ندوة المسلم: تأثير الأحداث في فرنسا على أوضاع المسلمين
8 شوال 1426

فجرت أحداث فرنسا التي جرت على خلفية ملاحقة الشرطة الفرنسية لمراهقين شابين ما أدى إلى موتهما صعقاً بالكهرباء لدى هربهما ودخولهما في مكان للجهد العالي غير آمن بحسب المصادر الفرنسية أو تحت تأثير التعذيب الكهربي بحسب مصادر عربية, وإلقاء قنبلة على مسجد بلال من قبل الشرطة الفرنسية, غضباً هائلاً في أوساط المهاجرين المنحدرين في معظمهم من منطقة الشمال الإفريقي وغالبهم من المسلمين, والذين يقطنون ضواحي باريس. <BR>امتدت حوادث العنف لتشمل بلدات إقليمية كبيرة مثل بوردو وستراسبورج وبو ورين وتولوز وليل إضافة إلى ضواحي باريس التي اشتعلت فيها الشرارة الأولى للأحداث , وبلغت الحصيلة الأولية لأعمال العنف إحراق نحو 3500 سيارة والإضرار بالعشرات من المحال التجارية وغيرها, وبدا رد الفعل أكبر كثيراً من الفعل, بما يشي بأن ثمة احتقان كبير يعتمل في نفوس المهاجرين أخرجته هذه الأحداث ليظهر انقساماً جزئياً داخل المجتمع الفرنسي بين سكانه الأصليين والمهاجرين. <BR>"المسلم" سأل عدداً من الخبراء والمحللين حول هذه القضية من خلال ندوة "تأثير الأحداث في فرنسا على أوضاع المسلمين", هم الأساتذة طلعت رميح رئيس تحرير سلسة استراتيجيات, ومحمد المختار الشنقيطي مسؤول العلاقات الخارجية بالمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان, وخالد يوسف رئيس قسم الشؤون الخارجية بمجلة الموقف العربي, حسن السرات الكاتب والباحث المغربي, وعبد الحق بوقلقول الكاتب الجزائري, وفيما يلي نصها:<BR><BR>· <font color="#0000ff">بداية أ.خالد هل تتفقون مع القول بأن رد الفعل هو علامة تهافت مبدأ "المساواة" أحد الركائز الأساسية التي قامت على أساسها الثورة الفرنسية؟ </font><BR>· حتى لا يكون الكلام مساهمة في تضليل الوعي العربي والإسلامي ، لابد من توضيح حقيقة تاريخية مفادها أن ما طرحته الثورة الفرنسية من شعارات الحرية والإخاء والمساواة ، كان يخاطب فرنسا في لحظة تاريخية محددة يقف الإقطاع فيها عقبة في طريق التطور الرأسمالي الصناعي ـ الضروري لطموحات فرنسا الإمبراطورية الاستعمارية ـ ولهذا فلم تنعكس هذه الشعارات على سياسة فرنسا الاستعمارية سواء في البلدان العربية أو الإفريقية أو الأسيوية ، بل أن الاستعمار الفرنسي كان من أشد أنواع الاستعمار بطشا وقسوة ، ومثلى الجزائر وفيتنام ما يزالان شهودا على ذلك ، فإذا أضفت التاريخ الأسود للاحتلال الفرنسي في تجارة العبيد ، يمكنك أن تقول بمنتهى الثقة أن الإنسان الذي يطرحون شعاراتهم له هو الفرنسي ، والرجل الأبيض على أقصى تقدير ، وليس هذا وقفا على فرنسا ، بل هو سمة مميزة للحضارة المادية الغربية بكافة مدارسها وتمثلاتها ، وتأتى الأحداث الأخيرة لتثبت للغافلين والمتغافلين والمتغربين ، وأنصار اللجوء إلى الأجنبي وموالاته ، أنه لم يعد هناك مساحة للتنطع على أرصفة حضارات لا تعتبرهم بشرا ، حتى ولو حملوا جنسيات بلدانها .<BR><BR>· <font color="#0000ff">إذا كان التهميش حقيقة غالبة,أ.محمد ,لا يمكن القفز عليها بالنسبة للمهاجرين من أصول إفريقية شمالية كانت أم غير ذلك؛ فكم يبلغ تأثير الاضطهاد الديني من هذا السلوك مقارنة بالاضطهاد والتهميش العرقي؟</font><BR>تهميش المسلمين والمهاجرين غير الأوربيين في فرنسا والتحيز ضدهم أمر مركب، فهو ديني ثقافي في جانب منه، وسياسي اجتماعي في جانب آخر. فحظر الحجاب في فرنسا كشف عن جانبه الديني والقيمي. وأعمال السطو وحرق منازل المهاجرين في الشهور القليلة الماضية كشف عن جانبه الاجتماعي والسياسي. وأسوأ أنواع التحيز الديني هو ما عمد إليه شيراك في خطابه يوم 17/12/2003 الذي مهد به لحظر الحجاب، فميز بين الرموز الدينية، وصنفها إلى قسمين: فوصف الحجاب بأنه ostensible وهذا نعت في اللغة الفرنسية محمل بالمعاني السلبية، ومن معانيه "مزعوم" و"زائف" و"متفاخر" و"متباه" و"مولع بالتفاخر والتباهي".. إلخ، وهو يريد بذلك أن يسبغ كل المعاني السلبية على الحجاب، لكي يبرر الاعتداء على حرية الفتاة المسلمة. وأما الصليب فوصفه شيراك في خطابه بأنه discret وهي كلمة ذات مدلولات كثيرة كلها إيجابية في هذا السياق، ومن ترجمات هذه الكلمة "متحفظ" و"عاقل" و"حكيم" و"كتوم" و"حذر" و"فطن" و"غير ملفت للنظر"... إلخ، والغاية من استخدام هذا الوصف للصليب وذاك الوصف للحجاب هي إبقاء الصليب في المدرسة وحظر الحجاب فيها، وهو ما حدث بالفعل. وجاء خطاب شياك يومذاك مشحونا بهاجس الدفاع عن قيم المجتمع الفرنسي الدينية والاجتماعية، أكثر من اهتمامه بحماية العلمانية أو الديمقراطية. فقد وردت في الخطاب كلمة "القيم" 14 مرة، منها أربع بصيغة "قيمنا"، كما وردت ألفاظ أخرى كثيرة مرادفة أو مقارِبة. هذا إلى الجمل الأخرى العديدة المعبرة عن هذا المعنى، مثل دعوته إلى ضرورة "اكتشاف أصالة ورفعة ثقافتنا الفرنسية ونموذجنا الفرنسي باعتزاز"، وتحذيره من أن "تفقد فرنسا ميراثها، وتعرض نفسها للخطر، بل تفقد روحها وخلاصها". وقد عبر جاك شيراك قبل أن يصبح رئيسا عن تحيزه ضد الإسلام، وازدرائه للمسلمين وثقافتهم وعاداتهم وحياتهم الاجتماعية عموما، ومن أمثلة ذلك حديثه باحتقار يوم 19/6/1991 عن الأسر المسلمة في فرنسا و"وفرة أبنائها" و"ضجيجها" وحتى "الروائح" المنبعثة منها حسب تعبيره. وتصريحه بأن فرنسا ليست لديها مشكلة مع المهاجرين الأسبان أو البرتغاليين، إنما مع المهاجرين "المسلمين والسود"!! فلسنا نستغرب أن تشتعل نار الفتنة الطائفية في فرنسا، وهي محكومة بقيادة عنصرية متحيزة ضد المسلمين وضد السود من مواطنيها. إن ما يحتاج أن يدركه الفرنسيون اليوم هو أن الإسلام في فرنسا لم يعد ظاهرة مهاجرة، بل هو عقيدة يدين بها عشر الفرنسيين وخمس البشرية، وليس أمام الدولة الفرنسية سوى أحد خيارين، القبول بالإسلام جزءا من ثقافة فرنسا وقيمها، وبالمسلمين جزءا من نسيج المجتمع الفرنسي، أو اضطهاد الإسلام والتمييز ضد المسلمين، وتحمل مسؤولية ذلك ونتائجه. كما يحتاج الفرنسيون إلى إدراك أمر آخر لا يقل أهمية، وهو أن المرء قد يعجب بأفكار "روسو" و"مونتسكيو"، وقد يتذوق أشعار "شاتوبريان" و"هيغو"، دون أن ينسلخ من جلده أو حتى يحسر عن رأسه. وأن من كانوا مصابين بمركب النقص تجاه الثقافة الفرنسية لم يعودوا كذلك، فقد رضعوا لبان الثقافة الفرنسية وأدركوا نسبيتها، وعرفوا ما يأخذون منها وما يذرون. لقد أصبح ابن المستعمرة والمهاجر الأمي مواطنا وإنسانا متعلما، يحترم ذاته ويؤمن بدينه وقيمه الخاصة. وليس أمام فرنسا من خيار سوى القبول بذلك.<BR><BR>· <font color="#0000ff">أ.عبد الحق, كثيراً ما نتهم غيرنا باضطهادنا وتهميشنا وبعض العتب ربما يكون من نصيبنا, فبرأيكم كيف تفسرون هذا الحجم الهائل من التخريب الذي واكب احتجاجات الغاضبين؟</font><BR>السلام عليكم و رحمة الله، بداية أشكر إدارة موقع المسلم الرائد على إتاحتها لنا هذه الفرصة لنتمكن من الإدلاء برأينا فيما يتعلق بهذا الموضوع التي بات يحتل صدارة كل الصحف و عناوين الأخبار العالمية بالعودة إلى الطبيعة التنافرية الخطيرة التي ظهرت عليها المواجهة بين ممثلي السلطة الفرنسية و نعني بهم هنا رجال البوليس و قوات مكافحة أحداث الشغب من جهة و بين هؤلاء الشبان المتذمرين من سوء أحوالهم المعيشية و الذين هم في غالبيتهم من المسلمين، مع الأسف، من الجهة المقابلة.<BR>أولا أعتقد أننا حقا مثلما تفضلتم نحبذ دوما تعليق فشلنا بالآخرين و هذه ظاهرة آخذة في الالتصاق بنا و لكننا أيضا، ملزمون على تحرير الحوادث التي تشهدها فرنسا من هذا الارتباط الخطير في توجهات الكتابات الحالية بين الإسلام كدين و ثقافة و سلوكيات تمنع إلحاق الأذى هكذا من غير وجه حق بالآخرين مهما كانت انتماءاتهم و أفكارهم و بين دوافع و تصرفات هؤلاء الشباب الذين هم معرض حديثنا.<BR>إن ما يحدث في فرنسا في تقديري هو شأن داخلي بالأساس مما يعني أنه نتيجة لسلسلة من الأخطاء في السياسة الداخلية لهذا البلد تجاه شريحة هامة من مواطنيه و ساكني رقعته الإقليمية بما يعني أنه لا يحق لنا أن نساهم بسذاجة في الربط بين هذه المواجهات الخطرة على مستقبل علاقات الإسلام بالمجتمعات الغربية و لا أقول الغرب لأن العلاقة بين المسلمين و الغربيين ليست دائما على نفس تلك المواقف المتحيزة التي تبديها الأنظمة و النخب السياسية الحاكمة في الغرب تجاه عموم قضايا المسلمين و لعل في النسب المرتفعة لتوجهات الرأي العام المتعاطفة مع قضايانا خير دليل على ما أعنيه.<BR>هذا يقودنا إلى القول بأن حجم التخريب الهائل الذي أثرتموه في سؤالكم مرده حجم الظلم الذي يرى هؤلاء الشبان أنهم يقعون تحت طائلته على الرغم من أن الأمانة تقتضي منا الاعتراف بأن ما يتعرضون له من ممارسات تمييز و احتقار هي في الواقع لا تعبر إلا عن تلك الترسبات التاريخية من النزعة الاستعلائية الاستعمارية التي يبدو و أنها ما تزال تسكن عقلية أهل السياسة في فرنسا على عكس ما يظن بعض المنبهرين بمظاهر التحرر و العدالة اللتين لا تعدوان أن تكونا مع الأسف مجرد ديكورات قابلة للسقوط عند أول خطب.<BR>بقي فقط أن أقول، أن إصرار السلطات الفرنسية على التأكيد بأن ما يقع هو أمر منظم و مدبر لا يعدو أن يكون في رأيي محاولة مكشوفة هدفها تحويل القضية عن أبعادها الاقتصادية و الاجتماعية و جعلها ذات طابع سياسي حتى و إن كنت لا أنفي أنه من الممكن جدا أن تجد بعض "العصابات المنظمة" الفرصة مواتية جدا لكي تحاول صب المزيد من الزيت على هذه النار الملتهبة بالنظر إلى أن هذه التنظيمات الإجرامية تحبذ سيادة منطق القوة وترهيب الناس. <BR><BR>· <font color="#0000ff">وهل تعود هذه الثقافة العنيفة في نظركم للطبيعة الثائرة لدول المغرب العربي عموماً والجزائر خصوصاً؟</font><BR>و قد يكون مرده الطبيعة القاسية لتعامل الأجهزة الأمنية في فرنسا مع هؤلاء الثائرين المتذمرين. إن بريطانيا هي الأخرى تستضيف فوق ترابها عشرات الآلاف من المهاجرين الذين هم من هذه الأصول و لكننا لم نسمع يوما بأن هنالك مشكلات تعانيها هذه الجاليات كتلك التي تقع في فرنسا. هنالك إيطاليا أيضا حتى و إن كان الطليان غير بعيدين جدا عن منطق التفكير الفرنسي.<BR>إن المشكلة مردها فشل حكومات فرنسا المتعاقبة من أن تجعل الشعار الذي قامت عليه ثورتها "حرية-مساواة-أخوة" واقعا معيشا بدل تركه هكذا منذ أكثر من قرنين من الزمان مجرد ترف فكري تنظيري لا يتحقق أو لا يراد له أن يتحقق بتعبير أدق. <BR>صحيح جدا أن عموم المغاربة و الجزائريين من بينهم على وجه أخص هم أناس أهل ثورة و حمية متقدة و لكن ما يقع بالأساس ليس إلا تحصيل حاصل لجملة من التراكمات التي أفرزتها العقلية الفرنسية التي تأبى أن تعامل الناس وفق منطق أنهم جميعا بشر يحق لكل واحد منهم ما يحق لغيره. <BR><BR>· <font color="#0000ff">تترافق هذه الغضبة الباريسية للفقراء مع غضبة مقابلة في الأرجنتين واحتجاجات وأعمال عنف أيضاً تزامنت مع قمة الأمريكتين التي اختتمت يوم السبت الماضي, كيف يمكننا استخلاص قاسم مشترك بين الغضبتين أ.حسن؟</font><BR>الغضبتان معا صدرتا عن مواطنين من العالم الذي تصفه الدوائر الغربية المتحكمة في المال والسياسة والإعلام وصناعة الحروب، بالعالم الثالث، فهي إذن غضبة هنا وهناك تحمل مستوى عاليا من المخزون النفسي المتوتر الرافض للتهميش والإقصاء والاستغلال، بل والمتاجرة السياسية الانتخابية لدى الجهات النافذة المهيمنة. فالأمريكيون اللاتينيون وجدوها فرصة سانحة للتعبير عن رفضهم واستهجانهم للسياسة الاستكبارية الظالمة للولايات المتحدة الأمريكية في شخص أكبر رمز لها وأعلاه وهو رئيس البيت الأبيض جورج بوش الابن، وغير خاف على أحد أن واشنطن تعتبر أمريكا اللاتينية مجالا من مجالات نفوذها وهيمنتها بحيث تنصب من تشاء وتعزل من تشاء بالقوة أو بالانقلاب أو حتى بالتحايل الانتخابي وتسخير نفوذها الديني والمالي المتلازمين، فكيف لا ينتفض الذين يشعرون بالإهانة والاحتقار والاستغلال الماكر. في فرنسا، ظل التهميش والإقصاء سياسة متتابعة في عهود اليمين واليسار معا، في عهد فاليري جيسكار ديستان اليميني الذي يرفض حاليا انضمام تركيا وتعديل قانون العلمانية لعام 1905 ، وفي عهد الراحل فرانسوا ميتران الاشتراكي الذي كان أول من رفض وجود دولة مسلمة في البوسنة والهرسك، وأيضا في عهد الرئيس الحالي شيراك صاحب قانون منع الحجاب والتصريح الشهير في تونس بأن الحجاب يهدد العلمانية. وقد اعترف وزير الداخلية نيكولا ساركوزي نفسه بأن الاحتقان والتهميش ظل مخفيا عن الأنظار دون علاج حقيقي منذ ثلاثين عاما، لكنه اعتراف يرفع به الملام عن نفسه وفقط، ويلقيه على الآخرين لأغراض انتخابية وطموحات شخصية لم تعد خافية على أحد. ويجب أن لا ننسى أن ساركوزي، وإن كان له دور كبير في تنظيم الهيئات الإسلامية الفرنسية، ولكن عمله هذا يندرج ضمن أجندته السياسية الانتخابية في أفق انتخابات الرئاسة لعام 2007، ثم إنه لم يستطع تجاوز الخطوط الحمراء وكان من الذين دافعوا عن قانون منع الحجاب رغم وعود أعطاها لمسلمي فرنسا أثناء لقاءاته بالهيئات الإسلامية. الآن، مع مرور الوقت، واقتراب ساعة الكشف عن الأغراض الحقيقية، أدرك شباب الضواحي الفرنسيون أنهم ليسوا سوى بطاقات ,أوراق انتخابية ليس إلا، وأن وزير الداخلية كشف عن المستور والمحجوب بعظمة لسانه، كما كشفت عظمة لسان بوش عن عواطفه الحقيقية تجاه العالم الإسلامي.<BR>· إذا كانت المافيا في فرنسا هي إحدى المتهمات بتصعيد الأمور على هذا النحو, فهل تعتقدون أن المافيا في أوربا عموماً وفرنسا خصوصاً قد بلغت شأواً يمكنها من الحضور كلاعب له تأثيره في السياسة الأوربية,لاسيما فرنسا أستاذ طلعت؟ <BR>قضية اتهام المافيا هذه تذكرني دوما بأساليب العالم الثالث إذا جازت التسمية باختراع أسباب للترويج الإعلامي لحرف أنظار المتابعين عن الأسباب الحقيقية وكذا لعدم إدانة النفس باعتبار أن الأشرار في الدنيا هم السبب في الأحداث ،وكذا لتخويف المشاركين في الحدث بأنهم يتحركون مع المافيا وأدوات لها .<BR>كما أن فكرة أن المافيا مسيطرة في فرنسا إلى هذه الدرجة أمر يدين المجتمع الفرنسي بمجمله ويحوله إلى دولة من دول أمريكا اللاتينية حتى وان كان محاولة من الحكومة الحالية في فرنسا للادعاء بأنها ليست مسئولة وحدها وإنما هي ورثت هذا الأمر من غيرها من الحكومات .كما هو يظهر كم اهتزت أركان الحكم الحالية في فرنسا من هذا الحدث إلى درجة باتت تشوه فرنسا لإنقاذ النفس.<BR>وعلى اى الأحوال فان أحدا لا يمكنه بالمقابل أن لا يرى كيف تعانى المجتمعات الأوروبية من ظواهر سيطرة المافيا على الكثير من السياسات ،بل إن البعض يصف سيطرة المحافظين الجدد على السلطة في الولايات المتحدة وإدارتها للحكومة العميلة فى العراق بأنها عملية جرت وفق قواعد عمل المافيا .<BR>إلا أن ما يهمنا هنا هو أن الحديث الرسمي الفرنسي عن دور المافيا في صناعة الحدث الجاري هناك هو محاولة خطيرة لتشويه الوجود الإسلامي والعربي في فرنسا وهو كذلك محاولة لخوض معركة ضد هذا الوجود على قاعدة إدانة للعرب والمسلمين وهو محاولة لإبعاد الوجه العنصري الذي يجرى على أساسه التعامل مع الوجود العربي والإسلامي في فرنسا .<BR>وفى كل الأحوال فان ذلك يظهر أن الحكم في فرنسا سيعالج القضية على أساس من القمع والترويع.<BR><BR><BR>· <font color="#0000ff">أ.محمد هناك من سيجير هذا الغضب الثائر بوجه التهميش الاقتصادي وغيره باتجاه "التطرف" و"الإرهاب" الإسلامي, إلى أي مدى ترون تأثير ذلك على أوضاع المسلمين في فرنسا؟</font><BR>يتوقف التأثير على طريقة تعاطي المسلمين الفرنسيين مع الأمر، ومع قضية التحيز ضدهم بشكل عام. فالمسلمون الفرنسيون لا بد أن يدركوا أن عصر الحرية المجانية في الغرب قد ولى، فلم يعد كافيا الانزواء عن التيار الاجتماعي ونسيان الشأن العام، وترك الآخرين يناضلون من أجل الحريات العامة نيابة عنهم، ثم ينعمون هم بثمرات نضال أولئك وتضحياتهم. فالوجود الإسلامي في الغرب يتسع، وردة الفعل السلبية تجاهه تتصاعد، تغذيها مواريث الماضي المترسبة في أعماق النفوس، وانتهازية تجار الحروب ومثيري الفتن وصراع الحضارات في كل عصر. وهذا التحدي يستلزم من المسلمين الغربيين بشكل عام – والفرنسيين بشكل خاص- استجابة على مستواه، تتمثل في الانخراط في العمل السياسي، وإسماع صوتهم، والنضال من أجل الحريات العامة والحقوق المدنية، وتحدي كل القوانين والمواقف المتحيزة ضدهم. فإذا أفرز المسلمون في فرنسا قيادة واعية بتحديات الواقع، مدركة لمسؤوياتها، متحررة من مركب النقص القديم، متمرسة بوسائل العمل المدني، فإن هذه الأحداث ستكون فاتحة خير وصحوة في الجالية المسلمة وفي المجتمع الفرنسي نفسه، حول إشكالات وتراكمات من العنصرية والتحيز آن أوان حلها.. وإن لم تنجح الأقلية المسلمة في ذلك، وظلت قيادتها قاصرة على إصدار "الفتاوى" حول وقف الاحتجاجات، دون تقديم بديل ودون دفع مطالب الشباب المسلمين بقوة إلى المسرح السياسي.. فربما تنفلت الأمور – لا قدر الله- وتتحول إلى فوضى وأعمال عنف غير منضبطة بحكمة السياسة وسيادة القانون، تستغلها الجهات التي يسوؤها أن ترى الإسلام ينمو ويزدهر في سلام بقلب أوربا، وتتحول إلى تضييق ومحاصرة للوجود الإسلامي النامي في أوربا وفي الغرب كله. وعسى أن تكون تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ليوني جوسبين في صحيفة "لموند" الفرنسية اليوم حول ضرورة "الابتعاد عن المواجهة" واعتماد "سياسات اجتماعية شاملة" لحل الأزمة، بداية صحوة الضمير الفرنسي حول محنة المسلمين والمهاجرين قبل فوات الأوان.<BR><BR> · بعد حملة تقليم الأظافر التي قامت بها بريطانيا أو بالأحرى التي تحاول أن تنجزها الحكومة البريطانية, هل تعتقدون أ.طلعت أن ثمة يداً خفية ربما نفخت نارها في الأحداث بهدف لجم وتقليص بعض حريات المسلمين في فرنسا أو تقليص نشاطاتهم وفقاً لمبدأ "الإسلام الفرنسي"؟ <BR>هذا هو بيت القصيد فيما يجرى ،وارى انه قد حان الوقت لإدراك عدة أمور :أولها أن أجهزة الدول باتت تدير المجتمعات بأساليب كانت سابقا حكرا على العمل الشعبي ،حيث يجرى تأجيج المشاعر تجاه بعض القضايا وإيصال الأمور إلى حالة واسعة من العنف الذي يمكن السيطرة عليه ،لتحقيق أهداف داخل المجتمع .وبالمناسبة فان هذا هو جهور نظرية الفوضى الخلاقة التي تعتمدها الولايات المتحدة .<BR>وثانيها أن ندرك كيف أن من يمتلك خطة استراتيجية فان بامكانه أن يدفع الآخر إلى تحقيق أهدافه وهو لا يدرى ،كما هو الحال في التكتيك العسكري المشهور من حصار الخصم وفتح طريق واحد أمامه للحركة أو الانسحاب يكون هو الاتجاه الذي يزيد مآزقه ولا يفك حصاره ويجعله في حالة صراع بين الهلاك أو الاستسلام.<BR>وثالثها ،أننا يجب أن ندرك مدى الانزعاج الذي يعيشه الغرب من نمو الوجود الإسلامي في داخل مجتمعاته وانه مستعد لارتكاب أفعال وجرائم تفوق كل تصور حيث تتناقص أعداد المواطنين الغربيين بما يجعل النمو الإسلامي أمرا مؤثرا على المجتمعات الغربية المغرقة في العنصرية ،وبما يهدد "النقاء العرقي " الذي يحرصون عليه .<BR>· <BR>· <font color="#0000ff">هل تتوقعون أ. خالد نمواً كبيراً لليمين المتطرف في أوربا وبخاصة في فرنسا بعد هذه الأحداث وبعد مطالبة أحزاب اليمين الفرنسي بإعلان حالة الطوارئ في باريس؟</font><BR>إعلان حالة الطوارئ سيحدث حتى ولو لم يطالب به اليمين المتطرف ، فالتعاملات الأمنية مع الأحداث لا يمكن أن تؤدى إلا إلى تفاقمها ، وأحب أن أجلى منطقة التباس كثيرا ما تؤدى بنا إلى سوء تقدير للمواقف الأوروبية ، وهى أن المجتمعات الأوروبية بل والحضارات المادية عموما ، لم يعد فيها يمين ويسار بالمعنى المعروف تاريخيا لهذه المصطلحات ، وقد أدى انتهاء الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب في المنظومة المادية ، إلى إنشاء إطار فكرى وأيديولوجي جديد للصراع ، لا يتمثل فيه يمين ويسار بالمعنى التاريخي ، وإن لم يلغى هذا وجود حركات محاصرة وغير قادرة على تجاوز حدود معينة للتأثير لتناقض دعوتها مع المصالح المادية الاستعمارية القائمة على استغلال الدول والشعوب الفقيرة والمتخلفة ، وبالتالي فإن نمو اليمين في المرحلة القادمة يكاد يكون مجزوما به بصرف النظر عن وقوع هذه الأحداث الأخير .. وقد يوضح هذا النمو السريع في السنوات العشر الأخيرة لجميع الحركات والأحزاب والدعاوى العنصرية في أوروبا .. لوبن في فرنسا .. والنازيون الجدد ..الخ .<BR><BR>· <font color="#0000ff">هل يمكن أن تؤثر أحداث باريس والضواحي على مستقبل مباحثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ؟</font><BR>لا شك في أن محادثات انضمام تركيا إلى النادي الأوروبي المسيحي هي عملية معقدة ، تحمل في داخلها كل متناقضات الوضع الأوروبي الداخلية ، وتناقضات الأطماع الأمريكية والأوروبية ، وتناقضات الدولة التركية ، وهى لتضمنها كل هذه المتناقضات شديدة الحساسية والتأثر بكل الأحداث الساخنة على ساحة الحرب العالمية الثالثة التي يشنها الغرب الاستعماري بقيادة أمريكا ، ضد العدو الجديد ـ أو لإعادة توزيع الغنيمة ـ وفقا لموازين القوى الجديدة بين المنظومة الاستعمارية ، وسوف تتعالى الأصوات المعروفة في فرنسا والنمسا وهولندا وإنجلترا مطالبة بعدم إدخال سبعون مليون مسلم إلى النسيج الأوروبي ، وسوف يستغل مؤيدو انضمام تركيا للاتحاد هذه الأحداث للضغط على تركيا بمزيد من الشروط خاصة يما يخص التعامل مع الدين وقوانين المواريث والزواج ، لإدخال تركيا فيما يسميه شيراك " بالثورة الثقافية " والتي يستهدف منها إخضاع المسلم التركي للمقاييس الأوروبية في كافة مناحي الحياة ، إنهم عازمون على أن يكون انضمام تركيا ـ إذا ما حدث ـ اختراقا استراتيجيا لما يسمونه " الخطر الإسلامي " وإلا لن يسمح لها بالدخول ، ومقارنة بسيطة بين ظروف الدول الشرق أوروبية العشر التي انضمت أخيرا ، والشروط التي طبقت عليها ، وظروف وشروط انضمام تركيا ، تعطى ما خلصنا إليه دون أدنى شك<BR><BR>· <font color="#0000ff">ماذا يعني برأيك أ.حسن وجود نحو 700 منطقة تهميش في فرنسا وحدها بالنظر إجمالاً إلى الفكرة الرأسمالية ومبدأ العولمة التي تؤمن به الدول الغربية بما فيها فرنسا؟</font><BR>ذلك يعني أن الرأسمالية المعولمة أو العولمة الرأسمالية لت تفكر إطلاقا في الآخرين ولا يهمها حالهم ومآلهم. طبع لأنها رأسمالية عقلانية باردة العواطف تؤمن بأنها أوتيت مالا وقوة من عند ذاتها وعلى علم عندها، مثل قول قارون (قال إنما أوتيته على علم عندي). عموم الناس عند الرأسمالية الغربية ذات الأصول البروتسنتاتية مجرد تروس في معمل كبير، فمن لم ينتج استهلك أو تعرض للإبادة المادية أو المعنوية. وإذا كانت فرنسا قد تذكرت الآن أن لديها وحدها حوالي 700 منطقة تهميش، فلنقم بعملية حسابية بسيطة لإدراك حجم مناطق التهميش في العالم الأول والثاني، فكيف بالعالم الثالث، إذا استخدمنا التصنيفات المعتمدة لديهم. ألا تعبر موجات الهجرة من أفريقيا نحو أوروبا في قوارب الموت ومن أمريكا اللاتينية إلى أمريكا الشمالية تعبيرا صارخا على سياسات التهميش المنطلقة من عواصم المال والسياسة في الغرب تجاه باقي دول العالم. فالعولمة تعني الآن عولمة الغنى والفقر معا بحيث يزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا، وهذا ما تؤكده الأيام والوقائع والإحصائيات التي يشهد بها العقلاء والمنصفون لديهم.<BR><BR><BR><br>