تصريحات الفيصل: المغزى الاستراتيجي
7 رمضان 1426

عادة ما يحدث اهتمام سياسى واعلامى بتصريحات وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل، باعتباره سياسيا وديبلوماسيا محنكا، وبالنظر إلى ثقل المملكة العربية فى رسم السياسة الإقليمية.وقد تعود الكتاب والساسة والمحللين أن السعودية حينما تعلن أمرا، فإنها تقصد إعلانه فى توقيته وان عليهم إدراك المعانى الاستراتيجية فيما يعلن، إذ قليل ما يصدر عن السياسة الخارجية السعودية تصريحات إلا فى القضايا الرئيسية وفيما يتطلب توضيحا عاما ورؤية بعيدة. <BR><P></P><BR><P align=right>لكن الاهتمام السياسي الإعلامي الذي حظيت به تصريحات وزير الخارجية السعودى حول الدور الايرانى فى العراق والسياسة الأمريكية هناك..الخ، قد فاق كل الاهتمامات السابقة، بسبب وضوح الموقف فى تلك التصريحات ولأنها جاءت بعد فترة لم يكن قد صدر خلالها من السعودية تصريحات تحدد مواقفها تجاه ما يجرى فى العراق بعد احتلاله، وبسبب اتهام الفيصل إيران مباشرة وبوضوح بلعب دور فى العراق، ولفته الأنظار إلى الدور الأمريكى المساند أو المساهم فى تهيئة الأوضاع للتغلغل الايرانى فى العراق، وكذا بحكم أن الأمير سعود الفيصل لم يكتف بالحديث العام وإنما دخل فى تفاصيل واضحة للتأكيد على فكرته.ومن قبل ومن بعد بالنظر إلى أن توقيت التصريحات كان مختارا بعناية وأنها عالجت أمرا ملتهبا على ارض الواقع.غير أن الملاحظة الأهم والأجدر بالإجلاء هنا أن الفيصل حدد فى هذه التصريحات ملامح الصراع المحتمل حول العراق محددا أطرافه أيضا.وفى ذلك قدم وزير الخارجية السعودى الرؤية الحالية والمستقبلية للصراع وأطراف الصراع المحتملة إذا استمر الموقفان الأمريكى الايرانى على حالها بما رفع التصريح إلى مصاف التقدير الاستراتيجي للأحداث.</P><BR><P align=right>وبالنظر في تلك التصريحات يمكن القول بان الوزير السعودى لم يدل بتصريح فقط إنما هو طرح رؤية وتصور للخطر الجارى زحفه على الأرض بشان إعادة تقسيم المنطقة على أساس طائفى أو بين سنة وشيعة، أكثر من كونه قاد هجوما على إيران أو قدم استنكارا للدور الأمريكى فى هذا الشأن، وهو أمر اتضحت دلالاته أكثر من خلال الرد الذى صدر عن وزير داخلية احتلال العراق على تصريحات الفيصل بإشارته إلى أبعاد داخلية فى السعودية بما أكد على دقة وصحة تصريحات الوزير السعودى وأعطاها مصداقية وتأثير جديدين، أو أن "وزير الداخلية العراقية " طرح أبعاد أخرى لهذه التصريحات عززتها وأعطتها صدقية أعلى حيث جاءت التصريحات العراقية لتشدد دون أن تدرى على حق السعودية بالقلق مما يجرى فى العراق على صعيد أوضاعها الداخلية، كما هى أكدت على تصاعد الدور الايرانى فى العراق باعتبار رد وزير الداخلية العراقى جاء دفاعا عن إيران وهجوما على التصريحات السعودية لمصلحة إيران فيما لا تستطيع إيران قوله بما شكل توزيعا للأدوار بين "مسئولين عراقيين " وإيران عزز ما طرحه الفيصل ولم يضعفه.<BR><BR>وإذ جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودى عقب فترة من تصريح الملك الاردنى حول الهلال الشيعى الذى تسعى إليه إيران -والذى مثل السابقة الأولى التى يصدر فيها تصريح رسمى اردنى بهذا الشأن وهذا التحديد -فان تصريح الوزير السعودى كان رسما دقيقا لحدود القلق الذى تشعر به دول المحيط وتعبيرا عن رأى مشترك مع أطراف عربية مجاورة للعراق وفرزا لمواقف أطراف أخرى -بهذا الصدد -زاد من أهميته انه جاء والصراع فى واشنطن فى أعلى ذروة تناميه حول الخروج من المأزق العراقى.كما أن ما لا تخطؤه العين فى توقيت التصريحات هو إنها جاءت والولايات المتحدة فى اضعف مواقفها أمام المملكة العربية السعودية بسبب ما خلفه إعصار كاترينا من إضرار بالمخزون البترولى الأمريكى، وبما أصبحت عليه حاجة الولايات المتحدة للبترول بسبب ما أصاب مناطق استخراج البترول فى الولايات المتحدة، كما أن التصريحات جاءت فى توقيت كانت الجامعة العربية تستعد فيه إلى لعب دور فى العراق فى محاولة لجمع أطرافه الداخلية التى وصلت محاولة إقرار الدستور العراقى بينها إلى مأزق لم يعد احد قادر على الخروج منه، بما جعل التصريحات تحوى رسائل إلى أطراف متعددة.</P><BR><BR><FONT color=#3300ff>جوهر التصريحات<BR></FONT></STRONG>جاءت التصريحات أثناء وجود وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، في نيويورك خلال استضافه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى له لإلقاء كلمة وفي الجزء المخصص للسؤال والجواب. ثم أعاد الفيصل تأكيد ما قاله في مجلس العلاقات الخارجية مرة ثانية في معهد جيمس بيكر في مدينة هيوستن الأمريكية، ثم مرة ثالثة في لقائه مع الصحافة الأميركية في السفارة السعودية في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، بما أكد أن التصريحات تمثل توجها ورسالة تتخطى حدود التصريحات فى المناسبات السياسية أو الديبلوماسية.<BR>&nbsp;ويمكن رصد أهم ما ورد فى التصرحات بان الوزير السعودى وجه انتقادا للسياسة الأمريكية بأنها تؤدي عمليا إلى تقسيم هذا البلد، وتسليمه إلى إيران كما هو حذر الولايات المتحدة من مخطط إشعال الفتنة فى العراق بقوله "إذا سمحتم بحرب أهلية فإن العراق سينتهي إلى الأبد، وستدفع المنطقة إلى كارثة، ونحن العرب سنجر إلى الصراع".كما هو حدد معالم الصراع المقبل بالقول "سيتدخل الإيرانيون في الجنوب، والأتراك في الشمال، ثم بقية دول المنطقة العربية". وهو ذكر الأمريكيين بالدور السعودى فى مواجهة طموحات إيران بالقول "لقد خضنا معا حربا لإبعاد إيران عن العراق بعد إخراج العراق من الكويت. والآن فإننا نسلم البلاد كلها لإيران دون مبرر". ولتأكيد ذلك أشار وزير الخارجية إلى أن "الإيرانيين يذهبون إلى المناطق التي تؤمنها القوات الأميركية، ويدفعون أموالا وينصبون حلفاءهم، وينشئون قوات للشرطة، ويسلحون المليشيات هناك"، مضيفا أن الإيرانيين "يحتمون أثناء قيامهم بكل هذا بالقوات الأميركية والبريطانية". <BR><BR>وبتحليل القضايا الرئيسية فى التصريح يتضح ما يلى:<BR>أولا:أن التصريحات أطلقت أمام محفل سياسى له قيمته وقدره لدى صناع القرار فى الولايات المتحدة ولهم تأثير فى صياغة الرأى العام الأمريكى.<BR>ثانيا:أن التصريح انتقد السياسة الأمريكية فى عقر دارها ولم ينس أن يشمل الحليف الأكبر للولايات المتحدة فى العراق –اى بريطانيا.والانتقاد هنا حوى تحذيرا ولم يكتف بإبراز موقف بل هو كشف كم الأمريكيين غائصين فى خطة الحرب الأهلية، وكذا هو نبه الأمريكيين إلى أن السعودية تدرك أن تغيرا على الموقف الأمريكى تجاه إيران بالميل إلى تقاسم المصالح فى المنطقة بديلا للمواجهة، منبها إلى ما فى ذلك من خروج على تفاهمات استراتيجية سابقة والى أن السعودية لن تقبل بما يجرى على حساب مصالحها.<BR>ثالثا:أن التصريحات جاءت لتوجه رسالة بان السعودية وأطراف عربية أخرى لن تقف مكتوفة بالايدى أمام تقسيم العراق أو أمام إحداث انقلاب استراتيجي لحساب الوضع الايرانى.<BR>رابعا أن التصريحات حددت أطراف الصراع الاقليمى المقبل حول العراق إذا واصلت الولايات المتحدة وإيران استراتيجيتها الراهنة أو إذا فكرت الولايات المتحدة فى الانسحاب تاركة الأوضاع على الأرض فى العراق نهبا للفتنة والاقتتال الداخلى. <BR><BR><STRONG><FONT color=#3300ff>إيران وتطور جديد<BR></FONT></STRONG>وفق نص التصريحات فقد قال الفيصل: "أن الدول التى لها دور قيادى فى المنطقة ينبغى أن تأخذ فى اعتبارها مصالح الدول الأخرى فى استراتيجيتها".<BR>وأشار الوزير إلى أن "القرارات التى تتعلق بأسلحة الدمار الشامل لا يمكن معالجتها بصورة فردية حيث لا بد لدى بحثها أن تؤخذ فى الاعتبار مصالح الدول الأخرى.. وقال أن السياسة التى اتفقنا عليها دائما هى أن تكون منطقة الخليج ومنطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل".<BR>وأضاف الفيصل: أننا سنواصل الحوار مع الإيرانيين ونتحدث إليهم عما نشعر به من قلق ونحن واثقون بأنه يمكننا الوصول إلى تفاهم يأخذ فى الاعتبار مصالح جميع دول المنطقة بصورة جماعية لنتأكد من أننا نستطيع أن نجعل منطقتنا منطقة أمنة ومستقرة خاصة وأنها من المناطق المهمة فى العالم.<BR>وردا على سؤال بشأن دور إيران فى العراق قال " أننا أعضاء فى مجموعة الدول المجاورة للعراق وإيران احد الأعضاء المهمين فى هذه المجموعة التى أنشئت خصيصا لمنع التدخل فى شؤون العراق.. والعراق الآن عضو فى هذه المجموعة والعراقيون يشتكون من تدخل من جانب إيران وإذا صح أن هناك تدخل وخاصة فى المحافظات المجاورة لإيران فان ذلك سيكون من الخطورة بمكان.وأوضح ما يقصده بالتدخل الايرانى قائلا "التدخل الذى يشكو منه العراقيون يشمل دخول الأشخاص والأموال والأسلحة والتدخل فى الحياة السياسية".<BR>وفي لقائه مع الصحافة الأميركية ذهب سعود الفيصل إلى ما وراء حديثه في اليومين السابقين، مع ملاحظة أن نبرته الصريحة والمباشرة بقيت كما هي. حيث قال، في معرض حديثه عن الطموحات الإيرانية، والدور الجديد الذي تبحث عنه طهران في المنطقة من خلال العراق، "إن الدول التي لها دور قيادي في المنطقة ينبغي أن تأخذ في اعتبارها مصالح الدول الأخرى في استراتيجيتها". <BR><P></P><BR><P align=right>وبتحليل ما ورد فى التصريحات حول الموقف الايرانى يمكن الرسائل التالية:<BR>الأولى:تنبيه الإيرانيين بأنه لا يمكن الدخول فى إطار منظم لترتيب الأوضاع فى العراق (دول محيط العراق) والعمل على الأرض بشكل منفرد لتحقيق المصالح الإيرانية دون مراعاة مصالح الآخرين.<BR>الثانية:أن قضية العراق ليست وحدها هى القضية العالقة فى العلاقات بين إيران ودول المنطقة وإنما أيضا قضية البرنامج النووى وان السعودية طرف فاعل فى تحقيق توافق واتفاق حول هذا الأمر، وانه ليس قضية أمريكية إيرانية فقط.<BR>&nbsp;الثالثة:أن صمت دول الجوار العربية، وتحديدا السعودية، لا يعني أنها غافلة عن ما يجرى في العراق، وأنها ترصد بدقة تزايد التغلغل الإيراني فيه وتقاسم الدوار والمصالح الإيرانية الأمريكية على ارض العراق. <BR><BR><FONT color=#3300ff><STRONG>أمريكا وتحذيرات مهمة<BR></STRONG></FONT>كان الأمير سعود الفيصل واضحا في حديثه عن السياسة الأميركية في العراق، وعن الاختلاف بين السعودية والولايات المتحدة حول هذا الموضوع بنفس القدر الذى كان واضحا فى أحاديثه حول التدخل الايرانى فى العراق وتداعياته. هو ذكر الأمريكيين إلى معارضة السعودية للغزو الأمريكي للعراق، وبموقفها السابق من أن الغزو يمثل تهديدا لاستقرار ووحدة العراق، وزعزعة للاستقرار في المنطقة. ثم هو قال إن السياسة الأميركية في الوقت الراهن تدفع بالعراق نحو الانقسام، وتسليمه إلى إيران. ثم أعاد التذكير بان الهدف المشترك وقت تحرير الكويت كان إبعاد إيران عن العراق، مشيرا إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تدفع الأمور في الاتجاه المعاكس. وفى كل ذلك وجه الفيصل الرسائل التالية:<BR>1-&nbsp;أن الولايات المتحدة خرجت بتصرفاتها الراهنة عن كل الاتفاقات والتفاهمات التى جرت منذ الحرب العراقية الإيرانية وحتى الآن.<BR>2-&nbsp;أن السعودية ترى بوضوح حجم التغيير فى الموقف الأمريكى من إيران على ارض العراق.<BR>3-&nbsp;رسالة تحذير بان مخطط إثارة الفتنة فى العراق، لن يمر دون تدخل من دول الجوار.<BR>4-&nbsp;وان ذلك المخطط سيضع السعودية ودول وأطراف أخرى فى المواجهة. <BR><BR><FONT color=#3300ff><STRONG>العراق والتفكك<BR></STRONG></FONT>وفق نص التصريحات شدد الفيصل على أن الأمر الخطير يتمثل فى الجهود لتقسيم العرب العراقيين إلى مجموعات سنية وشيعية متضادة وهو ما لم يكن قائما فى العراق.. مشيرا إلى أنه أيضا فى عهد صدام حسين فانه لم تكن هناك مشاكل حقيقية بين السنة والشيعة حيث كانوا يعيشون معا بسلام حيث هم جميعا عرب وعراقيين.<BR>وأكد الفيصل أن تفكك وانقسام العراق هو ما يقلق المملكة العربية السعودية ويقلق جميع جيران العراق لان ذلك يجر الدول المجاورة إلى النزاع.<BR>وهو بذلك اظهر ثلاث قضايا بوضوح.<BR>الأولى أن تفكك العراق وتقسيمه أمر لن توافق عليه العربية السعودية وأطراف عربية أخرى وأنها مستعدة لمنع ذلك بالتدخل دون مواربة.<BR>الثانى:أن التصدى للمحاولة للتقسيم قد ينجم عنها حرب فى المنطقة وان لم يقل ذلك بصراحة ووضوح.<BR>الثالث:أن الولايات المتحدة تتحمل المسئولية عن هذا التفكك والانقسام وهو أمر له دلالاته الاستراتيجية بالنسبة للموقف السعودى. <BR><BR><FONT color=#3300ff><STRONG>الملامح الاستراتيجية فى التصريحات<BR></STRONG></FONT>رغم أن التصريحات جاءت فى توقيت مدروس بعناية سواء على صعيد تأزم الوضع فى العراق أو على صعيد ضعف الموقف الأمريكى أو على صعيد تصاعد المد الايرانى فإنها تطرح معالم استراتيجية هامة يمكن تلخيصها فى التالى:<BR>أولا:أن العربية السعودية تحولت بهذه التصريحات من متهم من قبل أمريكا إلى متهم لأمريكا وبامتلاك الأدلة، وفى ذلك تطور استراتيجي هام يشير إلى أن السياسية السعودية بدأت تستعيد عافيتها الاستراتيجية.<BR>ثانيا:أنها دخول على محاولة التوافق الايرانى الأمريكى وإعلان بان السعودية لن تقبل بتقاسم المصالح بين الولايات المتحدة وإيران على حساب مصالحها الاستراتيجية وان السعودية يمكن لها التدخل على صعيد الوضع فى العراق وعلى صعيد الملف النووى الايرانى وأنها لا تعتبر ما يجرى على صعيد القضيتين أمر خاضع للمصالح الأمريكية والإيرانية فقط.<BR>ثالثا:إنها رسالة واضحة لإيران بان غياب العراق عن المواجهة مع إيران لا يعنى غياب الدور العربى وان السعودية تمثل طرفا فاعلا فى مواجهة نمو المصالح الإيرانية فى المنطقة.<BR>رابعا:أن السعودية تمتلك تصورا استراتيجيا لاحتمالات تطور الأوضاع فى العراق، وأنها وغيرها سيتدخل فى حالة التقسيم.<BR>خامسا:أن السعودية لا تتحدث فى شان العراق باسمها وحدها وإنما هى تقول رؤية لأطراف عربية.<BR>سادسا:أن السعودية تدخل على خط الصراع الجارى داخل الولايات المتحدة حول اتجاهات الخروج من المأزق العراقى، معززة التيار الذى يحاول الخروج من المأزق عن طريق آليات دولية وعربية وبمراعاة مصالح جميع الأطراف، لا عن طريق تفجير الوضع الداخلى أو تفجير الوضع الاقليمى.<BR>سابعا:أن المعطى الخاص بالعراق وتقسيمه أو تفجيره بات يمثل معطى داخلى لدى أطراف فى المنطقة وان الخطة الأمريكية لإعادة تقسيم المنطقة بات هناك وعى بها ورغبة وقدرة على التصدى لها.<BR></P><br>