معالم الأطروحة البربرية في الجزائر
24 صفر 1426

يعد الكثير من المثقفين الجزائريين أن الأزمة الدموية التي عصفت بالجزائر منذ وقف اللعبة الديموقراطية هي في بعدها ووجهها الآخر أزمة هوية، و أن الصراع الدائر بين السلطة والإسلاميين هو صراع أيديولوجي ثقافي، حيث يمتلك كل فريق من أفرقاء الصراع قناعات فكرية تتصل بهوية الجزائر وانتمائها، وفي أي خانة يمكن أن تصنف الجزائر، ويمكن حصر هذه القناعات في ثلاث خانات :<BR>1- العروبة والإسلام .<BR>2- الأمازيغية أو البربرية.<BR>3- الفرانكفونية والتغريب .<BR><BR>والملاحظة البارزة في حيثيات الصراع الجزائري أن دعاة الأمازيغية والفرانكفونية شكلّوا تحالفاً استراتيجياً لمواجهة دعاة العروبة والإسلام، وأن الأطروحة الأمازيغية عادت بقوة الى الواجهة السياسية في الجزائر ليطالب دعاتها بالغاء التعريب الذي هو في نظرهم دخيل على الجزائر، والذي وصلها سابقاً على يد الفاتحين العرب والمسلمين ولاحقاً على يد العروبيين الذين درسوا في المشرق العربي كمصر وسوريا والعراق وغيرها من الدول العربية.<BR><BR>وكان أحد زعماء البربر متجنياً عندما قال : اذا كان العرب في وقت سابق قد وصلوا على متن النياق الى المغرب العربي، فأنا سأكون معهم رفيقاً وأعيدهم على متن البوينغ الى بلادهم الأصلية في الجزيرة العربية، وإقحام الورقة الأمازيغية –البربرية-في الصراع الجزائري ساهم في تعقيد الأزمة الجزائرية وتعميق الشرخ داخل الجزائر، وقد يهيئ الجزائر على المدى المتوسط والبعيد لبدايات التدخل الأجنبي، والذي تبلور بوضوح أثناء الأزمة الجزائرية .<BR><BR>و فيما يتعلق بالأطروحة البربرية فلا يمكن فهم أبعادها وأهدافها دون معرفة جذورها و كيفية تحولهّا الى ورقة سياسية أرادت فرنسا من خلالها ذات يوم تمزيق صفوف الثوّار الجزائريين الذين أعلنوا الثورة على فرنسا و الحلف الأطلسي في الفاتح من نوفمبر عام 1954م، ويجمع المؤرخون الجزائريون كما الغربيون على أن الشعب الذي قطن منطقة منطقة الجزائر والمغرب العربي هو شعب أمازيغي بربري _الأمازيغ في اللهجة البربرية هم الأحرار- وقد كان هذا الشعب الحر أو الأمازيغي معروفاً بالخشونة والمجازفة والشجاعة والدفاع عن الثغور، ولعّل تسمية سكان الجزائر بالأمازيغ أو الأحرار تعود الى محاربتهم لكل الغزاة الذين حاولوا استعمار الجزائر كالرومان والوندال والفينيقيين وغيرهم، و حتى الفتح العربي والإسلامي لاقى في بدايته مواجهة أمازيغية، وكان على رأس المقاومة المرأة التي عرفت باسم الكاهنة، والتي أمرت أبناءها فيما بعد بضرورة اعتناق الاسلام، و عندما أدرك سكان الجزائر أن الفتح العربي والاسلامي يختلف عن الغزوات السابقة التي تعرضت لها الجزائر احتضن الجزائريون دعوة الفاتحين و حتى الكاهنة تخلت عن مقاومتها للقادمين من الجزيرة العربية وحثّت أبناءها على مناصرة الفاتحين في فتح الأندلس . <BR><BR>ودعاة الأطروحة الأمازيغية في الجزائر وفي دعوتهم الى اللغة والثقافة الأمازيغيتين يدعون الى الأمازيغية بخصائصها قبل الاسلام، وضرورة نبذ الأمازيغية التي انصهرت في بوثقة العروبة والاسلام و تشبعت بهما، كما أن دعاة الأطروحة الأمازيغية يعدون أن أصول الشعب الأمازيغي آريّة أي أن الامتداد العرقي للأمازيغ يتصل بالحقل الجغرافي الغربي، ولذلك تنكّر هؤلاء لعروبة الجزائر وكانوا يتهمون القائلين بعروبة الجزائر أنهم بعثيون جاؤوا بهذه النغمة من المشرق العربي و عواصم الشرق الأوسط.<BR>والقول بآرية الشعب الجزائري معناه إيجاد توجهات جديدة للشعب الجزائري واهتمامات بعيدة كل البعد عن العالم العربي الى درجة أن سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية البربري، وغداة تشكيل حزبه قبل سنوات عديدة قال : إن حزبه اذا وصل الى السلطة فسوف يغيّر بنود الدستور الجزائري، ومنها انتماء الجزائر الى العالم العربي، وطالب بالغاء العالم العربي والبند الذي ينصّ على أن الاسلام هو دين الدولة في الجزائر، وقد نبّه بعض دعاة العروبة الى خطورة القول بآرية الشعب الجزائري؛ لأن هذه الدعوة تربط مصير الجزائر بمصير الغرب وتجعل الجزائر غير معنية بقضايا العالم العربي الشائكة وغيرها، وتحديداً القضية الفلسطينية.<BR><BR>كما أن القول السالف الذكر يعطي لفرنسا حق احتلال الجزائر باعتبار أنها تريد تخليص الجزائريين من العرب القراصنة الذين في نظرها وضعوا أيديهم على الجزائر، ولذلك أجهد دعاة العروبة أنفسهم في البحث عن جذور الشعب الجزائري، ومنهم الدكتور عثمان سعدي سفير الجزائر الأسبق في دمشق وبغداد، والذي ألّف كتاباً بعنوان :<BR>عروبة الجزائر، وفي هذا الكتاب يؤكد عثمان سعدي أن جذور الشعب الجزائري عربية ويستشهد بما أورده الطبري في تاريخه، والذي يؤكد أن الأمازيغ نزحوا من اليمن وأطراف الجزيرة العربية الى الجزائر والشمال الافريقي عموماً، ويذهب بعض الباحثين الى القول إن من أدلّة عروبة الأمازيغ هو تشابه بعض مفردات لهجتهم مع اللغة العربية، وقد تدارك دعاة الأمازيغية ذلك فاستبدلوا الأحرف الأبجدية الأمازيغية، والتي كانت عربية الى أحرف لاتينية، وكل ذلك بتخطيط من الأكاديمية البربرية التي أنشأتها باريس، وعينت على رأسها الكاتب الجزائري البربري مولود معمري الذي كان من الدعاة الأوائل الى أمزغة الجزائر، أي: جعل الجزائر أمازيغية، وذهب رئيس حزب الأصالة الجزائري الى القول بأن العروبة في الجزائر قد عطلت المسيرة التنموية في الجزائر و أقحمتها في دائرة التخلف والتقهقر .<BR><BR>و السؤال الذي يمكن طرحه في هذا السيا،هو: هل يتبنى هذه الأطروحة المضادة للعروبة والاسلام عموم الأمازيغ أم أنها حكر على النخبة المثقفة البربرية، والتي تكونت في الجامعات الفرنسية هي فقط الداعية الى احياء الأمازيغية !!!<BR><BR>معظم المؤرخين الجزائريين كالأستاذ توفيق المدني وعبد الرحمن الجيلالي وغيرهم قالوا: إن الشعب الأمازيغي احتضن العروبة والإسلام، وقدّم النصرة للفاتحين الذين جاؤوا من الجزيرة العربية، وعلى امتداد التاريخ الجزائري وقع تمازج وتصاهر بين الفاتحين العرب المسلمين وبين السكان الأمازيغ الذين ناصروا الاسلام، ولم تتسبّب العروبة في إذابة الشخصية الأمازيغية و مسخها، بل أعادت الأمازيغية الى جذورها العربية وطعمتها بالإسلام الحضاري.<BR><BR>و منذ اعتنق الشعب الجزائري الإسلام وهو ينصهر في البوثقة العربية والإسلامية، و باتت المرجعية العربية والإسلامية هي الأساس بالنسبة إليه، و منذ تاريخ الفتح العربي والإسلامي وإلى بداية اندلاع الثورة الجزائرية سنة 1954م لم تطرح المسألة الأمازيغية كما طرحت بهذا الشكل أثناء الثورة الجزائرية، و بعداستقلال الجزائر، وللإشارة فإن معظم المعاهد التي صانت اللغة العربية في الجزائر ودافعت عنها أثناء الاستعمار الفرنسي هي تلك المعاهد التي أسست في المناطق البربرية كبجاية والبويرة وأمشدالة وغيرها، وبالرجوع الى كتاب علماء بجاية ومعجم أعلام الجزائر وتاريخ الجزائر العام يتضح أن معظم العلماء الذين خدموا اللغة العربية وعلوم الشريعة الاسلامية سابقاً وأثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر كانوا أمازيغا وبربراً، وعلى رأسهم شيخ الاصلاح في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس، ولم يكن الشعب الجزائري يفرق بين العروبة والإسلام، بل كان يعد أنهما شيء واحد، و أكثر من ذلك فقد كان يعد العربي مسلماً والعكس صحيح، و لم تتحول العروبة في الجزائر إلى أيديولوجيا ذات مفاهيم علمانية لائكيّة، ولذلك كان الشعب الجزائري يرى أن العروبة هي الإسلام والإسلام هو العروبة، وحتى الذين ظلوا يقطنون جبال القبائل –سلسلة جبال الأطلس- وحافظوا على اللهجة الأمازيغية مازالوا إلى يومنا هذا من أشد الناس تمسكّاً بالإسلام، ويعدون المتكلم بالعربية المتقن لها أعرف الناس بالاسلام و أصوله وفروعه.<BR><BR>والمتجول في المناطق البربرية يدرك أن الأمازيغ مسلمون ومتمسكون بالإسلام، وتكثر المساجد في مناطقهم، وعندما تعرضت الجزائر للاستعمار الفرنسي في 5 يوليو-تموز 1830م كان أول من رفع لواء المقاومة ضد المستعمر الفرنسي هم القبائل أو الأمازيغ المسلمون ومن الثورات التي تصدّت للاستعمار الفرنسي ثورة المقراني – والمقران لفظة بربرية تعني الكبير- وكان شعار ثورة المقراني الدفاع عن إسلامية الجزائر وعروبتها ولم يقاوم المقراني من أجل استرجاع الهوية الأمازيغية للجزائر، وقد أدركت فرنسا خطورة هذه العقيدة فراحت تنبش في الذاكرة الجزائرية إلى أن اهتدى استراتيجيوها الى مبدأ التشكيك في الهوية الجزائرية، وبدأت حملة التشكيك من خلال تكوين نخبة جزائرية مثقفة مشبعة بالفكر الكولونيالي، وقد لعبت هذه النخبة المعروفة جيداً لدى الشعب الجزائري أكبر الأدوار في تمزيق صفوف الحركة الوطنية، حيث تمّ البدأ في تصنيف الجزائري بأنه عربي وبربري وشاوي وما إلى ذلك .<BR><BR>وكانت النخبة المذكورة ترى في ارهاصات الثورة الجزائرية على فرنسا انحرافاً خطيراً باعتبار أن الثورة في مضمونها دعوة للانفصال عن الوطن الأم فرنسا، ومع اندلاع الثورة الجزائرية فكرت السلطات الفرنسية في مختلف الطرق التي تؤدي الى تمزيق الثورة الجزائرية التي تبناها الجزائريون بمختلف مشاربهم و انتماءاتهم العرقية، فوصلت فرنسا إلى أمرين لتمزيق الثورة الجزائرية من الداخل :<BR>1-الورقة البربرية .<BR>2-الورقة الجهوية .<BR><BR>فعلى الصعيد الجهوي نجحت فرنسا في إثارة النعرات الجهوية فبات يسود آنذاك بين الجزائريين بأن هذا من الغرب وذاك من الشرق،هذا وهراني وقسنطيني وقبائلي وهلمّ جرا، ومازالت الجهوية تلعب دوراً كبيراً في التعيينات الوزارية والرسمية، بل إن التوازن الجهوي يعّد أساس الحكم في الجزائر، وعلى صعيد الورقة البربرية، فقد نجحت فرنسا في إثارتها عبر آلياتها ووسائلها، وأثتاء الثورة الجزائرية هناك من طرح فكرة تأسيس جبهة التحرير الأمازيغية مقابل جبهة التحرير الوطني، وبعد الاستقلال بدأت الحركة الأمازيغية تتحدث عن الغبن والمظلومية التي ألمّت بالثقافة الأمازيغية، و تشكلّ حزبان بربريان مركزيان هما التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، ومن أهداف التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية على وجه التحديد يدعو الى أمزغة الجزائر لكن يقدم خطابه بلغة فرنسية فصيحة للغاية، ويفهم من ذلك أن التحالف مقدس بين الفرانكوفونية والبربرية ورموز الثقافة البربرية لا يتكلمون الا باللغة الفرنسية ويعدونها رسمية في الجزائر والأدباء والمثقفون البربر لا يكتبون أدبهم باللهجة الأمازيغية، بل باللغة الفرنسية فقط وفقط!!!!!!<BR><br>