"حماس".. دوافع الأسلوب الجديد في المقاومة
22 صفر 1426

توقع العديد من المراقبين اتخاذ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قراراً شجاعاً بالمشاركة في انتخابات المجلس التشريعي المزمع إجراؤها في أواسط شهر يوليو القادم، أي بعد أربعة شهور من الآن؛ لأن "الحركة"، كما قال العديد من مسؤوليها، ليست حركة "جامدة" بل هي حركة حيّة تقرأ المعطيات جيداً، وتدرك الظروف السياسية المحيطة بالشعب الفلسطيني بصورة خاصة، ولأن المسؤولين في الحركة أشاروا أكثر من مرة إلى إمكانية هذه المشاركة عبر تصريحات عديدة.<BR><BR>أثار قرار المشاركة الذي أعلنه القيادي الدكتور محمد غزال في مؤتمر صحفي، العديد من ردود الفعل الإيجابية، وكذلك اهتمام المراقبين والمحللين والقياديين السياسيين من مختلف التوجهات والانتماءات، وأكدوا أن الظروف مواتية لاتخاذ مثل هذا القرار الشجاع والمصيري والمفصلي في تاريخ هذه الحركة التي أثبتت وجودها على الساحة الفلسطينية، وخاصة في سنوات الانتفاضة الأخيرة.<BR><BR>في هذا التحليل نحاول إلقاء الأضواء على توقيت هذا القرار ودوافعه وأهدافه، وما هو المتوقع منه؟<BR><BR><font color="#0000FF"> التوقيت: </font><BR>أقرت الحركة هذا القرار في توقيت جيد إذ جاء:<BR>- قبل أربعة شهور من إجراء الانتخابات الفلسطينية، مما يوفر لها الفرصة للإعداد الجيد لخوضها.<BR>- وقبل ستة أسابيع من إجراء جولة جديدة من الانتخابات المحلية (البلديات) المقررة في أوائل شهر مايو القادم.<BR>- وقبيل أيام معدودة من جولة جديدة من الحوار الفلسطيني في القاهرة.<BR>- وبعد حوالي الشهرين من فوزها الساحق في انتخابات بلدية جزئية في قطاع غزة.<BR>- وبعد سلسلة من اللقاءات والمشاورات والاتصالات مع (الرئيس الفلسطيني) أبو مازن، ومع أركان السلطة الفلسطينية، هذه اللقاءات التي أثمرت عن تهدئة فلسطينية للوضع، وإعطاء الفرصة للتحرك السياسي الفلسطيني لتحقيق إنجازات على الأرض.<BR><BR><font color="#0000FF"> الأسباب والدوافع: </font><BR>لا شك أن هناك العديد من الأسباب والدوافع والعوامل التي ساهمت في أن تتبنى هذه الحركة مثل هذه الخطوة، ومنها:<BR>- مطالبة الشعب الفلسطيني للحركة في أن تكون مشاركة في تحمل مسؤولية المرحلة القادمة إلى جانب الفصائل الأخرى ، إذ إن عدم المشاركة سيفسره بعض الخصوم والمنافسين بأنه تهرب من تحمل هكذا مسؤولية.<BR>- الحؤول دون انفراد لون سياسي واحد في السيطرة على المجلس التشريعي.<BR>- منع مرشحي فصائل أو تيارات أو قوى حزبية من استغلال ناخبيها لصالحهم، وتعزيز مواقعهم على حساب الحركة إذا ابتعدت عن هذه المشاركة.<BR>- تأكيد وجودها على الساحة السياسية بعد أن أثبتت وجودها في الميدان الجهادي والمقاوم للاحتلال.<BR>- مطالبة العديد من الدول الصديقة لها في أن تشارك في القرار الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة، وأن تثبت وجودها على الساحة السياسية عن قرب، وليس عن بعد من خلال حوار ولقاءات جانبية.<BR>- ضرورة معرفة ما يدور في جلسات المفاوضات والعمل على أن تكون صمام أمان للحقوق المشروعة الفلسطينية.<BR>- ضرورة استثمار الشعبية التي تمتعت وتتمتع بها الحركة حالياً بعد العديد من الإنجازات على الساحة الفلسطينية، ومنها الفوز في انتخابات العديد من البلديات والجامعات في الضفة والقطاع .<BR>- النزول عند رغبة الغالبية من شعبنا الفلسطيني في التهدئة بعد معاناة وتضحيات كبيرة، والتهدئة تتطلب من الحركة أن تدخل المعترك السياسي حتى لا تفقد زخمها وشعبيتها على الساحة الداخلية.<BR>- لمواجهة الضغوطات الدولية الممارسة عليها، ومن بينها مطالبة إسرائيل وأميركا بضرورة تفكيك هذه الحركة ونزع سلاحها. والانتقال إلى العمل السياسي سيساعد الحركة في تخطي هذه الضغوطات وتخفيفها، وإفساح المجال للسلطة الفلسطينية بتوفير الدعم والمظلة في وجه أية محاولات للقضاء على الحركة.<BR><BR><font color="#0000FF"> الأهداف: </font><BR>لربما أن بعض الأهداف المنشودة من هذا القرار قد تكون متداخلة إلى حد كبير ببعض العوامل التي ساهمت في اتخاذ القرار، ولكن يمكن تلخيص هذه الأهداف المنشودة أو المرجوة من اتخاذ قرار مفصلي وتاريخي بالآتي:<BR>- توجيه رسالة إلى العالم كله مفادها أن حركة "حماس" هي حركة سياسية بالإضافة إلى كونها حركة مقاومة، وأنها ستكون متواجدة في حالة التهدئة.<BR>- عدم ترك المجال مفتوحاً كي تقرر الفصائل الحاكمة مصير الشعب الفلسطيني، بل تريد أن تدخل هذا المعترك السياسي حتى يكون قولها مهما ومن داخل السلطة، وليس من خارجها.<BR>- الانتقال العلني إلى العمل السياسي رسالة واضحة أيضاً مفادها أن "حماس" تتأقلم مع الأجواء السياسية الحالية، وأن هذا الانتقال لتأكيد رغبتها في العمل من أجل الشعب الفلسطيني وتلبية رغباته.<BR>- التحول إلى العمل السياسي سيفشل مطالب إسرائيل المنادية بضرورة فك بنى الفصائل الفلسطينية المقاومة، وسيعطي المجال للسلطة الفلسطينية كي تقول لإسرائيل أن "حماس" توجهت الآن إلى الخيار السياسي، ولا حاجة إلى نزع السلاح.<BR>- دخول الحركة للمجلس التشريعي الفلسطيني سيجبر دول العالم على الاعتراف بوجود "حماس"، والحديث معها، وسيصبح من الصعب على العديد من الدول اعتبارها حركة "إرهابية" كما تصفها إسرائيل والإدارة الأميركية.<BR>- المشاركة في السلطة عبر الانتخابات سيقوي من موقف "حماس" التي وجهت إليها إسرائيل العديد من الضربات القوية والمؤلمة والقاسية باغتيال العديد من قادتها، ومنهم: الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وإسماعيل أبو شنب، وصلاح شحادة وكثيرين.<BR>- هذه الانتخابات ستكون الاختبار الحقيقي للحركة، ومهما تحقق من نتائج على أرض الواقع سيؤثر ذلك على مطالبها فيما يتعلق بالمجلس الوطني الفلسطيني.. أي أن المشاركة في الانتخابات ستحل مشكلة قديمة جديدة اختلفت فيها مع "فتح" حول نسبة التمثيل في المجلس الوطني، ولهذا فإن الحركة ستعول كثيراً عليها، وستبذل كل جهد مستطاع لتحقيق نتائج بارزة.<BR>- ستوجه هذه المشاركة في الانتخابات رسالة إلى العالم مفادها أن "فتح" لا تمثل الشعب الفلسطيني ولا تمثل السلطة أو المنظمة، بل هناك فصائل أخرى لها وجودها على الساحة الفلسطينية ومن بينها حركة "حماس".<BR>- إعطاء الفرصة لحركة "حماس" كي تجري اتصالات سياسية مع العديد من قادة وزعماء العالم، إذ إن التوجه السياسي لـ"حماس" لن يمنع أي مسؤول أوروبي أو دولي من لقاء أي قيادي في الحركة إذ إن الحركة جزء من السلطة، وتتم مقابلتها كقوة فاعلة داخل السلطة، وليست كقوة مستقلة تحاول تعطيل عمل السلطة. أي أن الاشتراك في المجلس التشريعي سيفتح الباب مشرعاً على مصراعيه أمام اتصالات سياسية مع العديد من دول العالم بصورة شرعية وعلنية.<BR><BR><font color="#0000FF"> ما هو المتوقع؟ </font><BR>من المتوقع أن تقوم حركة "حماس" بوقف عملياتها العسكرية في المرحلة الحالية، والانهماك في الجوانب السياسية، وأن تنشط الحركة الآن لتحقيق إنجازات مكاسب وفوز في العديد من الانتخابات البلدية والتشريعية.. وستنشط الحركة سياسياً وستجري اتصالات مع العديد من الحركات السياسية في الداخل والخارج لإثبات وجودها، ولتأكيد تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني.<BR><BR>أما ما هو متوقع على صعيد حركة "فتح": فإن هذا الإعلان لحركة "حماس" بالمشاركة في الانتخابات يعني على الحركة اتخاذ عدة إجراءات لمواجهة هذه المنافسة الجديدة والتحدي الكبير لـ"فتح"، ولهذا فإن "فتح" ستعمل على:<BR>- رص صفوفها الداخلية من أجل وقف حالة الانهيار نتيجة الخلافات العديدة، وهذا بالطبع يتطلب إعادة ترتيب البيت الفتحاوي ووقف الخلافات والنزاعات، واختيار المرشحين المناسبين والمحبوبين لخوض انتخابات المجالس البلدية، والمجلس التشريعي حتى تحقق الحركة فوزا في هذه الانتخابات.<BR>- تحسين الأداء في الشارع، وتجاوز وتخطي كل الفساد الذي عصف بالسلطة وأساء للحركة.<BR><BR>وإذا نظرنا إلى أثر خطوة "حماس" في المشاركة في الانتخابات على حركة "الجهاد الإسلامي" فإنه يمكن القول: إن حركة "الجهاد الإسلامي" قد تتشجع على اتخاذ خطوة مماثلة في قبول المشاركة في الانتخابات مع أن هناك أصواتاً داخل الحركة تقف ضد ذلك ويصرون على البقاء في مواقفهم، وعدم التنازل عن مطالبهم. وستشجع أيضاً بقية الفصائل على المشاركة في الانتخابات مثل الجبهتين الشعبية والديمقراطية اللتين لم تشاركا في انتخابات المجلس التشريعي عام 1996م.<BR><BR>ولا بد من التساؤل: هل المشاركة في الانتخابات الفلسطينية سينقذ "حماس" من الاستهداف الإسرائيلي، أو هل سيجمد إجراءات ومطالب إسرائيل من "حماس".. أي فك هذه الحركة.. والتوقف عن اعتبارها حركة "إرهابية"؟!<BR><BR>هناك توجه إسرائيلي يصر على ضرورة نزع سلاح "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، و"كتائب شهداء الأقصى"؛ لأن بقاء هذه الفصائل المقاومة مسلحة يعني بقاء احتمال كبير للعودة إلى الانتفاضة، رغم أن إسرائيل تعلم كل العلم أن لا أحد يستطيع نزع سلاح المقاومة ما دام الاحتلال قائماً.<BR><BR>قد تحاول إسرائيل استغلال "سلاح المقاومة"؛ لأنها تدرك أن ليس هناك من مسؤول يستطيع نزع هذا السلاح، وإسرائيل ذاتها ورغم احتلالها لجميع مناطق الضفة الغربية لم تستطع تفكيك البنى التحتية لفصائل المقاومة رغم إمكانياتها العسكرية والأمنية والتقنية.<BR><BR>خطوة حماس السياسية قد تساعد في إفشال مثل هذه الذرائع ناهيك عن أنها ستساهم في توحيد الموقف الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية لهذا الشعب الذي هو بالفعل بحاجة إليها؛ لأنها سلاحه الفعال في مواجهة الصعاب والتحديات!<BR><br>