تغيير الدستور في مصر.. وسيناريوهات المستقبل
15 ربيع الثاني 1426

جاءت الخطوة –غير المفاجأة من وجهة نظرنا- بتغيير المادة 76 من الدستور المصري، والتي كانت تنص على اختيار رئيس الجمهورية في مصر عن طريق الاستفتاء بعد ترشيح شخصية معينة من قبل مجلس الشعب المصري . <BR><BR>والشخصية المرشحة عادة ما تكون الرئيس الموجود فعلاً، أو نائبه إذا غاب بالموت أو أقوى شخصية موجودة داخل مؤسسة الحكم ذاتها .<BR><BR> تغيير هذه الطريقة إلى أسلوب الانتخاب المباشر بين أكثر من مرشح هو لا شك خطوة إلى الأمام،ولكن عندما دخل الموضوع إلي حيز التنفيذ ،تم الالتفاف علي جوهر التغيير لإفراغه من مضمونه .<BR> <BR>فاشترط القانون الجديد على كل من يريد الترشيح للرئاسة عدداً من الشروط أقل ما يقال فيها إنها شروط تعجيزية .<BR> فالمطلوب مثلاً من كل مرشح الحصول على تزكية من 65 عضواً من مجلس الشعب و25 من مجلس الشورى، وتزكيات من مجالس محلية من 14 محافظة على الأقل . <BR>وهذا بالطبع أمر لا يمكن تحقيقه إلا برضا الحكومة ، والمقصود منه استبعاد ومنع كل من لا يروق لتلك الحكومة و تحديداً الإخوان المسلمين على أساس أنها القوة الوحيدة القادرة على تقديم مرشح رئاسي يمكنه أن يشكل تهديداً جدياً .<BR><BR>وأياً كان الأمر فإنها لم تكن مجرد صحوة إصلاح أصابت النظام المصري إذ إن الأوساط الرئاسية والحزبية الحاكمة في مصر طالما أكدت قبل التفكير في التغيير أن تعديل الدستور خط أحمر غير وارد على الإطلاق، ولكنها كانت نوع من الاستجابة الحتمية -وليست الجبرية– لمجموعة من العوامل الداخلية والخارجية اقتضت ذلك، ولم تكن تحتمل التأجيل.<BR><BR>العوامل الخارجية منها معروفة، وهي الضغط الأمريكي المستمر لتحقيق نوع من الإصلاح في المنطقة عموماً، وفي مصر خصوصاً،على أساس أن الأجندة الأمريكية المطروحة تستخدم شعار الإصلاح والديمقراطية مستهدفة مغازلة الشعوب من ناحية، والضغط على الحكومات من ناحية أخرى. مع الأخذ في الاعتبار هنا أن الشعار الأمريكي عن الحرية والديمقراطية شعار منافق؛ لأن كل أنظمة الحكم الشمولي في المنطقة تلقت دعماً مباشراً من الولايات المتحدة طالما كانت غير معادية -عملياً– للسياسة الأميركية، ولأن تاريخ الولايات المتحدة منذ إبادة الهنود الحمر واسترقاق السود، ومروراً بعشرات المؤامرات على زعماء وشعوب وحكومات منتخبة ديمقراطياً –سلفادور الليندي في تشيلي نموذجاً في الماضي وبرويز مشرف في باكستان حالياً– وممارساتها في أفغانستان والعراق (غوانتانامو – أبوغريب – قلعة جانغي) كلها تقطع بالنفاق.<BR><BR> ولكن لأن دوائر الأبحاث الأميركية رأت أن ( العنف والإرهاب والتطرف الإسلامي ) لا يمكن القضاء عليه إلا بتجفيف منابعه التي تراها تلك المراكز في انسداد أفق الديمقراطية وانتشار الفساد في الحكومات العربية والإسلامية، ولأن هناك أجندة أميركية حول دور إمبراطوري أمريكي يقتضي إلباسه ثوباً براقاً، وغيرها من العوامل أدت إلى تبني الولايات المتحدة الدعوة إلى الإصلاح والديمقراطية. <BR>وبديهي أن دول المنطقة وخاصة مصر غير قادرة على طول الخط الظهور بمظهر الرفض لتلك المطالب الأميركية، وهكذا كان لابد من التفكير في نوع من التغيير بهدف امتصاص الضغط الخارجي ثم الالتفاف أو عدم الالتفاف على هذا التغيير حسب الظروف.<BR><BR>العوامل الداخلية بدورها كانت موجودة بقوة ، وهي عوامل كثيرة ومتنوعة ومتداخلة وبعضها ذات تقاطع مع البعد الخارجي على النحو التالي: <BR>- إمكانية استخدام الولايات المتحدة لنوع من التحالف الشمالي (على الطريقة الأفغانية) في مصر من بعض ممثلي الأقليات وبعض العناصر المرتبطة بالمشروع الأمريكي وبعض جماعات المجتمع المدني التي تحصل على تمويل غربي هو بالضرورة يحمل أجنده معينة.<BR><BR>- تدهور هائل في مستوي المعيشة – 50% على الأقل من المصريين تحت خط الفقر، 30 مليار دولار ديون خارجية، أكثر من 500 مليار جنيه ديون داخلية – تفشي ظاهرة البطالة وانسداد أفق المستقبل لدى قطاعات كبيرة من الشباب المصري المتخرج من كليات عادية و مرموقة أو مؤهلات متوسطة بحيث إن ذلك يمكن أن يكون مع حالات الفساد والرشوة و المحسوبية ، واحتكار السلطة ورموزها ورجالها لكل الثروة تقريباً يمكن أن يكون ذلك كله مدعاة لحالات من التوتر والقلق والاضطرابات قد تصل إلى حالات عنف عشوائي غير منظم، وهو أخطر حيث إنه سيكون خارج السيطرة الأمنية معلوماتياً وعملياً (عملية العنف في الأزهر التي حدثت مؤخراً نموذجا ًعلى ذلك).<BR><BR><BR>- انسداد أفق التغيير السياسي، فرغم وجود 19 حزباً سياسياً إلا أنها محاصرة أولاً داخل جدرانها، ومن يخرج على السياق يتم تجميده مثل حزب العمل، أو أنها أصلاً لا تحظى بجماهيرية ووجودها شكلي، وحجب الشرعية عن الاتجاه الإسلامي وخاصة "الإخوان المسلمين" وهو اتجاه ذو ثقل كبير في الشارع المصري، وهذا يجعل حالة الاحتقان السياسي تصل إلي حد الأزمة الشاملة. يضاف إلى ذلك وجود 20 ألف معتقل إسلامي داخل السجون، واستمرار حالة الطوارئ، وهي أمور غير قابلة للاستمرار بدون تنفيس من وقت لآخر.<BR><BR>- وجود عامل ضغط خطير، داخل الشارع المصري والعربي والإسلامي، وهو الشعور بالمهانة القومية والوطنية والدينية بسبب الممارسات غير المحتملة شكلاً وموضوعاً في فلسطين والعراق.<BR><BR>قادت هذه العوامل وغيرها بالضرورة إلى التفكير في نوع من التغيير، وهذا التغيير يمكن أن يتحول إلى تغيير حقيقي، بمعنى أنه خطوة على الطريق، أو يتم إجهاضه وذلك وفقا لعوامل كثيرة.<BR><BR>على أي حال، حدثت أيضاً العديد من التفاعلات الداخلية كنوع من التعبير عن ذلك التوتر وعدم القدرة على احتماله واستمراره. منها حالات من التظاهر الشعبي أمام مجلس الشعب المصري أو دار القضاء العالي –بالمئات– من رموز ثقافية وفنية وسياسية، وكانت حركة "كفاية" هي النموذج الأوضح على ذلك، وهي تتكون من مجموعة من النشطاء من قوميين وإسلاميين وليبراليين. ومنها صعود نجم حزب الغد الذي يقوده أيمن نور، وإن كانت الحكومة المصرية تتهمه بطريقة غير مباشرة عن طريق حملة صحفية تقودها صحف مستقلة بأن له علاقات معينة بأميركا، وأوساط الحزب ترفض ذلك وانتهى الأمر باعتقال أيمن نور وإصدار النيابة لقرار اتهام ضده بالتزوير.<BR><BR> ولكن الملاحظ هنا أن حركة كفاية مثلاً تفتقر إلى الجذور الشعبية، وهي حركة مثقفين في النهاية، ولها أثر كبير بالطبع، ولكن في هذا الإطار، فإن عدم صدور مواقف واضحة عن حزب الغد ورئيسه أيمن نور تجاه إسرائيل وأمريكا يجعل امتداده في الشارع المصري صعباً، ويجعل تهمة التنسيق مع أمريكا قابلة للتصديق.<BR><BR>يبقى الاتجاه الإسلامي، وقد خرجت منه الجماعة الإسلامية عملياً بمبادرة وقف العنف وتأييد الحكومة بداع وبدون داع، وخرجت منه جماعة الجهاد بالضعف الشديد الذي أصابها، وغياب استراتيجية نضالية سلمية بعد أن ثبت عملياً فشل وسائل العنف، بينما الإخوان المسلمون قد نظموا مظاهرات بالآلاف للمطالبة بعدم التمديد للرئيس وإلغاء قانون الطوارئ والتصدي للفساد، وكلها أمور مطلوبة شعبياً. <BR>ولكن يرى البعض أن ذلك مجرد رسالة إلى الأمريكان يلفتون نظرهم إلى أنهم يصلحون كبديل، ورسالة إلى النظام المصري لتحقيق بعض المكاسب. فهناك مفاوضات تدور حول إمكانية التهدئة مقابل الحصول على حزب سياسي، والإفراج عن المسجونين من الجماعة وإطلاق يدهم في النقابات والعمل الخيري وغيرها، ويعتقد أن الإخوان مقبلون على نوع من التشدد تحت الضغط الشعبي من ناحية، وتحت ظرف عدم قدرة الحكومة علي تلبية مطالبهم من ناحية أحرى.<BR><BR>الأكثر دلالة هنا هو أن السيدة كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية قد صرحت مؤخراً بأنه لا مانع لدى الأمريكيين في وصول الإخوان للسلطة في مصر، وهو أمر أزعج الحكومة المصرية كثيراً، ولكنه أضر بسمعة الإخوان شعبياً أيضاً، وتقول الدوائر الأمريكية أن الخارجية الأمريكية تحاول إقناع الإدارة الأمريكية بإمكانية السماح للإخوان ولغيرهم من الإسلاميين بالوصول إلي السلطة –على غرار التجربة التركية- لأن ذلك هو الحل الوحيد المتاح، لأنهم وحدهم القادرون علي ضبط الشارع، ومن ثم تحقيق التنازلات المطلوبة. <BR><BR>وهذا التفكير علي كل حال ليس جديداً علي الدوائر الأمريكية. وكانت السيدة مادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة) قد صرحت بذلك في حوارها مع عدد من المثقفين المصريين أثناء زيارتها للقاهرة في العام الماضي، ولكن المسألة ليست بهذه السهولة، فإذا كان من الممكن السماح بوصول الإسلاميين إلى السلطة في تركيا في ظل وجود جيش علماني وفي ظل ظروف معينة، وكذا الحوار مع أحزاب إسلامية في المملكة المغربية، فهذا يرجع لعدم وجود الإلحاح الحاد حول الموضوع الفلسطيني في تلك الأطراف، ولكن من الصعب جداً على الإسلاميين في مصر، والإخوان المسلمين بالذات، تجاهل الموضوع الفلسطيني أو الاعتراف بشرعية دولة إسرائيل، وهي مطالب أميركية لا يمكن للإدارة الأميركية التنازل عنها، وإذا فعل الإخوان ذلك فقدوا جماههيريتهم رأساً؛ لأن الشيء الإيجابي الوحيد في تاريخهم هو الموضوع الفلسطيني، والرافعة الحقيقية لشعبيتهم كانت نضالات حركة حماس مثلاً. فإذا فقد الإخوان ذلك لم يعد هناك مبرراً لوجودهم، وسوف ينتهون بفعل القصور الذاتي، مهما كانت قوة تنظيمهم.<BR><BR>ويطرح عدداً من الإسلاميين ضرورة عدم تورط الاتجاه الإسلامي في مصر أو غيرها في المشاركة في السلطة أو حتى الانفراد بها؛ لأن العالم شديد الترابط ، وبالتالي طالما كانت الهيمنة فيه للولايات المتحدة الأمريكية فلا يمكن تنفيذ أجندة إسلامية أو وطنية حقيقية علي مستوى قضايا الاحتلال الخارجي أو الإصلاح الداخلي أو التنمية.<BR><BR> ومهما كان شكل نظام الحكم فإن هذا النظام لا يمتلك هامشاً من المناورة، وبالتالي سوف ينفذ سياسات معينة في إطار معين لا يخرج عنه، وقد يميل يميناً أو يساراً، ولكن داخل نفس الإطار. ويضيف هؤلاء أن من الأفضل للإسلاميين أن يتحولوا إلى نوع من حركة التحرر الوطني المعادية للعولمة والمناهضة لهيمنة أمريكا وإسرائيل وممارسة النضال من خارج أسوار الحكم، بحيث لا يقعون تحت ضغط معادلات وحسابات الحكومات التقليدية، ولكن تحت معادلات الحركات الشعبية المعارضة.<BR><BR>وبناء على اختيارات وتصرفات تلك القوي السابقة أو مزيج منها، سوف يتحدد شكل ومستقبل النظام المصري.<BR><br>