أن تبدأ حالة الوفاق الأمريكي - الصيني في السبعينات من خلال باكستان، فإنها قد أدت إلى إلغاء الأنشطة العسكرية التقليدية بين أمريكا والهند، والتي استهدفت قطاع التبت الخاضع للصين، حيث كانت الولايات المتحدة تزود أجهزة الاستخبارات الهندية التي تحولت الآن إلى ما يطلق عليه مركز الأبحاث التابع لجناح البحث والتحليل (الراو)، تزودها ضمن أشياء أخرى بطائرات ومعدات تقنية للتجسس على الصين، وقامت كذلك قبل الوفاق مع الصين بتزويد عناصر قوات التبت غير الرسمية العرقية التي كانت تسمى بالمؤسسة 22 بالتدريب وبالأسلحة لشن هجماتها ضد الصين.<BR><BR>الموضوع الإيراني<BR> <BR>كعهدها دائماً فإن القوات الباكستانية تقوم بحملة مداهمات لملاحقة من تصفهم بالإرهابيين قبل كل زيارة لمسؤول أمريكي إلى باكستان؛ ولكن زيارة كوندليزا رايس قد تناولت مواضيع أخرى غير الإرهاب لبحثها مع الجنرال مشرف، والتي منها الموضوع النووي الإيراني، وتركت مناقشة مسألة اجتثاث الإرهاب من جذوره للجنرال مشرف وضيفه (الرئيس الأفغاني) حامد كرزاي للتداول حوله. <BR><BR>فقد أكدت التقارير أن الرئيس بوش قد أقنع الجنرال مشرف قبيل زيارة رايس بتقديم الدعم والتعاون الباكستاني، وخصوصاً الاستخباراتي مع أمريكا في مواجهتها مع إيران مقابل امتناع الولايات المتحدة عن الإصرار على المطالبة بالتحقيق المباشر مع رائد القنبلة النووية الباكستانية.<BR><BR>وهذا يعزز التقارير التي ظهرت طوال الشهور الماضية لتفيد بان باكستان منحت الجنود الأمريكان وعناصرهم الاستخباراتية ومعداتها حق العمل بالقرب من الحدود الباكستانية مع إيران بما في ذلك تدريب القوات الأمريكية الخاصة بمدينة كراتشي، وذلك تحضيراً لأي عملية تقوم بها القوات الأمريكية من إقليم بلوشستان.<BR><BR>وبالإضافة إلى ذلك فإن باكستان قامت بتزويد الأمريكان بأدلة جديدة حول نوعية الأجهزة والمعدات التي قام العالم النووي الدكتور عبدالقدير خان بدعم البرنامج النووي الإيراني بها. <BR><BR>فقد استمر الرئيس الجنرال مشرف منذ سبتمبر الماضي في معارضته لمنح الولايات المتحدة أي أدلة بشأن الانتشار النووي لكي لا تستخدمها لضرب بلد إسلامي آخر، ولكنه وفي نهاية شهر فبراير الماضي قد انقلب رأساً على عقب وصرح بأن بعض العلماء النووين الباكستانيين قد زودوا إيران بتقنيات نووية متقدمة، ومن ثم قام وزير الإعلام الباكستاني في الأسبوع الماضي بالإفصاح عن أن العالم النووي عبدالقدير خان قد زود إيران بأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في صنع الأسلحة النووية وليس مجرد المخططات والرسومات الخاصة بذلك.<BR><BR>وفي هذا الإطار فإن الرئيس مشرف قد سمح للمقاتلين المعادين للنظام الإيراني بالعمل من إقليم بلوشستان، ويتضمن هؤلاء المقاتلين عناصر من تنظيم مجاهدي خلق التي تعد رسمياً منظمة إرهابية في قوائم وزارة الخارجية الأمريكية ولكن لا بأس من الاستفادة بها لتحقيق مآرب وأهداف المخططات الاستراتيجية الأمريكية للمنطقة!<BR><BR><br>